|
فاقد الشيء لا يعطيه
|
فاقد الشيء لا يعطيه ( صلاح شكوكو )
الإعلام أو ما يطلق عيه ( MEDIA ) هو أحد أدوات الحراك الاجتماعي … بل لعله أخطرها شأناً في تكوين الرأي العام والتوجيه الاجتماعي وربما كذلك له الدور الأكبر في إزكاء الحس الوطني وتوطيد دعائم الوحدة الوطنية وهو قبل هذا وذاك مسئولية أخلاقية تحتاج إلى ضمير حي .
مدلول كلمة ( إعلام ) مرادف لمعنى الاتصال الجماهيري وهو بهذا يعتبر أداة اتصال وتنوير وتثقيف من خلال آلية ( الانتقاء ) وقف ما يتناسب وخصوصية كل مجتمع .
ودور بهذه الخطورة يحتاج في طبيعة الأمر إلى إعلاميين ( معلمين ) والمعلم هو المربي .. والتربية لها معايير ومقاييس خاصة .. أولها شخصية المربي من حيث التكوين والثقافة والأخلاق .. وثانيها درجة الإلمام بفحوى الرسالة التي يؤديها .
في تقديري أن أكبر مشاكل الرياضة عندنا في السودان هي مشكلة الإعلام وطريق إدارته .. ذلك أن إعلامنا الرياضي مازال غير قادر على أداء رسالته كما يجب … فنحن ندير إعلاماً بلا هدف أو إستراتيجية واضحة المعالم .. مما جعل الإعلام عندنا يمارس نوعا من الفوضى التي أدت إلى إزكاء نار الخصومة والعصبية والتحزب الرياضي وتقسيم الناس وإشاعة العداء حتى أضحت القبيلة عندنا مقدمة على الوطن .. والوطن لافتة لا يقرأها أحد .
ولو تأملنا عامة المشتغلين بالإعلام الرياضي في بلادنا فسنجد أن هناك كماً مقدراً منهم غير مؤهلين لهذا الدور الخطير من ناحيتين :-
الأولى من الناحية الثقافية حيث نجد من بين هؤلاء من لفظتهم قاعات الدراسة والتحصيل فلم يجدوا إلا هذا ا! لسوق معتركاً فدخلوا فيه دونما حسيب أو رقيب ثم نالوا لقب ( أستاذ ) .
الثانية أن هؤلاء وغيرهم ( متطفلون ) على الرياضة نفسها بحيث لم يمارسوا في حياتهم نوعاً من الرياضة تجسد فيهم الانتماء وتجعلهم قادرين على التقييم والمعايشة الواقعية ( وفاقد الشيء لا يعطيه ) .
إنني حينما أتحدث عن الممارسة أقصد ذلك الرصيد التجريبي والإدراك الواقعي العميق والإحساس الصادق الذي يحتاج النفس البشرية ويجعلها قادرة على إدراك المواقف والانفعالات وتحليلها بغية التقييم واستخلاص العبر والدروس .
إن الإعلامي المؤهل هو ذلك المؤهل الحصيف الموهوب الممارس الحاضر بشعوره وإدراكه القادر على التقييم&! nbsp; والتحليل .. ذلك الذي يمسك بالقلم أو الميكرفون يتلمس أوتار الحقيقة ويتحدث عن المشاعر وما خفي بين السطور ... يتحدث عن الملكات والانفعال قبل الأفعال .. فيكون أكثر صدقاً وأكثر تعبيراً عن الواقع والحقيقة .. لا أن يكون مبالغاً خادعاً لعقلية المتلقي فيولد حالة&nb! sp; من الانفصام والبلبلة في واقع مهزوم مأزوم .
نعم .. نحن نملك جيشاً جراراً من الإعلاميين ( الوصفيين ) والإعلام الوصفي لا يمكن أبداً أن يقود ال! أمة أو يبصرها أو يوجهها نحو المرامي والأهداف لأن عطاءه لا يختلف عن عطاء العامة فيستوي بذلك مع المشاهد والمتفرج والمتلقي العادي .
نحن في حاجة ماسة إلى إعلاميين يتم اختيارهم بعناية .. ممن نالوا قدراً من التعليم والثقافة وممن ولدوا في أحضان المعايشة .. يدركون بوعي ( الممارسة ) مغذى ما يقولون ويكتبون .. يدركون كل ما يعتري اللاعب في حركاته وسكناته وانفعالا! ته .
