|
فك الارتباط بين الكاتب والسلطة
|
فك الارتباط بين الكاتب والسلطة
يوهانس موسى فوك
لعل من نافلة القول ان للعولمة منافع ومزايا لا يمكن تجاهلها مما يبرئها عن الوصف التي أطلقت عليها من قبل معارضيها على إنها شرً مطلق. وقد انعكست مزاياها واستحقاقاتها على الساحة السودانية باعتبارها جزء من الكون الذي تفشى فيه هذه الظاهرة العصرية لاسيما في جانبها الايجابي. وقد تجلى ذلك بوضوح في التقدم المفاجىء الذي شهدته التكنولوجيا في العقد الأخير من القرن المنصرم لاسيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وايدولوجيتها الاشتراكية، وساهمت ذلك في إجبار الكثير من الدول للانخراط في المعسكر الليبرالي شاءت أم أبت ، مما أوجد لنا وسائل اتصال متطورة للتعبير عن الراى والاستماع للراى الأخر عن طريق الفضائيات والانترنيت.
أما استخدام وتوظيف هذه المتغيرات فهو موضوع هذا المقال الذي سأختصره حول تقديم وجهة نظر عن ـ الكاتب وعلاقته بالسلطة الغير شرعي ـ وأود ان أشير إلى ان هناك أصناف من الكتاب في الوقت الراهن أصبحوا يشكلون خطورة حقيقية أكثر من النظام الدكتاتوري المستبد في السودان، فلم يعد بمقدورنا ان نسميهم (كتاب رأى)، بل (بركان رأى). ويعد ادم خاطر ممثلا لهذا النوع.
كنتُ أتساءل بعد ان قراتُ احد مقالاته الذي تحدث فيه عن نفسه وهاجمنا فيه وهو خارج الموضوع تماماً بطريقة لم افهم مغزاها، ..هل هذا الرجل سوداني؟؟ وهل يفهم معنى المأناة والظلم والتهميش الذي اعترف بهم الحكومة نفسها على إنها واقعة كما هي الحرب والدمار؟؟ وأكثر الأسئلة أهمية: هل يقدر الجهود المبذولة لتحقيق السلام في ربوع السودان وخصوصا في دارفور؟؟.
لقد طرحتُ هذه الأسئلة وتوصلتُ لهذه الإجابات: ان ادم خاطر الذي كرس حياته لخدمة نفسه ربما يعانى من اضطرابات نفسية يدفعه إلى إنتاج أفكار ـ عدائية ـ ناهيك عن تعلقه الشديد بالنظام الحاكم مما اثر ذلك في سلوكه وتصرفاته مع الآخرين، وهذه العلاقة الكارثية بين الكاتب والسلطة هي التي حدد لنا وزن ومكانة ومدى ضعف هذا الشخص، فان مثل اهولاء من الكتاب يناضلون ضد الإنسانية ويكافحون من اجل تحقيق المصلحة العظمى وهى(الذاتية) حتى وان سبب ذلك بكارثة إنسانية.
وبالمناسبة، هذه هي المشكلة التي تعانى منها المجمعات العربية بشكل جامع، فالمثقف الذي يعول عليه المواطن ويصبو عليه الآمال، لا ينطبق عليه كل التقديرات المرجؤه فيه. وسرعان ما يكتشف هذا المواطن المقلوب على أمره من بطش وتهميش السلطة ان ما كان يعتقده مثقفاً مخلصاً سينجيه يوماً من هذا الظلم أصبح خائناً وعميلاً لنظام... وإذا أردنا إعطاء وصفاً دقيقاٌ للمثقف ووضعية خاطر منه، فان مواصفات الثقافة العامة تكون غير متوفرة فيه رغم ما يتسلح بههما من علم ومعتقد، فهو لا يعدو كونه احد الموظفين وخدم النظام. لان صفة المثقف يمتد أحيانا فيتسع لأكثر من رجال الدين والقانون، وأحيانا أخرى يضيق حتى يكاد يقصد به (الرجل الشريف) الذي يفهم قضايا الأمة ويمتزج بالناس.
صدر كتاب للمؤلف الليبرالي جوليان بندا (خيانة المثقفين) وكان بندا الذي كانت له مداخلة في قضية (دريفوس) ـ (ومع ذكر هذا الاسم فانه يقال ان قصة ظهور تعبير المثقفين كانت في أثناء قضية دريفوس في فرنسا، لقد ظهر (الشاهد الكلاسيكي) للمثقفين في خطاب إميل زولا المفتوح والذي كان يطالب بالعدالة والحقيقة. وكان يتهم الدولة ومن وصفهم بالعملاء قائلاً: اننى اتهم الجنرال ماسييه ... اتهم وزارة الحرب ..اتهم المجلس العسكري العالي،"ليست لدى سوى رغبة واحدة: ان أرى النور .. باسم الإنسانية التي عانت ولها الحق في السعادة..). يطالب ( بندا) المثقفين بان يظلوا على ولاء للأفكار العالمية عن الحقيقة والعدالة، ويرى ان هذه رسالة روحية. واتهم المثقفين (بالخيانة) إذا اقتصر ولاؤهم على أمه بعينها أو طبقة بعينها أو عنصر بعينه،" ان اهولاء المثقفين شرعوا في تقوية رغبة الناس في الوحي بزواتهم كمتميزين عن الآخرين.." وكان بندا يخشى كما قال جاكوبى ان المثقفين في تناولهم للأهواء السياسية قد يتسببون! في ( الذبح المنظم للأمم أو الطبقات).
ومن خلال آراءه وكتاباته التي لم يتوقف فيها عن مهاجمة إما زعماء الحركة الشعبية لتحرير السودان كتطاوله على القائد المناضل ياسر عرمان أو إطلاق النار على قضايا دارفور، يستطيع المرء فهم ما يتوق إليه ادم خاطر ـ ولابد من الحكم عليه بأنه: حالم بتتويجه على مقاعد السلطة ومناصب الإدارة من ناحية، ومن ناحية أخرى يتوق إلى جذب: الاهتمام والإطراء والشهرة ـ وليت هي هذه فقط المكاسب (الخاطرية) من علاقته بالسلطة، فهناك إلى جانب ما ذكر أنفاً (المكسب المادي) والذي يغرى به الضعفاء ويدفعهم لإهانة أفكارهم وكرامتهم والركوع دون تأنيب ضمير والخضوع لسيطرة السلطة.
وياليته يفهم خاطر ومن كان على شاكلته بأنهم سقطوا وأصبح ثمنهم ازهد من سعر الملح، فالرجال والشرفاء والصنف الأخر من الكتاب لهم حضورهم المميز في الملعب، حتى جنبا إلى جنب يكتبون مع ( خدم النظام) على صفحات المواقع والصحف السودانية، ولأهمية ذكر الأسماء المح إلى نقطة هامة جداً وهى: ان اهولاء الكتاب هناك من اختلف معه في الراى ولكن اتفق معه في المبدأ، وفى كلا الحالتين هناك من اتفق أو اختلف معه، ولكنهم في نظري ومن خلال اطلاعاتى على مقالاتهم أستطيع التأكيد على إنهم موضوعين إلى حد ما في تشخيص قضاياهم وطرحها، لذا أقدرهم واعتبرهم (مثقفين شرفاء) ومنهم ابوبكر القاضي و دندرا على دندرا وكمال الجزولي وبدر الدين ابوالقاسم وووالكثير من الشباب الذين انبرت أقلامهم وتشاحبت آراءهم ولا يزالون يقدمون الراى والراى الأخر في ظل نظام دكتاتورى متوحش يقمع حتى الان ابسط الحريات سيما حرية التعبير. وحتى لا تكون هذه التهمة باطلة فان خير شاهد عليها، إغلاق موقع سودانيزاونلاين على وجهة الموا! طنين داخل السودان وحجبه، ولكن في المقابل هذا ليس بشي غريب لأننا نفهم جيدا ما لا يفهمه ادم خاطر: ان تكون كاتباً امينا،ً ومخلص للمهنة والواجب فان ذلك لا يعنى انك في سبيلك إلى السلطة أو المنصب الادارى، وإنما في سبيلك إلى الاغتيال، ومحظوظا إذا وجدت نفسك في المعتقل.
وبطبيعة الحال هذا لب سجالى مع (خدم النظام): ان يكتب عن الحكومة ويقدم إنجازاته خلال الأعوام التي قضتها في الحكم، هذا عمل معقول. ولكن ان يقدم لنا الحكومة على إنها الملاك المتوهج ونحن نعرف حقيقتها فهذا غير اخلاقى على الإطلاق، ولا بد من القول: لو كان دور الكاتب وتأثيره في القضايا الوطنية هو الذي يقرر مصير الأمة قبل ـ متخذي ومنفذي القرار ـ لاختفت السودان عن الخارطة الأفريقية وانقرصت في الخليج العربي منذ زمن بعيد لان أفكار المثقفين لاسيما المدفوعين منهم تدور حول هذا الفلك الفالت.
واختتم هذا الدردشة كما سماءه ادم خاطر برسمة كاريكاتيرية نشر في إعداد هذا الأسبوع على صفحات صحيفة الاتحاد الإماراتية، فقد رُسم كاتب عربي وهو يمدح نظام بلده بعباراتهم المعتادة التي لا تخلو من مدح الزعيم وتمجيد اسمه وانجاذاته حتى أثار ذلك حفيظة القلم الذي يكتب به حتى فتح فاه وقال للكاتب: "يا آخى، إذا كنت لا تحترم نفسك فاحترمني"!!.
|
|
|
|
|
|