|
عندما تذبح العدالة تحت شعارات الديمقراطية زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
عندما خرجت الجماهير التونسية في أول خطوة للربيع العربي، كانت فرحة الجماهير العربية كبيرة، بهذا التحول الجديد في المنطقة، و لكن عندما خرجت مصر كلها لكي تدك قلاع الديكتاتورية، استيقنت الجماهير العربية، إن الديمقراطية بدأت تفرض ذاتها في الواقع العربي، لما تمثله مصر من مكانة متميزة لا تشاركها فيها دولة، كنا نحن في السودان أكثر فرحا، لما أذقته عصبة الإنقاذ للشعب من تعذيب و انتهاكات لحقوق الإنسان، و قتل و إغتصابات للحرائر، و غيرها من كل الموبقات و الشرور التي لم يشهدها السودان طوال تاريخه حتى في عهد الاستعمار، كان الأمل أكبر، في إن مصر سوف تغيير الواقع لترسيخها لقيم العدالة و الحرية و الديمقراطية بفضل ثورة 25 يناير، و عندما وصل الأخوان لقمة السلطة من خلال صناديق الاقتراع، قلنا ربما التجربة تغيير الثقافة الإقصائية في ثقافة الأخوان، و يتعلموا أصول اللعبة الديمقراطية، و عندما خرجت الجماهير المصرية تطالب بإستقالة مرسي، أيضا كانت جزء من اللعبة الديمقراطية و قوانينها و أدواتها، و لكن عندما تدخل الجيش أنقسم الناس بين مؤيدين و معارضين، داخل مصر و خارجها، ليس حبا في الأخوان و أطروحاتهم أو وقوف معهم، خاصة إن السودانيين جميعهم لا يصدقون بعد حكم الإنقاذ شعاراتهم الكاذبة، و نحن أكثر دراية و معرفة بحكم الأخوان لأننا قد تذوقنا مره و عذابه و فساده و كذبه، و كان يقيننا أن التغيير في مصر يستطيع أن يعدل الضلع المعوج لكي تسير الديمقراطية في الطريق الصحيح، كان الأمل في القوي الديمقراطية الجديدة، و شباب الثورة الذين قادوا النضال ضد الديكتاتورية، و لكن كان الخوف من النخبة المصرية، التي تربت في حضن الديكتاتورية طوال تاريخها و تغذت من شيرانها، إذا كانت في الحزب المخلوع أو القوي السياسية الأخري، و التي لا تختلف عن الحزب المخلوع سوي أنها لم تحكم، كان بالفعل الخوف من دعاة الدولة العميقة، هؤلاء الذين يصنعون الفرعون، و هؤلاء هم الذين يؤسسون للنظام الديكتاتوري، بما تعلموه من بلاط السلاطين، هؤلاء هم الذين يجهضون الثورة، و ليس القوات المسلحة المصرية، لأنهم أكثر الناس خبرة بتلوين جلودهم و تغيير مواقفهم، و تبرير مخرجات السلطان، هؤلاء هم الذين يذبحون الثورة و شعاراتها و ينحرفون عن المسار الديمقراطي، لأنهم لا ينظرون للوطن بقدر ما ينظرون لمصالحهم، هؤلاء مثل الحرباء لديهم خطاب لكل وضع، ليس في وجوههم حياء، و مثلهم كما يقول المثل " ليس شجاعا ذلك ال###### الذي ينبح علي جثة الأسد" و لكن كان الأمل دائما معقود علي القوي الديمقراطية في مصر، هي التي سوف تعيد مسار الديمقراطية للطريق الصحيح. إن إصدار حكم بإعدام 529 من جماعة الأخوان المسلمين في محاكمة لم تستمر سوي يومين، هي إهانة للقضاء المصري قبل أن تكون حكما جأئرا علي مواطنيين، إننا ضد ثقافة الأخوان، و ضد منهجهم السياسي القائم علي إقصاء الأخرين، و قد تجرعنا نحن في السودان الحنظل منه، و لكن يجب أن نكون متسقين مع انفسنا، نحن دعاة ديمقراطية لنا و لسوانا، الذي لا نرضاه علي نفسنا لا نرضاه للآخرين حتى إذا كانوا أعدائنا، فالديمقراطية لا تبني بالتخويف و القتل، و كما يقول المهتما غاندي " حمل السلاح ليس دليل علي القوة" و الديمقراطية لا تتبني بأدوات الخوف، و التصرف مع الخارجين لا يتم بإجراءات جائرة تفقد العدالة منطقها. إن الأحكام التي أصدرتها محكمة المنيا، هي لا تبت للعدالة بأدني شيء، و كما يقول المثل " تكلم أنت غاضب فستقول أعظم حديث تندم عليه طول حياتك" و أخطر شيء في اللعبة السياسية التي تزعزع الوطن و تفرض ثقافة العنف، أن يجر القضاء للعبة السياسية، ربما يشجعه بعض الناس للتخلص من فصيل سياسي، و لكنه سيظل سيف مسلطا علي كل صاحب رأي بعد ذلك، فهذه الأحكام هي ذبح للعدالة تحت الشعارات ديمقراطية، و السكوت عليها يعني إضاعة طريق الديمقراطية، فكل ريع بترول الخليج لن يصلحه، و إذا كانت النخبة المصرية بالفعل تسعي لبناء دولة الحرية و الديمقراطية، يجب أن تكون أول من يقف ضد ذلك، لأنهم هم الذين أول من يقفون ضد انحرافات العدالة و تسيسها، فأساس الحكم العدل، فالعاقل لا يبطل حقا، و لا يحق باطلا. و الرجوع للحق خير من التمادي في الباطل، و كل شخص يعمل وفقا لثقافته و مبادئه، إذا كانت مبادئ الأخوان هي الإقصاء و التمكين و الحجر علي الحريات، فالذين يؤمنون بالديمقراطية و الحرية، هم أكثر الناس تمسكا بالعدالة لأنهم هم الذين ينتجون ثقافتها و يرسخون مبائها في المجتمع، و إذا كان الردة الإساءة بإساءة فمتي تنقطع الإساءات. و الثقة كبيرة في التيار الديمقراطي في مصر، لأنه علي حق و الحق سوف ينتصر لا محال، لذلك هم الذين سوف يقفون ضد كل إنحراف للعدالة، و هذا الحكم هو وصمت عار في وجه كل التيار الديمقراطي في مصر، و هو حكم يريد أن يسئ لأهل الديمقراطية في مصر، فالحرب ضد الأخوان ليس مبررا لانحراف العدالة و ليس مبررا في السير في الطريق الخطأ، و حيث تكون الحرية يكون الوطن، إن استقرار مصر و بناء صرح الحرية و الديمقراطية فيها سوف يشع علي كل منهم حوله، و الرجوع للحق خير من التمادي في الباطل، و إذا كان الأخوان منحرفون فهذا لا مبرر لانحراف الديمقراطيون. و الله الموفق.
|
|
|
|
|
|