|
عووك يا بلد : المكتولة لا تسمع الصايحة ! على حمد ابراهيم
|
عووك يا بلد : المكتولة لا تسمع الصايحة ! على حمد ابراهيم
المدن السودانية تشتعل غضبا وثورة بصور و سلوكيات تخالف ما عرف عن هذا الشعب فى الماضى غير البعيد عندما كان السودانى يتافف من الشكوى لدى الآخر باعتبار ان الشكوى لغير الله مذلة فى واحدة من اعظم الانسانية. كانت شكوى الانسان السودانى من ضيق ذات اليد وضيق الماكل والمشرب والملبس فى نفسه و فى اهله اندر من لبن الطير . بل يذهب اعتقاد الانسان السودانى ان الشكوى من نقص الارزاق يعد ضربا من ضروب عدم القبول بالقسمة الربانية مما يقدح فى خلوصية ايمانه ودينه . وكان يندر ان ترى جمعا من السودانيين وهم يخرجون هاتفين صارخين من جوع ومن مسغبة . بل حتى فى الثورتين الشعبيتين اللتين اسقطتا نظامين دكتاتوريين خرجح الشعب ثائرا من اجل حرياته السياسية لا من اجل رغيف الخبز وما شابه . خلال السنوات القليلة الماضية من حكم نظام الانقاذ تبدلت مواقف وسلوكيات الشعب السودانى ازاء مشاكله المعيشية وصار يخرج فى المظاهرات محتجا على اوضاعه المعيشية المتردية. اذا سألت هذا المواطن السودانى ماذا بدلك وجعلك تشكو من مسغبة ومن جوع للناس من حولك مما كان يعتبر عيبا او حتى تشهيرا بالذات ، لاجابك ان الذى يحرك الغبائن فى صدره هو هذه الفوارق المتطاولة والمستفزة التى احدثها حكامه فى محيطه العام . حكام يعيشون فى عوالم غير عوالمه . ويتحدثون معه بلغة استفزازية لم يالفها . لقد اصبح هذا الانسان الذى صبر على الاذى وقتا طويلا ، اصبح غير قادر على تحمل ما يجرى فى محيطه . بل صار السكوت على ما يعايشه فى واقعه الجديد خنوعا واستسلاما وقبولا بالحقارة وتصغير النفس . لقد صار حديث الانسان السودانى ، خصوصا فى الاطراف ، صار لا ينقطع عن حكامه الذين بدلوا احوالهم الخاصة حتى وصلوا بها الذرى ، وفيهم من جاء الى السلطة بالامس من قاع السلم الاجتماعى. لقد بدلوا احوالهم الخاصة حتى بلغوا بها الذرى الاجتماعية بينما هبطوا بحياة رعيتهم حتى بلغوا بها الحضيض بما اشاعوا من فقر مدقع بسبب اخطاء فى الحكم والادارة ارتكبوها كان ممكنا تفاديها . حدة الاحتجاجات التلقائية التى رأيناها راى العين فى بعض احياء العاصمة الوطنية امدرمان تقول ان صبر هذه الطبقات الفقيرة قد نفذ ، ولم يعد فى كنانتها منزع من صبر . الامر الذى يعكس غفلة نظام الحكم عن امور هى من مسلمات الكياسة الادارية التى تحتاط لاصغر الصغائر من الهفوات لأن النيران الحارقة تتفلت من مستصغر الشرر. لقد غابت عن دوائر الحكم النظرات المتأنية والمتعمقة والاكثر واقعية وشمولية وتجردا . لقد اخذ البطر والاطمئنان ولاة الامر حتى ظنوا ان شمس السودان قد توقفت عندهم ، ولم يعد فى نيتها ان تبرح مظانهم الوارفة . لقد عرف العالم سلوكيات الشعب السودانى السياسية الحميدة التى شاهدها وعايشها فى ثورتين شعبيتين ، فى اكتوبر 1964 ، وابريل 1985 من تاريخه القريب مما لا يبرح الذاكرة الجمعية العالمية من سلوكيات هذا الشعب فى ضبط النفس والبعد عن التهور والعنف حتى وهو فى قمة غضبه وثورته . و حتى وهو يتعرض الى تجاوزات اجهزة حكامه الامنية والبوليسية. ان المرء السودانى بات يخشى على بلده وشعبه من ضياع هذه السلوكيات الحميدة لتجئ فى مكانها سلوكيات غريبة ووافدة قد يكون منها القتل العشوائى فى شوارعه مثل ذلك القتل العشوائى الذى يشاهده فى الشارع السورى والشارع العراقى . او يظهر فى حياته اشخاض مرضى فى نفوسهم وفى وجدانهم ياتون كبائر الآثام الوطنية وهم فرحون لاعتقادهم انهم يحسنون صنعا ، من شاكلة المطرود من رحمة الله باذنه زرقاوى الاردن الذى كان يذبح الابرياء على نداءات التهليل والتكبير باسم الله الذى حرم على نفسه الظلم ، قبح الله سيرته . قبل انفجار مظاهرات الاسعار فى الشارع السودانى ، بل واثناء المؤتمر الصحفى لرئيس الجمهورية الذى كان يحاول فيه ان يبيع للشعب مقترحه الاقتصادى للخروج من الازمة التى تأخذ بخناقه وخناق شعبه ووطنه ، كان بعض اعوان الرئيس ماضين فى استفزاز الشعب وتهديده وتحقيره وتحديه أن يحاول الخروج الى الشارع ضد الاجراءات الاقتصادية الوشيكة. بعض اؤلئك (لقادة ) المتفلتين من المحسوبين على نظام الانقاذ الذين ابتدروا مؤتمر الرئيس البشير الصحفى بذلك الصلف والغرور هم اعتى خصوم الانقاذ لو كانوا يشعرون . لقد تحدوا معارضي الرئيس ودعوهم للمبارزة بدلا من ان يدعوهم كلمة سواء فى وطن تحيط به الانواء الاقتصادية والسياسية. لقد فهم اؤلئك الجهلاء انهم فى حرب طرفاها الانقاذ والشعب السودانى. مثل هؤلاء المحسوبين على الانقاذ هم خصم عليها وعلى قيم الحق والعدل التى يتوحب ان يرعاها الحاكم الذى تلزمه امانة الحكم أن يستمع الى مطالب رعيته . ولكن لا بأس ، فالمكتولة لا تسمع الصايحة !
|
|
|
|
|
|