|
عنصرية (كافور) كافوري ! عبد المنعم سليمان
|
mailto:[email protected]@gmail.com
مُنذ عام 2003 م ، والدماء تسيل في دارفور ، أكثر من عشرة أعوام مرت والنساء يُغتصبن والطفولة توأد والرجال تُهان والأسر تُشرد والأرزاق تُقطع والأرض تُحرق والعرض يُهتك . كل هذه الفظائع والمآسي تحدث أمامنا ونحن (قعوداً) ننظم المرثيات شعراً ونثراً في حضرة الشهداء ، نذهب لنُعزي في السرادق الإسفيرية التي تُنصب للشهداء ونسكب فيها دموعنا الكيبوردية ، ثم نرفع الفاتحة بـ (Sign Out) .. تحولنا إلى نائحين ونائحات اليكترونيين نمتهن العويل والبكاء ونحن قعود لا نحرك ساكناً ، بينما المُجرم الشهواني يتنقل ببندقيته من منطقة إلى أخرى من دارفور إلى جبال النوبة إلى النيل الأزرق وحتى الخرطوم .
أمس شاهدت مقاطع فيديو لطالبات من دارفور وهن يتحدثن عن القمع والسرقة والتحرشات الجنسيّة التى تعرضن لها أثناء طردهن من داخليات جامعة الخرطوم ليلاً بواسطة أجهزة النظام الأمنية ثانى أيام عيد الاضحى ، شهادات مُروعة تنخلع لها القلوب وينشطر من وقعها الحجر ، ممارسات مُنحطة يستحي من الإتيان بمثلها إبليس الرجيم في أكثر الأماكن قذارة وظلاماً ، ناهيك من أن يقوم بها في قلعة من قلاع الطهارة والنور .
أحسست بالعار يُكللني من رأسي إلى أُخمص قدمي وأنا استمع إلى شهادة فتاة قالت والعبرة تخنقها إن أحد عناصر الأجهزة الأمنية دخل عليها في غرفتها وحاول إنتزاع حمالة صدرها وهددها بالإغتصاب ، حاولت الطالبة البريئة أن تستفز نخوة ورجولة هذا الوحش البشري ، فقالت له : ( أليس لديك أخوات) فرد عليها بعد أن خلع (الكاب) من رأسه : (انظري لشكلي ، هل هناك ما يدل على أنني (غرابي) – أي من دارفور - قالتها المسكينة ودخلت في موجة من البكاء ، فلم تكن تعلم أن هؤلاء المنبتين لم يعيشوا ويتربوا في كنف الأسر مثلها حتى يقيمون وزناً لها ، ولم تكن تدري أن هؤلاء من عديمي الشرف الذين لا يُسْتحلفون بالشرفِ ، وإنهم من الشواذ - وأقصدها حقيقة لا مجازاً – الذين قادتهم خيانة الجسد إلى خيانة الوطن .. لم تكن تعلم أنها أمام كائنات إنقاذية تمشي بلا عقل أو قلب ، وإنها في مواجهة أصنام (لا تملك طُهر الأصنام) ، كما قال الشاعر الثائر عمر أبوريشة .
هذا الحديث العنصري القذر الذي تفوه به أحد عناصر الأمن ما هو إلاّ امتداداً لسياسة رئيسه العنصري وحديثه الشهير بأن (الغرابية إن وطأها جعلي فذلك شرفاً لها) – أو كما قال المشير البذيئ – وحقيقة يمكنني أن أتفهم كون البشير قاتلاً وخائناً وسارقاً الى آخر النعوت والصفات الذميمة التي يتمتع بها ، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة ، وهناك نماذجاً مُعاصرة وتاريخية كثيرة في هذا المجال ، ولكن ما لا أتفهمه ولا يمكن إقناع أي مواطن عربي من المحيط إلى الخليج به هو أن رئيسنا الأسود صاحب الشفاه الغليظة عربي من نسل عدنان ، وهذا التلصق بالعروبة بخلاف إنه مُضحك فهو مخجل أيضاً ، وهو أشبه بمحاولة إقناعهم إن كافور الأخشيدي هو إبن عم أبو الطيب المتنبئ ! لا أعرف لماذا يسُب شخصاً أسوداً ، أسود آخر ، ويعايره بلونه ، ولماذا يتنكر الشخص لهويته ويحتقر ذاته إلى هذا الحد المزري والمؤلم !
إن العنصرية التي ينتهجها النظام الإنقاذوي الكريه في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وضد بعض أهل الشرق والسخرية منهم والحط من أقدارهم والتعامل معهم كما يتعامل عامل الحديقة مع حيوانات القفص ، سيلحق دماراً واسعاً بحاضر ومستقبل البلاد ، فالوحوش العنصرية الكريهة لا تكتفي بحقن العنصرية المسمومة في أوردة الضحايا بالمعتقلات والسجون ، بل تعمل على تلقين فلذات أكبادنا حصص العنصرية يومياً من خلال المنهج الإنقاذوي الدراسي الماسخ ، حيث لا يزال أطفالنا يدرسون بحصص اللغة العربية إن جمع التكسير لكلمة (عبد) هو (عبيد) ، ولكم أن تتخيلوا كم بشير عنصري ######## سيخرج لنا من هذه المدارس في المستقبل ؟ لذا فإنه لا يمكن وعلى الإطلاق خلق وطن معافى إلا بإسقاط هذا النظام ، وأي تفاوض معه لأجل بقاءه إنما هو محض صفقة خاسرة ، صفقة أكثر خسراناً من صفقة أبي غبشان كما تقول العرب .
وفي القصة التي حدثت أيام الجاهلية الأولى ، إن قبيلة بني كلاب وكانت تتنازع وقتها شؤون إدارة وحماية الكعبة الشريفة مع قبيلة خزاعة التي كانت تقوم بهذا الدور ، تفتقت ذهنية قصي بن كلاب إلى حيلة ماكرة سيطر بها على مقاليد الكعبة لصالح قبيلته ، فلما علم أن رئيس الحراسة ذلك اليوم هو أبي غبشان الخزاعي ، وكان يعلم حبه وضعفه أمام الخمر ، حضر إليه ليلاً وفي يده (قنينة) خمر ، وفاوضه مدغدغاً على وتر الخمر ، حتى إشترى منه مفاتيح البيت الحرام بقنينة خمر ، فصار ضعف وخفة وتلهف أبي غبشان الخزاعي مثلاً يمشي بين الناس ، فقالوا : (أخسر من صفقة أبي غبشان).
والجبهة الثورية إن وافقت في تفاوضها على بقاء سيطرة نظام المؤتمر الوطني العنصري فإنها لن تكون كبائع البيت الحرام بـ (زجاجة) خمر وحسب ، بل إنها ستساهم في بقاء الرئيس الحرام والنظام الحرام والأسرة الحرام والفساد الحرام والقتل الحرام ، وفوق هذا وذاك فانها تُزين العنصرية الحرام.
|
|
|
|
|
|