تلقيت من الصديق حامد فضل الله قبل بضعة أسابيع رسالة كتب فيها: "عندما يحضر زوار من السودان، كنت أقدم نفسي بالكامل: حامد فضل الله عبدالرحمن القرشي من مدينة المسلمية، واردف مداعبا بان أسرتي تنتمي الى قبيلة قريش" واختتم رسالته بالكلمات الطريفة الآتية: "فنحن من الجعليين العمران وقبيلة المسلمية هي أحدى بطون الجعليين. فأذن أنا قريشي حجازي وكنعاني عراقي و سوداني جعلي، وسوف أمارس مهنتي كطبيب يخفف الآلام والضيق وبل الريق بالحقنة والمحاية والسبحة والأبريق." تراسلت معه حول بعض ما جاء في تلك الرسالة ، وكتب ردا على سؤال لي حول أصل كلمة الجعلية موضحا: الجعليون عبارة عن مجموعة اثنية او حلف قبلي كبير وفضفاض يضم عددا كبيرا من القبائل الفرعية ... وهم يزعمون الانتماء للعباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون ان اسلافهم قد غادروا بغداد او العراق على اثر استيلاء التتار عليه في القرن الثالث عشر الميلادي ونزحوا الى مصر اولا حيث عاشوا في صعيد مصر ومنه ارتحلوا الى السودان" لا أتذكر تحديدا متى تعرفت على الصديق حامد فضل الله ، جمعتنا منذ أن تعارفنا الكثير من اللقاءات والجلسات والندوات والتجارب المشتركة التي تلاقت فيها همومنا قبل أن تتلاقى نشاطاتنا. تعرفت من خلال الكثير من النشاطات التي قام بها وشارك فيها والتي حالفني الحظ بمتابعتها أو المشاركة فيها ، على إنسان تتجسد فيه قيم الإنسانية بأسمى معانيها ، ومفكر ينبع فكره أساسا من هذه الإنسانية الأصيلة الكامنة فيه. إنسان رصين دمث الأخلاق ، ومفكر مهموم بهموم الوطن العربي والأوضاع المزرية التي تردى إليها ، ومهموم بهموم الإنسان المهاجر الذي يحمل وطنه داخله ويبحث في المهجر عن موطئ قدم له ولهذا الوطن داخله، عن مفهوم جديد للوطن يتجدد فيه هذا المفهوم ويتخطى حدود المكان . ومهموم أيضا ، وكان هذا ملتقانا ذهنيا وفكريا ومجال نشاطاتنا المشتركة في حوار الشرق والغرب ، بمشاكل التواصل مع الإنسان والمجتمع الألماني الذى جئنا إليه والتحمنا به ونهلنا من ثقافته ونما فيه وتشعب وعينا السياسي وصرنا جزءا من نسيجه الذي شاركنا في صنعه بما أضفنا إليه من عناصر تجديد وإثراء فكرية وثقافية ، وإنسانية في المقام الأول. شارك حامد فضل الله بشكل فعال في نشاطات حوار الشرق والغرب ، وكان له دور أساسي في تأطير القضايا المتعلقة بالإسلام في عصرنا الحديث والحوارات الفكرية الدائرة حوله ، وبفضل مبادراته وجهوده وعلاقاته الشخصية قمنا بإحياء العديد من الندوات حول هذا الموضوع ، كان من أهمها ندوتان للمفكر السوداني الكبير عبد الله النعيم. ولحامد فضل الله اهتمام متواصل بهذا الموضوع الحساس ، يتجلى أيضا في كتاباته الغزيرة فيه وفي تشعباته العديدة والتي نشر العديد منها في الحوار المتمدن ، أذكر منها هنا على سبيل المثال لا الحصر مقاله دفاعا عن منح جائزة ابن رشد للشيخ راشد الغنوشي عام ٢٠١٤. ولحامد فضل الله دور لا ينسى في تاريخ منتدى حوار الشرق والغرب ، فقد كان هذا المنتدى الذي ترك بصمات واضحة تذكر له حتى الآن قد أوقف نشاطاته مع نهاية عام ١٩٩٦ لأسباب عديدة كان من أهمها افتقاده لمقر دائم وبنية مؤسسية ثابتة ، إذ كانت الجهود الذاتية هي منطلق ودعامة نشاطاته لسنوات عديدة ، ولكن هذه النشاطات كانت تنمو باستمرار وتتشعب ، ووصل نموها إلى درجة أن استمرارها على هذا المستوى وبهذا الحجم لم يعد ممكنا إلا إذا توفرت لها بنية مؤسسية محترفة ، وكان الفشل في توفير هذه البنية هو السبب الأساس في توقف نشاطاته. ولكن حامد فضل الله كان رافضا لهذا التوقف ، ومصرا على الاستمرار، وإذا به بعد عدة سنوات يهب شقة كان قد استأجرها في هوبرخت شتراسه في حي نويكولن للمنتدى لتكون مقرا له ، وكانت مبادرة مذهلة بما تنطوي علية من تضحية مادية سخية ، وشحذت هذه المبادرة العزائم وتضافرت الجهود من أجل العودة إلى النشاط القديم ، ولكنها في هذه المرة اصطدمت بعواقب جديدة يطول شرحها هنا. وقد تركت هذه المبادرة لدي شخصيا أعمق الأثر ، فمن خلالها أدركت عمق إنسانية هذا الصديق النبيل وجدية همومه واهتمامه بالقضايا التي نعيشها واستعداده للتضحية من أجلها، وأصالة معدنه. مع كل هذا النشاط في حوار الشرق والغرب كان حامد فضل الله في نفس الوقت من مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع ألمانيا وكذلك مؤسسة ابن رشد للفكر الحر والتي لازال في هيئتها الاستشارية حتى الآن. وقد أثرى المكتبة العربية بكتابه الذي صدر عام ٢٠١٣ عن دار دليل للطباعة والنشر في برلين بعنوان أحاديث برلينية - حول قضايا أوربا والإسلام وفي الأدب والفكر شكرًا لك يا حامد على كل هذا العطاء
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة