عشرون عاماَ على إبرام برتكول دايتون للسلام في البوسنة و الهرسك .. هل ما زالت تبعات النِّزاع وآثار التَّهجير حاضرةً في منطقة البلقان الغربية ؟؟م. بشير محمد علي بشير ان كل من تصفح صفحات إتفاق السلام في البوسنة و الهرسك المبرم في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1995 يجد هناك ثمة بنوداً قد تكون لها إرتباطات بالنقص الجدي و أخرى لا جدوى منها , فالأمل الأساس حول الإتفاقية كان يتمحور حول الوصول إلى إتفاق جاد وواضح ينهي الحرب بشكل شامل (حيث لم يتم التوصل إليه بعد), و إذا نظرنا أيضاً إلى أجنحة النزاعات الجيوسياسية نجد ان التقسيمات السياسية للبوسنة والهرسك التي أنشئت بموجب برتكول دايتون للسلام تتألف من -كيانين- منفصلين هما: اتحاد البوسنة والهرسك -ومعظم قومياته الأساسية من البوشناق والكروات- وجمهورية صرب البوسنة ومعظمها من الصرب، إضافة إلى مقاطعة بيرتشكو التي أصبحت كياناً منفصلاً عام 1999 بوصفها وحدة إدارية تتمتع بالحكم الذاتي تحت سيادة البوسنة والهرسك.و بعد انتهاء الحرب جرت محاولات وطنية ودولية لتعزيز استقرار البلاد وزيادة الوحدة بين هذه المجموعات. فمن ناحية أمنية نجحت هذه المحاولات في وقف نزيف الدم، وبناء مؤسسات الدولة. كما أن البوسنة بدأت تتعافى اقتصاديا -نوعاً ما- ، حيث سعت الحكومة لإنعاش الاقتصاد العام عبر عدة مجالات أهمها تعزيز السياحة والإنفتاح التجاري على دول أعضاء الاتحاد الأوروبي. وأصبحت مقصدا للسياح الغرب والعرب لطبيعتها الخلابة،ولكن هناك عدة مشاكل سياسية مازالت قائمة منذ التوقيع على برتكول دايتون للسلام.و بحسب المحكمة الجنايات الدولية راح ضحية هذه الحرب 104.732، منهم 68.101 مسلم. كما نتج عنها إزاحة أكثر من مليوني شخص، وهو ما يعدل نصف السكان. اتجه 700.000 منهم إلى دول اوروبية، وما تزال نسبة كبيرة منهم هناك إلى وقتنا الحاضر. وفي عام 1995 توصلت الأطراف الرئيسة الثلاثة إلى اتفاقية دايتون للسلام. وفيها اعترفت جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية بسيادة البوسنة والهرسك.ووفقا لاتفاقية دايتون فإن نظام الحكم في البوسنة هو نظام حكم ثلاثي، حيث يتم اختيار ثلاثة رؤساء للدولة من المجموعات العرقية الثلاث (مسلمون، كروات، صرب). وفيها يحكم الرئيس لفترة محددة، ثم يعقبه الرئيس الآخر من المجموعة العرقية الأخرى. كما أن الدولة ليست لها مركزية سياسية، فوفقا للإتفاقية تم تقسيم الهيكلة السياسية للبوسنة والهرسك إلى كيانين: جمهورية صربسكا واتحاد البوسنة والهرسك. حيث يغطي اتحاد البوسنة والهرسك 51٪ من مساحة البلاد، في حين تغطي جمهورية صربسكا 49٪ من مجموع المساحة، ولكل من هذين الكيانين برلمان خاص. وقد أخذ على هذا التقسيم الهيكلي السياسي العديد من السلبيات. فهو مثلا يعرقل العملية السياسية والتنموية في البلد. حيث لايمكن استصدار قرار من أحد البرلمانين دون موافقة الآخر.ومن آثار العمق الطائفي في البوسنة والهرسك أن أضحت خالية من يوم وطني يحتفل فيه كل المواطنين بمجموعاتهم الإثنية الثلاث. يقول رئيس الوزراء الصربي البوسني ميلوراد دوديك: "البوسنة دولة مقسمة، ولا يوجد لها احتفال واحد أو حتى عطلة واحدة، ما عدا الاحتفال بحلول العام الجديد أو عيد العمال." فالبوشناق يحتفلون بيوم الاستقلال في الأول من مارس، في حين يحتفل الصرب في التاسع من يناير.و في 10 تشرين الثاني /نوفمبر 2015 لقد دعا مبعوث صيني لدى الأمم المتحدة يدعى (ليو جيه) المجموعات العرقية المختلفة في البوسنة والهرسك إلى مواصلة تدعيم الإنجازات التي تحققت على صعيد بناء الدولة وتنفيذ اتفاق دايتون للسلام بشكل شامل و قال إن هذا العام يتزامن مع الذكرى الـ20 لتوقيع اتفاق دايتون للسلام، مرحبا بحقيقة أن "البوسنة والهرسك حافظت على الاستقرار وتحقيق تقدم إيجابي في التنمية الاقتصادية وسيادة القانون"، داعيا المجتمع الدولي إلى اغتنام فرصة الذكرى ودفع المجموعات العرقية المختلفة لمواصلة تدعيم الانجازات في بناء الدولة وتنفيذ اتفاق السلام بشكل شامل.أن العمل الأساس حول الحفاظ على السلام والاستقرار وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التعايش المتناغم بين كافة المجموعات العرقية في البوسنة والهرسك أعتقد يصب في المصلحة الشاملة للبلاد والمناطق والمجتمع الدولي بالكامل و بالتالي يجب ان تكون هناك نوع من الجدية في هذة النقطة من جميع الأطراف ، و يبدو أن الصين تحترم استقلال وسيادة ووحدة وسلامة أراضي البوسنة والهرسك وتؤمن بأنه يجب عليها أن تتبع مسارها التنموي الخاص وسياستها الخارجية، و بالتالي يبقى على المجتمع الدولي أن يحترم ويدعم اختيار حكومة وشعب البوسنة والهرسك.و من زاوية أخرى إذا نظرنا بصورة عميقة لمحتوى البرتكول نجد إن واضع نظام دايتون لم يُعرّف سيادة دولة البوسنة والهرسك بوصفها تعبيرًا عن رغبة وإرادة شعبها أو مواطنيها، السيادة التي كان من المفروض أن تكون ديمقراطية تمثيلية حقيقية؛ فدستور دايتون عبّر بشكل حصري عمّا أسماه: مصالح "الشعوب المكوّنة، وهي: الشعب البوشناقي والشعب الكرواتي والشعب الصربي"؛ ما أدّى بالضرورة إلى التمييز العنصري واستثناء باقي الجماعات والشعوب التي تتوزع على 17 إثنية، والتي تمثّل بدورها رافدًا لشعوب جمهورية البوسنة والهرسك وفقًا للإحصاء السكاني الذي أُجري عام 1991.وبذلك، فإن تنظيم مجموع المؤسسات الحيوية للدولة، وتحت ضغط مطالب القوى القومية والفاشية ومساندة عدد كبير من مجرمي الحرب، قد تمَّ بناؤه على المُعطَى العرقي بالأساس. وهكذا، وبدلاً من أن تتضمّن ديباجة الدستور، كما هي عليه الحال في أغلب الدول الديمقراطية المعاصرة، تعدادًا لحقوق المواطنين وبيان دور الدولة الديمقراطية في حماية حقوق ومصالح الأمّة باعتبارها وحدة لا تتجزأ، فإن دستور البوسنة والهرسك (اتفاق دايتون)، وبشكل حصري، اختار مبدأ "المصالح الحيوية الوطنية" كهدف أساسي لعمل دولة البوسنة والهرسك.#بشير_محمد_علي_بشير[email protected]أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة