|
علاقة الدين بالسياسة في الفكر اليهودي
|
نص: آلان دييكوفand#8727; ترجمة: عزالدين عنايةand#8727;and#8727;
الصهيونية: هل كانت مسيحانية سياسية؟ يتعلّق الجدل المثار في مستهلّ هذا المقال, بشأن التواصل أو القطيعة المحدثة مع يهود ما بعد الثورة, بالصهيونية أساساً. حيث يُعرض صنفان من التفاسير المتناقضة: الأول ذلك العائد لأولئك الذين جعلوا من الصهيونية حركة متماهية مع اليهودية, ومجرّد تحوّل للترقّب الحنيني لصهيون. والثاني ما يعود لأولئك الذين يذهبون، بصفة مغايرة، لإبراز أن الصهيونية كانت تحولاً في العالم اليهودي, وثورةً حقيقية في المصير. فالملاحظ أن أيّا من هذه المقاربات ما كان على خطأ, لتعبير كل منها على وجه من وجوه الحقيقة, فالتوجّه الأول, يبقى حائلا دونه ربط التواصل العقلي أو حتى الرمزي منه, بين الصهيونية وأمل الأجداد في تجميع المشتّتين. أما على مستوى تاريخي, فقد كانت الصهيونية -مُدْرَكَة في شكل تبلورها تحت قيادة تيودور هرتزل- تجدٌّدا سياسياً ذا فرادة لا غبار عليها. فباقتراج هرتزل تمكين اليهود من دولة، والتأسيس لهذا الهدف جهازا سياسيا (المنظمة الصهيونية ومختلف هياكلها), فإنه قد أدخل بعمله ذلك اليهودَ الحداثة السياسية، حداثة ذات أوجه ثلاثة: أولا، عبر إحداث تحليل عقلي ورصين لـ"مسألة اليهودية"، يتم في ضوئه إعادة التوطين للشعب اليهودي داخل فضاء قومي، ولاحقا من خلال إرساء السياسي (اليهودي) ضمن دائرة مستقلة ومنفصلة عن المؤسسة الدينية، والذي جعل "أصحاب الفعل السياسي" في تميز عن النخبتين الدينية (الحاخامات) والاجتماعية (الأعيان). وفي مرحلة أخيرة التنظيم السياسي للأمة في شكل دولة، أي مؤسسة هيمنة، ذات طابع عقلي، تنتظم حولها الولاءات السياسية. فهل تلك الحداثة السياسية، وثيقة الصلة بمعطى العقلانية وباستقلالية السياسي وبتوطيد أركان الدولة، تستوجب انقطاعا تاما عن التراث؟ تبدو الإجابة بالنفي. ذلك أنه في سنوات 1905م رفضت الأغلبية الساحقة للحركة الصهيونية المقترح البريطاني بخلق مستوطنة يهودية في إفريقيا الشرقية (أوغندا). هذا الرفض برغم الظرفية الحرجة، حيث الفترة تخللتها عديد المذابح في روسيا، يثبت دون تحفظ أن بناء الدولة اليهودية لا يمكن أن يتم على حساب التضحية بالوفاء لصهيون. بشكل آخر، لا يمكن أن تكون القطيعة مع المرجعيات التراثية السابقة شاملةً، لأنها توشك أن تلغي معنى المؤسسة الصهيونية برمّتها. وبخلق هوية قومية جماعية، تيسّر للصهيونية أن تتجذر كغيرها من قوميات القرن 19 في رأسمال رمزي موروث عن الماضي. فتلك العناصر المشكّلة للهوية يعاد تأويلها وصياغتها واستثمارها، ولكن ذلك الفعل لا يشهد أبدا عن رغبة في إحداث تواصل. فالعودة الثلاثية التي تعِدُ بها الصهيونية ينبغي إدراكها ضمن هذا السياق، فالمثاب إلى أرض فلسطين يشهد بوجود رابطة جوهرية، ذات طابع وجداني وعاطفي بين الشعب اليهودي والأرض المقدسة، رابطة حتى صهيوني ماركسي، مثل بربروكوف، لم يتيسر له نكرانها، حتى وإن أخفاها وراء تعلل مادي منتَحَل. بالإضافة فإن حضور المرجعية التوراتية الثابت في أدبيات الصهيونية اليسارية، قد حافظ على حيوية المرجع الديني الأساسي، حتى وإن اعتُبر النص نتاجا ثقافيا للعبقرية اليهودية، وليس علامة لتعهّد اليهود تجاه إلههم. وفي مرحلة أخيرة، فإن إحياء العبرية مجدّدا إلى لغة محكية، متكيفة مع الاستعمال اليومي، يعتبر مثيرا لنوع من التدنيس لا ريب فيه، فإن غيرها محفوظة وذات طابع قدسي، بالرغم من كل العوادي بفعل التحامها بالعبرية الطقسية. كما عاين ذلك بدقة أندري نيهير، في تواجد "نوع من التجانس الاصطلاحي بين الكلمات ذات الاستعمال القداسي والمفاهيم المقدسة". وحتى وإن تمت دوْلَنة الفضاء وتوْرخة التوراة وعلْمنة الغة، فإن الصهيونية ما ألغت ثوابت الهوية اليهودية، بل ما حصل هو استثمار تلك المقوّمات بطريقة مغايرة، بإعطائها مضامين قومية، والتوجه بالموضوع المسيحاني بطريقة لبقة باتجاه الصهيونية. لنُولِ اهتماما مثلا لهرتزل، لقد كان ليبراليا متحمسا، وحريصا في دولته المستقبلية على استنساخ النموذج الليبرالي البطريركي للإمبراطورية النمساوية المجرية، الذي يقدر الحريات الفردية ويجعل من سلطة الدولة إطارا لانصهار التعددية الشعبية. وحتى وإن بلغ إلى حل المسألة الصهيونية عبر تصور عقلاني، فإن نجاحه لدى التكتلات اليهودية عائد وبصفة أعم إلى أمر مغاير: إلى شخصيته الكاريزمية التي اقتادت العديد من يهود أوروبا الشرقية إلى أن يروا في شخصه المسيا. ففي صوفيا خلال 1896م، وقع تكريمه بحفاوة كبيرة، بصفته "القائد وقلب إسرائيل النابض". سبع سنوات بعد ذلك، في فيينا، يتراص الأنصار لاستقبال "الملك هرتزل". بالإضافة فإن لقاءاته مع قادة العالم عصرئذ: القيصر، ملك إيطاليا، السلطان العثماني، البابا... ضاعفت من دعْم هيبته، ورسّخت قناعة لدى التكتلات اليهودية بحيازته خاصيات مسيحانية. فقد بدا النجاح الشعبي للحركة الصهيونية مستقلاّ عن فاعليته الإيديولوجية، النابعة من إعادة تشكيل الهوية اليهودية ضمن شروط قومية. ذلك أن النجاح التاريخي للصهيونية متأت بالأساس من تلاق بين الترقب المسيحاني الشائع، والتوفّر لحلّ سياسي واقعي، حيث تجلّى المزج بين اليوطوبيا والفعل مع تلك الحالة أمرا إجرائيا. لقد كانت خميرة أساسية، وراء ظهور تلك الظاهرة الاجتماعية الفريدة التي هي الكيبوتز. فقد بدأ ظهور تلك الجماعة التعاضدية منذ سنوات 1910م تحت اسم كفوشا، وبعد أن عاينت الحركة العمالية في فلسطين، مدى تنافر الصيغة الماركسية مع وضعية بلد ينعدم فيه التناقض المعتاد بين البرجوازية والبروليتاريا. ستفسح الحتمية الاقتصادية المجال لمبادرة الجماعات المثالية، التي ستؤسّس في الحقل "المختبرات اليوطوبية" التي ستصوغ المجتمع الاشتراكي المستقبلي. فهذا التغير في الاستراتيجيا والذي سيصبح ضروريا في ظل شروط الحياة الاجتماعية في فلسطين، تيسر إتمامه بفعل الحساسية المسيحانية المختزَنَة في جيل موجة الهجرة اليهودية الثانية (عاليا 1904-1914م)، إذ يرفض هؤلاء الرواد تراثا، يُدرَك تحجّره، كما ينتهكون بوعي تعاليم توراة مغتربة. ولكن بخلاف ذلك، فإن التزامهم عميق وصادق تجاه أبناء ملّتهم، وعبرهم تجاه كافة الأمة العبرية السائرة في طريق التشكّل، وهو ما يذكر بوضوح بالحماس الديني (دفيكوت) للحاسيديم. ليست المعاينة مفاجئة بالمرة عندما ندرك أن عددا كبيرا من هؤلاء المهاجرين تأتوا من عائلات حاسيدية وأن الثلث منهم قد ارتاد الأكاديميات الدينية. تتيح الواقعة السوسيولوجية التالية فهماً أفضل لكيفية الاستيطان بإرتز إسرائيل وخدمة الأرض، وكيف أن تلك لوقائع مثلت ظواهر خلاص عينية. إذ يرمز أ. د. جوردن (1856-1922م)، الزعيم الروحي لحركة هابوعيل هاتساير (الشاب العامل)، بصورة جلية، لذلك البعد ذي الدلالة الدينية الكثيفة للعودة للأرض بقوله: ليس حرث الأرض والزرع والجني، أعمالا فلاحية مبتذلة، ولكنها أفعال مقدسة تسمح لليهودي المجتث من أي تعايش أصيل مع الطبيعة بإرساء رابطة حميمة ولازمة مع كونٍ مفعمٍ بالحضور الإلهي. يصير العمل شكلا من الصلاة، نوعاً من الطقس الذي يحاور اليهودي بفضله إلهه، هذا الإله الحي والملتحم بالعالم. والتعامل مع المعنى المزدوج للفظة العبرية "أفودا" التي تعني "العمل"، وكذلك الخدمة الدينية، يرسم له جوردن تماثلا مباشرا بين خدمة الحقول وخدمة الرب. ففي الحالتين يشارك الإنسان في تجربة دينية جلية، يبحث بواسطتها عن تغيير، غايته الفوز بالكمال. ولكن اليوم بالعمل الفلاحي، يبلغ اليهودي القداسة ويحقق النموذج المسيحاني لإسرائيل. والملاحظ أن ذلك التقديس للعمل له وقعٌ في الأوساط الدينية، ففي سنة 1922م تأسّست في فلسطين حركة هابوعيل هامزراحي (العامل الشرقي)، والتي أضفت الشرعية، تحت شعار "توراة هافودا" (التوراة والعمل)، على القيم الريادية للصهيوية الاشتراكية، باعتبارها قيماً دينية أساسية مستمدّة من التعاليم الاجتماعية للتوراة. وفي 1937م، عند بعث أول كيبوتز ديني، لاحت بجلاء تلك الروح الريادية الأصيلة. وجراء الأثر المهم للعمل، لم تتأسس الصهيونية الاشتراكية على الإلغاء المباشر والجلي للبعد المسيحاني، ولكن على إعادة التوجيه له. ولم يعد خلاص اليهود مدفوعاً باتجاه مستقبل أُخروي غير محدد، ولكنه يتم بصورة مباشرة، بصفة اليهودي، وبحسب تعبير رامبو، "قد حلّ بالأرض ومعه واجب لإتمامه، ولكن الواقع الآسن أمامه يخنقه". وإذا ما كان البعث لسياسة يهودية يؤكّد تكيّف اليهودية مع شكل الدولة الأمة الحداثي، فإن ذلك ما عنى إلا نادرا، لدى رواد الصهيونية الأوائل، معياريةَ القدر اليهودي، وبالمثل تنميطا راديكاليا للخصوصية اليهودية. بمعنى أن المرور عبر السياسي ينبغي أن ييسِّر تحقيق النبوة المسيحانية مع غاياتها القصوى، وهي تحقيق الأخوّة الكونية. فعبر السياسي سيتِم لليهود إثبات وجودهم كشعب فاضل يتقدّم الشعوب الأخرى على الأرض. لقد كان ذلك يقينا ثابتا في جوهر المسار السياسي لرجل طبعت آثاره جليا زهاء نصف قرن تاريخ الصهيونية، ألا وهو ديفيد بن غوريون. فهذا الرجل ومن أول وهلة، يبدو ليس من اليسير تبريره من الحلم المسيحاني، أولم يسع وهو يصوغ إيديولوجية الـ"ممليكوت" (الدولنة)، لتأكيد الهيمنة المطلقة للدولة، المركز الناشط للنظام السياسي، والذي ينبغي أن يكون معا التعبير الأكثر تمثيلا للروح القومية اليهودية، أي التجسّد الواقعي لحركة التحرير القومية، الضامنة لوحدة الأمة؟ أو لم يكن طبعا حداثيا في رغبته لتمكين اليهود من منظّمة سياسية عقلانية (الدولة)، التي ستكون عامل انصهار قومي؟ بدون شك لقد كان بن غوريون واقعيا متجذّرا في عصره ومتمرّسا بخبرات العملية السياسية، بالإضافة فإن كلَفه بالتوراة كان في منتهى الكلف، وحتى وإن كان يرى فيها لمحة تاريخية أكثر من كونه نصّا موحى، فإنه قد تبنى وبصفة جادة المنطق العميق الذي يشغله. بالإضافة، أولم يكن كذلك على قناعة كبيرة بأن التاريخ الفريد للشعب اليهودي المودَع في التوراة، سوف يتواصل مع خلق دولة إسرائيل؟ وأن اختيار إسرائيل، الذي لا يعني تفوقا على الأمم الأخرى، ولكنه وعي بمسؤولية رسالة ينبغي إتمامها، لم تلغ فاعليته الصهيونية التي وفرت له ترجمة جديدة مستحدثة، حيث تحول الاختيار من مدلوله الديني إلى مدلوله السياسي. لقد كان بن غوريون مصرّا ليجعل من إسرائيل دولة فريدة يتحقق فيها النموذج النبوي للأخوة، حيث تكون "نور الأمم" (إشعياء42: 6)، دولة نموذجية تجلِي الطابع المميز للشعب اليهودي، ودولة فريدة تُتِمّ رسالة الخلاص اليهودية لكافة البشرية. فخلال سنة 1950م، عندما كانت أفواج المهاجرين تتدفّق على الدولة الناشئة، كشف بن غوريون في العديد من المناسبات عن قناعته بأن الشعب اليهودي بصدد الدخول في الزمن المسيحاني، فتجميع المنفيين، هذا الحدث ذو الصدى الواسع، أُوِّل بشكل أنه يمثل دخولا في حقبة مختلفة نوعيا. ذلك أن الأمر متعلق بمسيحانية متمحورة حول الإنسان، حيث الخلاص ليس من فعل المسيا ولكنه نتاج بشر أخذوا قدرهم بأيديهم، يبقى فيه النسق والضغط والنبض المسيحاني حيّا. فاليوطوبيا السياسية لبن غوريون، بالإضافة إلى تطلّعه إلى دولة نموذجية، وتحفزه إلى تحقيقها ضمن شروط ذاتية، بفعل العاليا والعمل الريادي، ارتكزت جميعها بالأساس على رؤية مسيحانية للخلاص وإيمان بخلود إسرائيل، وهي مفاهيم دينية بالأساس، حتى وإن كان الفعل السياسي لا يوليها أهمية إلا من زاوية جانبها العملي. ذلك التفريق أساسي لأنه يسمح بتمييز ما يجمع وما يفرّق الصهيونية الحديثة عن الحركات المسيحانية السابقة. وتكمن نقطة الالتقاء المهمة في عدم القناعة الجماعية بالحاضر، والتطلّع إلى رؤية مغايرة بشكل جذري ترنو إلى خلق حياة يهودية جماعية يهودية في فلسطين. ولكن هنالك يكمن الخلاف، ففي الوقت الذي تبقى فيه الحركات المسيحانية حتى المتحمّسة منها، كتلك العائدة لدافيد روبيني وشلومو مولكو وسبتاي زيفي (القرن 17)، رهينة رؤية دينية للعالم، فيها التاريخ هو نتاج فعل الله، فإن الصهيونية قد اختارت الانخراط في الواقع المعيش للعالم كما هو قبل شغله من الداخل. فالأمر يبدو ملحّا لموازنة مسيحانية الصهيونية. واعتبار الحتمية المسيحانية مع المؤرّخ جاكوب كاتز جراء الفعل يبدو مغاليا، حيث يقود ذلك إلى رؤية الصهيونية بصفتها تسلسلا لأحداث خاصة ومنتظمة ومتسقة وثابتة بفعل منطق جامد لا غير. بمعنى أن التاريخ ملغى جرّاء أن الحاضر غير قابل للتفسير، إلا عبر شبكة مسيحانية موروثة عن الماضي. وبشكل صائب، ينبغي متابعة الصهيونية على شاكلة ما ذهبت إليه المؤرّخة آنيتا شابيرا باعتبارها مسيحانية سياسية، مفهوما يبين بجلاء طبيعتها المزدوجة، فالقصد هو مسيحاني، غرضه السعي لبلوغ نهضة قومية مرفوقة عموما، بتجديد اجتماعي يستبق عصر سلام لكافة البشرية، ولكن الطريقة سياسية، سبيلها وضْعَنة ذلك المثال وإخضاعه لفعل مخطّط من طرف أناس هنا في الواقع. فالصهيونية، كالانعتاق قبلها، هي ظاهرة، كَشَفَ جرشوم شولام طبيعتها الجدلية العميقة بجلاء، فمن ناحية تلتحم شرعية الصهيونية بالصيرورة التاريخية المتشكلة في فضاء العالم العلماني وليست مجرد تمظهر بسيط للمسيحانية السائرة نحو الفشل بفعل عدم اقتدارها على الإمساك بزمام الواقع. ومن ناحية أخرى هنالك طابعٌ خفي وبعدٌ صوفي ورمزي في الصهيونية، وهو ما يضفي عليها شحنة ذات دلالة ميتافيزيقية ودينية، بفضلها تمت المحافظة على الخصوصية اليهودية وتم تحاشي جعل اليهود أمة على غرار الأمم. إذ هناك جدلية ذكية في استيعاب وحيازة الحافز المسيحاني، تعني بوضوح أن المستويات السياسية والرمزية ينبغي ألا تتمازج، بموجب تموقعها ضمن أنساق مختلفة: حيث يتجذر الأول في الواقع التاريخي، أما الثاني، فهو ينتمي إلى مجال التمثلات. فالطريق التي انتهجتها غوش إيمونيم مع نشدان تأسيس فعلها السياسي على تأويل ديني للواقع، ترتكز، دون شك، على مزج السياسي بالرمزي. إنه نوع من المزج -عُرفَت به حركة سبتاي زيفي خلال القرن الـ17، قبل أن تنتهي إلى فشل ذريع- يوشك أن يغذي سياسة صوفية، تهدد إلى حد مّا المشروع السياسي الصهيوني ويبطل مجددا وبقوة السياق اليوطوبي المسيحاني. ولعل ظهور جماعة غوش إيمونيم يوحي بحدوث تقلّبات هزّت الصهيونية خلال العشرين سنة الأخيرة، جاءت جراء ثلاثة أحداث سياسية: الوعي المتنامي بالكارثة المطلقة المتمثلة في مذبحة يهود أوروبا، ومجافاة المجتمع الدولي لإسرائيل خلال سنوات 1970، وهو ما زاد من الإحساس بالعزلة الوجودية لشعب إسرائيل وخصوصية قدره الصعب. حيث وجد التطبيع السياسي الذي تعلقت به المنظمة الصهيونية في مستواه العملي هناك نهاياته. فالصهيونية وبعيدا عن تيسير الوجود اليهودي لم تقم كما لاحظ برويّة ر. آرون، سوى بتكثيف التناقض اليهودي: دورةٌ على غرار مثيلاتها في الظاهر، لقد أصبحت دولة إسرائيل لدى عديد اليهود الصيغة الأكثر فرادة لليهودية.
|
|
|
|
|
|