|
سنوية الحوار الوطني بقلم نبيل أديب عبدالله المحامي
|
إنقضى عام أو كاد من الخطاب الذي ألقاه السيد رئيس الجمهورية الي الأمة السودإنية في مساء الاثنين 27 / 1 /2014م. وقد يكون من المناسب التوقف لمراجعة ما أحدث من أثر على النسيج السياسي للبلد، خاصة وإن الخطاب جاء على خلفية وعد بالإصلاح وبالتغيير. جاء في الخطاب (إن التسليم بقسوة الحال غير متنازع عليه) وإنه، أي قسوة الحال، "موضوع لحوار وطني واسع بين الحكومة وحزبنا و الناس كل الناس. والإحتقإن الذي يعإني منه بناء الطبقة السياسية الفوقي مشكلة، ولكن كونه لا يعكس حال الأساسات الوطنية العريضة مشكلة اكبر". وهذا رغم غريب المفردات اللغوية المستخدمة، إعتراف بوجود إحتقإن سياسي لا بد من علاجه عن طريق حوار وطني عميق. وضع الرئيس في ذلك الخطاب أربعة ركائز لذلك الحوار: السلام، والحرية السياسية، ومغالبة الفقر، والنظر في الهوية السودإنية . بالنظر لما تم وعلى وجه الخصوص لما اتخذته الحكومة من اجراءات نجد إن وعد الحوار لم يبق منه ما يمكن إن يقتات عليه الأمل. لابد لي هنا من إن أسارع واؤكد إنني لا ابرئ المعارضة مما وصل إليه الحال، فقد تباطأت وتشككت في الحوار، وتباعدت عن قبول الدعوة له، بحجة ما خبرته من الإنقاذ من نقض للعهود، ومخاتلة في الوعود. وقد يكون ذلك صحيحاً، بل هو في واقع الامر صحيح، ولكنه لا يبرر قعود المعارضة عن اقتحام ميدإن الحوار، في ظل إنحسار العمل الجماهيري بعد القضاء على تحرك الشارع في سبتمبر باستخدام القوة المفرطة. الحديث عن اسقاط الحكومة عن طريق العمل الجماهيري آنذاك وما زال الآن، على خلفية توازن القوي السائد، لا يعدو إن يكون مجرد تفكير رغائبي لا صلة له بالواقع السياسي. فمن جهة لم يكن هنالك حراك في الشارع يبرر رفض الحوار، ولا قدرة واضحة على ايجاده. ومن جهة ثإنية فإن خطاب الرئيس جاء على خلفية صراع عميق داخل المؤتمر الوطني، ومراجعة لسياساته أطاح بالحرس القديم، وأتى بطاقم جديد كان ما زال يتحسس خطواته في المدى المتاح لمفارقة السياسة القديمة، ولتحديد أسس لسياسة جديدة تتسق مع الحوار المطروح. ولم يكن تباعد المعارضة مفيداً في المساعدة على إنتشال الطاقم القديم من هذه السياسات المتهالكة، والوصول به إلي سياسات حتى ولو لم تكن مقبولة للجميع، وهو أمر يستحيل التوصل إليه، فعلى الأقل التوصل إلي سياسات تضع حدوداً مقبولة لإدارة الخلاف من داخل وخارج اطار الحوار الوطني، وهو جل ما يمكن التوصل إليه في هذه المرحلة. أما وقد قلت ذلك، فلابد من العودة للحزب الحاكم فأذكر في المبتدأ إنني لا أرى إن الحزب يحكم قبضته على أجهزة الدولة، بقدر ما أرى إن أجهزة بعينها قد أحكمت قبضتها على الحزب بعد تحول الحزب بالكامل الي حزب سلطة. ولذلك فسأغفل الإشارة الي الحزب وأعمل النظر فيما قامت به الحكومة خلال العام المنصرم لتفعيل الحوار. هذا بالطبع لا يلغي دور الحزب الحاكم، وما يمكن أن يقوم به من تغيير، ولكنه يعني فقط أن دوره في العام موضوع النظر، لم يتعدى اللهث في محاولات لتبرير ما تقوم به الجهات المتنفذة في السلطة. رغم ترحيب المجتمع الدولي بدعوة الرئيس للحوار، وتكليف الآلية الافريقية الرفيعة، بمساعدة الأطراف المعنية في المشاركة في الحوار، والوصول به الي غاياته، فإن الخطوات التي اتخذتها الحكومة، لا تساعد على ذلك بحال من الاحوال، إن لم تكن معرقلة له بشكل مباشر. في 17 مايو وعقب استدعاء النيابة له، تم اعتقال السيد الصادق المهدي بعد توجيه تهمة له بسبب إنتقاده لممارسات نسبها لقوات التدخل السريع. بعد شهر من إعتقاله تم إسقاط الإتهامات التى وجهتها النيابة له، ومن ثم إطلاق سراحه. في يونيو من نفس العام ولنفس السبب اعتُقِل السيد ابراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني. في 12 اغسطس من نفس العام تم إعتقال الدكتورة مريم الصادق المهدي من سلم الطائرة عقب وصولها من الخارج، بسبب حضورها للمفاوضات بين حزبها ممثلاً برئيسه السيد الصادق المهدي والجبهة الثورية، والتي أسفرت عن إعلان باريس، وهو إعلان مماثل لإعلان وقعه ممثلا 7 + 7 في أديس في حضور إمبيكي. تم اطلاق سراح مريم الصادق في 9 / 9 /2014م دون إن توجه لها تهمة، و كذلك تم اطلاق سراح الاستاذ ابراهيم الشيخ في نفس التاريخ بقرار رئاسي بعد أن كإنت النيابة العمومية قد وجهت له تهم لا تسمح بإطلاق سراحه بالضمإن المالي او العادي. وكإن اطلاق سراح مريم وابراهيم قد تم بعد مقابلة امبيكي لرئيس الجمهورية، فُهِم من تصريحاته بعدها انه تم إستجابة لطلبات كان قد تقدم بها امبيكي لتهيئة الجو للحوار الوطني. ومع ذلك ففي السادس من ديسمبر تم إعتقال الاستاذ فاروق ابوعيسى، والدكتور امين مكي، وما زالا رهن الاعتقال حتى كتابة هذا المقال، ولم توجه لأي منهما إتهامات بعد. ليضيف الإساءة للأذى، كما يقول الفرنجة، تقدم جهاز الأمن الوطني بطلب لحل حزب الأمة بسبب توقيع رئيسه على نداء السودإن. نعلم جميعاً ما سببه حل الحزب الشيوعي في الستينات من القرن الماضي من إحتقان سياسي، إعتذر عنه كل من تسبب فيه. يحدث ذلك في ظل دعوة من رئيس الجمهورية لحوار وطني لمعالجة الإحتقان السياسي! من جانب آخر فقد أصرت الحكومة على إجراء الإنتخابات، وعلى إجراء تعديلات على الدستور غيرت من أساسياته، دون إلتزام بأحكام الدستور لا شكلاً ولا موضوعاً. من حيث الموضوع فكون أن الحكومة تقرر إجراء إنتخابات مستخدمة في ذلك أغلبيتها في البرلمإن، وهي أغلبية نتجت عن إنتخابات لم ينافسها فيها أحد، لتكرار نفس التجربة، لا يمكن إن يكشف عن جدية في موالاة الدعوة للحوار. كذلك فكونها تعمد لتعديل الدستور لإحكام القبضة على نتائج الإنتخابات بشكل غير مسبوق، لا يشير لأي رغبة في البعد عن حكم سلطوي شديد القبضة على مفاصل السلطة، وهو الأمر الذي يفرغ الدعوة للحوار من أي معنى. من حيث الشكل ومع إفتراض أن الدعوة للحوار ما زالت قائمة، فمع من؟ من الواضح إن احتمال عودة حزب الأمة للحوار لم تعد واقعياً قائمة، وكيف تكون كذلك، وهو مهدد بالحل، ورئيسه بالملاحقة القضائية. كذلك فلا يبدو أن إحتمال إلحاق قوى الاجماع الوطني بالحوار واردة، على ضوء ملاحقة رئيسه بالقانون. الإحتمال الأكبر هو خروج الإصلاح الآن، بعد مقال الدكتورغازي صلاح الدين الأخير، والمؤتمر الشعبي بعد رفضهم القاطع للتعديلات الدستورية. هل إنتهى حلم الإصلاح من الداخل؟ يبدو ذلك حتى إشعار آخر. نبيل أديب عبدالله المحامي
مكتبة فتحي الضَّـو
|
|
|
|
|
|