|
سقوط حكم الفرد القمعي ( تسعه اجزاء) صناعة سودانية مية المية..عرض: محمد علي خوجلي
|
سقوط حكم الفرد القمعي (1) صناعة سودانية مية المية.. (إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير ثورة 21 أكتوبر 64 وانتفاضة 26 مارس 1985 من المعالم البارزة في تاريخ التجربة الثورية السودانية و(الإنسانية) "والجوهرة السودانية" هي نجاح النضال السياسي في اسقاط الحكم العسكري الديكتاتوري (1958-1964) والنظام الشمولي وحكم الفرد القمعي (1969-1985) بالإضراب السياسي العام والعصيان المدني والآلاف التي تهدر في الشوارع كالسيول. فإستعادة الديمقراطية واسقاط الديكتاتورية وحكم الفرد القمعي اعتمد أساساً على قدرة الشعب على تحرير نفسه بنفسه بالنضال السياسي وهذه هي (الجوهرة) وانتفاضة الشعب في الفلبين بنجاح نضاله السياسي كان بعد عام أو يزيد قليلاً من انتفاضة 26 مارس 1985 في السودان واحتفى بها العالم وأطلق عليها (سطوة الشعب) واشتعلت الانتفاضة الفلسطينية في 1987 وكانت محط أنظار العالم، أما انتفاضة 26 مارس 1985 قلم تجد الاعتبار الكافي على المستويين الوطني والدولي. ولكن من حق الشعب السوداني الاعتزاز بسطوته الأولى والثانية التي تعلمت منها شعوب. ومن واجب كل فرد المساهمة في العرض والتوثيق. ونلاحظ أن الكثيرين يولون اهتماماً متعاظماً بوقائع لحظات التحول أو المشاهد الختامية لأيام وساعات المقاومة ما قبل اسقاط النظام الديكتاتوري أو القمعي. وهذا يفيد في جانب واحد رغم أنه لا يعبر عن الدروس المستقادة خلال سنوات المقاومة الطويلة. وهذا الاهتمام يفصل ما بين التراكم النضالي ونتائجه التي تظهر بجلاء بعد (الشرارة) وكذلك تطور الحركة الجماهيرية خلال فترات كفاحها الممتدة، وانتقالها من مواقع الهجوم إلى الدفاع والعكس. وهذا ما يتم التعبير عنه بالقبول. إن الثورة لا تسير في طريق مستقيم، أنها تعلو وتهبط وتنتصر مرة وتنهزم مرة بحسب قدراتها الذاتية، والأسباب الموضوعية والظرفية التي تحيط بها بين فترة وأخرى. والتعرف على الدروس المستفادة من انتفاضة 26 مارس 1985 والتعلم منها، وتطويرها لن يفلح إلا بالجهود الجماعية المتوخية للصدق والأمانة. وهذا المقال في حدود عرض بعض الوقائع وهدفه بيان موضوعات أعتقد أنها قد تصلح لتكون محلاً للدراسة في ذكرى انتفاضة 26 مارس 1985 التاسعة والعشرين. وأقدم العرض وفي ذهني ملايين الشباب الذين لم يشاركوا أو يعاصروا الإنتفاضة فبإحصاء 2008 واسقاطاته فمن المتوقع أن تكون الشريحة العمرية ما بين عشرين عاماً وأقل من خمسين عاماً أكثر من عشرين مليوناً ولا يتضمن العرض موضوعين هامين (مسألة الجنوب) والفساد في الحقبة المايوية ويحتاجان لملحق للعرض. كما اعتقد أن توظيف خبرات الماضي من وسائل التطور والتجديد. والتوظيف المقصود لا يعني (إعادة إنتاج الماضي) ولا نقل تجاربه بالمسطرة، ولا الغاء الظروف الجديدة وأبرزها هيمنة رأس المال المالي والاستعمار الجماعي الجديد الذي يرتب خطواته بدقة متناهية لنهب موارد الشعوب الفقيرة تحت شعارات تناضل معظم شعوب العالم لتحقيقها: (الديمقراطية) و(العدالة الاجتماعية) و(المساواة في الحقوق والواجبات) و(احترام حقوق الإنسان) والعرض لا يهمل التجربة الإنسانية ذات العلاقة بموضوعه. وخروج الجماهير في السودان، معظم السكان إلى الشوارع وتوقف الحياة بالكامل في مارس/ أبريل 1985 هو (انتفاضة) الجماهير التي قطعها (الانقلاب) فلم تتطورإلى (ثورة). والانقلاب هو إزالة النظام السياسي والمحافظة على النظام الاجتماعي والاقتصادي، أما الثورة فهي التغيرات التي تشمل النظامين السياسي والاقتصادي – الاجتماعي. وجسدت الحقبة المايوية في السودان الديكتاتورية العسكرية في أبشع صورها، وحكم الفرد القمعي بكل جبروته، ويهتم المقال بيان موجز لعلاقة الأوضاع الدولية والاقليمية بالتوازنات الداخلية وأثرها على التوقعات السياسية ورؤية التحركات الأجنبية وفهم غاياتها. و(قيام) و(سقوط) النظام المايوي الشمولي كان في حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين (1945–1989) ومن مميزات تلك الحقبة: - التدخل في شئون الدول الداخلية وبالذات النامية. - اقامة الحكومات التابعة، الخادمة للمصالح الاستراتيجية لأي من المعسكرين بالانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة وغيرها. - انتشار ظاهرة (الحزب الواحد) أو الحزب الجامع الثوري. (ومن المفارقات أن قيادات أحزاب تقوم بحل أحزابها بإعلان أو بدونه وتندمج في الحزب الواحد الحاكم وبعد سقوط النظام الشمولي تدعو للتحول الديمقراطي وأن اندماجها كان لاسقاط النظام من الداخل. وهناك أحزاب قليلة يطلق عليها صغيرة تختار طريق المقاومة). وقيام الديكتاتورية العسكرية (المايوية) لم يكن بعيداً عن صراع القطبين ولا بعيداً عن توافقهما على (مناطق النفوذ). وهذا التوافق الدولي له علاقة مباشرة بسياسات الحكومات وحركات المقاومة الوطنية لذات تلك الحكومات (إسقاط أو منع سقوط هذا النظام أو ذاك ودعم أو عدم مساندة حركة المقاومة المعارضة هذه أو تلك) وقيام انقلاب مايو لم يجد قبولاً من دول، ووجد العداء من البعض (أمريكا وبريطانيا) لذلك جاءت (عملية) 19 يوليو 1971 لإضعاف النظام المايوي وتعديل مساره يميناً والقضاء نهائياً على الحزب الشيوعي السوداني (عبد الخالق وجماعته) بتدخلات عسكرية مباشرة وتنسيق عالي لأجهزة المخابرات الدولية والاقليمة (أمريكا، بريطانيا، مصر السادات، ليبيا وأخرى). ومن جهة ثانية وجد انقلاب 25 مايو 1969 ترحيباً من دول ودعماً من أخرى أبرزها مصر عبد الناصر والاتحاد السوفيتي (السابق) ودعم الانقلاب التيار الغالب في الحزب الشيوعي السوداني استناداً على أن سلطة مايو هي سلطة الديمقراطيين الثوريين المعادية للأمبريالية والأحزاب الشيوعية القديمة من مهماتها خدمة السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي (العظيم السابق) تحت الغطاء الفكري وهذا من أساب اغتيال عبد الخالق!! وخلال الفترة (1956 – يوليو 1971) كانت السياسات الرسمية للسوفيت في علاقاتهم مع الدول النامية والدول العربية تقوم على دعم أنظمة الحزب الواحد تحت قيادة (الديمقراطيين الثوريين) والتقاضي عن كل صنوف الإضطهاد والمتابعات التي تواجهها الأحزاب الشيوعية الوطنية. والنصح الدائم والمستمر للأحزاب الشيوعية عامة والضعيفة المشتتة خاصة بحل تنظيماتهم والانضمام إلى الحزب الواحد (الذي يكون دائماً الحزب الحاكم والوحيد المصرح له بالعمل). وكانت هذه الوجهة من بين نقاط الصراع الداخلي للأفكار داخل الحزب الشيوعي السوداني حيث دعمت أغلبية اللجنة المركزية للحزب الانقلاب وفكرة الحزب الواحد. وجاء بصحيفة (البرافدا) بتاريخ 11 أبريل 1971م: (في المؤتمر الرابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي أبدى "برجنيف" تفاؤلاً لمستقبل البلدان التي تسير على طريق التطور اللا رأسمالي. مركزاً على الاصلاحات في كل من مصر وسوريا والسودان. وأعلن الزعيم السوفيتي أن جبهة صلبة معادية للإمبرالية قامت في العالم العربي. كذلك ركزت التعليقات السوفاتية على أن هذه الجبهة تتعاون مع الحركة الشيوعية العالمية على أسس مستقرة وجديدة تعود إلى تطابق وجهات النظر في الدول المعنية). وأختم هذه الجزئية بعرض صورة من بين الصور العديدة التي ظهرت قبل وبعد رحيل نميري – وهي تحتاج لتعليق. في أول أيام الفترة الانتقالية لانتفاضة 26 مارس 1985، حضرت عناصر من اللجان الثورية الليبية والسودانية (حوالي اثنين وثلاثين) بطائرة هبطت مطار الخرطوم (بلا جوازات ولا تاشيرات) على غرار (البلد بلدنا ونحنا أسيادها) ونزلوا في فنادق العاصمة ومنها (فندق الموردة) بمدينة أمدرمان الذي أصبح (مثابة اللجان الثورية) وأقاموا بعض المحاضرات وكتبت الصحف الليبية عن توجه (عبد الله زكريا) من ليبيا إلى السودان للإشراف على تشكيل حكومة الانتفاضة الانتقالية (!!). وكان القذافي عائداً من جنوب أفريقيا فهبط أيضاً في مطار الخرطوم واستقبله عبد الرحمن سوار الدهب والجزولي دفع الله وآخرون. وتحدث القذافي عن رجاله – رجال القذافي الذين حركوا الشارع ضد نميري وأنه (القذافي) هو من صنع الانتفاضة. وشرح له سوار الدهب والجزولي بأنه لا علاقة له بالانتفاضة وأن الانتفاضة سودانية مية المية... وقامت الشرطة بجمع رجال اللجان الثورية من الليبين وأعادتهم إلى ليبيا عدا واحد رجع وحده.. ويتواصل العرض...
سقوط حكم الفرد القمعي (2) الموكب الجنائزي ولقاء الشيطان.. عرص محمد علي خوجلي (إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير بعد نهاية الحرب العالمية الثانية انهارت الامبراطوريات الاستعمارية، وتقدمت أمريكا لوراثتها وملء الفراغات. فاتجهت نحو قيام أشكال جديد للتنظيم الاقتصادي العالمي، وطرحت مشروع مارشال لتعمير أوروبا والسيطرة عليها. وبعد نهاية الحرب الباردة أقامت عدداً من المنظمات والوكالات الاقتصادية والأجهزة المخابراتية للتحكم في حكومات وثروات الشعوب. ووظفت أمريكا قدراتها لسنين عدداً لبسط هيمنتها بالحروب المحدودة والسرية والحروب بالوكالة وتغيير الأنظمة والحكام المناهضين لسياساتها أو المهددين لمصالحها بتبرير (المحافظة على الأمن القومي الأمريكي) ثم (المحافظة على الأمن والسلم الدوليين) فأحكمت سيطرتها الاقتصادية والسياسية على كثير من الدول واستخدمت أراضيها ومعابرها المائية وفضاءتها في صراعاتها. (وشارك السودان في الحقبة المايوية في مناورات النجم الساطع). وتدير الرأسمالية الدولية تمويل الحروب والنزاعات المسلحة وتقدم السلاح بالمجان أو الدفع المؤجل لكافة الأطراف المتنازعة وفي البلد الواحد بقصد تطويل فترات الحروب والنزاعات المسلحة حتى يصيب الانهاك الأطراف، ومع توازن تقديم الدعم وكميات الأسلحة ونوعياتها فإنه لا يكون هناك منتصر ولا مهزوم. حينها يقرر الممولون (الهدنة المؤقتة) باسم السلام الشامل. فالسلام الحقيقي يعني اغلاق أبواب مصانع السلاح أو تغيير طبيعة الصناعة أو تقليل الإنتاج وفي الواقع لا شئ يحدث من ذلك. ولا تكف الامبريالية عن تشجيع موت الالآف، فلا بد من زيادة حاجة الدول والأطراف الأخرى للأسلحة والمنح والقروض و"المساعدات الانسانية" حتى الوصول إلى درجة تقديم التنازلات طوعاً أو تستسلم للخضوع جزئياً أو كلياً.. ونهب الشركات الاحتكارية الأخرى (لإعادة إعمار ما دمرته الحرب) وهكذا تبسط الامبريالية هيمنتها على الدول حتى يكون استقلالها السياسي في حيز (العلم الوطني) و(النشيد الوطني). والمنطقة العربية والاسلامية أهم مناطق العالم في تقديرات الأمن الاستراتيجي الأمريكي لموقعها المؤثر في الجغرافية السياسية الدولية. ولذلك زرعت اسرائيل في قلبها وكيلاً لتأمين المصالح الاستعمارية: وبالذات احتياطيات ومستودعات النفط والتحكم في سياسات انتاجه وتسعيره وتدفق امداداته في السوق العالمي. بما يعني أن سياساتها في المنطقة هدفها عرقلة وحدتها وتقدمها.. أن الامبرالية بقيادة أمريكا والقياصرة الروس حتى (بوتين) متفقون على بقاء اسرائيل قوية ونووية. وأهداف أمريكا في المنطقة العربية هي: - حماية اسرائيل وتصفية المقاومة الفلسطينية. - التحكم في منابع النفط. - إزالة الأنظمة العربية التي تهدد المصالح الحيوية الأمريكية. - ترويض واحتواء نظم الحكم في المنطقة. وتقديرات اسرائيل بشأن السودان، ومنذ استقلاله في 1956، ورغم بعده عن اسرائيل: إنه لا يجب أن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي. فاستثمار السودان موارده في ظل أوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب لذلك لا بد من العمل على مفاقمة أزماته وإنتاج أزمات جديدة حتى يكون حاصل الأزمات معضلة يصعب معالجتها فيما بعد. والسودان شكّل عمقاً استراتيجياً لمصر بعد حرب 1967 (قواعد تدريب وايواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية) كما أرسل السودان قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر منذ 1968م والمنظور الاستراتيجي الاسرائيلي يجعل من إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة موحدة وقوية، ضرورة من ضروريات دعم وتعظيم الأمن القومي الاسرائلي. إن نميري وبايعاز من الولايات المتحدة الأمريكية دخل في منازعات مع ليبيا وأثيوبيا وظل يقود الحملات ضد الاتحاد السوفيتي (السابق) فأيد نميري السادات عندما وقع اتفاقيات كامب ديفيد (انسحاب مصر من اتفاقية السلام وعودتها إلى خط المواجهة مع اسرائيل هو خط أحمر لا يمكن لأي حكومة اسرائيلية أن تسمح بتجاوزه وبالطبع ستواجه الموقف بكل الوسائل) وعندما أدان مؤتمر القمة العربي الانتفاضة في 1978 وأصدر قراره بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر 1979 رفضت دول السودان وعمان والصومال الالتزام به، بل أعاد نميري العلاقات مع أمريكا والتي كانت مقطوعة منذ 1967. وانحياز نميري للغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية منذ يوليو 1971 وكل التنازلات التي قدمها والتي مست مباشرة مبدأ السيادة الوطنية هدفه الوحيد ضمان استمراره على رأس السلطة. وفي الجانب الآخر نلاحظ أن تفاهم الجبهة الوطنية لأحزاب المعارضة (الأمة والأخوات المسلمون وتيار الشريف الهندي في الوطني الاحادي) مع ليبيا، قضي باسقاط نظام نميري واستبداله بنظام يمثل سلطة الجبهة الوطنية التي عليها أن تلتزم بالوحدة مع ليبيا. واتجاه الجبهة الوطنية نحو القذافي من أسبابه الرئيسية فقدانها لأثيوبيا التي تحملت عبء إقامة معسكرات التدريب والتسليح لأفراد الجبهة الوطنية، بعد سقوط هيلا سلاسي وتولي منقستو السلطة في 1974 وكذلك توقع ضعف العون السعودي بعد اغتيال الملك فيصل 1975. فتفاهم أحزاب الأمة والأخوان المسلمون والاتحادي مع ليبيا لم يؤسس بالطبع على استعادة الديمقراطية فلا وجود لأحزاب في ليبيا. وصحيح أن جعفر نميري لم يكن أول المسئولين السودانيين الذين كانت لهم اتصالات باسرائيل منذ 1954، ولن يكون آخرهم. ولكنه قدم وقيادات أخرى في نظامه (بعلمه أو بدونه) ومنذ 1977 خدمات جليلة لدولة الكيان الصهيوني، وكتب أرييل شارون في مذكراته تفاصيل لقاءاته مع نميري... كان اللقاء الأول في مصر عقب مقتل أنور السادات خلال الموكب الجنائزي خلف تابوت السادات، أما اللقاء الثاني فقد كان في اجتماع سري في 13 مايو 1982م في نيروبي. وكتب شارون: (التقيت بالرئيس السوداني جعفر نميري للتباحث حول قضايا استراتيجية تخص القارة الأفريقية وكان يجلس معه يعقوب نمودي وعدنان خاشوقجي. وفي المشهد الأفريقي قدم لي نميري وصفاً للأحوال السياسية الجارية في السودان وفي الدول المجاورة للسودان: أثيوبيا ونظامها الماركسي، وتشاد حيث يخوض رئيسها حسين هبري حرباً ضد القذافي، وكلا الدولتين أثيوبيا وليبيا يتم تسليحهما من الاتحاد السوفيتي). وشهد اللقاء الثاني اتفاق شارون ونميري على: + الدور الليبي في تشاد هو جزء من النشاط السوفيتي للهيمنة على منطقة وسط أفريقيا انطلاقاً من ليبيا إلى تشاد إلى أفريقيا الوسطى (وأشار شارون إلى أن أهم الأشياء التي جمعت بينه ونميري هو العداء المشترك للقذافي). + وتم الاتفاق على تدريب (قوات التحرير الايرانية) في السودان الذي يبعد بصورة كافية من ايران (الخميني)بعداً يجعله لا يخشى من توفير قواعد عسكرية لمثل ذلك النشاط السري. + كما اتفق أيضاً على موضوع اليهود الفلاشا. وقد أبان شارون في مذكراته أنهم ومنذ 1977 ظلوا ينقلون الفلاشا بهدوء وفي مجموعات صغيرة من اثيوبيا إلى اسرائيل وأن لقاءه الثاني مع نميري جرى خلال تنفيذ (عملية موسى) وهي نقل اليهود الفلاشا بطائرات النقل العسكرية الأمريكية إلى أوروبا ومنها إلى اسرائيل والتي لم يكن نميري يعلم بها بحسب ماذكر شارون. ونلاحظ أن أجهزة المخابرات والاستخبارات السودانية في الحقبة المايوية كانت هي (الدولة) وأن العام 1977 بداية النشاط العملي الاسرائيلي هو عام المصالحة الوطنية كما سيرد. وتحت ظل نظم الديكتاتورية والشمولية فإن الكثير من الناس يفقد الثقة في الشعب وبصفة بالسلبية و(الشعب جعان لكنه ########) وهناك من يختارون المنفى والخروج من البلاد للنجاة من قبضتها وينتظر آخرون منقذاً لتحريرهم والذين ينتظرون المنقذ سرعان ما يضعون ثقتهم في القوى الخارجية ويعولون على المساعدات الدولية التي تمتلك القوة الكافية والأكبر لاسقاط الأنظمة الديكتاتورية. في حين أكدت التجربة أن الاعتماد على قوة خارجية هو ببساطة وضع الثقة في موضع خاطئ. فالدول الأجنبية تسعى للمحافظة على مصالحها الاقتصادية والسياسية وهي في ذلك لا تتردد من بيع الشعوب، وهي في اتخاذها أية خطوات ضد الأنظمة الديكتاتورية إنما تهدف فقط للحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية. ويتواصل العرض....
