عمك حسن ( فالصو ) كان في بداية الثمانينات من مشاهير سوق الرواكيب بودمدني ، هو رجل في الستينات من العمر و على ما يبدو يعاني من حالة نفسية جعلته يجوب أزقة ذلك السوق العتيق ، صائحاً بين الفينة و الأخرى جملته المشهورة ( الدنيا فالصو .. خليك واعي ) .. و كان الصبية و بعض التجار المتجولين يتجمعون حوله متحرشين لدفعه أن يصيح صيحته تلك و التي لم تكن تخلو من جهورية صاخبة ، غالباً ما تُلفت أنظار المنتبهين و تُذعر المتسوقين اللاهين في تسوقهم ، و للحقيقة لست على علم بالمصدر اللغوي لمصطلح ( فالصو ) .. الذي على ما يبدو ذي علاقة باللغة التركية التي أثرت في المنتوج اللغوي العام في السودان على إثر الحكم التركي للسودان ، و للذين لا يعلمون فإن مصطلح ( فالصو ) تعني البضاعة المقلَّدة غير الأصلية و أكثر إستعمالاتها متعلقة بالمجوهرات و الذهب فكل ذهب مطلي أو مُحاكي للون الذهب الأصلي هو ( فالصو ) .. ثم ذهبت إمتدادات إستعمال المصطلح على المستوى العام لتوصم كل صنعة مُقلَّدة أو غير أصلية أو لم تؤدي الغرض من شرائها بكونها أيضاً ( فالصو ) .. و الحقيقة تذكرت هذا المصطلح و عمنا حسن و ذكريات ممتدة للطفولة و الصبا عشتها بمدينة مدني الزاهية ، عندما أشار أحد المؤتمرين في جلسة فخمة و رسمية ( نمتنع عن بيان ماهية المؤتمر لأسباب دبلوماسية ) .. إلى قارورة ماء في المنصة هو يدعو الشباب إلى عدم الحياء من العمل الشريف ، حتى و لو كان بيعاً للماء في قوارير كهذه ، ثم إستدرك و قال ( حتى لو مليتوها من الماسورة ) .. يعني بإستعمال مصطلحنا السابق ( موية فالصو ) .. ثم و حين تعمّقت في الأمر وجدت أن ما قاله هذا المسئول على المنصة هو بالفعل من طبيعة الأشياء في زماننا هذا و بلادنا هذه .. لأن كل شيء أصبح بالفعل فالصو .. ما من مبدأ عام أو خاص صغُر أم كبُر إلا و يمكن تقييدهُ في قائمة فالصو القياسية العالمية ، خصوصاً و أن كل الكوابح الإدراية و القانونية التي أُستحدثت لحماية المستهلك السوداني من أضرار الفالصو ، لا تعمل و لا تؤدي المنشود من إنشائها ، إما بسبب مشكلات متعلقة بالتردي العام الذي أصاب منظوماتنا الإدارية و خصوصاً الحكومية منها ، و إما بسبب الفساد الذي إستشرى و غلب البلاد و العباد ، و من ناحية أخرى نشير إلى أن البضائع التي تعجُ بها أسواقنا و تقع ضمن قائمة (فالصو ) لكونها غير أصلية و غير مطابقة للشروط و المواصفات ، تعتبر من أهم أسباب إزدياد الطلب على العملات الصعبة و إزدهار سوقها الأسود الذي غلب وزير المالية و محافظ البنك المركزي و أدخلهما في ما هُما فيه من عجزٍ و حيرة ، و ذلك ببساطة جراء تكرار إستيراد السلع الفالصو بالعملة الصعبة مرات عدة من قِبِل المورّدين ، لأن بضاعتهم لا تعيش و لا تُعمِّر و لا تؤدي دورها سوى شهور معدودات ، إذن الفالصو شبح مخيف يهدّد الإقتصاد العام و ميزانية الدولة و يقضي على الأخضر و اليابس و نحن في غفلة من أمرنا ، كما لا أنسى أن أنوِّه إلى أن الفالصو أيضاً إستشرى ليُهدّد قيِّماً معنوية و شعارات وطنية ، لأنها أصبحت أيضاً خادعة و غير أصلية و لا تُعبِّر عن الحقيقة ، من أمثلة شعاراتنا الفالصو ( نأكل من ما نزرع و نلبس مما نصنع ) ، أضِف إليها ( هي لله .. هي لله .. لا للسلطة و لا للجاه ) .. و زِد عليها أيضاً كل أدبيات حرب الجنوب الذي إنفصل في مهرجان إحتفالي تبسَّم فيه فيه الجميع ... أخشى على نفسي و عليكم أن نصحو يوماً لنجد ما تبقى من آمالنا و أحلامنا الوطنية و الشخصية بكل بساطة قد كانت في غفلة منا و من الزمان كانت أيضاً ( فالصو ).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة