في صباح العيد، يفتح السجان الإسرائيلي غرف السجناء الفلسطينيين لعدة دقائق، يسمح خلالها للراغبين بصلاة العيد أن يخرجوا من الغرف، والتوجه إلى باحة السجن، وأداء صلاة العيد، والاستماع للخطبة، ليعودوا إلى غرفهم فوراً، مجرد أن يهنئ بعضهم البعض بالعيد. وما أن يغلق السجان أبواب الغرف حتى يفتح السجناء بوابات الذاكرة، ويشرعون في تقليب صفحاتها، وتلميع التجاعيد التي طواها قلب الزمن الحزين. وفي غرف السجن يغلق العيد على نفسه الأبواب أيضاً، ويجلس وحيداً واجماً على أسرة السجناء، وقد دمعت عينه، وهو يراقب عيون السجناء تسرح في البعيد، تخترق الأسوار والأسيجة، وتسافر هنالك إلى بيوت الأحبة، تقبل يد الأم، وتلامس برقة يد الحنان، وتطوف حول الديار، وترقب معالم الحياة في شوارع المدن والقرى والمخيمات المفجوعة بالغياب. في غرف السجن يحاول العيد أن يمشط لحيته، فلا يجد كعك العيد، ولا يجد فرح الصبايا، ولا يجد شوق الحبيبة ولا يجد لهفة الأم ولا دعاء الوالد، فينكفئ العيد على نفسه، لأنه لا يحمل الجديد، ويعترف بقلة حيلته أمام شاهق الأسوار، ويعترف بعدم قدرته على إدخال الفرح للقلوب التي عشقت الحرية، ولاسيما قلوب أولئك الأسرى الذين يسمونهم "أسرى ما قبل اتفاقية أوسلو"، أولئك الرجال المناضلون والمقاومون والفدائيون الذين حلموا بحرية الوطن، فاستفاقوا على أنفسهم، وهم يفتشون عن حريتهم الشخصية؛ بعد أن خذلهم قادة الوطن، وباعوهم مقابل بطاقة VIP، وتركوهم يلوكون الحسرة والانتظار لأكثر من ثلاثين عاماً دون بارقة أمل بالإفراج عنهم، ولاسيما بعد أن جف حبر المفاوضات العبثية على الصفحات الأخيرة لتقرير الرباعية. وسط تلال الحزن في غرف السجن، يتنبه السجناء إلى ابتسامة رقيقة ترتسم فجأة على شفتي العيد، ويتنبه السجناء إلى الأفق الذي توهج على جبين العيد، فيدركون أن العيد قد استمع لتصريح كتائب القسام التي وعدتهم بالحرية، وبعد ان أكدت نشرات الأخبار العبرية على وجود مفاوضات سرية؛ تهدف إلى عودة الجنود الإسرائيليين المفقودين في قطاع غزة. في العيد، لا يتألق إلا رجال القسام، وهم يزرعون الأمل في حدائق الأسرى، ويرشون بماء الرجاء طرقات الشوق لكسر القيود، لتظل كتائب القسام بفعلها المقاوم أنشودة مجد على شفاه الأسرى ذوي الأحكام العالية، سواء كانوا أولئك الذين يسمونهم ما قبل اتفاقية أوسلو، أو أولئك الذي يتبرؤون من فعلهم المقاوم، فأطلقوا عليهم أسرى ما بعد اتفاقية أوسلو. وكل عام وشعبنا الفلسطيني موحد خلف المقاومة، وكل عام وأمتنا العربية والإسلامية ظهير عطاء ووفاء لشرفاء الأمة الذين يكللون جبينها بغار المجد والفخار.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة