إستدعاء المخيال،خبايا العواطف وتداعيات الموت قرأت بشغفٍ كبير- رواية( شوق الدرويش) للروائي حمّور زيادة، الرواية الفائزة بجائزة نجيب محفوظ ،والتي كانت أيضاً في القائمة القصيرة لجائزة البوكرللعام 2014 ، وقد أثارت الرواية لغطٌ كثير حول ما سُمّي بتشويه الرواية للتاريخ وكذا تواطؤ لجنة التحكيم(أيدولوجياً) مع الرواية في ما يتعلق بمنحها الجائزة . وعلى كل فان كل هذا لا يهمني على الاطلاق، وكقارئ مهتم بالنصوص وبخاصة البناء السردي للرواية، والشخصيات التي تقوم مقام الفعل الروائي سوف احاول ان أقرأ شخصيات الرواية الثلاث الاكثر بروزاً في الرواية والتي لعبت أدوار مهمة فيها حسب راي ( بخيت منديل،ثيودورا-حواء، مريسيلة) في مقالات قادمة –حيث أنني في هذا المقال أحاول استنطاق النص كرؤية عامة وقراءته .فالسرد في السياق الجديد هو تشكيل عالم متماسك متخيّل تحاك ضمنه صور الذات عن ماضيها , وتندغم فيه أهواء وتحيزات وافتراضات تكتسب طبيعة البديهيات ونزوعات, وتكوينات عقائدية يصوغها الحاضر بتعقيداته بقدر ما يصوغها الماضي بمتجلياته وخفاياه, وتداخل في هذه الرواية او السردية بمعنى أدقّ مكونات الدين ,اللغة, والاساطير , والعرق والخبرة الشعبية وكل ماتهتز له جوانب من النفس المتخيلة ،وقد استطاع حمور زيادة ان يبلور عدة مفاهيم في سياق روايته عندما عمل على تعرية التاريخ الذي يجري وفقا لمشيئة الاله وارجعه الى سياقه الطبيعي حيث الانسان هو الذي يصنع التاريخ يبدو هذا جليا من خلال مقارباته التنظيرية وقراءته التخيُّلية لشخصية بخيت منديل مجرم المحبة ،وتلعب المخيلة الاستدعائية لعبتها الحرة في استدعاء ذلك التاريخ وحبكه باستخدام ميكانزمات السرد والصياغة الزمكانية حيث بامكانك العيش في الزمكان الروائي من دون الاحساس بأنك في هذ القرن. الرواية تعج بالاساطير والتواشيح الصوفية والرعب والموت والعواطف المخبأة ، حيث الذات الانسانية مترعة بكل أنواع الفضيلة وال################ة ، ويلعب الموت دوراً بارازاً في هذه الملحمة – القصاص من اجل الحب والاتحاد مع المحبوب عن طريق الموت، وحينما يحدد الدرويش هوسه، فانه يقرر ان يطعم نفسه المقت، ويروي ذاته المتعطشة الكراهية،إنه ممتلئ بالغضب الكافي وسوف يحِّصل ديون ثأره بإحتراف،أما إمرأته فان عيناها المشاغبتان تحملان حزنا دائماَ إنها مربكة تماما كالحياة وكذا موجعة حيث الامان مفقتد انها النهر ويلفه ثوب من نور الشمس، ان التشابه الكبير واللحظة القدسية ما بين صلب المسيح وتعليق بخيت منديل على العمود كبيرة جداَ هنا وعلى خشبته يراها وهي الميتة ما بين الفراغات والعدم انها تنظر الى دماءه المتجمدة اسفل قدميه انه يعرف انها موجودة لكن من اين له الاستطاعة بأن يثني رأسه ليراها، الجسد مشدود الى اعلى العمود. الموت هنا في هذه الرواية يحوم بلا انقطاع خاصة لرجل اختار الحرب ليعيش والموت ليحيا هنا الاتحاد التام ولجظة التحول ، الموت في شأن الله والموت في شأن المهدي ثم الموت الاكبر في شأن ثيودورا، ذاكرة ملتاثة بالموت والعدم والفراغ والحب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة