النحاس يلغي معاهدة 1936 واتفاقيتي 1899 في 8 اكتوبر 1951 أعلن رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس أمام مجلسي البرلمان أنه قد أصبح من المستحيل على مصر أن تصبر أكثر مما صبرت، وأنه ما دام السعي المتواصل لتحقيق مطالب البلاد عن طريق الاتفاق قد ثبت فشله، فقد آن الأوان للحكومة المصرية لأن تفي بالوعد الذي قطعته في خطاب العرش في 16 نوفمبر 1950 وتتخذ على الفور الإجراءات اللازمة لإلغاء معاهدة سنة 1936 واتفاقيتي سنة 1899 بشأن إدارة السودان. لهذه الغاية وضع النحاس أمام مجلسي البرلمان مشروعات قوانين تقضي بإلغاء معاهدة سنة 1936 واتفاقيتي سنة 1899، وبأن يُلقب الملك فاروق بلقب «ملك مصر والسودان»، وبأن يكون للسودان دستور ونظام حكم خاص.
أمريكا تنتقد بيان 8 اكتوبر 1951 انتقد وزير الخارجية الأمريكي دين أشيسون في 10 أكتوبر 1951 إلغاء مصر لمعاهدة سنة 1936 واتفاقيتي سنة 1899 لأن الاحترام الواجب للالتزامات الدولية يقضي بأن يكون تعديل هذه الالتزامات باتفاق متبادل وليس بعمل انفرادي يقوم به أحد الطرفين. وحث أشيسون الحكومة المصرية على إرجاء الخطوة التي اتخذتها من جانب واحد فقط لإلغاء معاهدة سنة 1936 وطلب إليها أن تنتظر مقترحات جديدة ستعرض عليها خلال الأيام القادمة. وكشف أشيسون النقاب عن أن الحكومة المصرية كانت تعلم عندما أعلنت في 8 أكتوبر 1951 إلغاء المعاهدة والاتفاقيتين أن دول الحلف الغربي بصدد تقديم مقترحات جديدة من شأنها حسم النزاع. وفي الواقع فقد نقل السفير البريطاني في القاهرة المقترحات المشتركة بشأن القيادة المتحالفة للشرق الأوسط إلى الملك فاروق في 24 سبتبمر 1951 بشكل غير رسمي. كما نقلها أيضاً بشكل غير رسمي إلى وزير الخارجية المصري محمد صلاح الدين في 28 سبتمبر 1951.
المقترحات الرباعية بشأن الدفاع قدمت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا للحكومة المصرية في 13 أكتوبر 1951 مقترحات لإنشاء قيادة متحالفة للدفاع عن الشرق الأوسط ضد العدوان الخارجي. وقد دعيت مصر للاشتراك في القيادة كعضو مؤسس وعلى قدم المساواة مع الدول الأربع. وقد ساقت المقترحات المبررات التالية لاشتراك مصر في القيادة المتحالفة: -1تنتمي مصر إلى العالم الحر، وتبعاً لذلك فالدفاع عنها وعن الشرق الأوسط عموماً أمر حيوي لها وللدول الديمقراطية الأخرى على السواء. -2لا يمكن تأمين الدفاع عن مصر وعن الدول الأخرى في الشرق الأوسط ضد العدوان الخارجي إلا بالتعاون بين جميع الدول المعنية. -3لا يمكن الدفاع عن مصر إلا بالدفاع الفعال عن منطقة الشرق الأوسط وتنسيقه مع الدفاع عن المناطق المجاورة. ويمكن إجمال أبرز عناصر المقترحات الرباعية التي قُدمت إلى الحكومة المصرية في النقاط التالية: -1إذا قبلت مصر الاشتراك في القيادة المتحالفة فستتغاضى الحكومة البريطانية عن معاهدة 1936 وستسحب من مصر القوات البريطانية التي قد لا تخصص للقيادة المتحالفة. -2تقدم مصر في أراضيها للقيادة المتحالفة المقترحة التسهيلات الاستراتيجية والدفاعية لتنظيم الدفاع عن الشرق الأوسط في وقت السلم. -3تمنح مصر القوات المتحالفة كل التسهيلات اللازمة بما في ذلك استخدام الموانئ المصرية والمطارات ووسائل المواصلات في حالة وقوع حرب أو في حالة خطر الحرب الوشيك أو في حالة الأزمات الدولية الطارئة. -4تتحول القاعدة البريطانية في مصر إلى قاعدة متحالفة في إطار القيادة المتحالفة للشرق الأوسط. -5توافق مصر على إقامة مقر القائد الأعلى للقوات المتحالفة في أراضيها. -6تقدم الدول المتحالفة إلى مصر التسهيلات اللازمة لتدريب قواتها وتجهيزها. -7تُحدد مستقبلاً بالتشاور مع الدول المعنية علاقة القيادة المتحالفة للشرق الأوسط مع حلف شمال الأطلنطي.
المقترحات البريطانية بشأن السودان وفي 13 أكتوبر 1951 أيضاً قدم السفير البريطاني للحكومة المصرية مقترحات جديدة بشأن مسألة السودان. وعشية تقديم هذه المقترحات ولتفادي أي اتهام من القادة السودانيين (الإستقلاليين) بأن الحكومة البريطانية قد بتت بمقتضى هذه المقترحات في أمر السودان دون استشارة السودانيين، فقد طلبت وزارة الخارجية البريطانية من الحاكم العام أن يشرح للقادة السودانيين (الإستقلاليين) بصورة سرية طبيعة المقترحات وأن يبلغهم الآتي: أولاً: إن الحكومة البريطانية تعترف بأن تنفيذ أي من هذه المقترحات ينبغي أن يتوقف على مقبوليتها للسودانيين. ثانياً: إن المقترحات تضمن تطور السودانيين الحر والمنظم نحو الحكم الذاتي واختيارهم في نهاية الأمر لوضع بلادهم. طُرحت المقترحات البريطانية الجديدة بشأن السودان على أساس أن الحكومة البريطانية لا توافق على أن الدفاع عن الشرق الأوسط ومسألة السودان مرتبطتان، وباعتبار أن هذه المقترحات تمثل السبيل الوحيد لتقديم ضمانات كافية للمصالح المصرية في السودان. وعلى أية حال، فقد كانت المقترحات كما يلي: -1لجنة دولية تقيم في السودان لمراقبة التطورات الدستورية وتقديم المشورة لدولتي الحكم الثنائي. -2بيان إنجليزي-مصري بالمبادئ المشتركة بشأن السودان. -3ضمان دولي لاتفاقيات مياه النيل. -4إقامة سلطة لتنمية النيل بمساعدة البنك الدولي. -5تحديد موعد لبلوغ السودانيين الحكم الذاتي كخطوة أولى في طريق اختيار وضعهم النهائي. واقترحت الحكومة البريطانية في الملحق الأول للمقترحات أن يكون بيان المبادئ المشتركة كما يلي: -1بالنظر إلى اعتماد كل من مصر والسودان على مياه النيل، ولضمان أكمل التعاون في التوسع في كميات المياه الممكن الانتفاع بها وفي توزيعها، فمن الجوهري أن تربط الشعبين أوثق علاقات الصداقة. -2إن الهدف المشترك لمصر وبريطانيا هو أن تمكنا الشعب السوداني من بلوغ الحكم الذاتي الكامل في أقرب فرصة عملية، وأن يختار بعد ذلك بملء حريته شكل حكومته ومن نوع العلاقة مع مصر ما يحقق على أحسن وجه حاجاته القائمة حينذاك. -3بالنظر إلى الفوارق الواسعة بين السودانيين في الثقافة والجنس والدين والتطور السياسي، فإن بلوغ الحكم الذاتي الكامل يتطلب تعاون مصر والمملكة المتحدة مع السودانيين. -4لذلك تعتزم الحكومتان إنشاء لجنة دولية تقيم في السودان لمراقبة التطورات الدستورية هناك وتقديم المشورة لدولتي الحكم الثنائي. وقد اشترط الملحق الثاني للمقترحات موافقة السودانيين على إنشاء اللجنة الدولية. ونص على أن يتم تشكيلها بالتفاوض، وعلى أنها قد تضم دولتي الحكم الثنائي والولايات المتحدة إذا وافقت هاتان الدولتان على ذلك. ولا يستبعد الملحق الثاني اشتراك السودانيين في اللجنة الدولية. وجاء في الملحق الثاني للمقترحات أنه لا يحق للجنة الدولية التدخل في الإدارة اليومية للسودان. واقترح الملحق الثاني أن يتم الاتفاق على تحديد تاريخ الحكم الذاتي على أساس تقرير لجنة الدستور التي كانت تباشر مهامها آنذاك في السودان. وحري بالذكر أن الحكومة البريطانية لم تُفلح في إقناع الحكومة الأمريكية بتأييد سياستها بشأن السودان وتقديم المقترحات الجديدة بشأن السودان على أساس أنها مقترحات بريطانية-أمريكية مشتركة. ومع أن الحكومة الأمريكية لم تعترض على تقديم المقترحات الخاصة بالسودان على أساس أنها مسألة تخص بريطانيا ومصر، إلا أنه كان من رأيها أن هذه المقترحات ليست كافية لتحقيق مشاركة مصر في القيادة المتحالفة للشرق الأوسط. ربما لأنها لم تُضمن بأي صورة من الصور إقتراحاً حول إصدار تصريح علني فيما يتعلق بالوضع الدستوري والقانوني للتاج المصري في السودان. وقد أبلغت الحكومة الأمريكية سفيرها في القاهرة بأنها رأت أنه من الأفضل ألا يكون هناك أي ارتباط بينها وبين المقترحات البريطانية بشأن السودان. ولكن حتى لا يتسبب صمتها إزاء هذه المقترحات في أية صعوبات فيما يتعلق بمشروع القيادة المتحالفة للشرق الأوسط، فقد أمرت الحكومة الأمريكية سفيرها في القاهرة بأن يؤيد لدى الحكومة المصرية وجهة النظر البريطانية القائلة بأن مسألتي الدفاع والسودان منفصلتان، وأن يبلغ الحكومة المصرية بأن الحكومة البريطانية قد أطلعت الحكومة الأمريكية على المقترحات الخاصة بالسودان.
