كنت شديدة الرغبة (وما أزال) في معرفة كيف نعت جريدة "الميدان،" لسان حال الحزب الشيوعي، المرحوم عبد الله عبيد أحمد (1929) الذي خرج (أو أُخرج) من الحزب الشيوعي في انقسام 1970 . ومعلوم أن الخلاف الحزبي تفتق حول الموقف من واقعة تسلم النميري للحكم في مايو 1969. وكان رأي عبد الله وصحبه أنه ثورة بينما كنا بقيادة أستاذنا عبد الخالق محجوب نراه انقلاباً. وبالطبع البون بين الموقفين بعيد. ولم أقف على نعي الميدان للمرحوم لأن أسرتها امتنعت من إرسالها لبريدي الإسفيري كما ظلت تفعل مشكورة لسنوات. وهذا التوقيف عقوبة لأنني كتبت أنتقد الجريدة لتذكرها الشحيح اللئيم لميلاد أستاذنا عبد الخالق محجوب في 22 سبتمبر الماضي. وهو ذكر بلغ من سوء الخلق حداً وددت معه لو صمتت عنه. ولو اختشت وصمتت ما كنا عاتبناها بالقلم. وصبت علينا جام غضبها. وكتبت لرئيس التحرير الميدان وقسم التوزيع بالإنترنت وآخرين من أثق في حكمتهم عن هذه الفسالة ليرجعوا عن طريقها الوعر. ومنا من ينتظر. لا أتوقع من الميدان حفاوة بعبد الله. وبالطبع صدر من عبد الله بعد خروجه من (على) الحزب عملاً وقولاً ما لم اتفق معه ما أزال. يكفي أننا اشتبكنا بالأيدي في دار "أخبار الأسبوع" كلانا يدافع عن الموقع لجماعته. ولكن عدنا بالزمن أخوة. يعتقد الشيوعيون أنهم حين "يسفهون" ذكر الخارج منهم بعد خدمة طويلة ممتازة كعبد الله عبيد إنما يحسنون الذبح. ولكن يغيب عنهم أن مثله حامل لبعض تاريخهم أرادوا أو لم يريدوا. وأكثر هذا التاريخ أغر ودروسه حاضرة. فلو كنت محرراً في الميدان لذكرت لعبد الله عبيد وقفته خلال انتخابات المجلس المركزي (1963). فكان يومها مرشح حزبنا بمدينة الثورة أم درمان لانتخابات ذلك المجلس المجلس الذي تفتق عنه ذهن النظام العسكري بهندسة مولانا أبو رنات، رئيس القضاء، ليتمسح بالديمقراطية وما هو بالديمقراطي. ولكن "حركات مكاتب". وقامت انتخاباته على التصعيد من مجالس الحكم المحلي، إلى مجالس المديريات، فالمجلس المركزي. وقد كنا قررنا في الحزب دخول هذه الانتخابات بعد أن خَيّرنا جبهة المعارضة آنذاك بين مقاطعته كما قاطع قسم من الوطنيين الجمعية التشريعية (1948) فولدت مفضوحة عرجاء أو ندخله وننتهز سانحات الترشيح لنصلي الدكتاتورية نارا. وهو دخول كالمقاطعة الذكية. ولم تتفق معنا المعارضة (التي ضعفت كثيراً بعد وفاة الإمام الصديق المهدي) وقالت نقاطعها ولو جاءت مبرأة من العيب. وفعلت "غمتي ولبتي". وكان عبد الله عبيد وفاروق ابوعيسي في أم درمان نجمين شدا الأبصار بالتعريض بالنظام علنا والمطالبة بسقوطه لأول مرة منذ 4 سنوات على الملأ فشفيا قلوب قوم مسلمين. وبالمناسبة فزنا في بورتسودان بثلاثة دوائر في مجلس بلديتها مع أنهم قالوا لنا لن تفوزوا. هذه تكيتكات لمقاومة الاستبداد جسدها عبد الله عبيد وذكرها في نعيه ينفع المناضلين. وتستحق الاستعادة في ظرفنا الحاضر الذي فشت فيه مقاطعة الانتخابات العامة والنقابية كبسالة وحيدة. بل صار مجرد التفكير في دخولها يستدعي بيت شعر أمل دنقل: "لا تساوم". وهذه عاهة سياسية لمعارضين لا يجدون غير الشعر مرتكزاً لتكتياكاتهم. وأذكر أن الحزب حين قرر دخول المجلس المركزي قرر لنا دراسة نص صغير من الثوري المعروف فلاديمير لينين عنوانه "فن المساومة" لنرى بأنفسنا أن المقاطعة للانتخابات ودخولها خطتان مشروعتان (حلال ميت) يرجح أي منهما بشرط الظرف السياسي وميزان القوى والأغراض المحدودة التي تريدها من هذا أو ذاك. فليس لدخول الانتخابات أو مقاطعتها دلالة أخلاقية مجردة. كما لا يدخل المعارض كل انتخابات لأجل الفوز أو بتعهد حقوقي بعدم التزوير. فلقد سقطت نظم مستبدة بعد انتخابات وتزوير أحسن المعارضون توظيفهما.وأردنا في الحزب بالدخول إنتهاز سانحة الشرعية النسبية لعملية الترشيح لنعرض بالنظام من فوق منابرها نُعدي بشجاعتنا طلائع الجماهير. ولم نتزحزح بتكتيك دخول الانتخابات الثانوي هذا عن تكتيكنا الثابت بوجوب الإطاحة بنظام عبود عن طريق الإضراب السياسي العام الذي اعتمدناه خطاً لاستنهاض الجماهير لتلك الغاية منذ 1961. فلم نستبدل الثابت بالثانوي كما يفعل معارضو اليوم. فتسمع منهم أنهم سيحاورون النظام فإن لم يستجب أسقطوه . . . بالتمني. وسمعت هذه النبرة في صورتها الشائنة أخيراً وكثيراً من المؤتمر الشعبي الذي قال إنهم أسقطوا خيار الثورة الشعبية واستبدلوه بالحوار. بئس الطالب والمطلوب. ولو كان عبد الله عبيد في عهد أيامه بيننا لقال لهم عبارته الدارحة "بيسحروكم". إذا عملت الميدان رايحة من نعي عبد الله فستكون قد ظلمت حزبها الذي يتحرج منذ زمن طويل من حصار فارغ له بأنه خاف من نظام عبود وفترت همته وطلب الأمان في انتخاباته البلهاء. لم نخف. يحرد حزب كلنج اب صلعة. وخرج منا مثل عبد الله عبيد في الثورة وغيره يصلون النظام ناراً وزلزلة في سياق تكتيك ثابت لاسقاط النظام لا مهادنته. إنك لا تدفن مثل عبد الله عبيد بغير أن تغرق الحفر لنفسك . . . يا مسكين!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة