|
سلسلة مراجعات الهوية السودانية الذات السودانية: دراسة في المكان والانسان والاحداث د. بركات موسى ا
|
بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة مراجعات الهوية السودانية الذات السودانية: دراسة في المكان والانسان والاحداث د. بركات موسى الحواتي
بقلم/ ابراهيم علي ابراهيم المحامي
كتاب الذات السودانية لمؤلفه دكتور بركات موسى الحواتي يكتسب اهمية كبرى في رصده وتحليله لتاريخ الهجرات البشرية للسودان، حيث يرصد الكاتب بشكل دقيق كافة الهجرات التي صبت صنوفاً من البشر في الرقعة المسماة السودان، لتخلق بتصاهرها واختلاطها عبر القرون هذا التكوين البشري الذي يسمى اليوم بالشعب السوداني، ويركز الكاتب بشكل اساسي على الممالك النوبية المسيحية والهجرات العربية الى السودان. و يستند المؤلف الى مصادر ومراجع مرموقة في تاريخ الهجرات والشعوب مثل: جان شيفاليه، باذل ديفيدسون، اليعقوبي، القلقشندي، توينبي، ابو سليم، المسعودي، عبد العزيز صالح، اشلينجر، ابوزيد شلبي، محمد عوض، الشاطر البصيلي، المقريزي والاسواني وغيرهم.
ولعلّ أهم ما اشتهر به دكتور الحواتي هو انه من دعاة تغيير اسم السودان، وقد وقف عند ذلك طويلاً. ويرى ان اسم السودان يمثل احد اشكاليات الهوية ويدعو الى العودة الى اسم يستشف الحضارات القديمة دوراً واسهاماً ويحدد الهوية بصورة مباشرة كما فعلت فولتا العليا وغانا وتشاد. ولعلّه لم يعد في هذه الدعوة وحيداً، اذ لحق به اخرون طالبوا بالعودة الى كوش أو نوباديا أو سنار.
يقول دكتور ابو سليم الذي قدم لهذا الكتاب في ص 17 " يتصدى الكتاب لدراسة هوية السودان البشرية الحضارية من زاوية خاصة قوامها دراسة البيئة الجغرافية، وتأثيرها في البشرية من حيث تأثرها بهذه البيئة الجغرافية، وتفاعل العناصر المختلفة اخذاً وعطاءً وتاثيراً وتاثراً على مدى التاريخ المرصود. وهو يرصد في البدء بشراً مستقراً يعيش في بيئته الجغرافية تأقليم بها وكوّن ثقافته من لغة واعراف وبنى حضارته، ثم يتتبع هجرة قادمة تحت ظروف تاريخية وبيئية ويتم التلاقي بين المستقر والوافد وبين الوافد والبيئة الجغرافية الجديدة، وينتج عن ذلك بشر بثقافة وحضارة تأخذ من الرافدين".
خلفية الكتاب هي حوار دار بين نفر من المثقفين ممن كانوا في رفقة الكاتب في المهجر، حول اسئلة تداولها العديد من المثقفين من قبلهم ومن بعدهم حول الهوية المستعصية. وهي اسئلة تزيد غموضاً كلما اقتربنا منها. ويعتمد الحواتي في دراسته للهوية السودانية على ثلاثية الارض والانسان والأحداث. فحضارة كل شعب عنده تبث ايقاعها المتميز وتنشر خصوصية ملامحها في بناء ذلك الشعب السياسي والاقتصادي والاجتماعي. والفعل الانساني عنده ليس على ثبات بل في حركية دائمة تتفاوت درجته تبعاً لعوامل الازدهار والتراخي.
