|
سقوط حكم الفرد القمعي (9) بنتعلم من الأيام ..ومصيرك بكرة تتعلم.. عرض: محمد علي خوجلي
|
عرض: محمد علي خوجلي Khogali 17@yahoo .com. (إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير
في6 ابريل تمت إعادة هيكلة التجمع النقابي وأصبح له مكتباً تنفيذياً(!) وهي المرة الأولى لأداة التجمع النقابي الي تتخذ مثل هذه الصورة. ثم قام معه وإلى جانبه تجمع قوي الانتفاضة وكذلك لأول مرة انتشر التنظيمان (غير المركزيان) في كثير من المؤسسات والأحياء السكنية ولهذا دلالة كبرى عند النظر في (تنظيم المستقلين). وعند منتصف نهار نفس اليوم التقى وفد التجمع النقابي بسوار الدهب والذي أوضح ممثله بأنه (مفجر الانتفاضة) و(قائدها الشرعي) وأن الجيش انحاز للانتفاضة بما يعني انحيازه للتجمع النقابي. وكان رد سوار الدهب: أن الجيش انحاز للشعب لا للتجمع، وكلما حدث هو تامين الشعب وحقن دماؤه. وفي يوم 9 ابريل شارك لأول مرة ممثل باسم (الجبهة القومية الاسلامية) وهو الاسم الجديد لجبهة الميثاق الاسلامي (عثمان خالد) في الاجتماع الذي دعت له اللجنة السياسية التابعة للمجلس العسكري الانتقالي بالقيادة العامة. وفي مساء ذات اليوم تم رفع الاضراب السياسي، الذي سارت في طريقه الجماهير منذ منتصف مارس 1985 في عطبرة ومدني، ونفذه بالتتابع منذ 27 مارس (الأطباء) من بعد خروج مواكب المدن ومسيراتها وإغلاق أسواقها ومتاجرها قبل موكب 3 أبريل (مدني). ومن بعد ذلك قبل التجمع الدستور الانتقالي الذي فرضه المجلس العسكري، وتراجعت الأحزاب عن المشاركة في السلطة، وقامت حكومة (تكنوقراط) بالمشاورات. واشتدت الخلافات بين المجلس العسكري وتجمع قوي الانتفاضة حول قضايا كثيرة أبرزها: • تشكيل مجلس الوزراء. • علاقة المجلس العسكري بالجبهة القومية الإسلامية. • قضايا أمنية وسياسية: حالة الطواري في قوانين سبتمبر 83، الغاء اتفاقيات الدفاع المشترك، تصفية آثار مايو وعقد المؤتمر الدستوري. وفي الواقع آلت السلطات السياسية والتشريعية للمجلس العسكري الانتقالي. إن الشعوب تتعلم من تجاربها والقوى السياسية تتعلم من أخطائها ومن الجماهير ومن دون تقليل لدور الأحزاب السياسية في (التراكم النضالي) الذي اشتعلت شرارته في 26 مارس 1985، إلا أن التحاقها بالانتفاضة عند التحول جاء متأخراً للغاية. وعلى الرغم من ذلك فإن التحاقها كان ضرورياً. فأهم عناصر نجاح أي انتفاضة شعبية هو عدم وجود تيار شعبي يقف ضدها ويدعم النظام. أي وحدة الجماهير. ووحدة الجماهير لاتعني وحدة قيادات المعارضة (الجبهة القومية الاسلامية لم توقع على ميثاق الانتفاضة والمجلس العسكري الانتقالي لم يوقع على الميثاق ولم يلتزم به). والتحاق الأحزاب المتأخر بالانتفاضة لم يكن بسبب أي قصور نظري أو غموض في الأهداف التي هي وليدة مقاومتها وتجاربها في مناهضة النظام منذ أول ساعة بعد الانقلاب، بل هو نتيجة الضعف الذاتي للقدرات القيادية وسببه ضعف الديمقراطية الداخلية في الأقسام السياسية المنظمة للحركة. لذلك فإن تلك القيادات اعتقلت النظرية في حدود امكانياتها وجمدت الأهداف، لذلك لم تكن غريبة دعوة قيادات في أحزاب سياسية مختلفة إلى اضرابات (محدودة) بعد اسبوع من التنفيذ المتتابع للاضراب السياسي. مثلما لا نستبعد اختراق المخابرات الأجنبية لقيادات تلك الأحزاب. وفي علم السياسة فإن تقييم أو تقدير وزن أي حزب أو تنظيم أو قيادة لا يستند على الأقوال والمواثيق والمبادرات المكتوبة، بل على الأفعال. ماضي الحزب والتنظيم والقيادة، ووجود أحزاب ذات طبيعة مختلفة ومبادئ متباينة في تحالف أو جبهة واحدة لا يعني (الوحدة) ولا تطابق الأهداف. الحزب الذي نقل السلطة لقيادة الجيش في نوفمبر 1958 هدفه (المحافظة) على النظام (للمحافظة) على مصالحه والاكتفاء بتغيير الحكومة (من اليمين المدني لليمين العسكري) والقوى التي خططت وحرضت قيادة الجيش للإطاحة بنميري وحكومته في ابريل 1985 هدفها (المحافظة) على النظام وعلى مصالحها، في حين وجدنا في الحالتين أقسام سياسية هدفها اسقاط الحكومة والنظام معاً وفشلت في المرتين. إن فكرة الحزب الواحد (الجامع) أو التجمع الذي يهيمن على الساحة السياسية وكل مناحي الحياة (الاتحاد الاشتراكي السوداني نموذجاً) تجاوزها التاريخ، مثلما تجاوز هيمنة فئة قليلة في قيادة حزب على مجموع الحزب. فيكون المطلوب من الأحزاب السياسية ترسيخ الديمقراطية الداخلية في أحزابها. فالأحزاب السياسية كما قد تكون أهم عوامل الاستقرار السياسي فإنها قد تكون أهم عوامل ارباك الساحة السياسية. وهذه من أهم أسباب ابتعاد الجماهير عن الانتظام في الاحزاب. وأهم ما يواجه ترسيخ الديمقراطية و(التحول الديمقراطي)، على نطاق الوطن، أن تكون الديمقراطية قناعة معظم الناس، أي قناعة وطنية يعيشها كل فرد في الحزب أو النقابة أو الاتحاد والنادي وفريق الكرة..الخ أما عندما تكون الديمقراطية من (امتيازات) النخب السياسية فإن الجمهور لن يهتم بها. والنخب السياسية التي يستعصى عليها فهم (سطوة الشعب) هي التي تمكن منها الغرور الكاذب بأنها وحدها التي تملك الحقيقة، ووحدها التي تنظم الجماهير وتقودها لذلك فإنها تعارض وقد تعادى الأفعال مهما كانت درجة ثورتها فقط لأنها لم تقررها أو كانت في سابق أجندتها (!) وأحياناً تفرغ نفسها لاختطاف التنظيمات بفكرة (الاستيلاء على القيادة). أما القيادات على مستوى التنظيم عندما يتمكنها الغرور الكاذب فإنها تقوم بقسمة الحزب إلى (مفكرين) و(جنوداُ منفذين) والمفكرين تتم قسمتهم أيضاً إلى (موجهين) و(مشرفين) والنتيجة ضعف علاقة الحزب بالفعل والبناء اليومي. (ولذلك نلاحظ أن السير الذاتية لقيادات مثل تلك الأحزاب لا تتضمن أية أنشطة عملية ذات علاقة بمتاعب وحقوق الناس العاديين، وكل سيرة ذاتية تتزين فقط بعدد سنوات الاعتقال والفصل والتشريد وكأن النضال هو الاعتقال). وفي 6 أبريل 1985، لم يستوعب مناضلون من أجل الشعب رهن الاعتقال معنى (سطوة الشعب) وقراره بتحرير المعتقلين والمسجونين السياسيين بالزحف على سجن كوبر وتحطيم (الأقفال) و(الأغلال) فرفضوا تكريم شعبهم وتمسكوا بعدم مغادرة السجن (الذي أصبح فارغاً حتى من المحكومين والمنتظرين في قضايا جنائية!!) إلا بعد صدور قرار من الحكومة... إنهم يرون (سطوة الحكومة) ولا يرون (سطوة الشعب). وأشاع النظام المايوي الكثير عن القوة الضاربة لأجهزته الأمنية، وجعل الناس يشكون في بعضهم. هدفه تشتيت الجماهير وقتل المبادرات لكن نقطة قوة النظام انقلبت لنقطة ضعف قاتله فالترياق كان انتفاضة كل السكان.. والطوفان الشعبي الجارف. والترياق فاجا جميع القيادات هنا وهناك وفشلت في مجاراته بما في ذلك التجمع النقابي الذي ادعى أنه مفجر الانتفاضة وقائدها الشرعي. إننا نظلم جماهير الشعب، العامة، الناس كل الناس ونظلم طلائعهم وقياداتهم مجهولة الأسماء إذا قمنا بإعداد (قائمة شرف) بأسماء باعتبارها قيادة الجماهير. وأنها لفرية كبرى القول بأن ذلك الشخص من (قيادات الانتفاضة)... الانتفاضة كتل من البشر في جميع أنحاء السودان، ولكل كتلة (قياداتها) هم في الحقيقة (منظمين) لحركة توحدت حول هدفها.. ومعظمهم من غمار الناس.. لم ينتخبهم أحد.. ووجودهم في القيادات فرضته ظروف المدى الثوري في المدن والأحياء والمنشآت والقرى.. في كل شبر من أرض الوطن.. ولم تكن هناك اتصالات (تنظيمية) من أي نوع بين تلك الكتل وقد يكون هناك (تنسيقاً) و(اتصالات) فكل الكتل مدركة لهدفها وممسكة به وقد وجدت أن التعبير الوحيد والدقيق (أنجز الشعب الانتفاضة9. وأكدت تجربة مايو أن مقاطعة الجماهير لكآفة مؤسسات السلطة من اللجان الإدارية وحتى المجالس التشريعية، هي من أشكال المقاومة الحية التي تزيد من عزلة النظام وضعفه. وأن الدعم الذي وجده النظام الديكتاتوري من جميع الأحزاب التي استقلت قاطرته لم يفد الشعب شيئاً، لكنه حقق مصالح تلك الأحزاب أو مصالح قياداتها الشخصية. وفشل العمل المسلح والانقلابات والمفاوضات في اسقاط حكم الفرد القمعي ولم تنجح إلا (سطوة الشعب) قرار الناس كل الناس.. غمار الناس لا النجوم السياسية في القيادات. إن سقوط الحكم الديكتاتوري لا يحمل الحلول منذ الوهلة الأولى لكآفة مشاكل المجتمع وأهمها الفقر والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات والانتصاف للضحايا وإعادة بناء المجتمع. وانتفاضة 26 مارس 1985 عبّرت عن التجديد في الساحة السياسية فمعظم أمواج الجماهير التي فاضت بها الشوارع من الشباب والنساء والطلاب جعلت همها الأول سقوط نظام حكم الفرد القمعي دون اجراء مناقشات حول البديل ولأن الشعب يتعلم من الأيام فإن البديل أصبح عنده من الأمور العظيمة الأهمية وعاش الشعب صانع الانتفاضة. والمجد لشهدائها مجهولي الأسماء.. شهداء الديمقراطية والسيادة الوطنية. وبهذه الجزئية نصل إلى ختام العرض. تصويتات:- 1- ورد خطأ اسم الأستاذ/ مروان حامد الرشيد (أحد مؤسسي التجمع النقابي في يناير 1985م حيث ورد (شداد) بدلاً من (الرشيد). 2- سقط سهواً ايراد ممثلي المزارعين في التجمع النقابي (الثاني) يوسف أحمد المصطفى وحسبو.
|
|
|
|
|
|