فاللاعب ( مثلاً ) حينما يسدد الكرة نحو المرمى يكون في أوضاع مختلفة ومشاعر متداخلة ومتباينة وفي ظ! روف لا يدركها إلا من كان يوماً في هذا المقام .. وبالتالي فإن مجرد وصف حالته الظاهرية لا يعبر بالضرورة عن الحقيقة بل لا يقدم لنا شيئاً يمكن الاستفادة منه .. إذ لابد من تحليل علمي عميق قادر على سبر غور اللحظة وتحديد بوا! طن الخطأ والصواب فيها .
بدلاً من أن نطلق الصيحات في الهواء الطلق أو أن نكتب مانشيتات نرفع بها الفاشلين ونحطم بها الموهوبين ونوهم بها البسطاء من الناس .. حتى إذا جاءت المشاركات الخارجية انكشف المستور وكأن ذاكرتنا قد أضحت خربة مثقوبة لا تعرف الاجترار .
ســؤال .. من الذين يديرون حركة إعلامنا ؟؟؟
إن من بين الذين يديرون حركة إعلامنا الرياضي .. من قادتهم الظروف أو الصدفة … أو من فتحت لهم الأبواب الخلفية للولوج .. وللأسف الشديد كثيرون ممن يقفون في الصفوف الأولى في محراب إعلامنا الرياضي ( متطفلون ) تسلقوا الحوائط الخلفية القصيرة وجاءوا خلسة للوقوف مع المصلين .. وذلك ربما بسبب إحجام المؤهلين عن الدخول في هذا المستنقع العجيب .. أو ربما لقلة المؤهلين أصلاً ..
أنا أدرك كذلك أن بين هؤلاء من تلقى تدريبا نظرياً في فن الإعلام .. لكن من الذي يملك أن يغرس فيهم فن الممارسة والمعايشة ؟؟؟
فكل مدربي الدنيا لن يستطيعوا أن يغرسوا في اي من هؤلاء معنى الممارسة والانفعال الحقيقي لأن أوانها قد ولى وزمانها قد فات وما سيفعلونه لن يخرج من كونه مجرد ( وصف للحال ) .
صحيح انه ليس كل ممارس قادر على العطاء الإعلامي .. لكنهم هم أولى الناس للاستفادة منهم في مجالات ا! لتدريب والتحكيم والإعلام وحتى الإدارة الفنية .. ودول كثيرة تؤهل هؤلاء للقيام بدورهم في شتى مجالات الممارسة الرياضية لأن أهل مكة أدرى بشعابها ... والأمثلة كثيرة ويعرفها الجميع .
إننا نبحث عن إعلاميين حقيقيين .. إعلاميون يدركون خطورة الحرف والقول والكلمة .. همهم أكبر من الهلال والمريخ و ( المنقة والبطيخ ) لا يعرفون التقديس ولا القديس ينتقدون بحكمة العارف .. الإطراء عندهم في محله والذم عندهم بتجرد .. يعرفون للناس أقدارها .. ويقدرون في الناس أفكارها .. لا يتلقون التعليمات والإكراميات .. هم كالشموع يضيئون صفحة الحياة بعلمهم وسعة أفقهم .. وحسن إدراكهم .. هم معلمون يعلمون الناس .. ويحركون العقل والإحساس .. الألوان عندهم متساوية والأفضلية عندهم بالعطاء .. يحكمون ضمائرهم ويتقون الله ..
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
(( الهم أفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ))
آمين
أقـــلام وأعـــلام :-
· التحية للكابتن ( الرشيد المهدية ) وهو يعطر ساحاتنا من خلال قناة دبي الرياضية .. روعة في التحليل .. جزالة في الكلمة وبمنطق المجرب الخبير .. فنال الإشادة من الجميع .
· التحية حارة للكابتن الدكتور / محمد ! ; حسين كسلا وهو يسطر لنا تلك المقالات الرائعة في مناحي التهديف والتمرير والاستلام عبر ( الصحف الإماراتية ) بأسلوب واقعي رائع وقلم يلامس أوتار الحقيقة .. نتمنى أن نقرأ لك عبر ( المشاهير ) هــذه الزهــرة الوليـــدة التي تورق كل يوم . صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو )
[email protected]
|
|
|
|
|
|