|
غزة تحت النار (23) مرحى بالمقاومين وسحقاً للمتخاذلين
|
د. مصطفى يوسف اللداوي
إنها معركة الكرامة من جديد، والفيصل بين الحق والباطل مرةً أخرى، فطوبى لمن كان من المقاومين أو وقف معهم، وساندهم وأيدهم، وساعدهم وأعانهم، وانتصر لهم وخذل عنهم، وأمدهم أو دعا لهم، في الصلاة أو في جوف اليل، وكان جندياً معهم في السر أو العلن، في الميدان أو خارجه، بالسلاح أو بالقلم، بالدم أو بالكلمة، بالموقف أو بالبيان، بالتصريح القاطع، أو بالتعبير الساطع، في السياسة أو في الإعلام، بين العرب أو عند الغرب، ولدى الأخوة والأشقاء، وعند الخصوم والأعداء، فهذا يومٌ ينبغي أن يمتاز فيه الحق وأهله، وأن تبين فيه المواقف، وتنكشف الحقائق، وتظهر طباع النفوس، وخبايا القلوب، ويبرق فيها معدن الرجال.
المقاومة اليوم هي الشرف والكرامة، وهي الحامي والواقي، وهي القلعة والحصن، والسور والجدار، وهي التي تقاتل وتدافع، وهي التي تصد وترد، وهي التي تصنع الهيبة، وتحافظ على الهوية، وهي التي ترفع الذكر، وتبقي على الوجود، وتصون البلاد وتحفظ الحدود، وهي التي تضع حداً للعدو، وتحول دون اعتداءاته، وتمنعه عن مغامراته، وتجبره على التردد والإصغاء، والتفكير والحساب، وبدونها ذلٌ وصغارٌ، ومهانةٌ واحتقار، وتفريطٌ وضياع، وتخلي وتولي، وضعفٌ وخور، وخضوعٌ وخنوعٌ واستكانة.
لا عذر اليوم لمن لا يقف إلى جانب المقاومة وينتصر لها، ويحول دون سقوطها، ويعمل دون هزيمتها أو انكسارها، فالأعداء والخصوم يرومون بها شراً، ويحيكون لها سوءاً، ويدبرون لها مكيدة، وقد اجتمعوا ضدها، وتآمروا عليها، واتفقوا بليلٍ على ما يضرها، إذ يريدون أن يجردوها من سلاحها، ويحرموها من خير ما عندها، ويسقطوا من يدها سيف الشرف، ليعود الفلسطينيون ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، ولا سلاح عندهم ولا منعة، يتسولون الدول، ويسألون الأمم الحاجة والمساعدة، بينما يصعرون الخد للعدو، ويخفتون في حضرته الصوت، ولا يقوون على المطالبة أمامه بحق، وهو الذي شعر بقوة المقاومة وقدرتها، وأنها في صعودٍ دائم، تتحدى وتواجه، وتهاجم ولا تخاف، وترد ولا تتردد.
إن من يتخلى عن المقاومة اليوم، إنما يتخلى عن الوطن، ويترك الشعب وحده نهباً للعدو، يعتدي عليهم ويقتلهم، ويعتقلهم ويظلمهم، ويغتصب حقوقهم ويصادر أرضهم، ويحرمهم من مستقبلهم ويضيق عليهم في وطنهم، فلا يوجد حرٌ شريف، صادقٌ مخلصٌ غيور، ينتمي إلى شعبٍ ووطن، وعنده انتماء ونسب، وله في الأرض جدٌ ووالدٌ وولد، وفي ترابها له نسيبٌ وقريبٌ وحبيب، يقبل أن يسلم لعدوه، أو أن يتخلى له عن سلاحه، أو يتآمر معه على شعبه وأبناء وطنه، وهو يعلم أن هذا العدو غاصبٌ وماكر، وكاذبٌ ومخادع، وأنه لا يتمنى لهذا الشعب خيراً، ولا يسعى لصالحه في شئ.
لا عذر لمن يتخلف، ولا تبرير لمن يقصر، ولا غفران لمن يخون ويفرط، ولا ينتظر من يساوم عدوه، ويفاوض قاتل شعبه، ليكون معه ظهيراً ونصيراً، وسنداً ويداً ومعيناً، أن يغفر له شعبه هذه الجريمة، وأن يتجاوز له عن هذه الخيانة، وأن يصدقه إن نصح، أو يصغي له إن فسر وبرر، أو قدم عذره ووضح، بل إن عدوه لن يحترمه ولن يقدره، وسينظر إليه على أنه خائنٌ لشعبه ووطنه، ومن يخون أهله لا ثقة فيه، ولا أمان له، ولا يخدم عدوه، بل إن يوم التفريط به قادم، ويوم التخلي عنه والاستغناء عن خدماته ليس ببعيد.
المقاومة ليست ضعيفة، وقد أثبتت أنها قوية، وأن تؤذي وتضر، وتجرح وتقتل، وتخيف وترعب، وتهدد وتتوعد، وتعد وتفي، وتصل وتطول، ولا يفلت من يدها أحد، لطول باعها، وقوة ساعدها، ومتانة صفها، وبراعة رجالها، ومضاء سلاحها، وعزم أهلها، وإرادة أبنائها والمنتسبين إليها.
إنها المقاومة تستصرخ شعبها وأهلها، الشرفاء والرجال، أبطال التاريخ وصناع المجد، أصحاب الشعلة ورواد العاصفة، الطلقة الأولى والشرارة المدوية، ألا يسمحوا لأحدٍ أن يعبث بمقاومة هذا الشعب، وألا يقبلوا بتمرير أي اتفاقٍ يجيز نزع السلاح، وتجريد الشعب من قوته، وحرمانه من حقوقه وانجازاته، فهذه أمانةٌ على عاتق الأولين، الذين سبقوا بالمقاومة وكان لهم شرف الطلقة والشرارة، أن ينتصروا لها، وأن يقفوا إلى جانبها، فهي امتدادٌ لتاريخهم، ووصلٌ لمستقبلهم، وهي حفظٌ لوجودهم، وبقاءٌ لاسمهم، ورفعٌ لرايتهم، فإن من حافظ عليها بقي، ومن تركها وتخلى عنها زال ونسي واندثر.
الخميس 03:00 الموافق 17/7/2014 ( اليوم الحادي عشر للعدوان)
|
|
|
|
|
|