|
عثمان ميرغني .. ليتك لو تبرأت منهم/المثني ابراهيم بحر
|
المثني ابراهيم بحر
لقد عانت الصحافة التي تمثل حرية الرأي والسلطة الرابعة في الدولة السودانية التي شكلت فيها الانظمة البوليسية حضورا مقدرا منذ الاستقلال, وبلغت المعاناة أوج مجدها عند وصول المد الاسلاموي الي سدة الحكم, حيث ارتدت اوضاع الصحافة الي الخلف كثيرا بأعتبار ان السودان كان رائد للكثير من الدول في هذا المجال, وفي يوم 3 مايو من العام الجاري الذي يصادف الاحتفال باليوم العالمي للحرية الصحفية أصدرت منظمة هيومان رايس قائمة تتضمن السودان الذي يحتل المرتبة140 من قائمة الدول الاسوأ من حيث الحرية الصحفية ,وقالت ان السودان لا بد أن يوقف فورا كافة اشكال القمع والرقابة المفروضة علي الصحافة والصحفيين, فالوضع التاريخي لحرية الرأي في عهد حكومة الجبهة الاسلامية مأزوم لمكانيزمات القمع والتمييز القائمة علي أساس الفارق السياسي, ثم كانت المفارقة المذهلة في العام 2005 عندما منح قانون جهاز الامن افراد الجهاز سلطة واسعة تخول لهم الاعتقال والتفتيش والمصادرة, والادهي من كل ذلك الحصانة من المحاكمة مما يخالف بنود الدستور الانتقالي الذي يتضمن حرية الصحافة , ولا يمنح الدستور جهاز الامن أي صلاحيات للأعتقال أو سلطات علي حرية التعبير وبالتالي من المفارقات ان سلطات جهاز الامن تعلو علي الدستور في سابقة قد لا توجد حتي في الانظمةالبوليسية. وحاليا لا توجد اي حرية للتعبير عن الرأي في السودان وهذا الغياب انتهاك للحقوق , فالحكومات البوليسية لديها رأي في التعبير بحجة أن الصحافة الحرة من أكبر المحرضات علي التغيير , و باتت الاشكالية في المناخ المحاصر بالخوف وعدم الامان ,فالكتابة وأبداء الرأي الأخر وسط هذه الاجواء محفوفة بالمخاطر تقتضي لأن تكون جاهزا ان أقتضي الامر للموت....... تلك المقدمة أسوقها لأرتباطها الوثيق بقضية الساعة التي تشغل الرأي العام هذه الايام, أحداث الاعتداء علي الاستاذ الصحفي عثمان ميرغني , فالمناخ السائد في الدولة السودانية من القمع وأحادية الرأي بعدم احترام الرأي الاخر الذي أشرنا اليه في المقدمه اعلاه هو من حفز المعتدين علي (الرد باليد) وملكهم كل هذه الجرأة لأن يعتدوا علي الضحية في عقر مكتبه في وضح النهار ولم ينتظروا حتي أن يجهزوا عليه في مكان بعيد عن أعين الناس, فشخصيا لم اندهش لهذا السلوك اللا أخلاقي, لأن هذا شيئ طبيعي في ظل هذا المناخ الملوث الذي يسود في الدولة السودانية, فالمعتدين لم يأتو بشيء جديد, ولو كان هناك مناخ للحريات واحترام الرأي الاخر لاحترم المعتدين وجهة نظر الاستاذ عثمان ميرغني مهما كانت وجهاتالنظر, ولكن بحسب رأيي الشخصي اعتبرها تصفية حسابات قديمة بين الضحية والجلاد في قضايا ساخنة تناولها قلم الاستاذ عثمان ميرغني من قبل, ومهما تعددت التكهنات بشأن تحديد المتهمين فالمتهم الاول في هذه القضية هو النظام الحاكم , ولكن لماذا نضع النظام الحاكم في خانة المتهم الاول .............؟ أولا المؤتمر الوطني المتهم الرئيسي من خلال دلائل مهمة , اهمها أن عدم قبول الرأي الاخر اواحترامه سمه تميز تيار الاسلام السياسي منذ بواكير نشاطهم السياسي في الجامعات السودانية , فمن الطبيعي ان تشكل هذه الصفة وعيهم الجمعي وتصبح جزء من مكوناتهم الشخصية ,وبالتالي انتقلت معهم الي ان استولوا علي السلطة , فالجبهة الايسلامية لم تكن شيئا مذكورا في الماضي لسبب شعاراتها المعادية للحرية, ولذلك كانت تلجأ للعنف والارهاب الديني والفكري والمعنوي ويعني ذلك مزيدا من الكراهية , ولا يزال الطيب ابراهيم محمد خير يعرف بالطيب (سيخة) والكثير من قادة الجبهةالاسلامية كانوا من حملة السيخ لعدم أعترافهم بالرأي الاخر, فالطيب سيخة ود نافع وصلاح قوش والطيب مصطفي واسحق احمد فضل الله وسامية احمد محمد كلهم قد تخرجوا من المدرسة الترابية وعندما يتعرض عقل الانسان للغسيل لا يعود الي طبيعته,فمن الممكن مسخ الانسان وتحويله الي وحش دموي , فالحركة الترابية حالة من الانفعال وغياب الوعي وفقدان الاتجاه, وفي جامعةالبحر الاحمر لم يحتمل دعاة الاسلام السياسي فوز القائمة الاخري التي تنافسهم فأتلفوا صناديق الاختراع كانت سببا في ألغاء نتائج الانتخابات وتجميد النشاط السياسي في الجامعة .....................................................................................
دعاة الاسلام السياسي لم يتوقفوامام ايات الحرية التي كانت صريحة ومباشرة ولا تقبل التأويل , فقد ضاع منا الاسلام تحت ركام هائل من الاباطيل والضلالات , ومن المفارقات ان اكبر الدلائل علي صحة ما ذهبنا اليه جاءت علي طبق من ذهب ووفرت علينا عناء البحث من خلال تصريح السيدةسامية احمدمحمد نائب رئيس البرلمان علي الحادثة مثار النقاش بوصفه ب(الخطأ المتبادل) وبدون اي حياء القت باللوم علي اتحاد الصحفيين واتمهته بالتلكؤ في محاسبة الاستاذ عثمان ميرغني بعداستخفافه بمشاعر الامتين الاسلاميةوالعربية وتغزله الواضح في اسرائيل, واعتبرت ان المحاسبة كانت ستقطع الطريق امام من يرغب في اخذ القانون بيده (صحيفةالجريدة 21/7/2014) , وتصريحها هذا الممزوج بالتسطيح والابتذال والجهل والغرور من شخصية قيادية تجلس علي سدة اعلي هرم تشريعي بالبلاد كتأكيد علي ان دعاة الاسلام السياسي لم يغادروا ماضيهم ولا يزالوا في ازمنة التخلف والانغلاق الفكري, وهذا في يقيني ليس رأيها وحدها بل تتفق معها غالبية كبيرة من دعاة الاسلام السياسي التي لا تقبل الراي الاخر علي الاطلاق كتربية في سلوكهم ,فالاصل في الحرية الاطلاق بصريح القرأن كشرط في العقيدة والتكاليف, ولكن بؤس الفقر الخلقي فتلك النفوس المريضةلا دواء لها ,فالفاشية عاهةعقلية وحالة من التطرف ضد الاخرين ولا يرجي منها الشفاء وقد يكون في ذلك اسباب جينية .......................................................... يتفق روسو مع القران الكريم عندما قال : بأن الانسان بدون الحرية ليس مسؤلا عن تبعات أفعاله فالصحافة سلطة رابعة علي سبيل المجازوليس الحقيقة,فهي خارج دائرة السلطات فليس الصحفي قاضيا اوشرطيا أو وكيل نيابة , ولا يملك من ادوات السلطة غير قول الحق والجهر بالرأي الاخر , ولاتملك السلطة التشريعية التي تجلس السيدة ساميةاحمدمحمد علي قمتها الحق في تقييد حرية الصحافة والنشر والتفكير والضمير, ولكن دعاة الاسلام السياسي امرهم عجب فحلال عليهم وحرام علي غيرهم, اماذا كانت السيدة سامية لاتدري ماهية الجهازالذي تجلس علي قمته فهذاامر اخر ,فما خطاه قلم الاستاذ عثمان ميرغني وجهة نظر موضوعية من الحقوق الطبيعية التي تعلوا فوق الدستور ولا يحدها وتحكمه ولا يحكمها , ولكن الاحادية تعني الافساد في الارض, وينص الدستور علي ان السلطة التشريعية لا تملك الحق في اصدار تشريعات تنتقص من حرية الصحافة,وقال ترومان الرئيس الامريكي الاسبق اذا تراجع امريكي عن قول الحقيقة تكون امريكا في خطر عظيم , فالحريات الصحفية خط احمر لانها عين المجتمع التي تري , واذنه التي تسمع , وعقله الذي يفكر , ومصباحه الكشاف, وبدونها يكون المجتمع أصم وابكم فهو المالك الحقيقي للدولة ومؤسساتها, وتتلخص المشكلة الان في الدولة السودانية في عدم الاعتراف بالحريات والرأي الاخر كحق طبيعي للانسان لأن الاصل في الحرية الاطلاق علي عكس ما يقول دعاة الاسلام السياسي, وليس صحيح ان ذلك يعني الفوضي والعكس صحيح ولا يوجد سبب للفوضي سوي مصادرة الحرية................................................................................. ثانيا المؤتمر الوطني متهما بصفته مشاركا أساسيا ومحرضا علي الجريمة , والدليل من خلال البيانات التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لجماعة تسمي نفسها جماعة حمزة التي تبنت الاعتداء علي رئيس التحرير عثمان ميرغني وحملت تهديدات لصحافيين اخرين وتوعدت بالانتقام من السيدة المتهمة بالردة,ووزعت بيانا بذلك وسط الخرطوم تتبني تلك الاداعاءات والتهديدات,وصنفت هذه الجماعة من قبل جهات عديدة بأنها احدي جماعات السلفية الجهادية ,ولكن اذا سلمنا جدلا بأن هذه الجماعة حقيقة وليس تمويه , فمن اين استمدت هذه الجماعة السلفية كل هذه الجرأة للدرجة التي تدفعها لأخذ (حقها بيدها) في وضح النهار في قلب الخرطوم, فهذه الجماعات السلفية انتقلت بها حكومة الجبهة الاسلامية من مراكز المساجد الي مراكز السلطة ومراكز القرار , فالحركات السلفية تنامت بصورة ملفتة في عهد حكومة الجبهة الاسلامية , واكتسبت وجود مقدر بعد ان افسح لهم النظام الحاكم الطريق بغرض الاستقواء بهم , ولتقارب رؤاهم الايدلوجية وصار بينهما زواج فكري , ووجدت الجماعات السلفية الطريق ممهدا للنمو بعد ان ملكها النظام الحاكم أهم أدوات السيطرة(الاعلام) قناة طيبة نموذجا ومنابر المساجد والمؤسسات الدينية , وهيمنتهم علي اقسام الدراسات الاسلامية بالجامعات السودانية أضافة الي مؤسسة هيئة علماء المسلمين, وبالتالي كل هذه الخطوات فتحت شهيتهم للتمدد وخصوصا من خلال سياسة تكميم الافواه لصالح فئات بعينها مما زاد من تفوق تلك التيارات, وصارت المقارنة معدومة بينهم مع التيارات الدينية الاخري , وأنفتحت لهم ابواب المجد فمن الطبيعي ان يمتلكوا كل هذه الجرأة وبلغت بهم الدرجة لأن يكفروا خصوم الحزب الحاكم و يوجهوا سيوفهم ضد خصوم الحزب الحاكم وكل من يخالفهم الرأي وكانت ( حادثة مقتل قرانفيل ) كدليل يغني عن المجادلات والاهم من كل ذلك انها لم تجد اي تعاطف من وسائل الاعلام المملوكة للدولة وابواقها كقضية رأي عام تستحق ان تسلط عليها الاضواء في حينها, وأصبحت هذه القضية محلك سر حتي الان والاحداث التي صاحبتها من فرار المتهمين ........
