عندما تُغلق أبواب الشفافية في بلدٍ ما ، بإسم خوف السلطة من مارد الثورة أو الإنقلاب أو حتى فقدان المكاسب التي يجلبها صولجان الجاه والسلطان ، يصبح أمر (الصهينه) أو التغاضي عن ما يمكن أن يكون في نظر الكبار صغيراً وغير ذا بال وسيلةً للحفاظ على الأمن والسلم والسكينة ، ليس لصالح الناس أو فائدة المصلحة العامة بل هو أولاً وأخيراً لصالح النظام السياسي ومنتفعيه والمرتزقين من هفواته وثغراته التي تصنعها وضعيات اللعبة السياسية والمصلحيه في القانون والعرف وما تم الإتفاق عليه من باب كونه من طبيعة الأشياء ومطابق للتجارب الإنسانية عبر تاريخها الطويل ، ومثل هكذا إسلوب يشبه في صفاقته وقذارته القيِّميه الكثير من أساليب الصهاينة التي إستعملوها في تكريس إحتلال الأراضي العربية الإسلامية وإزكاء أوار البغضاء والخلافات في الشرق الأوسط وتحويل إتجاهات الرأي العام العالمي فيما يتعلَّق بالعروبة والإسلام إلى حتميات لا تقبل النقاش أهم ما يميِّزها تبني الإرهاب والبغض العنصري والديني للآخر ، لذلك في رأيي يتفِّق مصطلح (صهينه) مع مسمى صهاينة من حيث تبني اليهود في التعامل مع صراعهم الأزلي مع العرب والمسلمين للمبدأ المعروف (الغاية تبرِّر الوسيلة) ، أما عندنا في السودان فحكومتنا بوعي منها أو بلا وعي تعمل على تكريس مبدأ (الصهينه) في مساراتها السياسية والإدارية والقانونية ، عبر قطع خيوط المواضيع المتعلقة بأحداث هامة تشد إنتباه الرأي العام وتدفعه لإنتظار نتائجها بفارغ الصبر ، ليفاجأ المتابعين والمهتمين بتلك القضايا و المواضيع بأنها فجأةً دُفنت في مقبرة النسيان وهي لم تزل تخطو مسيرتها الأولى ، قبل فترة ليست بقصيرة أثارت الصحف ومجموعة من المنابر الإعلامية الإلكترونية تفاصيل متسلسلة عن ما سُمي بقضية شركة الأقطان ، والتي كان من ضمن تفاصيلها جرائم فساد كفيلة بأن ينهار على إثرها الإقتصاد الكُلي للدولة وأيضاً فيها ما يُشير إلى تورَّط بعض النافذين في الحصول على منافع شخصية مقابل الحكم الفني على وثائق ودلائل ربما أكدت أو لم تؤكد تجريم بعض الإجراءات المالية والفنية ، والناس جميعاً ينتظرون ما هو آخر المطاف في الأمر حدثت المفجأة المألوفة والمتعلقة بإسدال ستار الصمت القاتم على الموضوع ومن ثم إدراجه في البرنامج الإستراتيجي (للصهينه) ، وقضايا أخرى كثيرة كالفساد المالي الذي تم إكتشافه في مكاتب ودواوين والي الخرطوم الأسبق ، وقضية خط هيثرو وملابساتها ونتائج التحقيقات فيها ، وقضايا أخرى كثيرة سبحان الله تذهب فجأةً أدراج الرياح ، فلا تصريح فيها ولا مؤتمر صحافي ولا جلسات قضائية يُسمح فيها بحضور الإعلام وأهل الإختصاص ، وبذلك لا تجد الصحافة ما تُدلي به بعد آخر محطة وقف فيها أمر الإفصاح عن الموضوع ، ليُغلق الملف ويطوى في سجل النسيان بمهارات مسئولينا الإستثنائية والإبداعية في فن الطناش والصهينه ، يساعدهم في ذلك الإطار الجمعي الذي تتبناه الحكومة في إدارتها للبلاد عبر اللوبيات الداخلية للحزب الحاكم والإتجاهات المتغيِّرة لمراكز القوى فيه ، بالقدر الذي يحوِّل كل ما يحتمل ولا يحتمل إلى غياهب من الإجراءات السرية والتكتمية والتي تعتبر من أهم مميزاتها القدرة على تفعيل الكثير من الأدوات التي تمنع تداول القضايا العامة وقت ما شائت مصالح الصفوة النافذة وذلك دائماً وأبداً بإسم المصلحة الوطنية العظمى وإستتباب الأمن القومي والحفاظ على السلم والأمن الإجتماعي .. كيف نعرف يا هؤلاء أن القانون يتم تطبيقه وأن العدالة تأخذ مجراها وأن المساواة قائمة ؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة