نعي الأستاذ كلوفيس مقصود الأكاديمي الفلسطيني هاشم شرابي ووصفه بأنه طليعي لا نخبوي. وهذا تمييز نافع. وفهمت منه أن المرحوم كان رائداً وثيق الحس والشغف بالوجع الفلسطيني ولم يكن صفوياً يهندس لذلك الوجع من بعد ومن عل أو بالضوضاء غير المكلفة. وكانت أسرة تحرير مجلة "صوت المرأة حتى قيام ثورة أكتوبر طليعة لا نخبة في المعني الذي أراده كلوفيس. لم تستعصم بروشتة صفوية حداثية-شرقية أو غربية-لإصلاح حال المرأة السودانية. بل انغمست في حياة نساء السودان لا تستنطقها الوجع فحسب بل وطرق الشفاء منه أيضاً. لم تشمئز المجلة من "تخلف المرأة" أو "بدائيتها" كما كان يقال لتستنزل وصفة استنقاذها من دفاتر الصفوة النظرية. لقد خرجت طليعة صوت المرأة بعموميات نظرية جذرية لتغيير ما بالمجتمع والمرأة. ولم تجعل من تلك العموميات امتيازا وشنشنة تلهب بهما ظهر النساء قدماً في طريق الحداثة والسعادة. خلافاً لذلك تنورت الطليعة بتلك العموميات لتحسن التغلغل في ثقافة المرأة السودانية اغتنت بذلك نظريتها للتغيير. لم تشمئز من "تخلف" المرأة علي نهج النخبة والصفوة بل شغفت بحياتها كما هي عليه. وبدأت، لا بإدانتها وفضح بعدها عن التمدن، بل بدرسها والنفاذ إلى بواطنها والعلم بها. خلت مواد المجلة المتعاطية مع ثقافة المرأة من أحكام القيم القطعية مثل القول إن هذه الممارسة النسائية باطلة وينبغي أن لا تقوم لها قائمة. فالمجلة حفية بالزار مشغولة بسلطانه على النساء. إلا أنها عابسة في وجه عادة الحد على الميت والاستطباب عند الفكي (أي الدجل) والإسراف في مناسبات الزواج. ومع ذلك فلم تبشر المحررات بنبذ هذه الممارسات بأعجل ما تيسر ومن عل بل رتبن مقابلات وزيارات ميدانية للمواقع واستمعن لرأي النساء أنفسهن عن نطاق وديناميكية ونفع تلك الممارسات. وجدت كل مواد الزار في أعداد المجلة التي اطلعت عليها عبارة عن تقارير شاهد عيان. ونادراً ما اتسمت المحررة بالتحيز لدى وصف طقس الزار وإجراءاته وفقراته التي تتنزل أمامها. وقد لجأت المحررات إلى حيل الصحافة المهنية لتحسين معرفة القارئ بالزار. فوجدت في قصة عن الزار أن المحررة قد رتبت إطارين صحفيين(بوكس) جعلت الأول لشرح مصطلحات الزار مثل "دستور" وغيرها وخصصت الإطار الثاني لعرض بعض نصوص أغاني الزار. وكثيراً ما سألت المحررات النساء الحاضرات مناسبة الزار رأيهن في الممارسة. فقد قالت معتقدة في الزار أنها جديدة في هذا الاعتقاد ولم تكن كذلك في الماضي. وأنهت محررة قصة عن الزار مناشدة القراء أن يدلوها علي سر سلطان الزار على النساء وهو سلطان اعترفت به هي أولاً. فقد شعرت المحررة بصداع وأرادت أن تترك حفل الزار قبل الخاتمة. وما أن همت بالخروج حتى سمعت أغنية زار فتسمرت في مكانها طرباً من فرط أسر لحنها. ووصفت فاطمة أحمد إبراهيم من جهتها حفل زار وأرجأت حكمها على الممارسة حتى تفرغ من زياراتها الميدانية الأخرى ومن كتابة مؤلفها عن هذه الممارسة. واستهجنت محررة أخري الزار وقالت إن هناك من يحرك خيوطه وسلطانه من وراء حجاب غير أنها عادت لتتلطف معه قائلة إن الأطباء النفسيين لا يرون في ممارسته مرضا بل ربما كان فيه شفاء للناس. وتتوقف المحررات عند ضروب البهجة والإثارة التي تشيع بين النساء خلال رقص الزار وكيف أن ذلك قد يرفع عنهن حزنهن ومتاعبهن إلى حين. فالرقص في حلقة الزار، بحسب قول إحدى المحررات، يطرد الآلام النفسية المكبوتة ويفرج على النساء. وأضافت أن الزار يرغم الآباء والأزواج على الاستجابة لمطالب سبق رفضها لبنات وزوجات لتجديد المطالبة بها على لسان أرواح الزار· وأكثر أوجه الاعتراض التي تبديها المجلة على الزار إنما تتجه إلى التكلفة التي تتحمل عبئها الأسرة التي تنظم طقس الزار لعلاج فرد منها· *من كتابي "فاطمة أحمد إبراهيم: عام جميل" دار عزة، 2012
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة