قرأت مقالات وأعمدة لعدد من الزملاء، منهم الأساتذة محمد لطيف وعادل الباز وآخرين يتحدثون عن مطالبة الأطراف المعارضة في مفاوضات أديس أبابا بتفكيك النظام، وقد التقت وجهات نظر كثيرة حول عدم معقولية هذا المطلب والسخرية منه، ثم الحديث عن أنه لا يوجد نظام في العالم قام بتفكيك نفسه، ولا يعفل أن يحدث هذا. دعنا نبدأ بالمعلومة، ليس صحيحا أنه لا يوجد نظام في العالم يقبل بتفكيك نفسه، وأن هذا لم يحدث من قبل، الحقيقة أنه يمكن تقديم أكثر من عشرة أمثلة من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ودول البلقان لأنظمة قبلت بالتفكيك وإقامة نظام جديد. والمثال الأكبر هو نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا الذي قبل بتفكيك نفسه في إطار التسوية التاريخية. يمكن أن نقبل مقولتهم بإضافة كلمة "طواعية"، فليس من نظام يستيقظ من النوم ليقول إنه قرر أن يفكك نفسه طواعية لمصلحة نظام جديد، لا بد من ضغوط تسببها عوامل كثيرة، أهمها قناعة النظام أنه غير قادر على الاستمرار كما هو، وأن النتائج والعواقب ستكون وخيمة عليه هو أولا، ثم على البلاد، ثم الضغوط الداخلية والخارجية. ثم أن تجارب التفكيك التي حدثت لم تخلق فراغا في الدولة ولا قررت بين ليلة وضحاها تدمير كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، ثم البدء في بناء أجهزة ومؤسسات جديدة، بل يحدث ذلك، بعد الاتفاق وكجزء من التسوية، على مراحل يتم الاتفاق عليها وجدولتها. لكن يظل جوهر التفكيك واحدا، تفكيك البنية القديمة التي تعيق تطور الدولة ونظام الحكم، وغالبا هي بنية شمولية عقائدية يسيطر عليها طرف واحد، كما في حالتنا، لمصلحة بنية يشارك الجميع في صناعتها وبنائها. حكومة الإنقاذ قامت بإعادة تشكيل الدولة ومؤسساتها، الخدمة المدنية، القوات النظامية، المؤسسات الاقتصادية الكبرى، على مزاجها وهواها ومقاسها، وعلى أساس عقائدي صارم. من المنطقي والطبيعي، بل الضروري، لأي حوار وطني يستهدف وضع أساس للسلام والاستقرار في البلاد أن يفكك هذه القبضة العقائدية لمصلحة بنية متسامحة ومنفتحة قائمة على إعادة المهنية والكفاءة والمعرفة كأساس لقيادة هذه المؤسسات والأجهزة. ما الفرق إذن بين الثورة أو الانتفاضة الشعبية وبين الحوار، وكيف يعقل أن لا تقبل الإنقاذ بنتائج اي انتفاضة أو ثورة ثم تقبل من خلال الحوار بتفكيك نظامها؟ في الثورة والانتفاضة يخرج المهزوم من اللعبة كليا، لا صوت ولا وجود له في الترتيبات اللاحقة، وغالبا ما يعزل سياسيا، بينما في الحوار والتسوية هو موجود مثله مثل الآخرين، يشارك في الترتيبات والنقاشات وينال نصيبه من النقاشات، ويضمن لنفسه مقعدا في المستقبل، كتيار أو كحزب. البديهيات تقول إن البلاد في حالة أزمة شاملة، ولهذا قبلت الأطراف الدخول في مفاوضات وحوار لمحاولة الخروج من الأزمة، بما في ذلك النظام الحاكم، ولا يعقل أن يكون تفكير بأنه يمكن حل الأزمة في إطار النظام القائم. بعيدا عن التصريحات الساسية هنا وهناك، إن كانت قناعة الحكومة والحزب أنها لن تقبل بإصلاحات هيكلية في بنية الدولة ومؤسساتها، بمافي ذلك القوات النظامية، فلا معنى لإضاعة وقت البلاد والعباد في حوار لا طائل من ورائه، فليمضوا في تمكينهم، وليذهب الآخرون ليبحثوا خياراتهم الأخرى، ...لعل وعسى
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة