[email protected] بمجرد ذكر اسمه يتراءى لي النضال وحب الوطن والوفاء لقضاياه في أبهى الصور. إنه عبد الجبار عبد الله عبد الوهاب الزميل والأخ والصديق الحبيب. انقطع تواصلنا الهاتفي لأسابيع لتفاجئنا زوجته الحبيبة إخلاص بصورته وهو يتأبط لافتتين كبيرتين تعلنان عن فكرة إضرابه عن الطعام تضامناً مع تضور أهله جوعاً في الوطن. حمل لافتتيه وأتجه بهما صوب أحد شوارع مدينة نيويورك بغرض لفت الأنظار للمآسي المتلاحقة التي يعاني منها إنسان السودان. حفلت كثيراً بالمشهد الذي رأيته، ليس فقط لأن الفكرة بارعة وستجد الإهتمام اللازم في بلد مثل أمريكا، بل لأنني أعرف صاحبها جيداً أيضاً. فعبد الجبار أو (جبورة) و( القولون) كما يطيب لنا أن نناديه لم أر له مثيلاً في حياتي من ناحية الثبات على المبدأ والإيمان بالقضية. عرفت ورأيت طوال حياتي الكثير من المناضلين والمهتمين بالسياسة، لكنني لم أجد بينهم شخصاً يقرن الفعل بالقول مثلما يفعل هذا الرجل. ولعل القاريء المتابع لهذه الزاوية قد لاحظ أنني في مقالي السابق ركزت كثيراً على هذه الجزئية تحديداً. فنحن لسنا في حاجة لمناضلين وهميين يملأون الفضاءات تنظيراً وثرثرة وتنتشر صورهم وكلماتهم بمختلف صحفنا ومواقعنا، ثم في أقرب لفة تجدهم قد انقلبوا على عقبيهم مهرولين للمعسكر الآخر ( مبارك الفاضل وحاتم السر نموذجاً). هو إنسان جمعتني به أحلى أيام العمر بوحدة الترجمة والتعريب لتتوطد وشائجنا بعد ذلك وتصبح أخوة صادقة و حقيقية. وفي تلك الأيام الجميلة كان جبورة يكابد ويعاني ويلهث ليل نهار لكسب قوت يومه، لكنه لم يفقد مرحه وتبسطه وجسارته ولو للحظة. ولم يمنعه ضيق الوقت عن تجويد جملة من الأشياء حينها، من بينها البراعة في الترجمة لدرجة أن لقبته استاذتنا الراحلة زينب الفاتح رحمها الله رحمة واسعة بـ ( سيبويه). ثم تغيرت الظروف وزارني هنا في مسقط لأشهر قليلة انتقل بعدها للإمارات مُلتحقاً بصحيفة الاتحاد هناك، ليظل هو ذات الإنسان الذي عرفته. وبعد ذلك حدثت له نقلة أكبر بالإنضمام لفريق المترجمين بالجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك وها أنتم ترونه مضرباً عن الطعام تضامناً مع أبناء وطنه رغم بعد المسافة واختلاف الظروف. المناضل الذي شاهد صوره بعضكم من النوع الذي يمكنك أن تتعامل معه لسنوات دون أن تعرف في أي فكرة يعتقد ولأي حزب ينتمي. وهو قطعاً يقتنع بفكرة محددة، لكنه من طينة من يحدثونك عن جوانب قصور وشوائب فكرتهم، قبل أن يكلمونك عن جوانبها المشرقة. لهذا عندما يأتي مثله بفكرة الإضراب عن الطعام لتسليط الضوء على ما يجري في بلدنا فلابد أن نسعد بذلك ونتضامن معه، كل بقدر استطاعته. كما علينا أن نتداول صوره وننشر مبرراته لهذا الإضراب على أوسع نطاق. فالمطلوب في النهاية هو أن نخلص بلدنا مما يعانيه. ومما لا شك فيه أن كل مخلص لهذه الفكرة يطرب لمثل هذه المبادرات الجادة والأفكار الجيدة. نشرت صحيفة الراكوبة كلاماً رائعاً لجبورة، كصاحبه، وضح فيه أسباب إضرابه عن الطعام. وأكثر ما لفت نظري فيما جادت به قريحته هو فكرة الـ Kleptocracy ، أو " حكم اللصوص"، ومخالفته للمصطلح الرائج " الفساد" بإعتبار أن الجماعة الحاكمة في السودان يسرقون سرقات واضحة وضوح الشمس، والأمر أكثر من مجرد فساد، وهي فكرة صائبة تماماً. فهؤلاء يسرقون ويستأثرون بكل خيرات البلد ويفقرون عن عمد ومع سبق الإصرار غالبية أفراد شعبه، ويعيدون كل شيء في حياتنا عشرات السنوات للوراء، ليس مصادفة، إنما عن وعي تام بما يفعلونه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة