|
صُـورة فِي نَظْـرَة بقلم أحمد يوسف حمد النيل
|
قد يقع نظر الانسان على شجرة مورقة لها ذكريات , فتلهب ذكرياته. و ربما يقع نظره على فتاة جميلة فتهيج لواعج الشوق فيه. و قد يمتد الانسان نظره في رحلة برية , فتثير ثائرته لذكريات الصبا. و لكن ما أقصده هنا من "صورة في نظرة" البعد الموضوعي , لا الاشواق الشخصية الذاتية. هي صورة يلمحها الرائي فيختزنها و يحللها الذهن , فإما ان يفندها بموضوعية بعد ما ان جذبته , او ان يختزنها في ذاكرة التقليد بعدما ان استهوته. قد يحمل المجموع العصبي للفرد هذه الصورة , و يكون قد حللها مسبقا ً, فهنا يكون دور الذهن ليس إلا شرطي متسلط ينفذ ما طُلب منه في صرامة , فهذه هي هالة التقليد المميتة. و لكن الذهن الحُر , لا يحجر على نفسه , و لا يتعجل النتائج و الاستنتاجات , بل يدع مساحة للإبداع و التحرر المنضبط بقيود الحساب و البرهان. قد يخطئ الذهن في ترجمة الصورة و يأخذها كمُسلّمة اجتماعية أو سلوكية أو دينية, فيكون العرض الباهت لصورة عُرفت منذ آلاف السنوات , دون أن تتبدل أو تتجمل أو يُنفضُ عنها الغُبار. تأخرت كثيرا خطواتنا نحو التقدم بل تخلفت , و السبب في رأي أن الصورة الدينية التي ارتسمت في أذهان الناس عن سلوك رسولنا الكريم لم تكن مكتملة, ففهما كثير من الناس كرسائل و خطب للوعظ لا للعمل. لذا أصبحت مُكَبِلة للفكر بدلاً من أن تكون دافعة له. فإذا أحسستم بصدق الانسان و أخلاقه و حريته فأتبعوه فلن تخيبوا. هنالك نظرات قاتمة و سوداء و محبطة فهذا هو البلاء , و هنالك نظرات واضحة و بيضاء و طموحة و جريئة و متفائلة فالزموا طريقها فهي سر النجاح. التفوق الاكاديمي لوحده كجمال الغيث بلا تربة ليهبط فيها و يسقيها , و الأخلاق و الخطب الدينية بلا علم و عمل كالأرض بلا مطر و ماء , يصيبها الجفاف فتتشقق و لا ينجو من على ظهرها. فاكتمال الصورة جوهر الحياة , و تفاعل الروح منبع الحياة , و حركة الفكر و الذهن نور الحياة. بلا أدنى شك نرثى لحالنا و يحملنا الأسى الى حيث الفشل العريض. و لكن اذا تحولت كل أفكار رجال الوطن و شبابه الأدبية و الفلسفية و الدينية و الثقافية الى عمل بل و عمل اقتصادي نجني من وراءه الفائدة العامة للناس فهنا تكتمل الصورة و تتضح النظرة و الرؤية. لقد ازدحمت ذاكرتنا بصور الماضي , في الكتب المدرسية و الشارع و الاحتفالات و التفاعلات الاجتماعية التقليدية. و قبل ان تُطبق هذه الصور و تتحول الى صورة عملية , شُحِنت مرة أخرى بمثلها و في كل مرة يأتي لأرض السودان من يريد أن يغير الصورة القديمة التي لا تناسبه الى أخرى تناسبه و بصورة انانية و حزبية بعيدة عن الوطنية و الثوابت , بغض النظر عن المنهج السلوكي و التربوي المتوارث في المجتمع , فيا قومي لن تنالوا النجاح حتى تحترموا كل مقدرات الشعب العظيم في طبعه. فان حُمل الشعب على ما لا يطيق تمرد و تذمر , و هكذا ستصبح الحياة أشبه بملهاة ليلية في مسارح المدينة المتهالكة مادةً و فكراً و بشراً و ابداعاً , و لا جديد في دنيا الابداع و سيظل الصراع هكذا الى ما لا نهاية ما دمنا نصطرع في ذواتنا و شخصياتنا , فدعونا نحمل ذواتنا فوق شهواتها و ننتصر عليها. فان خلقنا مجتمعات صغيرة نقية و عملية ستكبر الدائرة و تنمو الى ان تشمل الكل. فدعونا لا نقعد في مقاعد النقد سنين طويلة و نترك مقاعد العمل في صورة كئيبة قد ترسخ هكذا و يلزم الناس الفشل و يلازمون الاحباط, انفضوا الغبار و غيروا النظرة تتجدد الحياة , فليس لفاشل أثر على حياتنا , فالفاشلون لا يسيطرون علينا و لا يقودوننا الى أي طريق. فجرم صناعة المستقبل نحن من نُحاسب عليه , لأن أطفالنا يحملون صورة الكهول الضعفاء , بتسلط الذهن التقليدي فلا يقرءون نظرات أطفالهم , و يثبتون في ذاكرتهم الشدة في التربية و العنت , فهيهات أن يستغيث هؤلاء الأطفال لأنهم لا يجدون سوى شرطي يطبق على أنفاسهم و يقتل طموحهم في جوف الليل , و تجده في ضياء النهار يعلو صوته بالقيم و الأخلاق. هذا مؤشر لعدم الفهم و التناقض و النفاق ان كان بقصد أو دون قصد و ان كان بعلم أو دون علم. فالأطفال قطع من الماس و الجواهر ان شوهتها قتلتها , فرجال السياسة الكارهون للجمال يقتلون الأطفال بأفكار فوق مستواهم و يحرقون فيهم الإحساس لذلك هم فاشلون. و الفشل الأكبر ان كل حياتنا سياسة , ليس فيها قيم أخرى بنفس القدر , لذا جاءت الصورة بتلك النظرة و جاء الفن و الأدب و الثقافة بألوان سوداء و أطفال مجروحين و مشردين و جوعى و لقطاء و جهلاء.
|
|
|
|
|
|