سفينة بَوْح – صحيفة الجريدة هيثم الفضل والعام الدراسي الجديد على مشارف الأبواب ، هل لنا أن نجتر بعض زكريات عن إمبراطورية التعليم في السودان قبل ثلاثين عاماً من الآن ، علنا نكشف ستاراً لأجيال من المعلمين والطلاب عن ما كان عليه حال الدولة و الوزارة والمجتمع من إجماع منقطع النظير حول أن التعليم هو الأولوية التنموية المقدَّسة التي لا يستقيم أمر التنمية المستدامة دون تحقيقه لأهدافه ومن ثم جني ثمار ما غرسته أيدي رجال كانوا هم علية القوم في زمانهم ذاك ، ولنبدأ بالمعلم الذي إنهارت بنيته النفسية والمهنية والمادية في آنٍ واحد مع الإنهيار الأخلاقي لمفهوم التعليم لدى السلطة والنافذين في هذا العهد إنطلاقاً من مبدأ (الأنا) ونفسي أو الطوفان ، وذلك عبر ما أودت به تجارية التعليم وإدخاله بورصة العرض والطلب بالقدر الذي صنع غولاً أو مارداً جثم على صدر العملية التعليمية والتربوية تحت مسمى التعليم الخاص ، هذا الجسم الغريب الذي تغوَّل عبر سُبل الدعاية والإعلان والإستقطاب السلبي لفئة صغيرة من المجتمع حازت على الثروة والجاه ، أوحى بقشرته البرَّاقه إلى عامة الناس من المنتمين إلى الطبقة الوسطى (التي إندثرت الآن وذابت مع الطبقة الفقيرة) ، بأن أمر تعليم أبناءهم لا مجال لجدواه أو فعاليته دون الولوج إلى سوق التعليم الخاص ، فصاروا وإنطلاقاً من إيمانهم بأهمية التعليم في رفد الأبناء بما يمكن (مجازاً) أن يُمثل سنداً لهم في المستقبل ، يقطعون من لحومهم الحيَّة ومن قوت يومهم ومن تطلعاتهم وطموحاتهم حتى يموِّلوا تعليم فلذات أكبادهم بالرغم من علمهم أن مصيرهم بعد التخرج هو الوقوف في طابور إنتظار الحصول على وظيفة لا تُثمن ولا تغني من جوع ، وحتى هذا الخيار المُر لا يمكن تأمينه دون واسطة أو دفعه قوية من أحد النافذين التابعين لهيكل التمكين السياسي للمؤتمر الوطني والذي ساد كل الدواوين الحكومية والمؤسسات وحتى الشركات الخاصة من باب أن أهل السوق والتجارة أصبحوا أيضاً يدلفون إليه من باب التمكين السياسي ، فمجرد الحياد السياسي لا يُنجي ولا ينفع لتبيع وتشتري في بلادنا المنكوبة بالفساد والإستحواذ الإحتكاري على كل موارد ومقدَّرات هذا الأرض الزاخرة بالعطاء ، في زماننا السابق كان الطلاب الأقل مستوى من الناحية الأكاديمية أو شبه الراسبين هم الذين يرتادون المدارس الخاصة ، وكانت المدارس الحكومية رغم الفقر العام للدولة تقوم بواجباتها على أعلى مستوى ، وكانت وزارة التربية والتعليم ذات سطوة وحضور واقعي وميداني في مواجهة المشكلات التي تطرأ ، وكان المعلم إن لم نبالغ لنقول أنه الأعلى أجراً لكن نجزم بأنه كان مثله مثل باقي موظفي الدولة لأنه الآن ولسخرية الأقدار صار يطمح في أن يُساوى ببقية منسوبي الديوان الحكومي ، هذا فضلاً عن مكانته وسطوته وحضوره المثالي والفعَّال في بؤرة المجتمع ، أما الطلاب فكانوا عبر إجتماعهم الأكاديمي في المدارس الحكومية يتلقون دروساً زاخرة في مادتي الإنصهار الطبقي والتآلف القبلي والديني ومهارات القبول بالآخر ، إن ما يتم الآن من (تمكين) للمدارس الخاصة في بلادنا هو نهج يستهدف بصورة مباشرة تكسير مجاديف وزارة التربية عبر صرف الناس عن مدارسها على علاتها وإفساح المجال للوزارة للإسترسال في المزيد من التقاعس تجاه مسئولياتها المتعلقة بالتخطيط والتطوير والإدارة والرقابة والإنشاء والصيانة وترقية مستوى الكادر البشري ، يساعدها على التمادي في ذلك قِلة الإقبال وما عهدناه في دولة الإنقاذ من إنعدام لعنصري الرقابة والتفتيش والمساءلة والجزاء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة