.. شاهدت فلماً لفتاة سودانية تعلم الفتيات الرقص، واستمعت إليها وهي تتحدث عن هواية الرقص كفن استعراضي وكمفرغ للشحنات السالبة الداخلية وكتعبير عن الاحتجاج والرفض والتمرد.. ولكن ربما تحتاج هي وزميلاتها لمعرفة أكثر عن الرقص وعن تاريخ الرقص الذي ارتبط بالإنسان منذ بداياته كتعبير حركي عن الحزن والفرح والعشق والثقافة اليومية من زراعة ورعي .. الخ من الإنشطة الاقتصادية والثقافية اليومية.. المهم أشد ما أعجبني في هؤلاء الفتيات ظهورهن بطابع سوداني وإبرازهن لجانب من الهوية السودانية في جانب فن الرقص ولو بشكل ضئيل، وايمانهمن بسودانيتهن الافريقية العربية..!!
.. حقيقي نحن أصبحنا أغراب داخل بلدنا، عندما يعبر أحدهم عن الثقافة الاصلية لسكان السودان، أصبح ينظر اليه نظرة إستغراب وإستنكار، واحياناً كثيرة يتم كبت هذه الثقافة عبر قوانين وضعية تتبع لثقافة معينة تحاول التحكم في باقي الثقافات وصهرها بالقوة، كتحويل مناسبات الزواج الى وقت النهار في كثير من القرى ومنع الرقص وتحديد زمن المناسبة، ووضع عقوبات صارمة، حتى باتت كل المناسبات الثقافية والإجتماعية مجرد مسخ واداء واجب..!!
.. قوة السودانيين الحقيقية في تعدد ثقافاتهم ولغاتهم، والطبيعي هو أن نخرج للعالم بسودانيتنا لا أن نخجل منها ونتوارى عنها، ونقلد باقي الشعوب في الملبس والمأكل والرقص والغناء وحتى في تفتيح لون البشرة السمراء، كرفض لهويتنا، وهذا الرفض النفسي لم يأت من فراغ، وانما جاء بفعل القمع المتواصل للثقافة المحلية والنظرة الرسمية الدونية لما هو سوداني أصيل، لدرجة أن يخجل البعض من التحدث بلغته الأصلية مقابل الجهر باللغة العربية أو الإنجليزية، وهنا تكمن الأزمة الحقيقية لهويتنا السودانية التي أصبحت غريبة داخل بلدها، وتغيرت ملامح الشارع السوداني، وتغيرت شكل المباني، وتغيرت ملامح الناس، وحتى الصبغة المعمارية السودانية الأصيلة أصبحت من التراث القديم، مقابل التقليد الاعمي لكل ما هو آت من خارج الحدود..!!
.. لن نتطور ولن نتقدم ولن نبدع، إلا بإستخدام أدواتنا السودانية والتعبير بثقافتنا الحقيقية، وكل الشعوب التي نهضت في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لم تنهض الا بثقافتها الحقيقية، ومهما أجتهدنا وتعلمنا وابدعنا في تعلم ثقافة غيرنا ولغة غيرنا وتعابير غيرنا، لن نتقدم شبراً واحداً لأننا في هذه الحالة لن نكون نحن (السودان) ونما سنكون مجرد مسخ يحاكي ويقلد الغير، ولنكون نحن.. علينا أن نكون هويتنا وثقافتنا ولغاتنا كلها.. علينا أن نعبر عن وحدتنا في تنوعنا، وهذا هو السودان الأفريقي العربي سودان الحضارات ومهد الديانات الذي يجب أن نكون، هذا أو سنظل مجرد مسخ لا هو عربي ولا هو أفريقي ولا هو معروف بين الأمم بثقافة مميزة.. دمتم بود
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة