بتاريخ 29/1/2015 ، وتحت عنوان (طفل في الثامنة يرهب فرنسا!) أوردت جريدة القدس اللندنية رأي الجريدة على النحو الآتي: في واقعة تحمل دلالات عديدة حول الهوّة التي تنحدر إليها فرنسا، قام مدير مدرسة في مدينة نيس جنوب البلاد بتقديم شكوى للشرطة ضد تلميذ لديه في الثامنة من العمر بتهمة «مدح الإرهاب». الأغرب من ذلك أن الشرطة تعاملت مع الحادثة باعتبارها أمراً جدياً وقامت، فعلاً، بالتحقيق مع الطفل بحضور عائلته. تدلّ هذه الحادثة بداية على تدهور في المنطق العامّ للبلد تتحمّل مسؤوليته، أساساً، النخب السياسية والإعلامية، وصولاً إلى المؤسسات التربوية والقانونية التي يفترض أن تحمي سلامة مواطنيها. الحادثة، على غرابتها ومفارقتها، تنسجم مع سياق عامّ يتزايد في فرنسا يوماً بعد يوم، وجذوره تقوم على رؤية الفرنسيين لأنفسهم ولهويّتهم، وهي هويّة تعرّضت لرضوض نفسيّة كبرى، أهمّها احتلال المانيا لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي كانت هي نفسها تحتلّ بلداناً عربية وإسلامية، مثل سوريا ولبنان والجزائر وتونس والمغرب. رضّة فرنسا المحتلّة من قبل الألمان أنها كانت إمبراطورية كبرى اجتاحت أوروبا والعالم سابقاً، ورضّتها أيضاً أن بوصلتها ضائعة بين رسالة ثورتها الفرنسية حول المساواة والإنسانية والأخوة، والتي جلبت ملايين المهاجرين إليها، وبين استعماريتها الفظة التي خلّفت ملايين القتلى، وعملت جاهدة في بلدان استعمارها على تأسيس صراعات عنصرية وطائفية وإثنية ما تزال آثارها فاعلة حتى اليوم. بدل أن يحسّ «الفرنسيون» (وهي كلمة فضفاضة لأنها على ما يبدو صارت تفترض استثناء الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية) بالعار من هذه الحادثة البشعة فقد سارع بعض نوابهم إلى الموافقة عليها حيث اعتبر برلمانيان من «الاتحاد من أجل حركة شعبية» (يمين وسط!) إلى القول إن «إدارة المدرسة ومسؤولو المخفر اتخذوا موقفاً سليماً». محامي العائلة المنكوبة استغرب من استدعاء طفل في الثامنة من عمره للتحقيق معه في مخفر مشيرا إلى مفارقة أن تلجأ مدرسة مسؤولة عن التعليم إلى المخفر كحل بدلاً من إيجاد حلول تربوية للموضوع. جدير بالتذكر أنه خلال عشرات السنوات التي كان فيها «الجيش الجمهوري الإيرلندي» يقوم بجرائم إرهابية، لم تقم وسائل الإعلام البريطانية باعتبار الكاثوليك إرهابيين، ولم تطلب منهم الاعتذار على أفعال المنظمة الإرهابية، كما يطالب الأوروبيون، كل مرة، المسلمين بالاعتذار عن جرائم أفراد يرتكبون جرائمهم باسم الإسلام. لم تقم بريطانيا وقتها بتجريد البريطانيين من أصول إيرلندية من جنسياتهم، بدعوى انتمائهم لمنظمات إرهابية، ولم يجرّم القضاء الأوروبي وقتها الناس بناء على أفكارهم ولكن بناء على ما يقومون به من أفعال. رئيسة حزب الخضر البريطاني كانت أحد العقلاء الذين تحدثوا عن لا قانونية تجريم الناس على أفكارهم، ولكن أوروبا، وفرنسا خصوصاً، فيما يخصّ المسلمين، لم تعد مهتمّة باتباع بديهيات القانون والأخلاق والمنطق. وهو يعيدنا مجددّاً إلى السؤال القديم: من يصنع الإرهاب، هل هو الإذلال والمهانة وترهيب البشر واتهامهم سلفاً بالإجرام، وطلب اعتذارهم عن أفعال لم يرتكبوها، أم هو القصص الاستشراقية الملفقة عن رغبة بالاستشهاد من أجل الحوريات؟ هل التطرّف هو أمر يخصّ الإسلام والمسلمين أم أن أسباب الإرهاب كامنة في الواقع اليوميّ للبشر؟ هل الذي يصنع الإرهاب هو ساركوزي ولوبان والعنصرية واحتقار الشعوب ومثلها، بما فيها أديانها، أم هي آيات موجودة في القرآن (موجود مثلها وأكثر في كل الأديان السماوية وغير السماوية)؟ سؤال يمكن لطفل في الثامنة أن يجيب عليه. (انتهى رأي جريدة القدس) تعليق قانوني: من المعلوم قانوناً أنه لا جريمة في أي فعل يصدر من الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد (18 سنة في معظم قوانين العالم) ، فكيف تخاف فرنسا ، وهي دولة عظمى كما يقولون ، من طفل في الثامنة من عمره وتفتح ضده بلاغاً رغم أن القانون الفرنسي نفسه لا يجرم أي فعل يصدر من الأطفال الصغار؟! وإذا كانت الحكومة الفرنسية ، التي تملك الأسلحة النووية وتملك حق النقض في مجلس الأمن، تخاف من طفل مسلم في الثامنة من عمره فكم يبلغ حجم خوفها من مواطنيها المسلمين الذين بلغوا أو تجاوزوا سن الرشد! يبدو أن فرنسا ، المصنفة من دول العالم الأول، قد أصبحت الآن في حاجة ماسة إلى استيراد منطق وإنسانية من دول العالم الثالث!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة