مصطلح (الشرائح الفقيرة) أصبح هذه الأيام في رواج مُستمر وكلمة رنانة في أفواه السياسيين من النافذين وأصحاب السلطة والصولجان ، وبالرغم وضوح مفردات المصطلح إلا أن (الإبهام) في الموضوع يكمُن في (معايير) التصنيف التي يتم بها تحديد (الشرائح الفقيرة) في هذا البلد الذي لا يحتاج فقره إلى إستدلالٍ ولا إفصاح ، المشكلة الإستراتيجية في هذا المنظور هو السؤال المشروع الذي يتمحور حول من هم الفقراء في نظر المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني من قياداته العليا والوسيطة بالإضافة إلى من ساير نهجهم من النفعيين الجُدد و الذين هم (المُطبلون) والمساندون من عديمي الهوية الفكرية والتاريخ السياسي ؟ هل الفقراء في أنظارهم من لا يملكون قوت يومهم ؟ إن كان الأمر كذلك فلينظروا للناس بعد أن يهبطوا من أبراجهم العاجية برويةٍ وإخلاص حينها سيعرفون أن أغلبية الشعب السوداني قد إستسلمت وإنتمت للشرائح الفقيرة ، أم هل الفقراء في أنظارهم من يعجزون عن تحمل تكلفة العلاج وأثمان الدواء وتكاليف تعليم أبناءهم ؟ إن كان هذا معيارهم المعتمد فليتحلَّقوا متجردين من بيئاتهم المخملية ولينظروا إلى الناس في الأحياء الطرفية والقاطنين في بيوت الصفيح والرواكيب الكرتونية بأحياء السكن العشوائي الذي أحاط بالخرطوم ومعظم المدن الرئيسية في الولايات ، حينها سيعرفون أن معظم الأطفال الذين إمتهنوا غسيل السيارات وإستجداء المارة عبر التسول ومسح زجاج السيارات في الإشارات هم أولئك الذين أضطروا لتأجيل سنتهم الدراسية من أجل مرضٍ ألم بأحد أفراد الأسرة أو لأن عائله لم يتمكن من توفير مبلغ (150) جنيه طلبته إدارة مدرسة حكومية ، وهؤلاء يا سادتي لو تمعّنا مليَّاً في أعدادهم ومساحات إنتشارهم بكل تأكيد سنكتشف أيضاً أنهم الأغلبية ، هل الشرائح الفقيرة حسب وجهة نظرهم هم النازحون من مناطق الحرب وعدم الإستقرار الأمني في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة ؟ إن كان هذا هو المعيار المُتبع في تصنيفات من يدعون إحساسهم بآلام الفقراء من نافذي الوطني والمتمرغين في نعيم هذ الوطن منفردين ، فلهم أن يذهبوا ويتفقَّدوا مرافقي المرضى حول أسوار المستشفيات الحكومية وهم يلتحفون الأرض لأنهم بلا مأوى ولا عائل ولا سند بإستثناء ما تقوم به بعض المنظمات الإنسانية من معالجات أغلبها متعلّق بحالات طارئة ومعظمها يدور في دائرة الحلول المؤقتة ، أصل الأشياء والحقائق في فلسفة العقد الإجتماعي الذي إنبثقت منه نظرية الراعي والرعية والشعب والدولة في التاريخ السياسي منذ عهد كونفشيوس وحتى إفلاطون ، أن المبدأ الرئيسي للعقد الإجتماعي بين الراعي والرعية هو سعي الدولة لتحسين أوضاع الناس وإيجاد حلول لمشكلاتهم الرئيسية والتي بلا شك يوضع في مقدمة بنودها الفقر والعوز وقلة الحيلة ، أما وقد أصبح هذا المصطلح مثاراً للدجل السياسي والتدليس المهرجاني في خُطب المسئولين المنوط بهم إيجاد حلول لغول الفقر وغلاء الأسعار الذي أفنى البلاد والعباد ، فذلك يدفعنا لأن لا نستغرب إنتشار وتفشي داء الفساد والتعدي على المال العام والتكالب على المناصب والوظائف عبر نوافذ يشوبها إنعدام العدالة و التحيُّز السياسي بالقدر الذي شرَّد الكفاءات وأعلى من مقام أصحاب المهارات الدنيا في شتى المجالات ولن نُعدِّد المؤسسات والمشاريع الوطنية التي هُدمت بقانون الصالح العام ، لكن نقول لهؤلاء .. لن يستوي أمر إخراج الشرائح الفقيرة من فقرها دون إزهاق روح (الشرائح الفاسدة) ومحاسبتها وإبعادها وإبادتها من واقعنا المعاش .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة