|
شيخ الحرامية : تأريخ ما أهمله التاريخ! بقلم على حمد إبراهيم
|
رحم الله والدى ، الشيخ حمد ابراهيم اسماعيل ، الشيخ البدوى الذى اشتهر فى باديته (بتكسيره) لقانون المناطق المقفولة ، رفضا واستهتارا ، مثل اشتهاره بلقب ( شيخ الحرامية!) الذى اطلقه عليه مفتش مركز الرنك البريطانى المستر هنكوك فى لحظة من لحظات الضيق بشيخ الادارة الاهلية الذى كان أحد أكبر ( المعاندين) للادارة الاهلية بلغة البوادى عموم . فى البوادى عموم نقول كسر القانون بمعنى رفض الالتزام به . وتعمد الخروج عليه. وانا تلميذ يافع فى مدرسة القيقر الاولية ، رأيت أبى وهو يحمل جرادل المياه على كتفه مع مجموعة من المساجين من فم النهر الى منازل الموظفين فى مدينة الرنك اثناء تقضيته لعقوبة السجن جزاء له على ( كسره ) لقانون المناطق المقفولة ، ودخوله برجاله الى الجنوب لشراء محاصيل زراعية سدا لحاجة عشيرته لهذه المحاصيل دون اذن من مركز الرنك ، تحديدا من مكتب المفتش الانجليزى . الشيخ البدوى كان له رأى مخالف لرأى قانون المناطق المقفولة : إنه فى بلده . و لا يحتاج اذنا من أحد لدخول أى جزء من بلده . محكمة مدينة الرنك المغلوبة على امرها كان رأيها هو رأى المفتش . تحتم عليها أن ترسل الشيخ العنيد الى السجن العمومى لمدة شهر. اكتفى المفتش بعدم مصادرة جمال القافلة الكبيرة و عدم مصادرة المحصولات التى قدمت امام المحكمة كمواد اثبات ! هزنى مشهد والدى وهو يحمل جرادل المياه على كتفه يملأ بها ازيار المياه فى منازل افندية الميرى . فصرت اصرخ وابكى بينما تبومت والدتى ولزمت الصمت والتحديق فى اللوحة المهينة تتجسد امامها بقسوة شديدة .( جسدت هذه اللوحة فى روايتى التى اسميتها : الذين دقوا الابواب ) ورأت مدينة القيقر الشيخ الوقور مرة اخرى وعلى يديه ( الكلباش) لأن شرطة المدينة اتهمته بعدم التعاون معها فى تحقيق الأمن فى المناطق التابعة لشياخته . كان الاتهام كيديا ضد الشيخ الذى كسر قحف العلاقة مع المركز الظالم أهله . الشاويش عبد الله ، الشايقى الذى تمرس فى اهانة الذين ترميهم اقدارهم فى طريقه ، امر رجله يأن ( يكسروا) الكلباش فى يدى الشيخ المتمرد وأن تطوف به عربة الشرطة شوارع المدينة الصغيرة التى يعرف الناس فيها بعضهم بعضا . و لابد أنهم كانوا يعرفون ، كلهم جميعا ، يعرفون شيخ القبيلة العربية . ولكنهم لم يعرفوا لماذا هو فى ذلك الوضع المهين . سيثير ذلك المشهد فضولهم. ومن ثم يلوكون سيرة الشيخ الذى لا يرى كبيرا الا الله وجمله الاصهب الهباب . وهذا هو ما يريده المركز . تعود ذكرى رحيل الشيخ على ابنائه واحفاده هذه الايام وقد رحل و هو يحمل على كتفيه طرفة لقب شيخ الحرامية الذى اطلقه عليه مفتش المركز الانجليزى المستر هنكوك اثناء اعتقاله له وهو يقود قافلة كبيرة محملة بالمؤن الزراعية استجلبها من داخل الحدود الجنوبية بدون اذن مما كان يشكل جريمة جنائية طبقا لقانون المناطق المقفولة . يسأل المفتش الرجل الوقور الذى يقف امامه متهندما بطريقة لا فتة ، يسأله عن اسمه . واسم شيخ القبيلة التى ينتمى اليها. يجيب الرجل بأنه هو شيخ القبيلة . ينفعل المفتش ، تنتفخ اوداجه من الغضب . يصيح فى غيظ ": أنا مبسوط . عشان انا قبض شيخ الحرامية ." تضج القافلة بالضحك . ومن يومها يلتصق اللقب الطريف بالشيخ الوقور ويذهب معه الى قبره ، تداعبه به عشيرته بحميمية ومودة . ربما تأريخا لما أهمله التاريخ الذى لا يؤرخ عادة للطرفيين. حكامة البادية فاطمة بلدو سجلت معاندات الشيخ العنيد الفارس . قالت له الحكامة فاطمة بلدو : إنت ياكا الدود أبو كفة ، مدرج العاطلة ام كراعا دم . لحظة اخرى لا انساها. تمثلت فى خروج مدينة القيقر وضواحيها لاستقبال طاقم الاداريين الوطنيين الذين سودنوا الاداريين الاستعماريين فى مديرية اعالى النيل : مدير المديرية السيد محمد عثمان يسين ، عبد السميع غندور ، مفتش مركز الرنك الذى استبدل المفتش الانجليزى ، غريم والدى وسجانه . والنذير حمد ، المأمور الجديد . اذكر ان والدى جلس على مقربة من المفتش السودانى الجديد ، السيد عبد السميع غندور ، ولكنه لم يتحدث اليه . لأنه ، بروتوكوليا لا يمكنه ذلك . لانه لم يكن فى عداد كبار المدعوين المهمين الذين يمكنهم التحدث مع الاكابر الجدد. عندنا فى السودان لا يدخل هؤلاء الكبار اياديهم فى الفتة عندما تكون حارة . أما عندما تبرد الفتة ، فان الايادى تتلاطش كما تتلاطش الكلاب على قصعتها !ّ مرحبا بالاستقلال الذى تدنى وتهالك وصار مجرد قصائد أو امانى جسدها شعراؤه من امثال التنى والخليل : تعالوا نغنى مع التنى ونقول : فى الفؤاد ترعاه العناية ، يسلم وطنى العزيز. مكتبة د. علي حمد ابراهيم
|
|
|
|
|
|