|
عندما يرفع ضابط الأمن شارة النصر مصطفى عبد العزيز البطل
|
[email protected]
هناك صورة فوتوغرافية واحدة انتشرت خلال الايام القليلة الماضية على صفحات الصحف العربية والدولية والصحف الاليكترونية، انتشار النار في الهشيم. يظهر في الصورة اخصائي الاذن والأنف والحنجرة، القيادي الاخواني المصري، الدكتور ممدوح البلتاجي أسيراً يحوطه عدد من أفراد الأمن. كان البلتاجي قد تم اعتقاله يوم الخميس الماضي بعد ان داهمت قوة مسلحة شقة صديقه الاخواني الآخر خالد الأزهري النائب البرلماني ووزير القوى العاملة السابق، في منطقة ترسا بمحافظة الجيزة فاعتقلته هو ايضاً، ومعهما زميلهما الاخواني الثالث جمال العشري النائب المنتخب في البرلمان المحلول. يظهر البلتاجي في الصورة بملابس النوم. بينما يظهر رجال الامن في ملابس عسكرية مما ترتديه في العادة قوات الكوماندوز والعمليات العسكرية الخاصة. وفي صدر الصورة ترى أحد أفراد الأمن وقد رفع يده اليمني عالياً امام الكاميرا. يد العنصر الأمني مفتوحة، وقد افسح ما بين وسطاه وسبابته على شكل حرف(V) بلغة الفرنجة. هذه العلامة تسمي في المصطلح "علامة النصر". وتلك شارة الفتوحات والانتصارات الكبرى. بدا لي المشهد غريباً بعض الشئ. ثلة من الجنود في ملابس اقتحام مسلح وأحدهم يرفع شارة النصر، وكأنهم قد عادوا للتو من مهمة تحرير تل أبيب. ثم المقبوض عليه الذي يبدو انه كان نائماً، دخل عليه الجنود غرفة النوم فأيقظوه واقتادوه! أفراد الامن والشرطة في الفقه القانوني هم جزء من سلطة الضبط القضائي. ضبط واحضار المطلوبين للمثول أمام سلطات التحقيق جزء أصيل من مهمة هؤلاء. ويفترض ان عناصر الضبط القضائي هذه محايدة في ممارسة اختصاصاتها وفي سلوكها العام. لا علاقة لها بطبيعة الاتهامات الموجهة للمطلوبين ولا خلفياتها. مهمتها فقط تطبيق تكليف الضبط والاحضار بصورة مهنية. مع التسليم بأن اولئك الذين تنفذ بحقهم عمليات الضبط أبرياء حتي تثبت ادانتهم. فلماذا أذن كل هذا الانفعال؟ لماذا يظهر ضباط وجنود الامن كل هذا الابتهاج العارم بالقبض على البلتاجي، الى درجة رفع شارات النصر أمام الكاميرات في مشهد غوغائي لا يليق بالأجهزة الامنية الاحترافية؟ شئ عجيب، اليس كذلك؟ الحمد لله، لم تظهر الصورة وكلاء النيابة والقضاة. وأتمنى الا يكون وكيل النيابة والقاضي الذين سيمثل امامهما البلتاجي قد رفعا أيضاً شارات النصر وتبادلا التهانئ. وان كنت لا استبعد اى شئ وسط هذه (ال########ة الهايصة)! قرأت بعض الاتهامات الموجهة للبلتاجي، ولكنني لم آخذها مأخذ الجد، اذ من الصعب التمييز بين الجد والهزل هذه الايام. ومن الحق ان كل ما يدور في مصر حالياً في مجال توجيه الاتهامات والمحاكمات يبدو وكأنه فصل منتزع من مسرحية كوميدية. وقد كتبنا من قبل عن حالة الرئيس السابق حسني مبارك الذي اتهمه الاعلام بسرقة سبعين مليار دولار، ثم تدهور الاتهام الى استلام هدية من مؤسسة الاهرام الصحفية، عبارة عن قلم حبر مذهب وكرافتة ايطالية. واتهم بالمسئولية عن قتل سبعمائة وأربعون متظاهراً ماتوا ايام الثورة، ثم رأينا ورأى العالم كله، كيف ان قوات الجيش والامن تحت، قيادة الفريق السيسي واللواء محمد ابراهيم، قامت بعد ذلك بقتل اكثر من ألفى متظاهر رمياً بالرصاص وحرقاً بالمحاريق ودهساً بالمدرعات والبلدوزرات في يومين فقط، وهي تفض المظاهرات والاعتصامات المدنية في المدن المصرية (اعلن المركز المصري للحقوق الاجتماعية أسماء 1360 قتيلاً تمكن من الحصول عليها حتي تاريخ 19 اغسطس). لا شأن لي بالاتهامات الموجهة الى البلتاجي. هو وحده الذي يقع عليه عبء الرد عليها. ولكنني أعرف أن هذا البلتاجي فاز في الانتخابات النيابية عن دائرة شبرا الخيمة، في عهد الرئيس مبارك، مكتسحاً كل منافسيه بفارق ستة عشر الف صوتاً من المرشح التالي له. ثم فاز في الانتخابات النيابية في دائرة القليوبية بعد ثورة يناير 2011، وكان الفوز هذه المرة مثل سابقه حاسماً وساطعاً. الغريب، وكما سبقت الاشارة، أن الشخصين الآخرين الذين اعتقلا معه، خالد الازهري وجمال العشري، هما ايضا من الفائزين في الانتخابات ومن اعضاء برلمان ما بعد الثورة! المشهد العام في مصر حاليا يدعو للحيرة. الذين انتخبهم الشعب عبر الانتخابات الحرة المباشرة فنالوا حق تمثيله وفقا للمعايير الدولية للديمقراطية هم الآن في زنازين السجون. بينما يجلس في مقاعد السلطة رجال ونساء لم ينتخبهم أحد. ناداهم قائد العسكر فهرعوا خفافاً وثقالاً. اغلبهم خاض امتحان الانتخابات فخسرها، إذ رفض الشعب ان يمنحهم ثقته. بعض هؤلاء كان سقوطهم مدوياً وخسارتهم مزرية. أما البعض الآخر فلم يجروء حتي على الجلوس للامتحان! الذي يدعو الى العجب - الى جانب مشهد رجال الأمن الذين يرفعون شارات النصر عند اعتقال مواطن مطلوب للتحقيق في قضية - هو منظر جموع المبتهجين، من اليساريين والليبراليين في شمال الوادي، وادعياء النضال ضد نظام الانقاذ والداعين لاستعادة الديمقراطية في السودان. هؤلاء الذين ما فتئوا يطلقون الالعاب النارية احتفالاً بالقبض على نواب الشعب المنتخبين! الديمقراطية كنهج لتنظيم بيئة ممارسة الحرية لها قواعدها المستقرة وقوانينها الراسخة. فإما ان نخضع لها ونرتضي حكمها، وأما ان نلفظها ونبحث عن غيرها. الواضح ان كثيراً من الذين عجزوا عن مواجهة تيار الاسلام السياسي عبر آليات الديمقراطية قد حسموا خيارهم. أنتم وشأنكم. لا عتاب ولا ملامة. فقط لا تصدعونا وتفلقوا رؤوسنا بالأوهام والخزعبلات والأحاديث المجانية عن النضال من اجل استعادة الديمقراطية!
نقلاً عن صحيفة (الخرطوم)
|
|
|
|
|
|