بالنسبة للمكان، يقول الحواتي في ص 43 ان للرقعة التاريخية –السودان- دور اساسي في تشكيل مسار التاريخ والاحداث على مساحتها صراعاً وحواراً، ابتداراً وتراخياً، عبوراً وانصهاراً. ويؤكد ان السودان بموقعه في الشمال الشرقي لافريقيا يتمتع بموقع مميز، كما ان النيل وصحاريه وسهوله وامطاره واشجاره جعلته امتداداً الى حدود أمم وشعوب أخرى في الشرق والغرب والشمال.
يقدم الكتاب رصداً تاريخياً للحضارات التي سادت في الرقعة-السودان- منذ العصر الحجري حيث يشير الى حضارة الشهيناب في منطقة الخرطوم الحالية قبل الاف السنين قبل الميلاد، وحضارات اخرى بين الشلال الثاني والثالث وصولا الى حضارة كرما (220 ق م) واسفل الشلال الرابع بقليل حيث توهجت حضارة دولة نوباتيا. وفي نفس المكان تقريباً قامت الممالك المسيحية الثلاث، نوباديا بين الشلال الاول والثاني والتي عرفت عند العرب بالمريس، والمقرة بين الشلال الثاني والخامس عند بربر الحالية، ثم علوة بين الشلال الخامس الى سوبا وجزء من الجزيرة المروية.
ثم ورثت مملكة سنار هذا المكان فامتدت على يد الفونج والعبدلاب من الشلال الثالث الى اقصى فازوغلي جنوباً ومن سواكن شرقاً الى ضفاف النيل شرقاً وغرباً. وفي الغرب امتدت سلطنة دارفور من بئر النطرون الى بحر الغزال ومن الميل الابيض الى توجه وبرقو شرقا وغرباً. وظل شمال السودان الاقصى تابعاً للاتراك بينما ظلت سواكن تابعة للحجاز على العهد التركي. ص43. ومع بداية الغزو التركي للسودان عام 1821 تمددت الرقعة لتصل حدود بحيرة فكتوريا جنوباً ووداي غرباً. وفي نفس المكان تحركت الثورة المهدية. وباكتمال الاستعمار البريطاني اصبح السودان يعني كافة الاراضي التي خضعت للحكم التركي المصري، اضافة الى اراضي اخرى تم ضمها بواسطة الاستعمار البريطاني حتى اصبح السودان بلد المليون ميل مربع. وبهذا اصبح السودان بلداً متنوعاً جغرافياً ومتعدد اقليمياً وتاريخياً وحضارياَ. يشير الحواتي بشكل خاص الى الدور الذي يلعبه نهر النيل برافديه في تشكيل مركز الدولة السودانية حيث اصبح ملاذاً للبشر والحياة البرية ولعب دوراً في استقرار السكان بسبب الزراعة التي تتيح الاستقرار والتنظيم الاجتماعي والاسري مما ادى الى ظهور الوحدات السياسية ومظاهر السلطة. ص46 يقول مثلما عمل النيل على ربط السودان بمصر شمالا عملت الصحراء على والسهول المنبسطة على التداخل الثقافي والعرقي بحوض تشاد والنيجر وافريقيا الغربية. وفي الشرق تظهر ملامح الانفتاح الساحلي نحو الجزيرة العربية والمحيط الهندي وطرق العبور الى العمق الاثيوبي مما أدى الى مزيد من التواصل العرقي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي على مختلف العصور مع آسيا وافريقيا. 48 والبحر الاحمر كان تاريخياً حلقة تواصل تاريخي وحضاري للسودان حيث اتخذ رمسيس من سواكن قاعدة عسكرية لاسطوله، وفي عهد البطالمة سمح البحر الاحمر لهم بالاتصال نحو مروي وسوبا. كما اتخذ الامبراطور بطلموس قيلادقيوس ميناءً له على منطقة بورتسودان الحالية.48
اذن ظلت الرقعة "السودان" في نظر الحواتي وما زالت تقدم نموذجاً فريداً ووعاءً مثالياً للتمازج العرقي والتواصل الحضاري اكثر من اي منطقة اخرى في العالم. ففيه تمازجت الأعراق وانصهرت على درجات مختلفة، فهناك الجنس القوقازي بقسميه الحامي والسامي، وهناك الزنوج الذين تجري في عروقهم الدماء الحامية، والنيليون وبعض السلالات الأخرى كالنوبة والزاندي. هذه الهجرات العرقية تنتفي معها صورة النقاء العرقي. فالهجرات العربية على كثافتها وقوة تدفقها اختلطت بالسكان المحليين من النوبة والبجا. 67
البنية السكانية في عهد الممالك المسيحية: يقول المؤلف ان الزنوج سكنوا الخرطوم قبل 150 الف سنة "الشهيناب" كما دخلت قبائل رعوية عبر الصحراء، وهجرات مصرية في عهد الأسرة الثامنة عشر وصلت الى جبل البركل وبعدها استولى الكوشيون على الاسرة الثالثة والعشرين. كما أشار الى هجرات فرعونية وهجمات مستمرة على مملكة نبتة كانت تتكون من الليبيين والإغريق والكارين. كما اشار الى هجرات يهودية من اسوان الى بلاد النوبة جنوباً.
يقدم الحواتي سرداً تاريخياً لنشأة الممالك المسيحية بعد سقوط مروي حيث احتدم الصراع بين النوبة والبلمين انتهت الى هجرة النوبة جنوباً حيث اقاموا مملكة نوباديا واقاموا فرس عاصمة لهم وهي التي عرفت عند العرب باسم "المريس" والتي تعني باللغة القبطية "أرض الجنوب". 82. وانشأت مجموعة اخرى لها اختلاط عرقي بالقبائل الليبية مملكة المقرة عام 500 م في المنطقة الواقعة بين الشلال الثاني الى حدود شندي وعاصمتها دنقلا 82. اما المملكة الثالثة وهي "علوة" وتعني باللغة القبطية القديمة "أرض الأنهار السبعة" فقد امتدت بين الشلال الخامس الى ملتقى النيلين عند الخرطوم والى نواحي سنار وعاصمتها سوبا، ووصلت حدودها الشرقية اثيوبيا وحدودها الغربية حتى القطينة وكردفان وتخوم دارفور.
اما عن سكان مملكتي نوباديا والمقرة فيقول انهم عناصر عديدة من سكان الشمال أوالشرق وهم اقرب الى المصريين الاوائل ولكنهم تأثروا بالقبائل شبه الزنجية. ويرى كما يرى المسعودي "ان النوبة افترقت فرقتين: فرقة شرق النيل وغربه حيث اتصلت ديارها بديار القبط من مصر واسوان. وفريق منهم بنى دنقلا وفريق آخر يقال له علوة وهم من بنوا سوبا" يقول المسعودي "ان وراء علوة امة عظيمة من السودان تدعة "كنه" وملوكهم تزعم انها من حمير، ولعلّ في ذلك شيء من الصحة فإن ابن خلدون يسجل ان اعداداً من عرب اليمن قد استقرت في بلاد النوبة والسودان من حوالي القرن الأول قبل الميلاد، وهي التي تخلفت من الحملة التي قادها ابرهة "ص 84 . وبين البحر الاحمر والنيل ما بين المقرة وعلوة في الصحراء الشرقية سكنت مجموعة رعوية محاربة اطلق عليها قدماء المصريين لفظ المجا "البجا" وهي تعني باللغة الفرعونية القديمة الحارس او المحارب. وينسبهم المقريزي الى الحبشة.
ان هذه البيئة السكانية على اختلاف مسمياتها –نوباديا والمقرة وعلوة- هي التي استقبلت المسيحية في الفترة 543-580 وهي التي تشبعت بها وصارت جزءً من مقوماتها الحضارية. ولعلّ من الملاحظات المهمة الي اوردها الحواتي هي ان هذا التشبع الحضاري لمم تتبعه عناصر بشرية للاستيطان في هذه الرقعة. اي ان الدين المسيحي لم يأتي الى الرقعة بعنصره البشري، وهذه نقطة فارقة في تشكيل مستقبل الشعب السوداني. كذلك يلاحظ انه رغم الانفتاح على الحضارات البحر اوسطية نتيجة لانتشار المسحية في الرقعة الا ان الحضارة السودانية بإنسانها وثقافتها كانت في أغلبها ذات طابع افريقي محلي الى ان حدثت المواجهة بينها وبين الحضارة العربية الاسلامية.
الهجرات العربية الاسلامية للسودان: يقدم الحواتي رصداً دقيقاً للهجرات العربية للرقعة السودانية، ويتطرق لهجرات لم تكن مرصودة من قبل او تجاهلها المؤرخون، حيث يؤكد على أن صلة العرب بسكان الممالك المسيحية السودانية الثلاث قديمة تمتد الى قبل الاسلام وتشهد على ذلك بعض الآثار العربية الموجودة داخل الرقعة. وبعد فتح مصر عل يد عمر بن العاص عام 631 ارسل الحليفة عثمان بن عفان والي مصر آنذاك عبد الله بن ابي السرح بقواته الى ان وصلت الى دنقلا حيث انتهت بمعاهدة صلح مع الملك النوبي المسيحي "قليدروث" والتي عرفت بالبقط. ويبدو من نصوص الاتفاقية ان العرب المسلمين قد سبق لهم التوغل والاستقرار في ديار النوبة حيث ورد ما يلي " عليكم حفظ المسجد الذي بناه السملون بفناء مدينتكم ولا تمنعوا منكم مصلياً وعليكم كنسه واسراجه وتكرمته" حيث يدل هذا على ان المسجد قد تم بنائه قبل دخول هذه القوات بشكل سلمي.
كذلك يشير الحواتي الى هجرات قامت بها بطون من قبيلة هوازن عبرت البحر الاحمر واستقرت في منطقة جبل التاكا حيث عرفت هناك بالحلانقة. كما يشير الى استمرار الهجرات العربية بعد ضعف الخلافة العباسية رغم التوتر النوبي العربي حتى عهد الخليفة العباسي المتوكل والتي وصلت الى الجانب الشرقي من ارض البجا او متابعة النيل في مملكة النوبة "المريس والمقرة" حيث كانت قبائل ربيعة وجهينة تمثلان رأس الرمح العربي الاسلامي في الرقعة اخذاً وعطاءً تأثيراً وتأثراً. 91
العرب في ارض البجا: يستند الحواتي الى المقريزي في رصده للهجرات العربية على منطقة البجا، فيشير الى الكثير من المعاهدات والاتفاقيات التي عقدت بين العرب والبجا مهدت الى المزيد من الهجرات العربية التي استقرت في الصحراء الشرقية وذلك على ايام الخليفة العباسي المأمون. كما يشير الى هجرات بنو ربيعة الى اسوان وارض البجا. وتكتسب زيادة الهجرات العربية في نهاية العهد العباسي الى مدينة أسوان المصرية قدراً كبيراً من الأهمية حيث أصبحت أسوان تشكل نقطة ارتكاز لهجرات ثانية اتجهت جنوباً الى السودان. كذلك يشير الى هجرات عربية كبيرة دخلت الى أرض البجا في عهد الدولة الطولونية عام 868م طلباً للذهب، حيث بزغ نجم قبيلة بنو ربيعة الذين اصطحبوا معهم عوائلهم واطفالهم في وادي العلاقي وعيذاب حيث تصاهروا مع البجا وأسسوا اول امارة اسلامية في السودان. 94 وبحسب المسعودي ان بنو ربيعة تصاهروا مع البجة ودخلوا في اشتباكات مع قبائل بين قحطان الموجودة في منطقة معدن الذهب.