حكومة الوفد ترفض مقترحات الدفاع والسودان رفضت حكومة الوفد في 14 أكتوبر 1951 المقترحات الجديدة بشأن الدفاع والسودان جملة وتفصيلاً. فقد انتهى مجلس الوزراء إلى قرار مؤداه أن هذه المقترحات غير صالحة مطلقاً لأن تكون على الأقل تمهيداً لإجراء مباحثات جديدة للوصول إلى اتفاق جديد. أعقب ذلك تصديق الملك فاروق في 15 و16 و17 أكتوبر 1951 على التوالي على مشروعات القوانين التي أقرها البرلمان المصري بشأن إلغاء معاهدة سنة 1936 واتفاقيتي سنة 1899، وتقرير الوضع الدستوري للسودان وتعيين لقب الملك، ودستور ونظام حكم خاص بالسودان. ويلاحظ أنه بالرغم من أن حكومة الوفد أعلنت في 14 أكتوبر 1951 رفضها للمقترحات الجديدة بشأن مسألتي الدفاع والسودان، إلا أن الملك فاروق نقل إلى السفير البريطاني سراً في 15 أكتوبر 1951 عبر مستشاره أندراوس موقفاً مغايراً لموقف حكومة الوفد. فقد أخطر أندراوس السفير البريطاني بأن الملك يعتقد أن مقترحات الدفاع معقولة وإن كانت تحتاج إلى بعض التعديل. ولكنه -أي الملك- يرفض مقترحات السودان لأنها لا تتناول مسألة وضع التاج المصري في السودان. كما أخطر أندراوس السفير البريطاني بأن الملك يرى أنه إذا كان من الممكن تقديم صيغة تحقق لمصر إرضاءً عاطفياً فيما يتعلق بمسألة التاج فلن تكون هناك صعوبة في التوصل إلى اتفاق. وفي سبيل ذلك وعد الملك فاروق باستبدال وزير الخارجية محمد صلاح الدين بشخص معقول أو إقالة حكومة الوفد كلها إذا تعذر تغيير محمد صلاح الدين. ويبدو من مقابلات أجرتها السفارة البريطانية في القاهرة مع ثلاثة رؤساء وزراء سابقين هم علي ماهر وإبراهيم عبدالهادي وحسين سري ووزير سابق هو أحمد نجيب الهلالي أنهم كانوا جميعاً يؤيدون تغيير حكومة الوفد. ففي مقابلة تمت في 17 ديسمبر 1951 أبلغ علي ماهر الوزير المفوض بالسفارة البريطانية لكريسويل أن الملك فاروق عرض عليه مؤخراً تشكيل حكومة تخلف حكومة الوفد وأنه -أي علي ماهر- سيفعل ذلك عندما يحين الوقت. وإزاء المقترحات البريطانية بشأن السودان، أبدى علي ماهر لكريسويل موافقته على اقتراح اللجنة الدولية الاستشارية ولكنه آثر أن تكون ثلاثية (مصرية-بريطانية-سودانية) وبدون مشاركة أمريكية. وعندما استفسر علي ماهر عن إمكانية الاعتراف بتلقيب فاروق «ملك مصر والسودان» خلال الفترة الانتقالية التي تسبق تقرير المصير، أجابه كريسويل بأنه سيكون مستحيلاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة