من باب حسن الظن، أو من نافذة النيات الحسُنة، أجدني ميّالاً - في بعض المرات – إلى تبرئة ساحة نواب البرلمان من بعض تصرفاتهم الخرقاء. وأحياناً – كثيرة - لا أخفي تعاطفي مع بعض المداخلات الشتراء، انطلاقاً من أن المعايير التي جاءت بأكثرية النواب إلى قبة البرلمان، ليست مستقيمة ولا عادلة، وأنها نتاج اعوجاج كبير في الممارسة السياسية. لدرجة أن بعض الذين يستكثر عليهم المنطق، المرور قبالة المجلس الوطني، نابوا عن الشعب تحت قبة البرلمان..!
لكل هذه النقائص الفطرية التي تزين ديباجة بعض النواب، أجدني ميالاً لالتماس الأعذار لهم، خاصة أن بينهم من تعوزه المعرفة الكافية. فكيف ترجو منهم أن يتداخلوا بصورة ذكية، أو أن ينظروا بزاوية متفردة..!
نعم، فبعض هؤلاء النواب من شاكلة "أبو زينب" المرشح البرلماني الذي طعن منافسُوه ضده في المحكمة، بحجة أنه غير مؤهل للترشح لأنه لا يجيد الكتابة والقراءة. وحينما جاء الخصوم إلى جلسة النطق بالحكم، طلب الطاعنون من القاضي أن يأمر "أبو زينب" بأن يكتب – ولو اسمه فقط – حتى يتأكد من انه أمي ولا يفك الخط. وحينما طلب القاضي من "أبو زينب" المطعون ضده ذلك، فإذا به يجتاز الامتحان العسير، ويتمكن من كتابة اسمه، بعد "تلتلة شديدة". هنا ضجت قاعة المحكمة والشوارع المحيطة بها، بالهتاف الداوي من أنصار المطعون ضده، تعبيراً عن الفرحة "كتب.. كتب.. أبو زينب كتب".
وبناء على ذلك كله، ظل كثيرون يتصالحون مع الترهات القادمة من البرلمان. لكن بعد أن أضحت مداخلات النواب تحفل بـ "شطحات" مثيرة للشفقة والقلق، أصبح من غير المنطقي غض البصر والقلم، عن "جدعات" أشباه المرشح "أبو زينب". ثم إن الخزعبلات البرلمانية أضحت فوق حدود المعقول. انظر إلى نواب البرلمان تجد أنهم تسابقوا، خواتيم الأسبوع الماضي لمعارضة اتفاقية صُممت لتفعيل التعاون القضائي والقانوني بين السودان والمملكة المغربية. بل إن النواب طالبوا بعدم اعتمادها، على اعتبار أن الاتفاقية يُمكن أن تتسب في منع تعدد الزوجات، لجهة أن المملكة المغربية تحظر التعدد..!
يا للهول، فقد عميت عيون هؤلاء النواب، عن كل محاسن الاتفاقية، بل تغاضت عن كل العيوب، ولم تر عيباً فيها، سوى أنها ستُسهم في منع تعدد الزوجات..! فهل يُلام هؤلاء، إن مرت فيهم كل البلاوي والكوارث القانونية القادمة من البرلمان، وهل يُلام هؤلاء، أن وقفوا في صف الجهاز التشريعي، وظاهروه على حساب صف الشعب والمواطنين.
العجيب، أن البرلمان الذي رفض اتفاقية التعاون القضائي والقانوني مع المغرب، من أجل المحافظة على حق التعدد، سبق أن ساند رفع الدعم عن المحروقات، الذي لقي بسببه، أكثر من (80) من شباب السودان - بحسب إحصائية الحكومة الرسمية - حتفهم، بعدما سال نزيف الدم في رابعة النهار.. فتعجب يا صاحِ..!!
لكن حينما تعلم أن نائباً برلمانياً، مثل دفع الله حسب الرسول، رفع عقيرته – ذات جلسة برلمانية - منادياً، بضرورة التعدد في الزواج، بغية دعم القوات المسلحة بالرجال، فإنك ستعرف لماذا أجاز البرلمان قرار زيادة أسعار المحروقات القاسي، ورفض اتفاقية التعاون القضائي والقانوني مع المغرب. وستعرف - أيضًا - أن هؤلاء النواب، لا يؤمنون بـ "التعددية السياسية"، مع أنهم اُنتخبوا من أجلها، وأنهم يؤمنون – فقط – بالتعدد في الزواج.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة