· ما إنفك رئيس جمهورية بلادنا المنكوبة يطالب العامة بالتبليغ عن أي حالة فساد حتى تتم المحاسبة.
· وكلما تحدث الناس عن الفساد الذي لا يحتاج لرفع الضوء تكون النتيجة تكذيب وتصريحات بائسة تلوم المعارضين وتعتبر كل ما يُنشر ويقال محض افتراء على الحكام الذين تحفهم العناية الإلهية كما يتوهمون.
· لكن ما قولكم حين يتهمكم بالفساد والسرقة الأصدقاء العرب الذين تتهافتون عليهم وتهدرون تحت أقدامهم كرامة الإنسان السوداني لمجرد الحصول على حفنة من الدولارات!
· فقد طالعت بالأمس رسالة موجهة إلى وزير الخارجية السعودي من وكيل وزارته للشئون الاقتصادية والثقافية حول طلب دعم من المملكة لبناء مدينة رياضية في الخرطوم.
· تقول الرسالة أن الوزارة تلقت برقية من سفارة المملكة في الخرطوم متضمنة لقاء سفير المملكة بمعالي رئيس الجمهورية بمكتبه، وقد طلب مساعد رئيس الجمهورية دعم المملكة لبناء مدينة رياضية بالخرطوم بتكلفة تبلغ 200 مليون دولار!
· المخجل في الأمر هو قول الرسالة أن سفارة المملكة في الخرطوم رأت أن هذا المشروع ضمن المشاريع التي أُعتمدت لها مبالغ مالية في السابق ولم يتم تنفيذها حتى تاريخه!
· وأضافت السفارة بأن الأرض التابعة للمشروع كانت أكبر من مساحة الـ 406.000 متر مربع المضمنة في طلب مساعد الرئيس، لكن تم منح بعض تلك الأراضي لشخصيات سودانية محسوبة على بعض أعضاء المؤتمر الوطني!
· وفي الختام تضمنت الرسالة الرأي المهم وهو " طالما أن ملاحظة السفارة حول المشروع منذ بدايته هي تعثره، وبما أن الأرض كانت أكبر من ذلك بكثير فقد يكون المناسب صرف النظر عن الدعم المطلوب، واخطار السفير بذلك.
· ولك أن تتخيل عزيزي القاريء!
· هل يستحي هؤلاء القوم!
· هل ما زال لديهم شيئاً من كرامة وعزة نفس السودانيين!
· ما تقدم لا يهمني كثيراً فقد كان رأيي منذ فترة هو أن فسادهم الذي استشرى وعم القرى والحضر لم يعد في حاجة لمن يكشفون بعض جوانبه.
· فقد شبع الناس من متابعة حالات الفساد التي لا تنته.
· لكنني اتخذ ما تقدم كمدخل للتذكير بضرورة مواصلة مسيرة الثورة التي انطلقت بذلك العصيان المدني الناجح.
· تابعنا خلال الأيام الماضية العديد من الآراء المتباينة حول العصيان المدني السابق ونظيره الذي يخطط له في التاسع عشر من ديسمبر الجاري.
· ولم ترق لي فكرة ضرورة إعلان المنظمين لهذا العمل الجبار.
· ورأيي هو ألا يعلنوا عن أنفسهم تحت أي ظرف من الظروف.
· قد يكون لمن طرحوا رأي الإعلان عن الجهات المنظمة لهذا العصيان وجهة نظرهم المقبولة باعتبار أن وضوح الأشخاص أمام الثوار يمنحهم مزيداً من الثقة.
· لكن لا ننسى أيضاً أن الإعلان قد يعرضهم لتبعات سلبية عديدة، و قد يُسهم في شق الصفوف.
· وأختلف أيضاً وبشدة مع يرون أن العصيان وسيلة جبانة لا تكفي لاتغيير الحكومة وأنه لابد من خروج الناس للشارع.
· فالخروج المتعجل للشارع سيجعل من هؤلاء الثوار ضحايا لمجازر لا يتوع هؤلاء القوم في ارتكابها.
· وهذا ليس من الحكمة في شيء.
· فقد جرب شبابنا فكرة الخروج للشارع أكثر من مرة وقد رأيتم جميعاً كيف كانت النتائج.
· قتل بدم بارد مع إفلات تام من العقوبة.
· فما الداعي لأن نرسل بشبابنا للمحارق تحت دعاوى أن النضال السلمي لا يمكن أن يغير حكومة بمثل هذا الجبروت!
· ومن قال أن العصيان المدني وسيلة الجبناء!
· أكثر ما يهدد الطغاة هو تضامن الناس ضدهم.
· وقد رأينا جميعاً كيف أن ثلاثة أيام العصيان السابق أفقدتهم صوابهم وجعلتهم يلاحقون الشباب والشابات لمجرد الشكوك في علاقتهم بما تم.
· وكيف يفترض بعضنا أن العصيان المدني لم يكن أداة فعالة وأن من يقومون بالترتيب له ليس بمناضلين حقيقيين وقد رأيناهم يدفعون ثمن ذلك اعتقالات متكررة وتعطيل عن مصالحهم مع كل صباح!
· بالعصيان المدني نستطيع أن نسقط الحكومة المتضعضة أصلا، ولا يجدر بنا أن نشكك في قدراتنا بعد أن قاربت نهاية ساعة الظلم.
· كما لا يروق لي الرأي القائل بأن الثوار لابد أن يقابلوا بالأحضان كل من يحاول القفز من سفينة الانقاذ المترنحة ، إلا بشرط واضح لا مساومة حوله.
· الشرط هو ألا يفلت أي كائن من هؤلاء القوم من العقاب.
· فإن عصينا وانتفضنا ونجحنا في تحقيق غايتنا وفي النهاية قبلنا بأمثال غازي صلاح الدين وبقية صحبه الذين ابحروا في سفينة الانقاذ لأكثر من عقدين ونصف سينطبق علينا المثل " كأنك يا أبوزيد ما غزيت".
· بل سيسخر منا المثل نفسه لأن أبا زيد قال عن نفسه العبارة التي أصبحت مثلاً بعد أن اجتهد وعاني وصحبه لإيجاد الطعام والشراب لقبيلتهم التي ضرب أرضها الجفاف، لكن بعد كل تلك الجهود والغزوات عادت الأمطار وامتلأ موطنهم بالخير الوفير.
· أما نحن فإن قبلنا بمثل هؤلاء كثوار بيننا فسوف نعيد ونجدد مآسي بلدنا، دون أن نحصد شيئاً.
· في مقال سابق أشرت إلى أن الشباب الذي يناضل من أجل ذهاب حكومة اللصوص لا يمكن أن يقبل بشخصيات تتماهى مع كافة أشكال الظلم والطغيان كقيادات له، حتى وإن امتلكت هذه الشخصيات المؤهلات العالية وسبقتها سمعة مهنية جيدة.
· وضربت مثلاً بالدكتور كامل إدريس كواحد من الشخصيات التي يجري تلميعها لسرقة انتفاضتنا القادمة.
· لم يكن خافياً على أن الوقت ما زال مبكراً لتحديد القيادات.
· لكن الخبثاء يسرقون الوقت مثلما يسرقون بلدنا، لهذا وجب التنبيه.
· ففي الوقت الذي يعمل فيها الشباب الثائر على تنظيم أنفسهم لتأمين نجاح الاعتصام القادم، يعمل الأعداء أيضاً في البحث عن أساليب ووسائل خبيثة للانقضاض على هذه الانتفاضة قبل أن تكتمل أركانها.
· ولهذا رأيت ألا يقع هؤلاء الشباب في خطأ الإعلان عن أنفسهم.
· كما أرى أن التذكير بضرورة اليقظة في هذا الوقت المبكر مهم للغاية حتى لا نسمح لأي شخصيات مشبوهة بأية أدوار هامة.
· كما يتوجب علينا ألا نلهي أنفسنا ببعض ألاعيبهم.
· فهل يمكن أن يصدق عاقل مثلاً وجود خلاف حقيقي بين حسين خوجلي وهؤلاء الحكام الطغاة؟!
· بالطبع لا.
· وما تصريحات وزير الإعلام التي يرد فيها على الرسائل الصوتية لحسين خوجلي إلا مجرد فضل جديد في محاولات الالهاء وتشتيت تركيز الثوار.
· قضيتنا أكبر ولا يفترض أن ننشغل بصراعاتهم وتصريحاتهم.
· يقدم حسين للوزير تصريح قناته أو لا يقدمه.. يكون هناك تصريح أم لا يكون.. يدفع حسين الرسوم الحكومية أم لا يدفع.. كلها أمور لا تهمنا في شيء.
· وأيضاً لا يفترض أن يتكرث شبابنا الثائر بالكثير من الرموز والأسماء الكبيرة التي تجري اتفاقيات وتفاوض حكامنا الحاليين تحت الطاولة رغم الجفوة المعلنة.
· أصلاً لم تتأخر انتفاضتنا بسبب قوة أو تماسك الخارق لهؤلاء الحكام، بل لأن الكثير من قيادات المعارضة يلعبون على الحبلين.
· أعرف أن الاقصاء لا يكون عملاً حكيماً خلال الثورات.
· لكنني أدرك أيضاً أن الكثير من الطغاة الذين يقفزون من السفن الغارقة في النهاية لا يفعلون أكثر من تنفيس الثورات وافراغها من مضامينها.
· ولا أظن أن أمثلة الربيع العربي في هذا الجانب كانت مبشرة.
· فمعظم من قفزوا من السفن الغارقة في أكثر من بلد لعبوا أدواراً خبيثة في نهاية الأمر.
· صحيح أنهم ساعدوا في اكتمال عملية الاطاحة بالأنظمة، لكن ما الذي تحقق بعد ذلك في بلد مثل ليبيا التي قفز من سفينة قيادتها السابقة الكثيرون وانخرطوا مع الثوار!
· هي ليست دعوة لرفض جميع رموز المعارضة، فهذا غير ممكن عملياً.
· لكن المقصود هو أن يستمر هؤلاء الشباب في تقديم دروسهم في الوطنية الحقة.
· وحينها سيضطر كل من ظلوا يلعبون على الحبلين للنزول للرضوخ لرغبة الثوار وسيعودون لجادة الطريق مرغمين.
· أعود لمسألة الإعلان وأتساءل: لماذا يعلن الشباب عن أنفسهم وها هم قد أصابوا أعداءهم بالرجفة دون إعلان.
· يمكن جداً للمسيرة أن تستمر دون إعلان في هذا الوقت، شريطة الحذر ثم الحذر من الاقتراب من الخبثاء والمتلونين.
· ولا تنسوا أن القوات النظامية يمكن أن تتحول لصمام أمان وتحمي الثورة حين تكتمل عناصرها.
· وحتى هؤلاء، أي العسكر لابد من تعامل حذر معهم حتى لا تتكرر أخطاء الماضي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة