|
على عثمان فى البرلمان بقلم : سعيد أبو كمبال
|
بقلم : سعيد أبو كمبال جاء فى جريدة اليوم التالى عدد الثلاثاء الأول من اكتوبر 2013 أن السيد / على عثمان محمد طه الذى كان وقتها نائباً لرئيس الجمهورية: ( يدعو المواطنين للرقابة على الأجهزة التنفيذية والمؤسسات عبر الصحافة والاجهزة التشريعية ومنظمات المجتمع المدنى .)كما تحدث على عثمان أكثر من مرة عن خذلان الأجهزة التنفيذية للمواطنين. وقد فكرت وقتها فى التعليق على تلك الدعوة ولكن حالت بعض الظروف الخاصة وتلاحق الاحداث دون ذلك. وقد كتبت قبل ايام قليلة مقالاً بعنوان :( المنشور 3/2014 ومخالفة الدستور نفسه ) قلت فيه : ( لا يوجد فى السودان وللأسف الشديد اشراف على العاملين فى الاجهزة التنفيذية للتأكد من التزامهم بتطبيق القوانين واللوائح التى تحكم عملهم بنزاهة وعدل وفاعلية وكفاءة ولذلك لا يهتمون بمعرفة تلك القوانين وما تنص عليه وكيف تطبق .) وقلت أن الاشراف هو مسئولية الأجهزة التشريعية فى المركز والولايات . وقد كتبت عن اهمية الاشراف فى مقال بعنوان :( الشركة والدولة والحوكمة ) نشر فى جريدة الصحافة فى 20 مارس 2008 وقد قلت فى ذلك المقال : الشركة من الناحية الاقتصادية جمعية تجارية لأنه يشترك فيها اكثر من شخص تقوم الشركة بتوظيف الأموال التى يدفعونها إليها لإنتاج وبيع السلع أو الخدمات لتحقيق أرباح للمساهمين فيها . وهي من الناحية القانونية شخص إعتباري نشأ بمقتضى القانون له إسم يعرف ويتعامل به وله موارد مالية منفصلة وذمة مالية منفصلة عن المساهمين فيه ويقاضى " يرفع دعاوى على الآخرين " ويقاضى " ترفع عليه دعاوى " باسمه وعلى ذمته . أما الدولة State فتتكون حسب ما يقول فقهاء العلوم السياسية من أرض يقيم عليها شعب وتقوم على كل من الأرض والشعب حكومة تفرض سلطتها عليهما . والحوكمة governance مصطلح راج في النصف الثاني من العقد الأخير فى القرن العشرين، إثر أخبار الفضائح في عدد من الشركات العملاقة في امريكا وأوربا. وتعني الحوكمة القواعد القانونية والأخلاقية التي تحكم العلاقات بين كل الأطراف ذات المصلحة في الشركة من مساهمين ومجلس إدارة وإدارة تنفيذية وعاملين وممولين وغيرهم وإلى أى مدى تحفظ تلك القواعد لكل ذي حق حقه أو تشجع إنتفاع البعض على حساب الآخرين . والنقطة المركزية في موضوع الحوكمة هي المساءلة accountability أو ما يمكن أن نطلق عليه بالمنظور الإسلامي التدافع أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وتعني المساءلة خضوع كل طرف من الأطراف ذات المصلحة في الشركة لمحاسبة الأطراف الأخرى حول ما قام به من واجبات وما ناله من مكاسب أو منافع وهل قام بواجبه كاملا أم قصر وتقاعس وهل نال من المكاسب والمنافع ما يتناسب مع ما قام به من واجبات أم تجاوز وإنتفع على حساب الآخرين. ولكن ما هو وجه الشبه بين الشركة والدولة ؟ التفويض ومخاطر التقصير والإنتفاع الشخصي لا يشترك كل المساهمين في الشركة في إتخاذ وإنفاذ القرارات الخاصة بماذا تنتج ولمن وكم وكيف وأين ومتى بل يفوضون إتخاذ تلك القرارات إلى مجلس إدارة الشركة ويقوم مجلس الإدارة عادة بإعتماد اللوائح التي تحكم نشاط الشركة وإعتماد الخطط الخاصة بالإستثمار والإنتاج والبيع .. إلخ وتفويض إتخاذ القرارات اليومية الخاصة بإنفاذ اللوائح والخطط إلى الإدارة التنفيذية وينشأ عن ذلك التفويض تفاوت كبير في السيطرة على الشركة وفي المعلومات المتعلقة بنشاطها. فإن الإدارة التنفيذية تتمتع بأكبر قدر من النفوذ في إدارة الشركة لأنها هي التي تبتدر اللوائح والخطط وهي التي تنفذ ما يعتمده مجلس الإدارة . ونسبة لوجودها اليومي داخل الشركه فأنها تعرف عن الشركه ونشاطها أكثر من أعضاء مجلس الإداره ومن المساهمين . ونسبه لأن أعضاء مجلس الإداره هم الذين يعتمدون الخطط التي تسير عليها الشركه فإنهم يمارسون نفوذا أكبر من المساهمين في إدراتها وتتوفر لديهم معلومات أكثر من المساهمين وينشأ عن هذا التفاوت في النفوذ والمعلومات مخاطر كبيره . فقد يقصرshirk الأشخاص المؤتمنون fiduciariesعلى مصالح المساهمين وهم أعضاء مجلس الإداره والإداره التنفيذيه العليا في القيام بواجبهم فى إداره الشركه بمستوى عال من الفاعليه والكفاءة أو يوظفون النفوذ والمعلومات التوفره لديهم لتحقيق مصالحهم الخاصه expropriate وليس مصالح المساهمين في الشركه . ووجه الشبه بين الشركه والدوله الذي أتحدث عنه هو التفويض ومخاطر التقصير والإنتفاع الشخصي. فإن الدوله لا تدار من كل الشعب ولكن الشعب ينتخب مجالس تشريعيه أو برلمانات لإعتماد القوانين والخطط التي تسير عليها الدوله وتفويض الحكومه سلطه إنفاذ تلك القوانين والخطط .ولكن في الواقع العملي نجد أن الحكومه هي التي تبتدر initiates القوانين والخطط، فإن الحكومه هي التي تقوم بإعداد مشاريع القوانين والخطط متوسطه وطويله المدى والميزانيه السنويه وتعرضها على البرلمان للإعتماد لأن لدى الحكومه الموارد البشريه والماليه للقيام بذلك ولديها المعلومات . طمع وظلم الخلطاء : يتضح لنا من الحديث أعلاه أن هناك ثلاثه أطراف رئيسيه في كل من الشركه والدوله. ففي الشركه تلك الأطراف هي المساهمون ومجلس الإداره والإداره التنفيذيه العليا وفي الدوله هي الشعب والمجلس التشريعي والحكومه ولكن الطرف الأساسي والأكثر نفوذا من بين تلك الأطراف هو الإداره التنفيذيه لأنها هي التي تبتدر وتنفذ القوانين والخطط وتسيطر على الموارد . ولذلك فإن إداره الدوله أو الشركه بفاعليه وكفاءه ونزاهه وعدل تتطلب خضوع الإداره التنفيذية لإشراف سلطه أعلى منها . فمثلا في الشركه يتطلب قيام الإداره التنفيذيه بواجبها تجاه المساهمين في الشركه بأمانه وجداره عاليه أن يقوم مجلس الإداره بثلاثه أمور أساسيه هى أولاً : تعيين أشخاص على درجه عاليه من النزاهه والجداره في المناصب التنفيذيه في الشركه . وثانياً : أن يضمن أن الشركه تدار على أساس قوانين وخطط وليس عشوائيا . وأن يقوم بفحص وتمحيص القوانين واالخطط للتأكد من أنها سوف تحقق أغراض الشركه ومصلحه المستثمرين .