|
صورة هزت العالم ؟ بقلم ثروت قاسم
|
07:28 PM Sep, 04 2015 سودانيز اون لاين ثروت قاسم- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
Facebook.com/tharwat.gasim mailto:[email protected]@gmail.com
في يوم الثلاثاء فاتحة سبتمبر 2015 ، رأي أحد شرطة خفر السواحل في جزيرة كوس اليونانية في بحر إيجة منظراً تقشعر له الأبدان . رأي جثة طفل سوري لم يبلغ الثالثة من عمره ، قذفتها امواج المد في بحر إيجة إلى شاطئ جزيرة كوس . وكأن الطفل الإنسان قطعة من حطب من إثل ، أو مما تفور به مياه بحر إيجة من خشاش .
طافت صورة الطفل السوري على مواقع التواصل الإجتماعي في رياح الدنيا الأربعة . وإهتز الرائ العام في اروبا الديمقراطية التي تحترم حكوماتها الراي العام ، لأنه الذي يستولدها ويميتها ، فتحركت الحكومات في اروبا ، نتيجة لتحرك الرأي العام .
قال قائل منهم :
عندما يقذف المد البحري بأطفال موتى على شواطئنا ، فقد أزف وقت العمل !
وشمر متخذو القرار في الاتحاد الاروبي عن سواعدهم ، وبدأوا في العمل .
الإتحاد الأروبي بصدد إصدار توصية بإعتماد كوتة محددة بعدد ما يمكن لاي دولة من دول الإتحاد قبوله من لاجئين كل سنة ، حسب مرجعيات محددة ... ديمغرافية وإقتصادية وجغرافية .
نشعر بوجع ونحن نستعيد ذكرى بعض المفارقات الماثلة للعيان ، والتي أشرنا إليها تلميحاً في مقالة سابقة ، فالذكرى تنفع المؤمنين !
المفارقة الاولى التي أشار اليها ايضاً الكاتب المبدع عبد الباري عطوان في عموده اليومي ، مفادها ان معظم الدول العربية، وبالاخص الخليجية الستة حصراً ، لم تستقبل لاجئا سوريا أو يمنياً ( واحداً ) ، ولا نقول دارفورياً ؛ واغلقت حدودها في وجههم، وإستعد باشبوزقها لإطلاق النار وقتل أي لاجئ سوري أو يمني يتجرأ بعبور الحدود المذهبة ، وتهديد الأمن القومي لهذه الدول ؟ بينما إستقبلت الدول الأروبية آلاف اللاجئين السوريين ، وأكرمت وفادتهم ، ولم يتهدد الأمن القومي لهذه الدول . المفارقة الثانية إن هذه البلاد العربية التي تصد اللاجئين السوريين واليمنيين عن حدودها بالقوة العسكرية العنيفة ، تتدخل عسكرياً في سوريا واليمن ، وترسل الاسلحة والاموال لتدميرهما ، بل تقصف بطائراتها البني التحتية والمشافي والمدارس وتقتل الالاف من مواطني هذه الدول المنكوبة . هذا التدخل العسكري السافر كما في اليمن والمغتغت كما في سوريا ، هو الذي إستولد موجات الهجرة والنزوح واللجؤ ، وقذف بالطفل السوري على شواطئ جزيرة كوس اليونانية .
تدعي هذه الدول العربية مساعدة السوريين واليمنيين في داخل بلادهم ، وتتهرب منهم وهم لاجئين مشردين في خارجها ، هروب السليم من الأجرب ، خصوصاً إذا إقتربوا من حدودها .
هل من تناقض اكبر من هذا النفاق ؟
المفارقة الثالثة إن عرب هذا الزمان بمختلف مشاربهم ينكرون على الغرب أنه حقق أي تقدم أو تفوق ثقافي وأخلاقي . يوصف العرب هذا الغرب بالانحلال الثقافي وانعدام الانضباط الأخلاقي لديه. لم يسأل أحد من العرب نفسه هذا السؤال ، الذي وجهه لهم الاستاذ خالد الدخيل :
هل يمكن لثقافة منحلّة وغير منضبطة أخلاقياً أن تسمح بإجارة المستجير الأجنبي المختلف ثقافياً وإثنياً ودينياً ؟ بينما ترفض الثقافة العربية - الإسلامية إجارة الأخ العربي- المسلم ؟
صدق الشيخ محمد عبده الذي قال في زمن غابر إنه وجد مسلمين حقيقيين في بلاد الغرب النصرانية ، ولم يجد مسلمين في ديار العرب المسلمة ؟ يعيش الغرب الإسلام الحقيقي الذي يجير المستجير .
المفارقة الرابعة تظهر لك وأنت تشاهد القنوات التلفزيونية العربية ، وبالأخص قناتي الجزيرة والعربية ، أو أنت تقرأ الصحف العربية ! هذه وتلك تذكرك صباح مساء ، بدعم الأنظمة العربية وحكوماتها للشعب السوري، وحرصها على تحريره من الطاغية الأسد ، وتوفير الاستقرار والرفاهية له، وتنفق مليارات الدولارات على تسليح معارضاته ، لضمان التحول الديمقراطي فيه !
ثم ، ويا للهول ، كما قال يوسف وهبي في زمن غابر ، ترفض هذه الدول العربية ان تستقبل لاجئيه كما تفعل الدول الاروبية الأبعد جغرافياً ، وتاريخياً ، وثقافياً .
والمضحك ، ولكنه ضحك كالبكاء ، إن هذه الدول التي تدعو وتعمل للتحول الديمقراطي في سوريا ، دول شمولية توريثية تفتقر لأبسط قواعد الديمقراطية في بلادها .
هذه بعض البعض من المفارقات والتناقضات التي يفور بها الفضاء العام العربي ، وهي مواقف تتدابر مع القيم والمفاهيم والمعاني الإسلامية ، بل الإنسانية ، التي تحث على الرحمة والمروءة وإغاثة الملهوف .
تسآل الاستاذ وائل قنديل كم عاصمة عربية أشاحت وجهها ، وأغلقت أبوابها، وعبست وتولت حين أتاها سوريون، فارون من مجازر بشار الأسد؟ كم نظاماً عربياً تشدد وتعنت واتخذ التدابير لمنع تدفق اللاجئين السوريين إليه، خوفاً على أمنه الداخلي، وتركيبته السكانية؟ أوليس هو العار نفسه ، أن تفزع عواصم العرب من السوريين، وأن تكفهر وجوه حكومات العرب، إذا ما فكّر سوري في الالتجاء إليها ، في حين تتلقفه الدول الاروبية في حنية تفضح الذئبية العربية ؟ من نلوم غير حكام بلاد العرب الذين سقطوا في اختبار النخوة والإنسانية والمرجعيات الإسلامية ؟
انجيلا ميركل مستشارة المانيا الاتحادية، تستقبل سنويا اكثر من 50 الف لاجيء، ومن بين هؤلاء 350 الف سوري. وتقدم لهم العون والمساعدة، وتفتح لهم مدارسها ، وتوفر لهم فرص العمل، وتمنحهم الجنسية الالمانية ، واقامات دائمة بعد سنوات يحددها القانون الألماني ، بغرض تأهيلهم خلالها للتأقلم مع مجتمعهم الالماني الجديد في ظل حماية قانونية مؤكدة. كما تتعهد المستشارة الالمانية بأن لا تعيد من هؤلاء لاجئاً واحداً إلى سوريا ، لان هذا يتعارض مع قيم العدالة وحقوق الإنسان التي تؤمن بها ، ويؤمن بها شعبها .
ينظم الشعب الالماني ( الكافر ؟ ) مظاهرات ضد العنصرية، ويطالبون حكوماتهم باستقبال اللاجئين السوريين وغيرهم ، دون قيد او شرط .
فلماذا لا تفعل الشعوب العربية الشيء نفسه ، في وجه معظم حكامها الذين لا يطبقون تعاليم الإسلام السمحة ، ولا يجيرون المُستجير ؟
وقس على مثال المانيا بقية الدول الأروبية ، وخصوصاً هولندة التي تستضيف اكبر جالية سودانية من اللاجئين .
هل تصدق ، يا هذا ، إن بعض الدول العربية المُذهبة لا تسمح للمقيمين فيها من العرب والمسلمين، لعشرات السنوات ، بالإستشفاء في مستشفياتها، او الدراسة في مدارسها ؟ إذا كان الأمر هكذا بالنسبة للمقيمين قانوناً ، فكيف ستستقبل اللاجئين السوريين واليمنيين ، دعك من الدارفوريين الزرقة ؟
بعد كل هذه المواقف التي تتسم بالازدواجية والنفاق وعدم الإنسانية من الحكومات العربية ، يتسأل البعض منا لماذا يهرب الطلاب والطالبات من جامعة مامون حميدة ، وينضمون إلى داعش والقاعدة وجبهة النصرة ، واخواتهم ، ويفجرون أنفسهم هنا وهناك نتيجة مباشرة للإحباط والإنتقام ؟ ّ
قال:
سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ:
تَقُومُ اَلسَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ اَلنَّاسِ.
( تعني الروم وقتها الغرب الآن )
قَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ:
لَئِنْ قُلْتُ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعًا:
إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ اَلنَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ,
وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ,
وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ,
وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ.
وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ:
وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ اَلْمُلُوكِ .
صدق الصحابي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فشعوب الغرب الآن ، وبعكس الشعوب العربية ( خيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ... لاجئ ) ... وأمنعهم من ظلم الملوك ، فقد أقامت شعوب الغرب المؤسسات التي تمنع من ظلم السلطة ، بالتبادل السلمي والديمقراطي للسلطة ، وعدم الكنكشة فيها الأمر الذي يستولد الإستبداد والفساد .
في هذا السياق ، نذكر بأمرين ، آيات لقوم يتفكرون :
نواصل في حلقة قادمة ...
أحدث المقالات
- قراءة متانية بين سطور اجتماع البشير وقياداته العسكرية والامنية (الحلقة ارابعة) بقلم طالب تية 09-04-15, 05:15 PM, طالب تية
- المواقع الإلكترونية.. مساحة للتنفيس أم "سحّارة" للتكديس ! بقلم بدور عبدالمنعم عبداللطيف 09-04-15, 05:12 PM, بدور عبدالمنعم عبداللطيف
- وليد الحسين يُحب مكارِم الأخلاق.. نِلتمِس من خادم الحرمين الإفّرِّج عنه..! بقلم عبدالوهاب الأنصاري 09-04-15, 05:10 PM, عبد الوهاب الأنصاري
- الراجل السوداني أرجل راجل والرجالة تطير!! بقلم فيصل الدابي/المحامي 09-04-15, 05:05 PM, فيصل الدابي المحامي
- كليبتومانيا الضوء : سيمون بين السرايات حالة بقلم محمد رفعت الدومي 09-04-15, 05:01 PM, محمد رفعت الدومي
- سياسة العزل إعدامٌ للنفس وإزهاقٌ للروح (3) بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي 09-04-15, 03:48 PM, مصطفى يوسف اللداوي
- بلاش أنسانية مخادعة أنتم لا تشبهون أخوتكم يا عرب السودان؟.. بقلم الفاضل سعيد سنهوري 09-04-15, 03:44 PM, الفاضل سعيد سنهوري
- إنهم يكتشفون الغاز ويستعدون لشراء العقالات!! بقلم فيصل الدابي/المحامي 09-04-15, 03:42 PM, فيصل الدابي المحامي
- السيسي الذي لا تعرفون بقلم عبدالباقي الظافر 09-04-15, 03:40 PM, عبدالباقي الظافر
- مهزلة خطاب الرئيس حول الحوار الوطنى 7+7 تعليقا عليه 21 اغسطس 2015 بقلم محمد القاضي 09-04-15, 03:39 PM, محمد القاضى
- الحوار النوبي – النوبي حوار للإلهاء والإلتفاف ودس السم في الدسم!!!! بقلم مبارك أردول 09-04-15, 05:50 AM, مبارك عبدالرحمن أردول
- كيف حكم نظام الإنقاذ ست وعشرين عاماً إذا كان لا يستطيع تحمل ما تكتبه صحيفة إلكترونية كالراكوبة؟ 09-04-15, 05:47 AM, عبدالغني بريش فيوف
- القيادة الرشيدة بقلم عائشة حسين شريف 09-04-15, 03:12 AM, عائشة حسين شريف
- مرآة تعكس الشوق شوكا بقلم الحاج خليفة جودة 09-04-15, 03:10 AM, الحاج خليفة جودة
- عبد الخالق محجوب: ما عندك أتلج من دا؟ بقلم عبد الله علي إبراهيم 09-03-15, 10:09 PM, عبدالله علي إبراهيم
- الشاعر البلجيكي المرهف سيى جاى CEE JAY بقلم د.الهادي عجب الدور 09-03-15, 10:05 PM, الهادى عجب الدور
- كارثية سياسة التحرير الاقتصادى بقلم عصام جزولي 09-03-15, 10:03 PM, عصام جزولي
- الصغار في لعبة الكبار...!! بقلم سميح خلف 09-03-15, 10:01 PM, سميح خلف
|
|
|
|
|
|