العرب في ارض المريس "نوباديا" يشير الحواتي الى ان مدينة سواكن لعبت دوراً كبيراً في الهجرات العربية لشرق السودان والصحراء الشرقية، حيث يورد على لسان المسعودي "ان مدينة سواكن يسكنها كثير من العرب من قحطان ونزار بن معد بن ربيعة ومضر وخلق من قريش واكثرهم ناقلة من الحجاز وغيره" 97. ويشير المقريزي الى ان العرب الذين سكنوا المريس "نوباديا" قد نسوا لسانهم العربي. وكما أسلفنا يشير الكاتب الى ان مدينة اسوان في مصر كانت المعبر الاساسي على مدى العصور وبصورة اساسية على يد قبائل ربيعة التي استقرت في منطقة المريس. وبحسب الكاتب فإن بني ربيعة لعبوا دوراً كبيراً في نشر الاسلام والعروبة في السودان حيث فرضت سلطتها على بقية القبائل العربية في أسوان مستفيدة من اتفاقية البقط، حيث امتدت دولة بنو ربيعة في وادي النيل الى منطقة المريس/النوبة والتي عرفت بامارة الكنوز، حيث اختلط فيها العرب بالنوبة من سكان المريس، واعترفت بها الدولة الفاطمية حيث كانت تشكل عازلاً بين دولة الخلافة الاسلامية في القاهرة ومملكة النوبة المسيحية. وبعد هزيمة جيش الكنوز ومقتل أميرهم في أسوان على يد قوات صلاح الدين الأيوبي تقهقر الكنوز جنوباً الى داخل ارض النوبة حيث اختلطوا بالسكان المحليين مما زاد من انتشار الاسلام والعروبة.
العرب في مملكة المقرة "دنقلا العجوز" يشير الكاتب الى ان قبيلة بنو ربيعة وصلت هجراتها ايضاً الى منطقة المقرة حيث استطاعت ان تستعيد كيانها الاجتماعي والسياسي ، وساعدها في ذلك وجود بعض العرب في المقرة من الذين هربوا من بطش المماليك، وازدياد الصراع داخل الاسرة المالكة وبداية اضمحلال الممالك المسيحية المجاورة. ونتيجة للمصاهرة بين الكنوز "بنو ربيعة" والاسرة المالكة صاروا الاقرب الى السلطة بحكم العرف النوبي السائد الذي يولي الحكم لابن الأخت، اضافة الى ظهور جيل جديد من المولدين بين النوبة والعرب يميل الى الثقافة العربية. وهكذا وجد الكنوز الفرصة التاريخية في تحقيق حلمهم السطوي القديم في ملك عربي اسلامي على ارض افريقية.103
وبالطبع يتطرق الى الصراع داخل الاسر النوبية المالكة واصهارهم الكنوز. ويعتبر المؤلف ان الكنوز "بنو ربيعة" هم رأس الرمح في الهجرات العربية الرسمية التي ارتبطت بالسلطة ووراثتها لتصبح ممالك اسلامية، حيث ان الصراع بين المماليك والكنوز في مصر خلق نوعاً من الفوضى دفعت العديد من القبائل العربية الاخرى كجهينة وفزارة للهجرة جنوباً. وفي القرن الخامس عشر ازداد الانصهار بين كل هذه العناصر من اسوان الى دنقلا، وتمخض هذا الانصهار عن القبائل الشمالية الحالية. 104
العرب في مملكة علوة: ازدادت الهجرات العربية على مملكة علوة بعد ان ظهرت عليها اعراض التفكك والانحلال، خاصة انه كان يوجد بها عرب في عهدها المسيحي الأول. وقد جاءت القبائل العربية التي اسهمت في أسلمة وتعريب المملكة من اتجاهين هما: مصر شمالا والبحر الأحمر شرقاً، واستمرت هذه الهجرات العربية تقودها جهينة الى وسط السودان من مصر على ايام المماليك قبل وبعد سقوط مملكة المقرة، وشجعها على ذلك ضعف وانحلال المملكة وتوفر المراعي الخصيبة، حيث استمر التزاوج كعنصر اساسي وضع نهاية لتلك الحضارات . 105
وهكذا لعب عرب جهينة دوراً كبيراً في اسلمة وتعريب هذه الرقعة، حيث يؤكد المؤلف على ان هجرة بنو ربيعة كانت هجرات كاملة اصطحبوا فيها نسائهم واطفالهم، ولم تكن هجرات قوامها رجال عرب كما ذهب الى ذلك بعض الكتاب. كذلك يشير الكتاب الى هجرة بعض القبائل النوبية والنوبية المختلطة بالعرب بعد سقوط المقرة الى جهات كردفان ودارفور مثل الميدوب والتنجور والبرقد. كما يشير الى هجرات عربية دخلت دارفور في القرن العاشر الميلادي من الشمال والشمال الغربي يمثلها المعاليا والزيادية والمحاميد والماهرية وبنو حسين.
يؤكد الكتاب ان الهجرات العربية التي قادت الاسلمة والتعريب في السودان قد ضمت المجموعتين القحطانية والعدنانية. الأولى قبائل جهينة والثانية تمثلها قبائل الكواهلة والجعليين وبعض القبائل الاخرى. يقول ان الكواهلة والجعليين بدات هجرتهم من مصر في حوالي القرن العاشر الميلادي عن طريق العتمور وتضم المجموعة الجعليون والميرفاب والرباطاب والمناصير والشايقية والجوابرة والركابية والجموعية والجمع والبديرية. كما يؤكد ان اكبر عملية استعراب رسمية بدات في عهد السلطنة الزرقاء.
ختاماً لا ينسى الكاتب ان يتطرق الى الهجرات الحديثة لقبيلة الرشايدة العربية عبر البحر الاحمر في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. ولعل هجرة الرشايدة الى السودان تكتسب اهمية علمية محددة حيث تثبت امكانية حدوث مثل هذه الهجرات العربية عبر البحر الاحمر في الماضي البعيد. اضافة الى ذلك يرصد الكاتب الهجرات التركية والمصرية التي خلفها الاستعمار التركي في السودان. وفي النهاية يقول ان الصراع السلالي بلغ منتهاه في القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر حيث جاء الاسلام بعنصره العرقي العربي الذي دخل المنطقة في وقت كانت فيه الممالك في حالة تحلل وضعف وتفكك.
يتطرق الكتاب الى كيف هاجر العرب الى المالك السودانية وتفاعلوا معها شداً وجذباً، وفي أحوال أخرى ورثوا فيها السلطة. ويؤكد على حقيقة تاريخية اثبتها جميع المؤرخون والرحالة وهي انه حينما قدم العرب المسلمون إلى السودان في ما قبل القرن السابع الميلادي بقليل كانت تقطن السودان ثلاثة مجموعات عرقية رئيسية هي: النوبيون في الشمال في المنطقة الواقعة جنوب مصر وحتى أواسط السودان، ثم قبائل البجة التي تقطن بين البحر الاحمر وحتى محاذاة شرق النيل، والمجموعة الثالثة هي الزنوج الذين استوطنوا جنوب السودان "السابق" ومناطق غرب السودان، ولهم جيوب على النيل حتى مملكة علوة المسيحية. وهذا هو الأساس التاريخي للتنوع والتعدد السوداني. وعلى الرغم من قيام ثلاث ممالك مسيحية في هذه الرقعة كان لها علاقات موثقة بالعالم الخارجي، إلا أن دخول العرب المسلمين كان يمثل نقطة تحول كبرى في التاريخ السوداني وفي هوية الشعب السوداني، حيث أدت هذه الهجرات إلى تحول شمال السودان من المسيحية إلى الإسلام وتعريب أجزاء كبيرة منه. انتهى [email protected]
|
|
|
|
|
|