وثالثاً :الإشراف الفعال على تنفيذ القوانين والخطط ومحاسبه الإداره التنفيذيه على التقصير وعلى الفساد . وماينطبق على الشركه فيما يتعلق بإختيار أعضاء الإداره التنفيذيه العليا ودراسه وتمحيص القوانين والخطط والإشراف والمحاسبه على التنفيذ ينطبق بالضبط على الدوله . فإن نزاهه وعداله وفاعليه إداره الدوله تتطلب أن يقوم البرلمان بإختيار العناصر ذات النزاهه والجداره العاليه لشغل المناصب الحكوميه والإشراف الفعال على أدائها لضمان الفاعليه والكفاءه والنزاهه والعداله . وذلك لسبب بديهي جدا هو إننا كلنا كبشر نعاني من الضعف الذي تحدث عنه سبحانه وتعالى بقوله بإن الإنسان خلق ضعيفا (النساء28 )وأنه ظلوم وجهول (الأحزاب 72) وإنه هلوع (المعارج 19) وإنه ضعيف الإيمان (يوسف 103و106) وفاسق (الاعراف 102 ) وظالم لنفسه ( النمل 61 وفاطر45) وعجول (الأنبياء 37 والأسراء 11 ) ونفسه أماره بالسوء (يوسف 53 ) وطماع ظالم (ص 23 و24 ) ونجد سبحانه وتعالى يصف سلوك الشركاء في المال والمصالح أجمل وصف في الآيه (24 ) في سوره(ص ) بقوله : ( قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إالا الذين آمنو وعملو الصالحات وقليل ماهم وظن داوود أنما فتناه فإستغفر ربه وخر راكعاً وأناب ) وأرجو ان يلاحظ القارئ قوله تعالى (وقليل ماهم)أي أن قليلاً من الشركاء في المال والمصالح من يتقي الله في حقوق الآخرين ولذلك نجد مدير عام الشركه أو والي الولايه أو الوزير يوظف نفوذه لمصلحته الشخصيه ومصالح أقاربه وأصدقائه بأن يحصل على الراتب والامتيازات العاليه ويوظف أقاربه و اصدقاءه بدون وجه حق ويمنح العطاءات لشركاته وشركات أقاربه وأصدقائه ويوجه المشاريع والإستثمارات الحكوميه والخدمات إلى أهله. ولهذا قال تعالى إنه لولا دفعه للناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض (البقره 251 والحج 40 ). وفرض على الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (آل عمران 104 و 110 و 114) والمائده (79 ) والتوبه (71 ) ولقمان (17 ). ويوجه سبحانه وتعالى نبيه داوود وغيره من الذين لهم نفوذ على مصالح الناس توجيها صريحا وواضحا في الآيه (26) في سوره ص بقوله (ياداؤود إنا جعلناك خليفه في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ). على عثمان في البرلمان ربما أدرك السيد /على عثمان محمد طه أن نظام الحكم الذي شارك هو شخصياً مشاركه كبيرة في إقامته على الاستبداد المطلق الذي وصل الى درجه قيام والي ولايه بتعيين شخص عضوا ًفي المجلس التشريعي للولايه وتعيينه رئيساً لذلك المجلس؛ قد إنتهى ذلك النظام الى الظلم المطلق والفساد المطلق والفشل المطلق . لهذا فأننا نتوقع منه ان يصلح و يقوم بصفته نائباً فى المجلس الوطنى و بالتعاون مع الأعضاء الذين يشاركونه الرأى والموقف بإزالة كل التدابير و القيود القانونية التى تحول دون أو تضعف الرقابة على الاجهزة التنفيذية وان يعمل على تنشيط دور المجلس الوطنى فى ذلك المجال.
|
|
|
|
|
|