|
عاجل .......لإنقاذ أكثر من مليون ونصف شخص في دار فور
|
بسم الله الرحمن الرحيم رداً على محمد الحسن أحمد : - عاجل .......لإنقاذ أكثر من مليون ونصف شخص في دار فور لا التباكي على العروبة هناك
كتب الكاتب السوداني المعروف بجريدة الشرق الأوسط الأستاذ / محمد الحسن احمد في مقاله الاسبوعى في صفحة الرأي موضوعاً دأب على الكتابة فيه في الأيام الأخيرة وهو مأساة دار فور . وقد كان عنوان المقال : - عاجل .....حكومة قومية لأبعاد السودان من سيناريو الصوملة ، وذلك في عدد الخميس 22 يوليو الماضي ، وقد اقتبسنا من عنوانه ذاك عنواناً لهذا الرد .
أولا ، أحب أن انوه إلى أن لي تجربة شخصية مع كتابات الأستاذ / محمد الحسن احمد ، وهى انه في أواسط الثمانيات من القرن الماضي ، وعندما كنت موظفاً مبتدئاً في السلك الحكومي في السودان ، تعودت أن أتسلل من المكتب دون استأذان من الرئيس المباشر وذلك لضمان حجز نسختي من جريدة " الأضواء " التي كان يصدرها المذكور في بداية العهد الديمقراطي الذي اطل على السودان بعد انتهاء عهد الرئيس جعفر نميرى . ما أريد توضيحه من هذه التجربة الشخصية هو أنى كنت مغرماً بكتابات الأستاذ / محمد الحسن لما يتضمنها من نظرة ثاقبة لتحليل المشاكل السياسية للسودان ، ولم يتبادر إلى ذهني آنذاك أن الأيام ستدور بي وبالكاتب لاكتشف في النهاية أن المذكور لا يختلف في مواقفه من قضايا " الهامش السوداني " عن موقف اى فرد من أفراد معظم النخب السياسية السودانية وخاصة مواقف قادة نظام الإنقاذ الحالي ، والذين موقفهم هو أن السودان وشعبه ليس إلا العاصمة القومية والوسط الجغرافي ، أما هوامشه فلا أهمية لأهله غير المساحة الأرضية التي تفصلها الحدود السياسية لدول الجوار وذلك بمعزل عن سكانها ومشاكل سكانها وسوف نبين ذلك لاحقاً . هذه التجربة الشخصية " التاريخية " مع كتابات الأستاذ / محمد الحسن هي التي منعتني طوال الفترة القليلة الماضية عن الرد على كتاباته الجارحة لمشاعر أهل دار فور في جريدة " الشرق الأوسط " الغراء . إلا أن الأمر صار لا يحتمل السكوت عندما واصل في الكتابة لتصوير مأساة دار فور الحالية على أنها مجرد مؤامرة تقوم بها المجموعات المسلحة التي تقاتل الحكومة في دار فور بالتنسيق مع القوى الدولية المناوئة للحكومة السودانية وذلك للنيل من سمعة العرب والإسلام في دار فور وكأن العروبة والإسلام لا وطن لها غير السودان . ويستحضرني أيضا بهذا الخصوص حديث للكاتب السوداني المغوار الأستاذ / الطيب صالح في مناسبة انتقاده لحكومة الإنقاذ في بدايات عهدها ، وذلك لموقفها المساند للعراق في حرب الخليج الثانية ، حيث قال ما معناه انه من غير المطلوب أن " يحشر " السودان نفسه في القضايا المركزية للعرب ، كمشكلة الكويت آنذاك ومشكلة فلسطين المستمرة ومشكلة العراق الحالية ، وبل على السودان أن يلعب أدوارا أخرى أكثر ملائمة ، و هو الدور التوفيقى بين الدول العربية في حالة اختلافاتها كمؤتمر " اللاآت الثلاثة " الذي احتضنه الخرطوم بعد نكسة عام 67 ، وذلك لما للسودان من ميزة متفردة لا تتوفر للبلدان العربية الأخرى وهى الخلط " المشبع " للعرق العربي الافريقى في تكوينه الديمغرافى وهى ميزة جاذبة في حالة الحياد لا طاردة إذا تم استغلالها في الإطار الذي يراه الكاتب المذكور . علاقة حديث الطيب صالح بموضوع المقال واضحة ، وهو أن الأستاذ / محمد الحسن قد نصب من نفسه محامياً للدفاع عن الإسلام وسمعة العرب في قضية لا تشرف العرب ولا الإسلام فيما ارتكبت من فظائع وأعمال وحشية ضد الإنسانية . ثم انه ولتأكيد حديث الطيب صالح فان الأستاذ/ محمد الحسن قد لا يختلف كثيراً في جيناته و سحناته عن الكثيرين من أهل دار فور الذين يدعوهم الأفارقة غير "الشلوخ " الذي يزين خديه ، وهى آثار عادات سودانية باليه تجاوزها الزمن ولا علاقة لها البتة بالإسلام أو العروبة . هذه كانت مقدمة ، ودعونا الآن نعلق على ما جاء في المقال المذكور أعلاه .
وكما أشرت أعلاه فان الكاتب يرى ما يدور في دار فور من مآسي إنسانية وتطهير عرقي يمارس ضد القبائل الأفريقية ، ما هي إلا فرية ابتدعها الحركات المسلحة في دار فور بالتنسيق مع القوى المناوئة للسودان حتى خرجت القضية من مسار المظالم المعروفة إلى تلطيخ سمعة العرب والإسلام وبل صرفت الأنظار عن الفظائع التي ارتكبت في سجن أبو غريب في العراق والتي تتواصل في فلسطين ، هذا رأى الكاتب . أما نحن فنقول انه لشئ مؤسف ومحزن أن يصور كاتب مرموق مثل الأستاذ محمد الحسن مأساة أكثر من مليون ونصف سوداني مثله – عفواّ دار فوري – والذين طردوا من ديارهم واحرق قراهم وأبيد مصادر رزقهم من ماشية وزرع وخلافه ودفعوا دفعاّ إلي أطراف مدن دار فور والي دولة تشاد المجاورة بواسطة قوات الحكومة والمليشيا المساندة لها ، وبعد هذا كله ينظر للمسألة مجرد مؤامرة لتلطيخ سمعة العرب والإسلام والسودان . أي سمعة ترجوها للعرب والإسلام والسودان من قتل عشرات الآلاف وتهجير الملايين من ديارهم ؟ إذا افترضنا أن الناس والعالم سكتت من هذه الجرائم ضد البشرية حفاظاّ على سمعة العرب والإسلام فهل هذه الأعمال تشرف وتخدم فعلاّ العرب والإسلام ؟ لقد سبق الكتابة في شأن دار فور كتاب عرب مرموقون زملاء في نفس الصحيفة للأستاذ محمد الحسن ونذكر منهم الأستاذة هدي الحسيني، الأستاذ احمد الربعي ، الأستاذ عبدا لرحمن الراشد والأستاذ سمير عطا الله. كتب كل هؤلاء- وهم العرب المركزيين أكثر عروبة من محمد الحسن على قول كاتبنا الطيب صالح ، كتب كلهم منددين بما يجري في دار فور ومحذرين من المخاطر التي تجلبها مثل تلك الممارسات من حكومة ضد شعبها ، إلا أن الكاتب محمد الحسن ، الرجل المعارض بضراوة لنظام الإنقاذ منذ مجيئها للحكم ، استسلم في لحظة ضعف (عرقي) ونسي معارضته للنظام وامسك بعصا " الهوتو " لضرب " التوتسي " . فيا للعار من خبرة صحفية امتدت إلي قرابة نصف قرن من الزمان ! يشير الكاتب بأسي وحسرة إلي التحالف الاستراتيجي (للمهمشين) الذي تم توقيعه أخيرا بين الحركات المسلحة في دار فور و " الأسود الحرة " في شرق السودان ، وهم ينتمون إلي قبائل الرشايدة العربية، ويقول أن هذا الحدث دليل على عدم صحة ممارسة الجنجويد والمكونة أصلا من بعض القبائل العربية في دار فور للتطهير العرقي ضد القبائل الأفريقية ويتساءل كيف يكون العرب هنا في دار فور أعداء وهنالك في شرق السودان حلفاء ؟ نجيب على هذا السؤال بسؤال آخر بنفس النمط ونقول لماذا يتفق أربعة من اكبر كتاب الرأي(العرب) في جريدة الشرق الأوسط الواسعة الانتشار في تشخيص مشكلة دار فور على أنها تطهير عرقي أو جريمة فظيعة ضد الإنسانية من قبل الحكومة والجنجويد - على أحسن تقدير - ويرى زميلهم السوداني (العربي) المقيم في لندن أيضا المسألة على أنها مؤامرة ضد العرب والإسلام ؟ ثم أن هذا التحالف ، لماذا لا يحسب لصالح الحركات المسلحة في دار فور؟ ألم يشير هذا التحالف إلي أن المجموعات المسلحة المسماة بالأفريقية ليست لها عداء للعرب والعروبة وكلما في الأمر أن مصالح حكومة الإنقاذ قد تلاقت مع مصالح تلك المجموعات العربية في دار فور لمحاربة الثوار مما أدى إلى هذا الوضع المأساوي الذي نعيشه الآن في دار فور نتيجة لحسابات خاطئة من الطرفين ؟ والدليل علي ذلك أنهم تحالفوا وبصورة تلقائية مع مجموعة عربية (نقية) لا تشوبه عرق إفريقي عكس أهلنا العرب في دار فور دون أي تحفظات لسبب أن المجموعتين تجمعهم صفة التهميش . يلمح الأستاذ محمد الحسن في مقالته على غرار (نظرية المؤامرة) أن أمريكا وفي إطار الهجمة الحالية ساعية إلي رسم خريطة جديدة لإفريقيا وللسودان تحديدا وذلك بالعمل على قضاء على الحكومة الحالية حتى تستفيد من ثروات السودان البترولية المتزايدة وربما تشمل المؤامرة الدول المجاورة للسودان مثل ليبيا وتشاد. ولكن السؤال الجوهري هو ما الذي يمنع أمريكا أن ترسم ما تشاء من الخرط في السودان تحديداّ في ظل الحكومة الحالية ، وهو النظام الذي (يبصم ) بنعم على كل طلب من أمريكا؟ الأمريكان لا يحتاجون إلي تغيير نظام الإنقاذ لتمرير سياساتهم وهو النظام الذي أعياه الركض وراء أمريكا لنيل رضاها. تجاهل الكاتب غي كل كتاباته الأخيرة عن مأساة ملايين النازحين ومئات الآلاف من اللاجئين الذين شردهم حملات التطهير والتهجير القسري التي مارسته الحكومة والجنجويد وذلك عندما صور القضية كلها في إطار مؤامرة وصرف أنظار لقضايا العرب المركزية ، ولكن أسوأ من ذلك الموقف هو إصرار الكاتب على عدم إنقاذ هؤلاء النازحين من الموت وذلك بالبحث عن أسرع الوسائل لتوصيل الإغاثة لهم. وتجلي ذلك من اعتراضه على التنسيق الذي تم بين الحكومة الليبية والأمريكية على سماح ليبيا بتوفير الإغاثة عبر حدودها إلي المنكوبين في دار فور وتشاد ، حيث اعتبر ذلك انتقاصاّ لسيادة السودان وكأن أمريكا طلبت الإذن لإدخال السلاح للمتمردين وليست الإغاثة للجو عي من النازحين واللاجئين . ويتساءل الكاتب في النهاية ويقول هل بوسع السودانيين أن يحبطوا المؤامرات والتي تحاك ضد بلادهم ؟ ويجب بنعم ويقترح الحل وهو الإسراع بتكوين حكومة قومية (حتى تكون هناك استدارة كبيرة وعظيمة ننقل البلاد من هذا الاحتقان الخطير ولإعطاء الثقة في توقيع اتفاقات السلام بإجماع كل القوي السياسية.... الخ). هذا بالطبع رأيه ، ونحن أيضا شريحة سودانية متضررة لنا رأي آخر وهو أن صيانة حياه إنسان دار فور وإنقاذ روحه من الهلاك هو أولي من سمعة السودان والعروبة . وان السودان الذي تتباكي عليه من المؤامرات ، بالنسبة لإنسان دار فور المشرد هو قريته التي تم تدميرها ومزرعته التي مسحتها قوات الحكومة والجنجويد ومواشيه التي أبادتها طائرات الانطنوف وتوزعت ما تبقى كغنائم لإفراد الجنجويد . السودان يا سيدي بالنسبة اللاجئين هي تلك الأرض المحروقة التي شردوا منها قسراّ إلي ما وراء الحدود. إذن ّ أين السودان الذي يتباكى الكاتب على سمعته وبل أين العروبة و الإسلام في نظر هؤلاء من ممارسات هؤلاء ؟؟!!
محمد بشير مناوى الرياض – المملكة العربية السعودية [email protected]
|
|
|
|
|
|