|
عيد بأية حال الحجاج السفاح بالأراضي المقدسة! الفاضل عباس محمد علي
|
عيد بأية حال الحجاج السفاح بالأراضي المقدسة!
الفاضل عباس محمد علي
قلق... وثرثار...وكثير الأسفار... الرئيس البشير، رغم ضيق ذات يد حكومة السودان...ورغم تضييق محكمة الجنايات الدولية،..... ولعله يريد: • أن يهرب من المسرح برمته، ناجياً بجلده في حالة إنقلاب ما في أيام العيد. • أن يعطي إحساساً وهمياً ب business as usual وبأنه مرتاح البال. • أن يتسلل من باب خلفي للعربية السعودية، فقد يصادف أميراً متنفذاً ويبثه النجوي ...ويكثر من الاعتذار عن تحالفه مع إيران...ويمد القرعة.
مهما يكن من أمر، فإنني أؤكد للأخ البشير أن هذه الحجة غير مقبولة، وتوقيتها خاطئ مائة بالمائة.....فكيف تسوّل له نفسه أن يكلف الخزينة العامة حجة دي لوكس كهذه، في رفقة مكثفة، والبلاد في ضائقة مالية وكارثة إقتصادية يشهد بها العالم كله؟ وإذا ردّ بأنها من حر ماله...فنحن لا ندري تماماً الحدود الفاصلة بين الميري والخاص بالنسبة له...ولا ندري حتي الآن كيف تسمح موارده كرئيس جمهورية بتشييد العقارات والمزارع التي اعترف بها في المقابلة التلفزيونية المشهورة عام 2010؟ هذا إذا لم نذكر القرية الخرصانية الكاملة (حوش بانقا) التي أقامها لإخوانه بحي كافوري بالخرطوم بحري، بمسجدها ومركزها ومولها، بمستوي العمران الخليجي!... وإذا لم نذكر التسعة بلايين دولار التى زعمت ويكيليكس أنها كانت مودعة بإسمه في بنك لويدز بلندن، ثم تحركت لسويسرا، ثم استقرت بجزر البهاما...ولم يصدر نفي بخصوصها من قبل سيادته، لإدراكه بأن البنك سيجيّرها لصالحه في حالة أي إنكار موثّق!! وكيف يقبل الحق عز وجل مثل هذه الحجة ودماء الأطفال والشباب السودانيين لم تجف بعد علي شوارع الخرطوم؟ نيف ومئتا أسرة مكلومة بالعاصمة المثلثة، وعيدها بطعم الحنظل، ورئيس البلاد يهرول بين الصفا والمروة كأن شيئاً لم يكن.... ولعله يجري بروفة علي الهرولة امام جماهير الانتفاضة التي ما زالت متأججة...أو أمام عسس محكمة الجنايات! أي ضمير هذا الذي يسمح لصاحبه باغتيال بني عمه بالجملة بدم بارد...بالضرب في الرأس والصدر بالذخيرة الحية....لأنهم تظاهروا سلمياً في وضح النهار لبضع دقائق تعبيراً عن خلاف مشروع في الرأي حول تصريف الموازنة؟ كيف يقتل نظام البشير بضع مئات من المتظاهرين في يومين، بينما فقد الشعب المصري في انتفاضة 2011 أقل من ثلث هذا العدد...رغم أن سكان مصر ثلاثة أضعاف السودانيين؟؟؟ كنت أحسب أن البشير من المعتدلين في قطار الإنقاذ، لأني سمعته قبل سنوات يتحدث عن إطلاق الحريات،...وسمعته يقول بالتحديد: "لا أريد أن أحكم شعباً من الجبناء...مطأطئي الرؤوس." ولكن يبدو أنه قد تدهور بصورة مريعة، حيث أن ...Power corrupts ... ويبدو أنه الآن زعيم الصقور بالمؤتمر الوطني بلا منازع،... وكان قد اختلف مع كبير الصقور، نافع علي نافع، عندما رفض الاتفاق الذي أبرمه الأخير مع عبد العزيز الحلو في أديس أبابا العام الماضي، وأصبحا يتنافاسان علي زعامة كتلة القتلة والسفاحين بالنظام القمعي الحاكم. ويبدو أن البشير قد احرق كل السفن وهدم كل الجسور التى قد تهديه لفصائل السودان المعارضة الأخري، علي مستوي الحركة السياسية المدنية....أوالحركات الحاملة للسلاح. ويبدو أن البشير لديه لكل مقام مقال...وقد تصل به تكتيكات التأقلم أن يقول أي شيء يرضي الجمهور الذى يقف أمامه في اللحظة المعينة....لينقلب على كل ما قال في اليوم التالي...وهو بارع جداً في المراوغة والتنصل والتراجع والنكوص علي المواثيق...ونظامه معروف بالكذب الصراح.....أنظر لوزير الداخلية الذى قال في مؤتمر صحفي أمام كل قنوات العالم إن شخصاً واحداً لم يمت في الخرطوم...وإن صور الشهداء مدبلجة ومنقولة من الأحداث المصرية....وإن القصة كلها من بنات أفكار قنوات فضائية معينة...إلخ! واضح جداً أننا بصدد رئيس يدّعي الهدوء والرزانة...وكل شيء تمام يافندم....كبشار الأسد، و لا يتورع في نفس الوقت من الفتك بالمدنيين والولوغ في دمائهم حتي الثمالة....ونحن بصدد زعيم مطابق لبشار من حيث الإصرار علي الاستمرار مهما بلغت التكاليف في الأنفس والثمرات...ويبدو أنه قد استعار من بشار بعض حنكة مافيوزية ودراية بتلافيف الصراع الدولي الراهن...وبإمكانية استغلاله لاستمرار "الوضع الراهن" لما لا نهاية....فالولايات المتحدة، تلك القوة الأكبر في العالم، التي تحدت الأسرة الدولية فيما يختص بأفغانستان والعراق واحتلتهما عينك عينك، بلا مسوغ قانوني مقنع، وقفت عاجزة تماماً أمام المجازر التى استمرت في سوريا لعامها الثالث...ولم تفعل شيئاً أمام الفظائع التي ظل نظام البشير يرتكبها في دارفور منذ 2003 وفى جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ عامين....والدول الأوروبية لا تملك إلا أن تسير في ركاب الولايات المتحدة...فالعالم في عصر ال Pax Americana... أضف إلي ذلك أن الولايات المتحدة متعاطفة مع تنظيم الإخوان المسلمين العالمي في الوقت الراهن...وقد توصلت معه لموداس فيفندي فيما يتعلق بالإنتخابات المصرية الأخيرة، تم بموجبه اكتساحها بواسطة الأخوان، رغم عدم شعبيتهم التي أظهرتها الأحداث الأخيرة...وهنالك أصلاً تفاهمات راسخة مع نظام الخرطوم الإخواني منذ بدء محادثات ماشاكوس بكينيا 2002 بين الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق ومندوبي حكومة السودان...إلي أن تكللت تلك التفاهمات بانفصال جنوب السودان عام 2011. لكل ذلك، فإنه يتعين علي قوي الثورة وفصائل المعارضة السودانية أن تتدبر أمرها جيداً، وألا تعوّل علي ما يسمي بالأسرة الدولية أو القوي الكبري أو البيت الأبيض أو الجامعة العربية او أي شيء من هذا القبيل...وبقدر ما يبيّت نظام البشير النية للانفراد بأهل السودان ليسومهم خسفًا لا ينتهي، مستغلاً الثغرات الموجودة في القانون الدولي وحالة التردد الهامليتيHamlet's procrastinaton والأزمة الاقتصادية التى تمر بها الإدارة الأمريكية،...بقدر ما تستطيع المعارضة كذلك أن تستفيد من السوابق القانونية الدولية...فقد تنهض دولة صغري من دول العالم الثالث لتخلص جارتها من طاغية أوسع شعبه تقتيلاً... مثلما فعلت تنزانيا عام 1979 عندما غزت يوغندا بجيشها ووضعت حداً لنظام عيدي أمين دادا ونصبت ملتون أبوتي رئيساً للحكومة الإنتقالية...ونحن لا نحتاج لسيناريو من هذا القبيل...فليس هناك رئيس نبيل مثل جوليوس نايري... وليست هناك من دول الجوار العشر أي واحدة مؤهلة لمثل هذا الدور...(بل جلهم من نوع: جيناك ياعبد المعين تعين... لقيناك أولي بالإعانة)...ولكنا بحاجة لقوة محلية تزحف نحو الخرطوم لتقف بين جلاوزة نظام البشير والمدنيين السودانيين...وليست هذه دعوة لحرب أهلية...ولكنها استغاثة لدرء تلك الحرب...فإذا كان البشير علي استعداد لإبادة ثلث الشعب السوداني....(كما سمعنا أنه قال في الأيام القليلة الماضية)...وإذا استغاث الحاردلو بالإنجليز وبملك إثيوبيا ليخلصوا السودان من طغيان الخليفة عبد الله: (يايابا الفقس...وياالإنجليز ألفونا!)...فلا أقل من أن نستغيث ببني جلدتنا وحلفائنا في المعارضة، منذ أيام سالف الذكر التجمع الوطني الديمقراطي،...وهم بالتحديد الجبهة الثورية المؤلفة من جيش الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركة تحرير السودان والعدل والمساواة..إلخ... ولكن مثل هذا التدخل يستوجب شروطاً صارمة حتي لا تستغله الأصولية الدولية وتدخل عودها وتخوض مع الخائضين، تحفزها أجندة تنظيم القاعدة...كما تفعل الآن في سوريا...وإلي درجة ما في ليبيا........ والشروط هي: • لا بد من إعادة التأكيد علي ميثاق "الفجر الجديد" الذي تم توقيعه في كمبالا بمطلع هذا العام، و لا بد من التنسيق اللصيق بين الجبهة الثورية والقوي المعارضة الأخري الموقعة علي ذلك الميثاق، والإتفاق علي التفاصيل اللوجستية والميدانية المنبثقة عن "الفجر الجديد"، أي إجراءات واستحقاقات المرحلة الانتقالية. • لا بد من توحيد هيئة القيادة والأركان المسؤولة عن تنفيذ العملية، المؤلفة من ممثلي جميع المليشيات الحاملة للسلاح،... ومن الأفضل أن يكون علي رأسها شخص مدني كالدكتور جبريل إبراهيم. • لا بد من إعادة نشر الموجهات التى كان قد أدلي بها الدكتور جبريل إبراهيم أمام جيش العدل والمساواة في أب كرشولا، كميثاق شرف وسلوك تلتزم به المليشيات الموحدة أثناء قيامها بواجبها في الميدان، وكدعاية إيجابية تظهر أن هذه القوى الجديدة تأتي بمفاهيم وأخلاقيات تختلف عن رهط الإخوان المسلمين المتعطشين للسلطة علي أجداث السودانيين. • لا داعي لأن تتوسع العمليات العسكرية او تشمل استهدافات للقواعد ومعسكرات القوات المسلحة بكافة نواحي العاصمة...فالجيش وحش بلا اسنان، ومعظم جنوده من أبناء الشعب الذين ينتظرون الثورة لينضموا لها...ولا داعي للاستيلاء علي محطة الإذاعة والتلفزيون، فهي أجهزة هجرها الناس ولاذوا بالفضائيات (باستثناء الجزيرة المضروبة) والنت والموبايل....وقد لا تحتاج العملية لأكثر من إعتقال عشرة متنفذين بالحكومة والحزب الحاكم، وتأمينهم بحرز أمين...وتحييد مبني الأمن والاستخبارات العسكرية، مع التواصل مع الجمهور عبر محطة إذاعية متنقلة. • لا بد من تسليم الأمر فوراً لمجلس رأس دولة يمثل السودان بقدر الإمكان، من ستة أشخاص بينهم رئيس الحكومة....ومجلس وزراء رشيق، مع دمج بعض الوزارات في البعض الآخر،... ومجلس استشاري من عشرين حكيماً وقانونياً من كل ألوان الطيف، ما عدا الإخوان، لاقتراح أو إجازة التشريعات المؤقتة ووضع الدستور الدائم الذي سيعرض للاستفتاء خلال عامين...علي أن تستمر هذه الأوضاع الانتقالية لثلاث سنوات ونصف. • تعلن منذ البداية ضمانات حقوق التنظيم والتعبير، و لا يحرم أي شخص من المشاركة السياسية، باستثناء جماعة النظام الراهن الذين سيقدمون لمحاكمات مدنية عادلة وشفافة. • تعلن الحكومة الجديدة عن ترتيبات المرحلة الإنتقالية وخطة الإسعاف الإقتصادية التي ستعمل علي تطبيقها خلال الفترة الانتقالية. • يعلن رئيس الحكومة أسماء حكام الولايات الإنتقاليين الجدد، مع تقليص الحكومات الإقليمية لمفتشيات ضامرة ومشتركة... وليس وزارات........كما يعلن أسماء المتنفذين بعدة مؤسسات هامة كالأمن وأجهزة الإعلام..إلخ. أما إذا استمر الحراك الشعبي الحالي بشوارع الخرطوم وبعض المدن الأخري، فإنه سيؤدي لإنهاك الجماهير،...ونفَس الجماهير ليس بطول نفس الحكومة القابضة علي مدخرات وإمكانيات البلاد....ومعظم المواطنين لا يملكون سعر المواصلات بالركشة أو الحافلة لمواقع التظاهرات... ولا يملكون قوتاً يسمح لهم بمنازلة هذا النظام لأكثر من الشهر الذى تصرم...ومن الناحية الأخري، إذا خف الضغط علي النظام، وعادت الجماهير كسيفة إلي بيوتها...فإن زبانية هذا النظام ستفعل بهم الأفاعيل...فقد انكشفت كل القوي المناوئة للنظام بالشوارع...وتم تصويرها ورصدها ومتابعتها لأماكن العمل والسكن...فنحن بصدد سباق ماراثوني بين المؤتمر الشعبي والثورة السودانية...فى مراحله الأخيرة....ولو كانت ظروفنا السياسية والجغرافية والديموغرافية مثل ظروف المصريين، لانحشرنا في ميدان ضخم مثل ميدان التحرير وأقسمنا ألا نغادره إلا بمغادرة النظام...ولكن شتان بين واقع وواقع....بيد أنا تعلمنا منهم ثمة حقيقة جوهرية.. وهي: إما ثورة حتي النصر...وإما استمرار هذا النظام إلي يوم القيامة... لأنه في حالة الإنكسار سيتمكن من القضاء علي رؤوس ومنفذي ومنظري الإنتفاضة.........فكيف الخروج من عنق الزجاجة؟ لا مفر من العملية العسكرية المحدودة التي يتوجب علي قوي المعارضة أن تقوم بها علي جناح السرعة...قبل أن يسترد النظام أنفاسه....وعلي الجماهير أن تكون علي أهبة الاستعداد لدعم تلك العملية حتى يكون لها شرف المشاركة فيها...وحتى لا ينفرد بها الجناح العسكري. وبالطبع، ستواجه قوات المعارضة القادمة من خارج العاصمة سؤالاً هاماً لا مفر منه: أين هو الجيش؟ هل سيتألف من هذه القوي الجديدة فقط؟ ماذا لو نجح أحدهم في تجميع فلول الجيش المنصرم وأوغر صدورهم ضد القادمين الجدد...باعتبارهم غزاة أجانب...كما حدث عام 1976 إبان حركة الجبهة الوطنية بزعامة الشريف حسين الهندي وقيادة العقيد محمد نور سعد؟ إذن لا بد من تحييد الجيش قبل هذه العملية بشكل أو بآخر...أو علي الأقل الاتصال بمعظم ضباطه المضمونين بعد الحركة مباشرة واستقطابهم وترتيب أوضاع الجيش الجديد معهم...والإتصال الفوري والتنسيق مع الضباط المبعدين الموجودين بالخارج والذين يمكن إعداد قوائم هواتفهم منذ الآن....ويمكن الإعلان عن الرتب القائدة للجيش الجديد فوراً... لتجنب البلبلة والربكة الناجمة عن الشعور بوجود فراغ أمني ضخم بالبلاد. لكل بلد ظروفها الخاصة كما أسلفنا، وبالسودان وجود فعلي وفعال للحركات الحاملة للسلاح منذ أكثر من عشر سنوات....ولم نسمع أنها تجند الأطفال أو تغتصب النساء أو تبطش بالمدنيين...كما سمعنا عن مليشيات المؤتمر الوطني مثل الجنجويد....ولقد مدت هذه الحركات أيديها للحركة الوطنية السودانية وظلت في حوار معها منذ وقت مبكر...بل تبلور ذلك الحوار في "الفجر الجديد"....وبما أن المعارضة قد خرجت بكل زخمها للشارع منذ أكثر من شهر، فكيف لا يشارك معها فصيل سوداني أصيل ظل يقدم التضحيات بكافة ساحات الوغي منذ عقد من الزمان؟ مرحباً بهم في عاصمة بلادهم... إن النصر معقود لواؤه بشعب السودان. والسلام.
|
|
|
|
|
|