|
عنصريون رغم أنف الجميع/ زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
عنصريون رغم أنف الجميع زين العابدين صالح عبد الرحمن يقاس تطور أية مجتمع و تمدنه, بهجر الأغلبية لكياناتهم الأولية, و تبني مؤسسات حديثة مفتوحة و جامعة بعيدا عن القبلية و العشائرية, تعبر عن أمالهم و طموحاتهم و تصوراتهم من خلال برامج سياسية و اجتماعية و ثقافية و غيرها, و قد توحد السودانيون في نضالهم من أجل الاستقلال و طرد المستعمر, و انتظموا في مؤسسات سياسية " أحزاب سياسية " تتباين في أفكارها و برامجها, و رغم إن الأحزاب لم تؤد الدور المنوط لقيادة المجتمع في عملية التحديث و الاندماج و الصهر, إلا أنها كانت نقلة اجتماعية و سياسية نوعية في ذلك الوقت, و كان الجميع يتطلع إلي دولة ديمقراطية, تعبر عن جميع الكيانات المختلفة, و يتباري الناس فيها بالطرق السلمية عبر صناديق الاقتراع, و يتم الاختيار للكفاءات بعيدا عن التعصب الذي يميل إلي البناءات الأولية " العشائرية و القبلية و الطائفية " و غيرها من العصبيات, و التي تعيق تطور المجتمع, و المجتمع السوداني رغم جهد النخب لإخفاء العنصرية المختزنة في مخيلتهم, إلا أنهم لم يستطيعوا الوقوف بقوة أمام تيارها, ربما لآن المجتمع كان يختزن العنصرية في ثقافاته, و ظهرت بصورة واضحة عقب ثورة 24, في مذكرة كرام القوم, و هذه المذكرة تعد أحد العلامات السالبة في التاريخ السوداني, و التي أبرزت التمايزات الاجتماعية و العنصرية المختزنة في ألا شعور, و تخرج العنصرية من مخبأها كلما لاح في الأفق ضوء يهدي للتغيير في المجتمع و السياسة, أو ظهرت دعوات من قوي جديدة من أجل التغيير. رجعت الدعوة للبنيات الأولية في عهد الإنقاذ بصورة واضحة, و تستخدم علي أعلي مستوي في النظام, و حتى لا نجافي الموضوعية إن الدولة و السلطات المتعاقبة عقب الاستقلال, هي أيضا قد ساهمت فيها بصورة كبيرة, و أيضا النخب علي مختلف مدارسها الفكرية و تياراتها السياسية, عندما قبلت أن تضمن هذه الانتماءات في الأوراق الثبوتية الرسمية للدولة, عند استخراج الجنسية و جواز السفر و بعض المعاملات. و معروف إن القبلية و العشائرية, و حتى الإقليمية هي ظواهر سالبة تعيق تقدم أية مجتمع و تطوره, و من العوامل الجوهرية التي تعيق الثورة و الانتفاضة ضد الإنقاذ هذه الظاهرة, و هي ظاهرة قد برزت بقوة في الخطاب السياسي لقيادات الإنقاذ, و في طرح الآراء, و تناول الموضوعات و الحوارات السياسية و الثقافية, إن النفس العنصري الذي أصبح بارزا في بعض الكتابات يؤثر نفسيا و سلبيا علي تعبئة الجماهير, و يوقف تدحرج عجلة التغيير, باعتبار إن البديل أصبح غامضا, و يكون رأي العامة التمسك بالشيء الذي يعلمونه بدلا عن المغامرة غير المحسوب نتائجها, و استطاع النظام أن يغذيها بصور شتي, مستخدما أدواته الإعلامية, و كتابه في العديد من الصحف الورقية و الالكترونية. الغريب في الأمر, إن المعارضة بشقيها, التي تنادي بالنضال السلمي, و الأخرى التي تتبني العمل العسكري, أحجمتا عن الخوض في هذه القضية, بل هناك من يذكيها, في اعتقاد أنها تشكل سندا ضروريا في عملية الاستقطاب الاجتماعي السياسي, دون النظر في عواقبها, و بالتالي ظلت النخبة السودانية السياسية و الثقافية, تبتعد عن إجتراحها و تناولها بالحوار و النقاش, فهي ظاهرة بدأت تتوسع و تأخذ أشكالا متنوعة, و ضررها أكبر و أوسع من نفعها, فالنظام يستفيد من الأنفاس العنصرية بل يروجها, و يلقي عليها الأضواء, لأنها تخدم قضية بقائه, و تخوف الجماهير, في إن التغيير الذي تنادي المعارضة به, يغدو تغييرا غير مضمون, لأن البديل هذه الكتابات التي تمتلئ بالعنصرية, و إذا كان الذين ينجرون إلي الكتابة المليئة بالرموز و الإشارات العنصرية و الجهوية لا يدرون خطورتها و أثارها السالبة فهذه مصيبة, أما إذا كانوا يدرون تأثير كتاباتهم السالبة علي العامة, و أنها تؤثر علي حركة التغيير في المجتمع, فتكون المصيبة أكبر, لآن هؤلاء يخدمون النظام, و يعيقون عوامل الثورة و الانتفاضة, لأنهم ينشرون الخوف و الهلع في نفس الناس من عملية تغيير, ربما ترجع الناس لسياسة القرون الأوسطي, مع صمت من قبل المعارضة في بحثها بجدية. هذه القضية تحتاج بالفعل إلي وقفة و حوار حقيقي يسبر غور المشكلة من قبل المعارضة, التي تنادي بالتغيير و الديمقراطية, و أية تجاهل للمشكلة و إهمالها ليس في مصلحة وحدة الوطن, و دعاة الديمقراطية. لآن العشائرية و القبلية و الطائفية من النعرات العنصرية و الجهوية هي نتاج لعمليات القمع و العنف و الاضطهاد و انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها السلطة, و هي تتسبب في إعاقة العملية الديمقراطية و تطورها في المجتمع, و أيضا ليست في مصلحة وحدة الوطن و السلام و الاستقرار الاجتماعي, الذي يأمل فيه الجميع. و لكن علينا أن نفرق بين قضيتين أساسيتين, أن الجهوية و العنصرية تعد ظواهر سالبة لا تخدم القضية السياسية, و بين نضال القوي السياسية التي تنادي بإزالة التهميش في المجتمع, و دعاة الأخيرة يناضلون من أجل المشاركة السياسية المتوازنة و التوزيع العادل للسلطة و الثروة و التنمية و تحسين الخدمات و المساواة بين المواطنين, و الأخرى تعيق كل هذه الشعارات. إذن ليس هناك أدني علاقة بين النضال من أجل الحقوق و بين الانحراف لاستدعاء العنصرية و العشائرية, حيث إن العنصرية تمثل أصوات سالبة تسير في اتجاه السلطة و تخريب للنضال من أجل الديمقراطية. نخبة السلطة استدعت عن وعي النعرات القبلية و العشائرية, لكي تحدث انشقاقا في المجتمع, و تجعله مثل الفسيفساء, حتى تسهل عملية السيطرة عليه, و تضرب قواه السياسية, و من جانب أخر أيضا تريد أن تخلق نوع من الخوف و الترهيب, في إن أية فكرة للتغيير السياسي سوف تجلب نظاما غير مأمون العواقب, و يؤدي إلي حروب قبلية و انتقامات, و ينشر الفوضة و إباحة الدم, و يصبح السودان غابة كبيرة يسيطر فيها من يملك القوة علي الضعيف, و دعاة العنصرية هؤلاء يخدمون أهداف السلطة, عندما يذكون ذلك بكتابات تملأها العنصرية و الجهوية. و لا أخال إن بعض من هؤلاء كتاب تابعين للنظام يتدثرون بثوب المعارضة لخدمة النظام, فالقضية علي أية مستوي وطنى, تحتاج إلي حوار علي مستويات مختلفة, إذا كان علي مستوي القوي السياسية بمختلف مدارسها الفكرية و السياسية, و علي مستوي منظمات المجتمع المدني باعتبارها أحد القضايا المهمة التي لها تأثيرات سالبة و خطيرة علي مستقبل السودان كدولة, و يجب علي النخب السياسية و الثقافية و غيرها أن تجترح القضية, و تناقشها بعمق, دون أية حساسيات, أو تخوف من فتحها, لأنها تعد أحد العوامل التي تعيق عملية الثورة و الانتفاضة في المجتمع, كما إن نقاشها بقوة و بصراحة سوف يمهد الطريق للتغيير و يخلق وعيا جماهيريا ناضجا, و نسأل الله التوفيق.
|
|
|
|
|
|