وفي كلا الحالتان اللتان اشرنا اليهما تضع النظام الحاكم في دائرة المتهم الاول, وبالتالي الرسالة التي أوجهها للأستاذ عثمان مرغني : عيبك الوحيد أنك تنتمي الي (هؤلاء ) ,وانت جزء من هذا النظام الفاسد وملفات الفساد التي كنت قد تناولتها لن تتاح لاي صحفي اخر يعمل في مجال الصحافة الا اذا كان ينتمي لهذا النظام وأن تدرك ذلك جيدا, وتدرك جيدا ان هذه الجماعة التي تنتمي اليها لا تعترف بالحريات وبالرأي الاخر, و جل الذين تضامنوا معك غالبيتهم من خارج خطك السياسي اما القلة من المتنفذين التي تضامنت معك في الحزب الحاكم ذرفوا عليك دموع التماسيح, وبالتالي اذا كنت مصرا علي ان تواصل مشوار البطولة وتصبح كبيرا في نظر الشعب السوداني وسيفتح لك التاريخ ابوابه, فالخطوة الاولي هي ان تتبرأ من هذا النظام الذي تنتمي له , لأنه لا يحترم الرأي الاخر وأنت تعمل في مهنة من اهم واجباتها احترام الرأي الاخر, وهذه الخطوة من شأنها ان توجه صفعة لهذا النظام ليس من السهل تدارك أثارها , هذه أخلاق من تنتمي اليهم يحسدون حتي الموتي الذين رحلوا الي الدار الاخرة من خلال السهام الجارحة التي طالت المبدع الانسان محمدية وحسدوه في حب الناس له والشعبية الجارفة التي يتمتع بها ,فهم ينظرون للأشياء من الزاوية الضيقة , ومنطقهم أن الغاية تبرر الوسيلة , فما حدث للاستاذ عثمان ميرغني هي الصورة الظاهرة من جبل الجليد , فما يحدث للصحافة والصحافيين امر لا يطاق , فالصحف تصادر بعد مرحلة الطبع وقبل التوزيع, والكثير من الصحفيين يتعرضون للتنكيل والسجن والتشريد والارهاب المعنوي والحظر من ممارسة النشاط الصحفي, فهؤلاء لا يختلفون عن الاستاذ عثمان ميرغني في محنته فهم أيضا يحتاجون للدعم والمساندة, فالوضع المذريء الذي تعيش عليه اوضاع الصحافة وحرية الرأي في السودان هي انعكاس لازمات الدولة السودانية , فتجمهر الصحفيين امام مجلس الصحافة ومطالبتهم بتحسين الاوضاع لن يغير من الامر شيئا فهم كمن يحرث في البحر, فهذا المشهد يتكرر بأستمرار رأيناه كثيرا منها عقب حادثة اغتيال الاستاذ محمد طه محمد أحمد ورأيناه في اعقاب هبة سبتمبر فماهي النتيجة حتي الان,وسنراه قريبا فهو مسلسل لا ينتهي ....! فمالم يذهب هذا النظام برمته الي مزبلة التاريخ لن يحدث اي اصلاح وستظل الاوضاع كما هي , ولن يتاح اي هامش من الحريات خوفا من تدفق المعلومات للتستر علي عوراتهم وفساد مفهومهم الاسلامي, ولأن النظام ارتكب بألية السلطة من موبقات حروب الابادة الجماعية والقتل والاغتصاب والفساد من كل نوع بحيث أصبح هاجس المحاسبة يسيطر عليهم وان شاء الله صبح المحاسبة قريب .......
|
|
|
|
|
|