|
علاقة السودان بإيران.. التوازن المُختل خالد الاعيسر
|
طوال الأيام الماضية درج الناس على أن يتحدثوا «العامة منهم والخاصة» في قرار الحكومة السودانية وأمرها بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان، القرار الذي أثار الكثير من اللغط في أبعاده الفكرية «الدينية» من جهة والسياسية «الإستراتيجية» من جهة اخرى، لاسيما أن الكثير من الناس تعامل معه بالحمية العامة بدون النظر الى جوهر مضامينه. المؤكد أن الأمر في مجمله يحتاج إلى معالجة بعيدة عن الإثارة، يقوم أهل الدعوة بإيصالها وتبليغها بالطريقة التي لا تستعدي الأمة الإسلامية بعضها على بعض، وتحافظ على المصالح الوطنية الإستراتيجية، بمخاطبة الإيرانيين في نطاق ضيق وسري «ينتج قراراً صحيحاً بإخراج جيد». وحتى لا يأخذ الناس الأمر كلا من مظانه ليعيبوا بعضهم بعضا، بما يراه كل فرد من واقع اعتقادات لها مداخل من الدين، خاصة أن الأمة الإسلامية مثقلة بالجراح وبها ما يكفيها من أزمات، وليس للسودان «على مستوى الدولة» أن يعادي أحداً، والأصل في الإسلام، وفي أمر الدولة، ألا تعادي أحداً ما لم يبدأ هو بالعداوة ويظهرها، فضلاً عن أن يكون هذا المستعدى ممن ينتمون إلى الإسلام بمدخل من المداخل أيا كان. ومن حكم الإسلام أيضاً في معالجة قضايا مماثلة في التاريخ الإسلامي قصة خروج الخوارج على سيدنا علي بن ابي طالب «كرم الله وجهه»، حيث طلب منه ابن عباس أن يدعه يجادلهم بالقرآن والفكر، فاستطاع أن يرد اعدادا غفيرة منهم، نظراً لالتباس كثير من الأفهام، والتباس الأفهام في كثير من الأحيان يؤدي بصاحبه، سواء أكان على مستوى الفرد أو الجماعة التي يقودها، الى التهلكة من غير وعي. المطلوب في مثل هذه الأمور أن يترك الشأن لأهل العلم من العلماء الربانيين الذين لا يبتغون إلا وجه الله ورضاه، واتباع سنة رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) بدون تجيير الفتاوى لأي جهة أخرى. الحقيقة ما كان ينبغي للدولة السودانية في بادئ الأمر ومن الأساس أن تتيح مجالاً لهذا العمل المخالف لمذهب غالبية أهل السودان، «إن لم نقل جلهم» لأنه وبدون اي اجتهاد واضح أن هذا الفعل سيؤدي إلى كثير من المشكلات؛ لأن هنالك الكثير من الاختلافات التي يراها البعض أنها اختلافات «عقدية» ما بين الشيعة والسنة، ويراها البعض الآخر أنها اختلافات فرعية لا تمت إلى أصول الدين في كلياته، ولكن أيا كان الأمر نحن في السودان كنا ولا نزال في غنى عن أن ندخل في خضم صراعات كهذه، من شأنها ان تفت عضد المجتمع وتدخله في أمور قد تحدث أبعادا من الفتن الدينية والعداوات غير المبررة مع دولة إسلامية لها سهمها في دعم السودان، ولو أنه دعم محدود نسبيا مقارنة بما يمكن ان يجنيه السودان من أشقائه الخليجيين. هذا عوضاً عن ان هناك شرائح يمكن ان تتقاتل بالسودان على خلفية هذا الاستقطاب، وهناك مؤشرات كثيرة تقول ان هناك جماعات سودانية اخذت تعبئ بعضها تجاه بعض وتظن أن الدين كله هو ما تعتقده، كجماعات المتصوفة والجماعات السلفية بأشكالها المختلفة، فهؤلاء اصبحوا طرفي نقيض يعبئ كل منهما أنصاره ضدّ الطرف الآخر من غير روية، ومن غير علم ومن غير تحسب لما يمكن ان يحدثه هذا الأمر في ما بعد من إشكالات مستقبلية تصعب معالجتها. اللافت للانتباه أن الموقف الايراني اتسم بالعقلانية والروية في افادات المسؤولين الذين أكدوا أن قرار الإغلاق اتخذه السودان تحت تأثير ما سموه «استفزازات من بعض المجموعات المشبوهة داخل السودان، والمجموعات المتطرفة في المنطقة العربية، في وقت يواجه السودان صعوبات اقتصادية وسياسية»، وهذا بالضبط ما ذكرناه في صدر المقال، غير أن الإشارة للصعوبات الاقتصادية والسياسية التي يعنيها الايرانيون تحمل دلالات ايحائية لخصوم إيران من الخليجيين الذين أبدوا تحفظات على شكل العلاقات الإيرانية السودانية. يبقى الأمل معقودا على بروز حنكة «سودانية» مستقبلا تتوخى حلولاً لكل مشكلات السودان، بدون اندفاع وارتداد، على أن تستصحب هذه الحنكة التوازن المختل بين البعدين السياسي والفكري في العلاقات السودانية الإيرانية، لتجاوز هذا المطب، بما يفي ومصالح كل طرف، لا سيما من الجانب السوداني، لأن الإيرانيين ذكروا أيضا بأنهم متأكدون من أن الحكومة السودانية لن تسمح لمجموعات لا تريد الخير لايران والسودان ان تقوض شكل العلاقات بين البلدين. من الضروري التذكير بأن مسلمي السودان «السنة» لم يتاثروا بعشرات الكنائس المنتشرة بطول البلاد وعرضها منذ أمد بعيد، فكيف لهم أن يتأثروا بثلاثة مراكز ثقافية إيرانية حديثة العهد؛ إذن الأمر فيه قولان ويحتمل التأويل والتهويل، ولكننا دونما أدنى شك نرى فيه خيرا كان يمكن أن يكون خيرين لو غلب اتزان كفتي الميزان؟ صحيفة القدس العربي - الثلاثاء 23 أيلول (سبتمبر) 2014
|
|
|
|
|
|