|
سنة حلوة يا وطن
|
سنة حلوة يا وطن
بمناسبة حلول العام 2003م ، أبت نفس صديقي "مين هو" ” إلا أن يتقدم لي بالتهنئة القلبية الحارة، ولكنه لم يكتفِ بذلك بل سألني عما اخطط لإنجازه خلال هذا العام الجديد. وقد اربكني سؤاله أيما إرباك ولكنني تبسمت في وجهه وحاولت بذكاء وخبث غير معتادين عدم إظهار الموقف الحرج الذي أمر به وتغيير مجرى الحديث إلى أي موضوع آخر ربما أجد نفسي قادرا على الأخذ والرد فيه، واكتفيت بقولي له: أتمنى أن أكون بخير. وبعد مضي بعض الوقت فكرت في سؤاله لي وفي ما قلته له، وكم تمنيت لو أنني كنت قد صارحته وبحت له ببعض شؤوني وشجوني وبالعديد من الأسرار والخفايا والأسباب والعوامل والاعتبارات التي تكبلني وتجعلني لا أجرؤ على وضع موضوع محدد ضمن قائمة أهم الاجندة التي اعتزم تحقيقها خلال هذا العام وبحسب أولوية كل منها. ليتني بدأت له بحالة التشتت "العولمي" التي يعاني منها كل أفراد الشعب السوداني حيث تجد أن أحد الأشقاء مثلا يعيش في أقصى مشارق الأرض فيما تجد شقيقه الآخر يعيش في أقصى مغاربها، وليتني قلت له إن عامي الجديد ذلك قد بدأ قبل يوم أو بعض يوم من عام بقية أفراد أسرتي وأصدقاء طفولتي وزملائي بالدراسة. وليتني بحت له بآمالي العريضة وهي أن "يتراضى" الفرقاء من ساستنا "المتكررين" رضاء نصوحا ويضعوا حدا لخلافاتهم المستدامة التي لا تعود علينا بفائدة وأن تتحسن الأوضاع الاقتصادية والأمنية والصحية في السودان، بأن تضع الحرب الضروس التي تدور رحاها بين أبناء الوطن الواحد منذ عقدين من الزمان أوزارها بلا عودة، وذلك بسبب ما أدت إليه من حصاد ليس فقط لمقدرات الشعب الاقتصادية وإنما أيضا لخيرة بنيه ممن كانوا سيسهمون بأفكارهم وجهودهم في تنمية الوطن في المستقبل المرتقب. كما آمل أيضا ألا تزداد ضراوة الحروب التي بدأت تلوح في الأفق في الآونة الاخيرة ، وألا تشتعل حروب جديدة من أي نوع كانت عرقية أو قبلية أو من منطلق الحق في المشاركة في السلطة أو الثروة أو غيرهما وأن يستقر الوضع عامة وأن يستتب الأمن في أطراف الوطن وأن تتمكن الأجيال المختلفة من استغلال ثرواتها ومقدراتها الاستغلال الأمثل وخاصة الثروة النفطية التي بقيت في أحشاء الأرض كالحمل المستكن كما يحلو لأساتذتنا وفقهائنا في الفقه الإسلامي وأصوله أن يقولون، ومن ثم يعم الرخاء وتعمل الدولة على خلق الوظائف لكافة طبقات المجتمع، كل بحسب قسط العلم الذي تلقاه أو التدريب الذي خضع له أو اكتسبه في مجال مهنة معينة بممارسته الشخصية سعيا وراء توفير لقمة العيش، ومن ثم يتسنى لأفراد الأسرة الواحدة وأصدقاء الطفولة لم شملهم بعد حالة التشتت تلك. لا أن يتم استخدام هذه الثروة النفطية في إشعال الخلافات وتصفية الحسابات من أي نوع كانت شخصية أو قبلية أو جهوية. إن أبناء الوطن الحبيب من الكفاءات المشهود لها يضربون في ارض الله الواسعة يبتغون من فضله ويحملون بجعبتهم كل الخبرات العملية وفي مختلف المجالات ويسدون خدمة سخية لغيرهم عن يدٍ وهم صاغرون دون امتنان من هؤلاء "السادة" الذين تقدم لهم مثل هذه الخدمة على طبق من ذهب لينعموا بها هنيئا مريئا، والذين يجدون كل شيء طوع بنانهم. ان هؤلاء يسهرون كالشموع المحترقة لتضيء لغيرها من اجل توفير كل وسائل الراحة للذين يمنون عليهم ما يقدمونه لهم من مبالغ زهيدة في المهاجر المختلفة لا تكفي حتى لمواجهة احتياجاتهم اليومية الضرورية وتكاليف المعيشة في البلاد التي يعيشون فيها، ناهيك عن توفير جزء منها لتحقيق بعض أمانيهم وطموحاتهم التي لم ولن يكتب لها أن ترى النور في ظل غياب هذا المال اللعين. حيث يعتصر هؤلاء بطونهم ويحكمون شد الأحزمة عليها ابتغاء اقتسام لقمة العيش مع من يحبون من ذويهم في ارض الوطن الحبيب والذين كتب عليهم أن يتلقوا مثل هذه "المعونات". كيف لا، وأن الآلاف بل الملايين من أفراد الشعب السوداني الأبي يعيشون في حالة البطالة التي تضرب البلاد والتي عجزت الحكومات المتعاقبة بمختلف ثيابها عن تشخيصها ووصف الدواء اللازم لعلاجها. وكيف لي ألا ألوذ بالصمت في مواجهة سؤال صديقي "مين هو" ” والكثير من المهاجرين لا يمتلك أحدهم مسكنا يأويه في بلد المليون ميل مربع التي افترت علينا بها كتب الجغرافيا، لا، ولا حتى قطعة ارض ضمن الخطط الإسكانية السخية والتي علمنا مؤخرا أنها قد أوصدت أبوابها في العاصمة القومية الممتدة بامتداد الحقب التاريخية التي مرت بها البلاد. كيف لي ألا افعل ذلك وإلا كنت سأقول له إنني أتمنى أن تتاح الخدمات الصحية ويتم توفير الدواء بمقابل مقدور عليه لكل المرضى، وأن يرد الله غربة كل المهاجرين،وأن تتاح فرص العمل لكل مواطن بغض النظر عن انتمائه السياسي، وأن ينعم الله على أفراد الشعب بسعة الرزق حتى يغنيهم من فضله وحتى لا يمد أحد من هؤلاء يده لمن هم في بلاد المهجر من ذويهم. كيف لأحد منا أن يتمنى في مثل هذه المناسبة أن تتحقق كل هذه الأمور التي يعتبر تحقيقها ضربا من المعجزات: أن تضع الحرب أوزارها بلا عودة، وان يعم الرخاء كل شبر في تراب العزة وأن يرتفع متوسط دخل الفرد وأن ينخفض معدل البطالة وأن توفر فرص العمل اللائقة للجميع، إذ حينئذٍ سأقول لصديقي "مين هو" إن خطتي في هذا العام الجديد هي أن افعل كذا وكذا، وذلك لأنني في هذه الحالة سأضمن فعلا أن ما أتقاضاه لقاء ما أقوم بتقديمه من خدمة في وطني أو في خارجه سيكون لي وحدي، وأن أبنائي سيشملهم نظام الضمان الاجتماعي الذي توفره الدولة لتعليمهم وعلاجهم وغير ذلك، ولكن عزائي أن: ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
د/ آدم عبد الحميد أكاديمي سوداني سيؤول في الأول من يناير عام 2004م
|
|
|
|
|
|