سقوط حكم الفرد القمعي (3) صبري معاك علمني كثير.. علمني... عرض: محمد علي خوجلي (إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير قيادات جميع الأحزاب ركبت قطار مايو واحتمت بالشمولية بالتناوب فهي قبلتها وهي جزء منها، وعارضتها وهي خارجها. وقيادة كل حزب جعلت من وجودها في القطار المايوي وسيلة لتصفية الأحزاب الأخرى المنافسة لها في الماضي وللرأي الآخر داخل الحزب نفسه وبالذات التيارات التي تمسكت بقوة بمواقف مبدئية بالنسبة (للانقلاب العسكري) و(الشمولية)و(حكم الفرد القمعي) إنها فاجعة كبرى: أن ترتدي المصالح الحزبية والشخصية ثياب الدفاع عن مصالح الشعب وباسم الشعب. وهذا هو الأساس المادي لإعلاء مبدأ (عفا الله عما سلف). وغابت بعد التناوب (جبهة أحزاب المعارضة) و(الجبهة الواسعة لإنقاذ الوطن) و(الديمقراطية مفتاح الحل) وكل الشعارات والنداءات التي تم اطلاقها فالعلاقات بين قيادات الأحزاب ظلت في إطار الاتصالات الفردية المتباعدة. ولم يجتمعوا منذ 25 مايو 1969 إلا يوم 5 أبريل 1985م عندما الجمتهم المفاجاة وأعياهم اللهاث بالجري خلف الأحداث المتسارعة فارتبكت الأفكار فالصادق المهدي في ذات يوم 5 أبريل يدعو المصلين للإضراب (المحدود) لا السياسي وهي ذات دعوة الإضراب (المحدود) لا السياسي التي أطلقتها السكرتارية المركزية للحزب الشيوعي السوداني (القيادة الرسمية) بل أن أحد أعضائها في (طوافة) على أحد مراكز عمل قيادة الحزب بالخرطوم ظل يتحدث كثيراً عن (بدايات) الاضراب السياسي وتوقع دخول (المزارعين).. الخ الهذيان إنهم لا يرون ولا يسمعون أن أقساماً من الجماهير نفذت اضرابها منذ يوم 27 مارس 1985 دون إذن من أحد أو انتظار قرار من قيادة لا وجود في الحقيقة لها في اطار التنظيمات الحزبية. والجماهير السودانية بفطرتها العجيبة أدركت أن الحكام الدكتاتوريون هم دائماً في أمس الحاجة لمساعدة الشعب الذي يحكمونه ويذيقونه مر العذاب وأنه من دون هذه المساعدة لا يستطيعون تأمين سلطتهم ولا يستطيعون المحافظة على مصادر قوتهم السياسية. وأول مصادر القوة السياسية هو (السلطة) وإيمان الناس (بشرعية) النظام فخروج أغلبية الناس كل الناس عليهم يعني عدم الشرعية. وفي نفس الوقت يجرد النظام من (موارده البشرية) وهي عدد وأهمية الأشخاص والجماعات التي تتعاون مع حكومة النظام (أنظر: موكب الردع الذي نظمه الاتحاد الاشتراكي السوداني يوم 2 أبريل 985م لمنع خروج الناس). ومصادر القوة السياسية الأخرى لأي نظام ديكتاتوري تتمثل في: المصادر المادية: وهي درجة سيطرة أو تحكم الحكومة بالممتلكات والمصادر الطبيعية والمالية والنظام الاقتصادي (راجع استشراء الفساد ومستر 10% والغلاء الطاحن وحتى الجفاف والتصحر...الخ). العوامل غير الملموسة: وهي العوامل النفسية والفكرية التي تحث الناس على (طاعة ولي الأمر) و(إمام المسلمين) ومساعدة الحكومة (وهذه أبواب كثيرة أغلقت جميعها في وجه النظام الشمولي). المهارات والمعرفة: وهي التي يحتاجها النظام الشمولي لأداء أعمال محددة ويوفرها للأشخاص والجماعات من المتعاونين (وهذه انقلبت عليه باستغلالها للمصالح الخاصة وتنافس الجماعات نفسها من المتعاونين ولكسب مزيد من السلطة). العقوبات: والعقوبات كمصدر من مصادر القوة السياسية تشمل العقوبات المطبقة على أو التي يهدد باستخدامها في حالة العصيان أو الاضراب أو عدم التعاون اللازمة لبقاء النظام وقدرته على تنفيذ سياساته. (حل النظام المايوي نقابة أطباء السودان في 1984 وقرر عقوبة الإعدام في حالة الاضراب عن العمل. وفي 27 مارس 1985 كان أطباء السودان أول من دخلوا الاضراب السياسي، واختاروا جماعياً أن يفقدوا روؤسهم.. وفي الجهة الأخرى أقسام من جماهير الشعب تهتف "رأس نميري مطلب شعب"). وأكدت تجارب العمل الجماهيري للنقابات وتجربة نقابة أطباء السودان خلال حكم الفرد القمعي على حقيقة:- إن استعمال النظام الشمولي للقمع ضد رافضي التعاون معه أو المضربين. ونجاح ذلك القمع لا يعني أن درجة الخضوع ستعود إلى ما كانت عليه قبل القمع، بل العكس. وكلما تم التشديد على مصادر القوة أو قطعها لفترة كافية أو اضعافها – وعلى الرغم من القمع – فإن نظام الحكم الديكتاتوري تنعكس عليه سمات الارتباك وعدم الاستقرار (راجع أحوال مقولة نميري المعروفة: ثورة مايو تراجع ولا تتراجع) ومع مرور الوقت يؤدي حجب مصادر القوة إلى شلل وعجز النظام الحاكم وتموت قوة الحكام الديكتاتوريين من الجوع السياسي. وقال ميكافيللي: (إن الأمير الذي يعاديه جميع العامة لن يستطيع توفير الأمن لنفسه وكلما زادت قسوته كلما ضعف نظام حكمه). وكتب جون أوستن في القرن التاسع عشر: (إذا قررت غالبية المواطنين القضاء على الحكومة وتوفرت لديهم الرغبة في تحمل ممارساتها القمعية بغية الوصول إلى ذلك. تصبح قوة الحكومة والذين يؤيدونها غير قادرة على حماية الحكومة البغيضة... ولن يكون هناك إمكانية لإجبار الناس على العودة إلى الطاعة الدائمة والخنوع). إن الصورة كانت مغايرة تماماً بين قواعد الأحزاب وملايين المستقلين عن تلك الأحزاب وبالذات بين العاملين عما هي عليه بين قيادات الأحزاب وبالضرورة ما بين القيادات وعضويتها. فقد خاض العاملون تجاربهم بأنفسهم وأقامت حركة جماهير العاملين في المنشآت المختلفة جبهات عمل ظلت تتسع يوماً بعد آخر. من أفراد قليلين، أقل من أصابع اليد الواحدة إلى عشرات الآلاف. وقادت حملات التضامن وهي من الارث النقابي السوداني التليد. وتضامن مع جماهير العاملين نقابات مهنية كما تضامن الطلاب وأخص بالذكر طلاب جامعة الخرطوم. وانجزت حركة جماهير العاملين تحالفات وطيدة بين القواعد في انتخابات النقابات والاتحادات، ودافعت بشراسة عن الحريات النقابية والحريات العامة وظل صوتها عالياً في كافة قضايا الوطن والشعب. والتجمع النقابي كان أداه العمل الرئيسية لحركة جماهير العمال. وهو أحد وسائل العمل المشترك بين النقابات مرة وبين النقابيين مرة ومن النقابات والنقابيين في مرة ثالثة. وهذه الأداة ابتدعها العمال فلم يقررها حزب بعينه أو نقابة باسمها. أصحاب الفكرة عمال مجهولون من الناس كل الناس وهدف التجمع الثابت والأساسي: توسيع قاعدة معارضة النظام الديكتاتوري والربط بين النضال الاقتصادي والسياسي. وينشأ التجمع النقابي في (وقت معين) لمعركة (محددة) فهو ليس تنظيماً ثابتاً ولا مركزياً وهو أداة مستقلة، والاستقلالية هي مكمن القوة فالتجمع النقابي يقوم لانجاز مهام متباينة في أوقات وظروف مختلفة وينتهي بانتهاء تلك المهمة هنا أو هناك. فالتجمع النقابي هو أداة تنسيقية وقد تكون هناك أكثر من معركة في وقت واحد، وأكثر من تجمع نقابي أيضاً ولكن لا توجد علاقة تنظيمية بينهم لذلك استعان به أهل اليسار وأهل اليمين على السواء. وعبّر شكل "التجمع النقابي" في 1973 عن نقابات عمالية تحت نفوذ أحزاب "الجبهة الوطنية" وبالذات حزب الأمة الذي كان الأكثر تأثيراً في ذلك الوقت، فالنقابات التي كانت قائمة تحت قبضة السلطة المايوية (الاتحاد الاشتراكي السوداني) والحزب الشيوعي كان لا يزال يعاني من آثار عملية 19 يوليو 1971 وكان حتى ذلك الوقت في مرحلة التجميع لكوادره وعضويته التي لم يطالها السجن والاعتقال. ومن النماذج قيام التجمع النقابي 1974 في معركة التضامن مع عمال مصنع الأدوات المنزلية بالمنطقة الصناعية بالخرطوم بحري عندما تم ضرب عماله بالرصاص الحي بعد الهجوم المسلح على المصنع لإجبار العمال على فض الاعتصام. والتجمع التضامني ضم نقابات عمالية ونقابيين ونقابة موظفين وتضامنت معه نقابات مهنية واتحاد طلاب جامعة الخرطوم واقيمت ندوة بالجامعة بهذا الخصوص وصدرت بيانات ومنشورات من الحزب الشيوعي. تجربة عمال السكة الحديد كانت استثنائية عندما أقام العمال (التجمع النقابي في السكة الحديد من قيادات نقابية (خارج النقابة الرسمية) وطلائع العمال وهو الذي قاد المواكب (ضد الغلاء) 1979 والتي استجاب لها عمال السكة الحديد ومواطنو عطبرة في ظل وجود (النقابة الرسمية) للسكة حديد والتي عندما حاولت اللحاق بحركة الجماهير لم تجد أية استجابة حتى وهي ترفع شعارات حركة الجماهير. وتجربة عمال السكة الحديد سبقت تجربة نقابات التضامن في بولندا 1980... وخلال الفترة يناير – مارس 1985م برزت أربعة تجمعات نقابية، وليس واحداً كما يتبادر إلى الأذهان، وكما سيأتي لاحقاً... ويتواصل العرض....
سقوط حكم الفرد القمعي (4) وصمتهم صراخ... عرض: محمد علي خوجلي (إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير مقاومة النظام المايوي بدأت مع لحظة ميلاده ولم تتأخر ساعة. وتواصلت لستة عشر عاماً، صعوداً وهبوطاً حتى يوم النصر. وقدمت المقاومة مئات الشهداء والآف الضحايا مدنيين وعسكريين. ومعظم الأحزاب السياسية رفضت الانقلاب: كل الأحزاب التي تصتف باحزاب اليمين وتيار مثل أقلية في قيادة الحزب الشيوعي السوداني. وفي مايو 1969 تكونت الجبهة الوطنية للأحزاب في الجزيرة أبا (الأمة والأخوان المسلمون وتيار غالب في الحزب الوطني الاتحادي). وهناك قيادات أحزاب سياسية سودانية، في سعيها لتأمين (زعامتها) اتجهت نحو (العنف) و(استعمال القوة) فأقامت مليشيات منهم أفراد مدربين على استعمال السلاح. وأكثر المليشيات رسوخاً هي مليشيات حزب الأمة والتي بدأت (بالطوابير) والأسلحة البيضاء من قبل استقلال السودان 1956. وفي منتصف ستينات القرن الماضي قاد (وزير الداخلية) من حزب الأمة تلك الطوابير في شوارع الخرطوم، مرة لاسقاط حكومة أكتوبر الأولى ومرة عند حل الحزب الشيوعي. وذات الفترة شهدت استعمال كتائب الاسلاميين العنف في جامعة الخرطوم. والمليشيات والكتائب هي أساس المعسكرات التي أقيمت في ليبيا وأثيوبيا وقبلها في الجزيرة أبا وهو ما يعرف بتجربة العمل المسلح في مقاومة النظام المايوي. (وسعى الصادق المهدي لتجنيد مليشيات حزب الأمة في القوات المسلحة بعد انتفاضة 26 مارس 1985م). إن كل أوجه العمل المسلح في مقاومة النظام المايوي باءت بالفشل وأبرزها المقاومة المسلحة في 1970 والحركة المسلحة في يوم الجمعة 2/ يوليو 1976. ومحاولات العمل المسلح أضرت كثيراً بالنضال السياسي بسقوط أعداد من الشهداء والضحايا أو بدفع النظام اتخاذ اجراءات قمعية. بل أن محاولة 1976 دفعت بنميري إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر لحماية نظامه. (كما قطع العلاقات مع ليبيا حتى أعيدت مع المصالحة الوطنية في 1977) كما أن فشل عملية يوليو 1976 تسبب ليس في طي صفحة العمل المسلح وحدها، بل الجبهة الوطنية للأحزاب نفسها والتي اتجهت مباشرة للتفاوض والحوار مع النظام. إن الحياة القاسية للناس وفساد السلطة وعدم احترامها للقوانين والأحكام القضائية والرأي العام، قد تنتج عنه أفكار الخلاص من النظام بالعمل المسلح. وضحايا قمع النظام يكونون أكثر ميلاً للتفكير في الأعمال العسكرية. وأكدت التجارب أن (الدولة) في كل الأحوال هي الأكثر تفوقاً في أساليب القمع والعنف والأكثر استعداداً. ومهما بلغت جرأة وشجاعة المقاومين فإنها لن تقضي على النظام العسكري بالاضافة إلى الأضرار التي تلحق بعامة المواطنين. والعمل المسلح يرتبط وثيقاً في معظم الأحوال بالأجنبي تمويلاً وتدريباً وتسليحاً. ونظرية العمل المسلح، كما أثبتت تجارب الشعوب، بخلاف عدم فعاليتها فإنه حتى عند نجاحها ضئيل الفرص، فإن المتوقع أن يكون النظام الجديد أكثر ديكتاتورية من النظام المراد اسقاطه. فالذين يسقطون النظام بقوة السلاح إنما يؤكدون على ضعف مؤسسات المجتمع المدني المستقلة التي هي بمثابة العناصر الحيوية في إقامة مجتمع ديمقراطي ومن غير المتصور أن يقوم المسلحون المنتصرون بتسليم السلطة لغيرهم من الضعفاء. وكما فشل (العمل المسلح) فشلت كل محاولات الانقلابات العسكرية ضد النظام المايوي وهي أقل من عشرين محاولة بقليل. أما الأغلبية الصامتة والتي تم وصفها أحياناً بالسلبية وأخرى بالجبن فقد تأكد أن صمتهم صراخ زلزل السلطة في وقت وجيز هو ثمرة النضال السياسي اليومي والدوؤب والصبور. وحاول النظام المايوي الشمولي منذ قيامه المحافظة على سلطته بكافة الطرق ومنها الهيمنة على مؤسسات المجتمع المدني كافة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية... وكانت البداية بحل الأحزاب وحظر التنظيمات والتأثير على النقابات والذي كان على ثلاث مراحل: الأولى: عن طريق الاجراءات الإدارية بابعاد قيادات نقابية صنفت بالرجعية عوضاً عن الجمعيات العمومية التي انتخبتهم. الثانية: حل النقابات بعد عملية 19 يوليو 1971 واعدام الشفيع وفصل واعتقال القيادات النقابية. الثالثة: قانون جديد للنقابات ولوائح للبنيان النقابي وجعل النقابات من روافد الاتحاد الاشتراكي السوداني (الحزب الحاكم). ولاستحالة رصد تفاصيل مقاومة حكم الفرد القمعي من خلال مقال أو كتاب فإنه لا يكون أمام محاولة هذه (الفردية) إلا الإشارة لأبرز أشكال النضال السياسي والتي من أدواتها: البيان، المنشور، الاضراب، المظاهرة، الموكب، المذكرة، الاعتصام، الاستقالة، الصحافة السرية، الأندية العمالية، الجمعيات الثقافية والأدبية... مظاهرات النساء.. الخ. ففي أغسطس 1973 اشتعلت المظاهرات الطلابية في الجامعات والمدارس الثانوية واستمرت لأكثر من ثلاثة أسابيع، وتضامن مع الطلاب والتلاميذ نقابات المحامين والسكة الحديد والنقل الميكانيكي والمخازن والمهمات والغذائيات وهي أول مظاهرات ضخمة ومتصلة. وتم تشغيل (إذاعة) سرية ضد النظام. وفي العام 1974 كرر الطلاب والتلاميذ مظاهراتهم القوية. وهناك الاضرابات (الطويلة) والاضرابات (المفتوحة) ومن نماذج الاضرابات الطويلة اضراب معلمي المدارس الابتدائية (مدارس الأساس اليوم) والذي استمر لستة أسابيع 1976 أما الاضراب المفتوح فنموذجه اضرابات الفنيين ومنهم فنيي الأشعة. وفي جميع الأحوال فإن الجمعيات العمومية وقواعد النقابات هي التي تقرر الاضراب ومدته. ومظاهرات ربات البيوت ومواكب ومظاهرات العمال في العاصمة المثلثة (الخرطوم – الخرطوم بحري – أم درمان) في يوليو 1979م كانت مشهودة مثلما قامت مظاهرات في كثير من المدن السودانية أشدها في حلفا الجديدة. وكان هناك الاضراب العام لمزارعي الجزيرة والمناقل ومواكب 1979 أطلق عليها (مواكب مناهضة الغلاء) وفي أغسطس 1979 كان اضراب عمال السكة الحديد امتداداً لاضرابات ومظاهرات يوليو والذي كانت شعاراته (تسقط حكومة الجوع) و(الاضراب سلاح العمال) وكان الاضراب بسبب ضعف الأجور وغلاء أسعار السلع الضرورية التي طالب العمال بخفضها وتركيز أسعارها. وتحت ضغط القواعد العمالية ومجالس الإدارات اضطرت قيادة الاتحاد العام لنقابات عمال السودان (المايوية) إعلان الاضراب العام في أكتوبر 1979 بسبب ضعف المرتبات والأجور وسوء الأحوال المعيشية. وفي سبتمبر وأكتوبر 1980 تم تنظيم مواكب ومسيرات في كثير من المدن السودانية وشاركت فيها النساء والطلاب وتلاميذ المدارس ضد الغلاء والتشريد وفي ذات الفترة كان اضراب عمال السكة الحديد. ولم تهدأ الحركة الجماهيرية وهي تنتقل لمواقع الهجوم. وفي يونيو 1981 كان اضراب عمال السكة الحديد، وشهدت الفترة انتفاضة دارفور الكبرى. أما الأداة الأخرى الجديدة فقد كانت تقديم الاستقالات. فجاءت استقالات القضاة في فبراير 1981 وأيضاً في يونيو 1983م، ثم اضرابات المهندسين والأطباء في نوفمبر 1983 وكذلك في مارس/ أبريل 1984 والذي استمر لثلاثة أسابيع. كما أضرب القضاء في يناير 1984 لثلاثة شهور... الخ. والنضال السياسي كان محتدماً في كافة أنحاء السودان وفي معظم المصانع والمنشآت الحكومية والعامة أو في القطاع الخاص وخلال ذلك كانت تجري حملات التضامن واسعة النطاق بالاضرابات والمذكرات والبيانات وكذلك جمع التبرعات للعمال المضررين. ومع اتساع وتنوع النضال السياسي للعاملين انتقل للفئات الأخرى من السكان وربات البيوت بالمواكب والمسيرات واضرابات المدن المحدودة وانتفاضة دارفور المحدودة. لذلك جاءت انتفاضة 26 مارس 1985 حاملة معها أدوات جديدة وأساليب جديدة للحركة الجماهيرية خاصة على مستوى التنظيم، كما أن ارتقاء دور المهنيين في النضال السياسي جذب فئات أخرى لمناهضة الحكم المايوي...
سقوط حكم الفرد القمعي (5) السكوت عن الحقيقة...!! عرض: محمد علي خوجلي Khogali 17@yahoo .com. (إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير
إن فشل السياسات المالية والاقتصادية للنظام المايوي ساعدت في تسريع انتقال الحركة الجماهيرية لمواقع الهجوم. كما أن التخفيض المستمر للعملة الوطنية مقابل الدولار الأمريكي فاقم الأوضاع المعيشية وارتفعت نسب التضخم وتسبب في شح النقد الأجنبي، وفشلت المصانع في توفير مدخلات الإنتاج وقطع الغيار وتسبب ذلك. بالاضافة إلى مشاكل الطاقة والوقود في إغلاق المصانع وتشريد العاملين. وفشلت السياسات الزراعية (السودان سلة غذاء العالم) وزادت الأحوال سؤاً بعد الارتفاع العالمي في أسعار المواد البترولية. وتوقفت كثير من المصانع التي لم تغلق أبوابها. وأصبح البؤس الاقتصادي هو السمة العامة وتضاعفت معاناة الملايين في الريف كما المدن الكبيرة وسقط شعار مايو الثابت (رفع المعاناة عن كاهل الجماهير) وازدادت الهجرة من الريف للمدن ولخارج البلاد. وحظوظ سكان الريف كان الأكثر قبحاً فبالاضافة إلى كل ذلك عانوا من ندره السلع الغذائية وبدأت مواسم الجفاف والتصحر ومن جهة ثانية استعار الحرب في الجنوب وآثارها. وتمكنت حركة قواعد العاملين من تجاوز (القوانين) المقيدة لحريات العمل النقابي في الممارسة: فلما دأبت سلطة مايو على اعتقال النقابيين مع كل دورة نقابية حتى لا يتم ترشيحهم، فإ قواعد العاملين توصلت إلى أن الترياق هو ترشيح النقابيين وهم داخل المعتقلات و(فوزهم) كما أفلحت حركة قواعد العاملين في إسقاط (العزل السياسي) واستطاعت رغم كل الوسائل التي اتبعها النظام المايوي من الوصول إلى مواقع متقدمة في كثير من النقابات العامة ومعظم الهيئات النقابية حيث تنتشر القواعد وتضيق فرص التزوير والإغراء والترهيب. وبثبات كانت قواعد العاملين تلحق الهزيمة رويداً رويداً بأعوان النظام من سدته الاتحاد الاشتراكي والانتهازيين من كل شاكلة ولون. وخلال الفترة يوليو 1979 – أبريل 1985 عرفت الحركة الجماهيرية أداة جديدة لم تكن مألوفة من قبل وهي (اضرابات المدن المحدودة) وهي الاضرابات العامة (السياسية) التي ينفذها سكان المدينة المعينة لأيام محددة وهذه طبقت في مدن سنجة وكوستي والفاشر وعطبرة وغيرها. وكذلك من الأدوات الجديدة (الاضراب بالاستقالات) وهي التي نفذها قضاة السودان لمرتين. ما كان من الممكن أن تصبر الجماهير على النظام وهي تعاني ضنك الحياة جوعاً وعطشاً ومرضاً وتشاهد في نفس الوقت فساد سدنة النظام. والمهنيون في السودان كان لهم دور في في دعم السلطة المايوية إلى جانب العسكريين لكن كل فئات المهنيين كان لها دورها في مقاومة ذات النظام وإزالته مع دور مميز في انتفاضة 26 مارس 1985. والمهنيون من الطبقة المتوسطة غير المتطابقة (سياسياً) أو (فكرياً) لذلك هي مبعثرة بين كافة الأحزاب السياسية. ويعود الوزن الكبير للمهنيين إلى مستواهم التعليمي والفكري والثقافي كما أنهم مرتبطون بجهاز الدولة، وبسبب وعيهم يجدون الاحترام من الشعب. وقد نجحت معظم الاتحادات والنقابات المهنية في التحرر من قبضة القوانين المايوية ومطارداته من قبل الانتفاضة وتحولت نقابات كما نقابة الأطباء إلى قوة ذات نفوذ كما امتد التغيير لمعظم نقابات الموظفين والفنيين. وتبع ذلك بروز قيادات نقابية ووطنية من بين المعارك في النقابات المختلفة وكان لهم دورهم في انتفاضة 1985. وفي اكتوبر1983 وحتى يستطيع النظام الحد من نشاط المهنيين وعرقلته، أصدر قرارات (إدارية) بضم النقابات المهنية إلى الموظفين والفنيين وقد هزم المهنيون القرارات الإدارية عملياً وقررت قواعدهم رفضها. وفقدت النقابات المهنية شرعية (القانون) بالتجميد وكسبت شرعية (القواعد) وهنا من أسباب الدور المميز للمهنيين في الانتفاضة. إن نشاط المهنيين المعارض للنظام المايوي دفع بأقسام جديدة للإنضمام الواثق لمناهضة النظام المايوي. وفكرة نقابة اساتذة جامعة الخرطوم في يناير 1985، تكوين (جسم) للنقابات المهنية يعمل على تصعيد المقاومة حتى الإطاحة بالنظام. وبدأت الاتصالات لتكوين الجسم بعد صدور الحكم الأول على الأستاذ محمود محمد طه مع نقابات المحامين، الأطباء والمهندسين وصدر بيان باسم اللجنة التنفيذية لنقابة أستاذة جامعة الخرطوم وأقيمت ندوة بالميدان الغربي خاطبها الأستاذ مصطفى عبد القادر المحامي والأستاذ/ مروان حامد شداد. وفي الأسبوع الأخير من يناير 1985 انعقد اجتماع في مبنى اتحاد طلاب جامعة الخرطوم (يقوده المستقلون برئاسة عمر الدقير وحضر الاجتماع نقابات: المهندسون والمحامون والأطباء والبنوك والبصات الأهلية واتحاد طلاب جامعة الخرطوم (الجزولي دفع الله، مصطفى عبد القادر، عوض الكريم محمد أحمد وآخرين) وصدر بيان مشترك باسم (التجمع النقابي) وهذا التجمع معظمه من النقابات المهنية. وفي أواخر يناير 1985 صدر (بيان التجمع الوطني النقابي) الذي شارك في اعداده قيادات نقابية وسياسية وجاء شاملاً وموضحاً طريق اسقاط حكم الفرد القمعي بالاضراب السياسي العام والعصيان المدني. وقاد حزب (اتحاد القوى الوطنية الديمقراطية) حركة تأمين الاجتماعات والاتصالات وطباعة وتصوير البيانات والمنشورات...الخ.(محمد علي المحسي) والتجمع النقابي (الثاني) تضمنت عضويته عمال ومزارعين وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعات (الواثق كمير، عوض الكريم محمد أحمد، لام أكول، أحمد عثمان سراج، مروان حامد شداد، أبو شمة، عدلان الحردلو، من الله عبد الوهاب الصادق ذكريا وآخرين) ومن ضمنها الاتصالات التي جرت معهم ممثل ضباط الشرطة الأحرار. ومن التجمع النقابي الثاني خرج (التجمع النقابي العمالي) وعقد أول اجتماعاته بمنزل (السر حيمورة) وبدأ التجمع النقابي العمالي بأحد عشر نقابة عامة: الغزل والنسيج، الزراعة، الحكم الشعبي، النقل الميكانيكي، السكة الحديد، النقل النهري، البترول، الطيران المدني، عمال وزارة الدفاع، وهيئة نقابية لعمال حجارة البطاريات وهو الذي دعا العمال للاضراب السياسي العام يوم 6 أبريل (والذي كان من رأيه في ذلك اليوم أن التجمع النقابي للمهيين – الرابع – انضم للمجلس العسكري الانتقالي ورفضوا عرضه لمشاركة العمال السلطة التنفيذية). وفي مارس 1985 اجتمعت نقابات المهنيين: الأطباء، المحامون، المهندسون المصارف وأساتذة الجامعات وهي النقابات المؤسسة للتجمع النقابي الأول في يناير 1985/. و(التجمع النقابي) في مارس 1985 لم يكن من بين عضويته (النقابة العامة للبصات الأهلية – العمالية) التي وصفت بأنها اختراق) وكذلك اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وظهرت الهيئة النقابية لموظفي التأمينات العامة وتجمع مارس 1985 هو الذي دعى إلى موكب 3 أبريل 1985 ورفع مذكرة واستمرار الاضراب السياسي (!). ونلاحظ أن الاضراب السياسي كانت تدخله الفئات بالتدريج دون إعلان محدد ببداته من أية جهة وأول من دخل الاضراب السياسي هم الأطباء يوم 27 مارس وفي 28 مارس 1985 عرض تلفزيون M. B. C خطاباً لدكتور حسين سليمان أبو صالح والذي أعلن فيه استمرار الاضراب السياسي وأعتقل بعدها وتم ترحيله إلى سجن دبك مع أكثر من مائة معتقل سياسي. وابتدعت النقابات وسيلة (الاجتماعات المفتوحة) حيث أكدت تجربتهم أن أي اجتماعات بخلاف هذا الشكل تتعرض للعراقيل (الاعتقالات وغيره) وانتقلت هذه الوسيلة لكل الفئات بما في ذلك الضباط في القوات المسلحة. أما اجتماع (التجمع النقابي) الرابع (!) مع الاحزاب السياسة فقد تم مساء 5 أبريل 85 واستمر حتى الثالثة صباح يوم السبت 6 أبريل (اليوم المقرر لإضراب ومواكب العمال والقضاة وهي آخر فئتين تدخل الاضراب (السياسي). وحضر الاجتماع بالاضافة إلى التجمع أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي (علي عبد الله عباس (الجامعة) عوض الكريم محمد أحمد "المهندسين" وعمر عبد العاطي "المحامين" ويحي سنادة "البنوك" وعبد العزيز دفع الله "نقابة التأمينات العامة" ومن الأحزاب: عمر نور الدائم، صلاح عبد السلام الخليفة، سيد أحمد الحسين ابراهيم حمد، محجوب عثمان) وفي هذا الاجتماع: 1- تم الاتفاق على الخطوط العريضة لميثاق التجمع الوطني. (رفع حالة الطوارئ – إطلاق سراح المعتقلين، إلغاء قوانين سبتمبر. .الخ). 2- تمت مناقشة تكوين مجلس الوزراء والهيئة التشريعية ولم يتم اتفاق حيث اقترح التجمع النقابي لمجلس الوزراء 60% للقوى الحديثة و40% للأحزاب والعكس بالنسبة للهيئة التشريعية. ورفض حزب الأمة والاتحادي هذه النسب باعتبار انها لا تتفق مع وزنها الجماهيري وأن القوى الحديثة ما هي إلا واجهات لأحزاب. 3- وناقش الاجتماع توقع استيلاء عنر محمد الطيب على السلطة وعزل نميري وفي هذ الحالة يتم رفضه. لكن الاجتماع لم يناقش استيلاء القيادة العامة على السلطة. ويتواصل العرض....
سقوط حكم الفرد القمعي (6) الشعب قسْم لنميري نعم.. وبالملايين..!! عرض: محمد علي خوجلي Khogali 17@yahoo .com. (إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير
الصراع في المجتمع وفي القضايا السياسية من الأمور البديهية. وتتم تسوية الخلافات في حالات كثيرة بأساليب سلمية مثل الحوار والمفاوضات والمصالحة. وهذه الأساليب تتطلب أن يقدم طرفا النزاع تنازلات من أجل الوصول إلى حل. وهذه الأساليب تستخدم أصلاً عندما تكون القضايا المختلف عليها (غير أساسية) وعلى الرغم من ذلك، وحتى في هذه الحالات فإن (الحل) يتأثر بميزان قوي أطراف النزاع أكثر مما يتأثر بتقييم مشترك لحل عادل. وفي النزاعات الحادة التي لا تكون الحلول التي تتطلب تنازلات مناسبة لها، فإننا نجد على الأقل أن أحد الأطراف لا يرى طريقا للحل سوى (العمل المسلح) وأن أي تنازل هو هزيمة يصفها بأنها كارثة تحيق بمبادئه ومعتقداته ومجتمعه (ومنذ أواخر الألفية الثانية برز العنف الدولي المسلح والسياسي في مواجهة النزاعات الحادة). فلا يمكن تصور أن يقوم الحوار بحل المنازعات التي تكون فيها القضايا الأساسية مهددة بالخطر. وفي مثل هذه الأحوال لا يعقل التوصل إلى حل يفوز فيه طرفا النزاع، حيث لا يستحق الطرف الديكتاتوري الفوز بأي شئ.. وهناك عشرات النماذج في العالم، استطاع فيها النضال السياسي تحقيق النصر لهذا الشعب أو ذاك، بل إن النضال السلمي كان عاملاً قوياً حتى في حالات الاستعمار والعدوان الأجنبي (غاندي في الهند ضد الحكم البريطاني 1930. السلفادور وغواتيمالا 1944 ، وثورة اكتوبر 1964 في السودان واسقاط النظم العسكرية. ونضال حركة التضامن في بولندا 1980...الخ). إن الحكومات العسكرية الديكتاتورية والشمولية القابضة لا تظل في صورتها الأولى إلى الأبد، ولكنها تبدل ثيابها بين فترة وأخرى لتسر الناظرين سواء بسبب أوضاعها الذاتية أو بأثر المقاومة الجماهيرية. وتبدأ تلك النظم مسيرتها بتعليق الدستور وحل الأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابات وفصل وتشريد الأعداء المفترضين من الخدمة العامة وغير ذلك من الاجراءات التي تراها ضرورية لتأمين سلطتها واستقرارها. ثم تتجه من بعد ذلك لارخاء قبضتها الحديدية شيئاً فشيئاً حتى تقيم لها تنظيماً سياسياً (دائماً الحزب الواحد) ومجالس تشريعية (صورية) بعد أن تصوغ لها دستوراً تطلق عليه (الدائم) وتفرج عن معتقلين ومسجونين سياسياً والذين كثيراً ما تعيد اعتقالهم لاحقاً. فالنظام الديكتاتوري بعد أن يستقر له الأمر، يعمل على توسيع نفوذه بين الجماهير ومن وسائله الاستفتاءات وفي الغالب على رئاسة الجمهورية وحدها، حيث يكون المرشح (واحداً) وهو رئيس الحزب الحاكم (الأوحد) وهو (قائد الجيش والشرطة..) ونتيجة أي استفتاء هي 99,99 حتى إذا لم يشارك فيها أحد.(!!) كما تجري انتخابات شكلية للمجالس التشريعية ومجالس الحكم المحلي ويحاول النظام في كل ذلك الظهور أمام دول العالم وكأنه نظام ديمقراطي ينال رضا شعبه فمن المؤكد أنه من غير المتصور أن يسمح الحكام الديكتاتوريين بإجراء انتخابات تعزلهم من سلطتهم. ومذكرة د. الطب زين العابدين في يوليو 1976 من داخل معتقله للرئيس نميري عقب فشل العملية المسلجة اقترح فيها أن يتبنى (مصالحة وطنية) مع الجبهة الوطنية (كما طرح الأمير محمد الفيصل – السعودية – أفكاراً حول الحوار على نميري والصادق المهدي). وفي يناير 1977 عقد الصادق المهدي مؤتمراً تشاورياً في مدينة (لندن) لمناقشة أمر المصالحة. ووافق معظم الحضور من الاسلاميين على الحوار باستثناء عثمان خالد. وتم لقاء نميري والصادق في مدينة (بورتسودان) في 7/ 7/ 1977 وتم الاتفاق في اللقاء على موافقة الصادق المهدي على الآتي:- - الدستور القائم هو الدستور الدائم (مع تعديله). - الجمهورية الرئاسية. - التنظيم السياسي الواحد (الاتحاد الاشتراكي السوداني). - إطار اتفاقية أديس أبابا 1972م. - برنامج نميري للولاية الثانية. وأدى الصادق قسم الولاء للاتحاد الاشتراكي في نوفمبر 1977م. وبعودة إلى قيام انقلاب 25 مايو 1969 نجد أنه في 3 يونيو 1969 انعقد اجتماع بين نميري والصادق (الذي كان قد أعد مذكرة) وانتقد الصادق أفكار النظام (المستوردة) والتي لا أمل في صلاحها في السودان (واعتقل الصادق لاحقاً) وهذا الموقف يتسق مع موقف الإمام الهادي وقادة جبهة الميثاق الاسلامي الذين اشترطوا لدعمهم (ثورة مايو) مسح مظاهر الشيوعية من على وجه (الثورة) أو النظام. وقبل د. الترابي الدخول في المصالحة بعد العفو عن المعتقلين السياسين بقانون. وصدر القانون (شرط الترابي) في أغسطس 1977 وأطلق سراح جميع المعتقلين باستثناء الشيوعيين وجماعة حزب التحرير. وفي سبتمبر 1977 أصدر د. الترابي بياناً أعلن فيه فض الجبهة الوطنية. والتحقت أعداد كبيرة من الاسلاميين بوحدات الاتحاد الاشتراكي مثلما التحقت قيادات باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي جنباً إلى جنب مع قوميين وديمقراطيين ومايويين وشيوعيين مايويين. وشغل د. الترابي مواقع عديدة خلال الفترة 1977 – 1985م من مثل: - لجنة مراجعة القوانين لتتماشى مع الشريعة الاسلامية. - النائب العام. - المشرف السياسي على دارفور. - مساعد الأمين العام للاتحاد الاشتراكي للشئون الخارجية. - الأمين المساعد للشئون الاجتماعية والسياسية للاتحاد الاشتراكي. - مستشار الرئيس لشئون الأمن القومي. وشارك الأخوان المسلمون في انتخابات مجلس الشعب القومي الثالث (فبراير 78) وأحرزوا (18) مقعداً وقام نميري بتعيين: يسن عمر الامام، التيجاني أبو جديري وأحمد عبد الرحمن محمد في مجلس الشعب القومي الثالث وأصبح أحمد عبد الرحمن رئيس للجنة الإرشاد. وفي أبريل 1981 تم تعيين أحمد عبد الرحمن وزيراً للشئون الداخلية. كما عين نميري ستة من الجبهة الوطنية في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي المكون من 29 عضواً من بينهم: الصادق المهدي، أحمد الميرغني وحسن الترابي. ومن بين أعضاء مجلس الشعب القومي الرابع: على عثمان محمد طه، عبد الجليل الكاروري، يسن عمر الامام، حافظ الشيخ الزاكي وعبد الله حميدة. ووقع الشريف حسين الهندي (الذي لم يرجع للسودان نهائياً حتى وفاته) وعبد الماجد أبو حسبو وأحمد زين العابدين عمر بيان المصالحة مع النظام والذي وقع عليه من جانب النظام: أبو القاسم هاشم وعمر محمد الطيب. إن مصالحة أحزاب الجبهة الوطنية مع مايو في 1977 هي نتيجة هزيمتها العسكرية وفشل العمل المسلح. وهذه الهزيمة جعلت أحزاب الجبهة الوطنية تصل إلى نتيجة: أنه يجب الاتفاق مع النظام المايوي (الشمولي) وحكم نميري (حكم الفرد القمعي) الذي بدأ لهم وكأنه سيبقى إلى الأبد... ودعم التفاوض والحوار مع نميري، ما تعرضت له كوادر وقيادات أحزاب الجبهة من اعتقال وسجون وفصل من الخدمة. كما أن المستجدات التي حدثت بفقدان الجبهة الوطنية للدعم الاثيوبي بعد سقوط حكم الامبراطور هيلاسلاس. وتحول ليبيا نحو الاتحاد السوفيتي (السابق) الداعم للحكومة الاثيوبية الجديدة دفعت الجبهة الوطنية دفعاً نحو المصالحة. وقبلت معسكرات المقاتلين من حزب الأمة في ليبيا وأثيوبيا المصالحة ولم يكن أمامهم خيار آخر. والمصالحة الوطنية في 1977 جرت بين أطراف لا تختلف حول القضايا الجوهرية: (1) معاداة الشيوعية. (2) الجمهورية الرئاسية. (3) الحزب الواحد الحاكم. وأحزاب الجبهة الوطنية جميعها ومنذ ستينات القرن الماضي يجمعها العداء للشيوعية وظلت تدعو إلى إقامة نظام رئاسي في السودان. أما مسألة الحزب الواحد الحاكم فقد طرحت امامهم منذ يناير 1974م. ولذلك فإنه على الرغم من أن المصالحة الوطنية كانت بين نميري وقيادات أحزاب الجبهة (نلاحظ أن نميري لم يتعامل معهم كجبهة بل كأحزاب وكل حزب على حدة) إلا أنه بعد اكتمال المصالحة تحولت قيادات الاحزاب المتصالحة وكوادرها إلى قيادات في الاتحاد الاشتراكي، وكثير من العضوية إلى أعضاء في الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي، وكأنهم قبلوا طوعاً حل أحزابهم دون إعلان، ورغم كل ذك يبرون فعلتهم باسقاط النظام من الداخل!! وكما فشلت الانقلابات العسكرية والعمل المسلح في سقوط حكم الفرد القمعي فشلت المصالحة الوطنية وأكدت تجربة مقاومة حكم الفرد القمعي أنه يمكن الاطاحة بنظام شمولي وقمعي بالاضراب السياسي والعصيان المدني وكآفة أساليب العمل السياسي. والنضال اليومي الدؤوب لا يحتاج إلى قيادات سياسية مؤثرة فعلى الرغم من الانفصال الذي حدث بين قيادات الأحزاب وقواعدها إلا أن القواعد واصلت نضالها حتى الانتفاضة بطريقتها. ويتواصل العرض....
سقوط حكم الفرد القمعي (7) أولاد بــوش..!! عرض: محمد علي خوجلي Khogali 17@yahoo .com. (إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير
كان من أولى قرارات حكومة الديكتاتورية العسكرية الأولى (58–64) قبول مبدأ ايزنهاور (المعونة الأمريكية) مع استبعاد إقامة قواعد عسكرية في السودان بسبب موقف الشعب (الناس كل الناس) الرافض قبل تسليم السلطة (حزب الأمة وافق ووقع على المشروع الأمريكي الذي رفضه حزب الشعب الديمقراطي – حزب الختمية – المؤتلف مع حزب الأمة). وقبل أن يجف مداد القرار دخلت الوفود الأمريكية الاستخباراتية السودان تحت مظلة (الخبراء) بقيادة أمريكي من أصل أفريقي. وكان أول المشروعات طريق (الخرطوم – مدني) وتنفذه شركة (ولشي) وطريق (الخرطوم – بورتسودان) وتنفذه شركة (لوكهيد) ذات السمة المخابراتية المعروفة. ثم تقدمت أمريكا بطلب للسودان للسماح بطائراتها بالاقلاع والهبوط على ومن طريق عطبرة. ورفضت الحكومة وأوقفت أمريكا المشروعات. وفي 28 مارس 1985 زحفت المواكب نحو مبنى السفارة الأمريكية في الخرطوم التي كانت تحت حراسة الشرطة. ومظاهرات يوم 29 مارس: (تسقط.. تسقط أمريكا) و(لن يحكمنا البنك الدولي) والجماهير لا تخطئ. وجمهورية مصر العربية في مارس 1985م كانت رافضة (كما أمريكا) لتوجهات نميري، وما اسمته الخروج على أعراف السياسة الأقليمية. وتجاذبها تياران: تيار أسامة الباز وبطرس غالي الذي رأى أنه قد حان الوقت لانهاء دور نميري بينما التيار الآخر الذي مثله المشير أبو غزالة رأي ضرورة استمرار دعم نميري. ومعلوم أن نميري غادر السودان لأمريكا يوم 27 مارس 1985 وجاء في أخبار الجمعة 29 مارس أن مباحثات نميري وريجان بواشنطن تبدأ يوم الاثنين أول أبريل وجاء في أخبار 3/ 4 بأن لجنة الشوؤن الخارجية بالكونجرس الأمريكي أقرت إزالة آية عقبات أو شروط تمنع تدفق المساعدات الاقتصادية للسودان. ووصل نميري القاهرة في 6/ 4/ 1985م وفي محادثة حسني مبارك مع سوار الدهب طلب الثاني ابقاءه بمصر. وفي ديسمبر 1984م، قبل حوالي تسعين يوماً من انتفاضة 26 مارس 1985م تسرب تقرير صادر من المخابرات الأمريكية والذي كان من بين توقعاته: أن القوات المسلحة هي الأداة الوحيدة القادرة على التغيير في السودان. وأن تذمر صغار الضباط قد يؤدي إلى (ثورة) تضر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية. ورصد التقرير أسماء عدد من الضباط المرشحين للقيام بانقلاب عسكري. ومن البديهي أنه لم يكن من بين تلك الأسماء (عبد الرحمن سوار الدهب) الذي عينه نميري وزيراً للدفاع في 15 يناير 1985 (وهو ذات التاريخ الذي أوقفت فيه أمريكا امداداتها العسكرية للسودان). وكان نميري وحلفاؤه من الاسلاميين في ذلك الوقت مشغولين بمسائل أخرى ومنها إعدام محمود محمد طه في 18 يناير 1985، حيث واجه النظام المايوي حملة اعلامية عالمية ضخمة استنكاراً لاعدام (الشيخ) لم يشارك فيها الإعلام الصهيوني بالضرورة للمحافظة على مصالح اسرائيل مع (النظام) وليس نميري وحده. إننا لا نستطيع تجاوز أثر العوامل الخارجية في التغييرات السياسية الداخلية في كل دول العالم ومنها الدول النامية والتي تظهر أكثر عند التحولات. ففي 4 مارس 1985 زار جورج بوش الأب (نائب الرئيس الأمريكي ريجان) وهنرى كوهين من قيادة المخابرات المركزية الأمريكية السودان لثلاثة أيام. وتفقد بوش معسكرات النازحين (الجفاف والتصحر) وكانت أمريكا هي الدولة الأولى في العالم التي تقدم مساعدات غذائية للنازحين (عيش ريجان) كما زار أيضاً معسكرات اللاجئين في شرق السودان وسعى لتسهيل خروج ما تبقى من الفلاشا. واجتمع بوش بمسئولين سودانيين بعد اجتماعه بنميري، كما عقد اجتماعاً مع أساتذة الجامعات، أطلقوا عليهم في جامعة الخرطوم (أولاد بوش) وعقد اجتماعاً مع شخصيات منتقاة بطلب مباشر للسلطات الأمنية (محامين واقتصاديين وغيرهم) مثلما اجتمع مع الصادق المهدي. وناقشت الاجتماعات الأوضاع السياسية والاقتصادية في السودان وانتقد اجتماع أساتذة الجامعات مساندة أمريكا للنظام(!) وتم تسريب يبدو أنه مقصوداً لمحضر اجتماع نميري – بوش ونشر في أكثر من مجلة تصدر خارج السودان. هدفه بيان رغبة أمريكا في (رحيل) نميري مع (المحافظة) على النظام بما يحافظ على المصالح الأمريكية والاسرائيلية. (وفي التداعيات عند التحولات رفض الثوريون في اجتماع نقابة أساتذة جامعة الخرطوم الاضراب السياسي وأن المظاهرات لن تسقط النظام وأقترحوا مظاهرات محدودة ثم اختفى دفتر محضر الاجتماع بعد نجاح الانتفاضة). (وفي التداعيات عند التحولات: دعا الصادق المهدي في خطبة الجمعة 5 أبريل إلى مظاهرات محدودة مثلما دعا العسكريين للإطاحة بالنظام..). وفي الضفة الأخرى، وبعد خطاب نميري الذي اتهم فيه الاسلاميين بالإعداد لمؤامرة للاطاحة بالنظام، سارع الاسلاميون بتكوين مكتب قيادي (تنفيذي) جديد في 10 مارس 1985م تم فيه الابقاء على د. الترابي في المكتب القديم. ودارت مناقشات بين الاسلاميين وفي المكتب الجديد حول التعامل مع الأوضاع المفاجئة وتلخصت خياراتهم في الآتي: 1- إذا قام نميري بتصعيد المواجهة مع الاسلاميين إلى حد (تصفية القيادات) أو (تراجع) عن الشريعة الاسلامية، تتم مواجهته عسكرياً وشعبياً. 2- إذا لم يتم التصعيد حتى التصفية ولم يتم التراجع عن الشريعة يمكن أن تقاوم الحركة بشرط (عدم السماح بانهيار النظام). 3- حركة الضباط في القوات المسلحة من غير القيادة العامة، ترتب للاستيلاء على السلطة وتسليمها للقوى السياسية الأخرى. ولذلك فإنه على الاسلاميين العمل على أن تتم مواجهة نميري من داخل المؤسسة العسكرية باستيلاء القيادة على السلطة. من ناحية أخرى فقد تكفل مسؤولون في الدولة بحفظ الاسلاميين أو (انقاذهم) ومن دون علمهم لتفادي سقوطهم مع نميري (!) فاصلاً لم تكن هناك أية مشاكل بين نميري والاسلاميين. وكانت أقرب الطرق لافساد علاقة نميري بهم هو تقديم معلومات وتقارير كاذبة، وخداع نميري بأن (الخطر) من الاسلاميين وأنهم يتآمرون عليه للانفرد بالسلطة. فقاموا بضاعة مكيدة عن طريق قيادات أمنية واستخباراتية بتزوير (نشرة داخلية) تشير إلى عقدهم العزم على الاطاحة بنميري. وهذه المعلومات الكاذبة كانت أساس خطاب نميري الذي بثته الإذاعة السودانية عن (المؤامرة) وفي مساء الجمعة 17 مارس 85 جرى اعتقال د. الترابي وفي يوم السبت 18 مارس 1985 صدرت قائمة اعتقال تضمنت أربعة عشر من القيادات الاسلامية لم يكن من بينهم أي عضو في المكتب القيادي الجديد. إن محاولات نميري لاتباع سياسات جديدة بعد 1983 محلياً واقليمياً، اعتقد خطأ أنها تمنحه رضا الأمريكان، لكن نتائجها جاءت معكوسة ووبالاُ عليه. ومن رأي الأمريكان أنها لا تتوافق في إطارها العام مع التوجهات الأمريكية في المنطقة الأفريقية ومحلياً لأسباب كثيرة أبرزها:- • تجاوز الحدود المرسومة، ومن ذلك موقفه المنفرد لاسقاط النظام الماركسي في أثيوبيا، والذي أزعج أمريكا وأثار غضبها لاخلاله بترتيبات أمريكية جارية لاسقاط نظام منقستو. وأن هذه المسألة ليست مهمة نميري ولا نظامه. • أنه أصبح مرفوضاً شعبياً. • فشله في القضاء على الحزب الشيوعي خلافاً لما يدعي. • لم يعد على هواها في مسائل أخرى. ووصفت أمريكا نميري بالديكتاتور الذي يضطهد شعبه منذ 25 مايو 1969م، أي وصفته بما هو معلوم. فأمريكا قبل ذلك لم تهتم بما حاق بشعب السودان تنكيلاً واضطهاداً، ثم وظفت ذلك التنكيل والاضطهاد بجعله من الذرائع الداعية إلى رحيله. لقد تركته يذهب ( مع بقاء النظام والمحافظة عليه والمحافظة على المصالح الأمريكية). في الجانب الآخر كان الخطاب الداخلي لسكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني مارس 1985 ومن قبله الموجهات الشفوية (من مطلع فبراير إلى 15 مارس 1985) لقيادة الحزب بالخرطوم على النحو التالي: - علاقة نميري بالأخوان المسلمين علاقة استراتيجية. - أن تتم الدعوة لاضرابات محدودة، لا الاضراب السياسي. - التجمع النقابي تنظيم أمني هدفه اصطياد النقابيين الشيوعيين ثم الشيوعيين ويحظر على العضوية العمل معه أو الانضمام إلى عضويته وتحققت أهداف أمريكا والأخوان المسلمين وقيادة حزب الأمة وقيادة الحزب الشيوعي برحيل نميري والمحافظة على النظام. ونحج الاسلاميون في التسريع باستيلاء القيادة العامة على السلطة، هدف القادة الاسلامية.
ويتواصل العرض....
سقوط حكم الفرد القمعي (8) نحن جند الله.. جند الوطن عرض: محمد علي خوجلي Khogali 17@yahoo .com. (إنني لا أفرض.. إنني لا أقترح.. إنني أعرض) فولتير
أفراد القوات المسلحة والقوات النظامية هم أصلاً أبناء الشعب الذين ينتمون إلى فئاته الاجتماعية المختلفة. وما يميز المؤسسة العسكرية دقة النظام والضبط والربط فهم جزء من القوة الوطنية السودانية. والمؤسسة العسكرية ليست خارج الطبقات أو الفئات الاجتماعية ولا فوقها ولا تعاني من أية عزلة عن المجتمع. وتاريخ الحركة الوطنية السودانية ارتبط بالعسكريين من قبل 1924 حيث كانوا هم القوة الوحيدة المنظمة، قبل قيام مؤتمر الخريجين وقبل نشأة الأحزاب السياسية (ثورة 1924). وتعرفنا على تسليم حزب الأمة السلطة لجناحه العسكري (القيادة العامة) في 1985م. وفي ثورة أكتوبر 1964 رفض الضباط الأحرار اطلاق النار على المتظاهرين وفي 1964 أيضاً قام الضباط الأحرار بحصار القصر الجمهوري للضغط على المجلس العسكري (القيادة) حتى حل نفسه صباح اليوم الثاني. ونخدع أنفسنا إذا تجاوزنا مقاومة العسكريين لحكم الفرد القمعي قبل انتفاضة 26 مارس 1985 أو خلال أيام الانتفاضة. فخلال الحكم المايوي كما أشرت شهدت البلاد محاولات انقلابية كثيرة، استطاع بعضها اعلان برامجه ولم يتمكن آخرون. ويهمنا – هنا – اثبات حقيقة أن المؤسسة العسكرية لم تكن بعيدة عن العمل الوطني والمقاومة ولا نستطيع تجريدها من انتماءاتها للفئات الاجتماعية المختلفة على الرغم من معارضتنا للانقلابات العسكرية والعمل المسلح لآثارها السالبة على النشاط السياسي للجماهير (التي لم تفوضهم للقيام بمثل تلك المهام). وفي 1983 تم اعتقال 84 ضابطاً من القوات المسلحة وتمت محاكمتهم واحالتهم للمعاش. وفي انتفاضة 26 مارس 1985 ساد الاتجاه بعدم اطلاق النار على المتظاهرين. وتعرق الناس على تنظيم ضباط الشرطة الأحرار خلال الانتفاضة من خلال منشورين، انتشرا في كل الأمكنة (المكاتب الحكومية والأحياء السكنية) وصدر المنشور الأول يوم 26 مارس 85 أول يوم للتظاهرات التي لم تتوقف. وهنالك مسودة منشور ثالث ضبطت عند اعتقال أعضاء من اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وجرت اتصالات بين تنظيم الضباط الاحرار وأفراد من ضباط الشرطة والأمن لتنسيق المواقف، كما قام ضباط الشرطة الأحرار بالاتصال المباشر بالتجمع النقابي (الثاني) واخطارهم بقرارهم بعدم ضرب المتظاهرين بالنار في حين كان اتصال الضباط الأحرار بالقوات المسلحة بالتجمع النقابي الذي قام يوم 24 مارس 1985م. واستطاعت قيادات في القوات النظامية (الشرطة والأمن) أن تلجم التيار المتمسك بضرب المظاهرات في اجتماع أول أبريل المشترك الكبير للاتحاد الاشتراكي مع الأجهزة التنفيذية والسياسية والعسكرية بنجاحها بالخروج بالقرار: أن تتكفل القوات النظامية بوضع الخطط والاجراءات الفنية التي تحول دون خروج موكب 3 أبريل من دون استعمال للقوة. وكان في ذلك كل (الحكمة والحنكة) حيث تم احباط (ضرب المظاهرات والمواكب بكل قوة وبلا رحمة). فاجتماع أول أبريل ناقش دعوة التجمع النقابي لموكب الأربعاء3 أبريل. وفي ذلك (الاجتماع حذر (الرشيد الطاهر بكر) من خروج الموكب وأنه إذا حدث ذلك فإنه سيكون كما (أربعاء كربلاء) ولن تتوقف المواكب. وفي يوم الثلاثاء 2 أبريل نظم الاتحاد الاشتراكي موكباً أطلق عليه (موكب الردع) لقطع الطريق أمام موكب الأربعاء. وكانت تلك مغامرة كبرى ففشل موكب الردع يعني النهاية الحقيقية للنظام وحزبه الواحد الحاكم صاحب العضوية المليونية. وهذا ما حدث فقد شارك في موكب الردع أقل من مائة شخص، وامعاناً في خداع الذات وأصل مسيرته حتى مكاتب الاتحاد الاشتراكي وخاطبه أبو القاسم محمد ابراهيم ومما قال: (أيها الاخوة كان الأمر واضحاً جداً. فمجموعة قليلة في جامعة الخرطوم أصدرت منشورات بأسماء التنظيمات. وجماعة حسن الترابي قامت بحل اتحادات الموظفين والمهنيين، عندما لم يتمكنوا من معالجة اضراب الأطباء. لذلك فنجن حينما ندعو قطاعات المهنيين تملأنا قناعة تامة بمشروعية تنظيماتهم... ولاخوتنا في الشرطة وفي قوات الأمن أن تتفرع لمسئولياتها فتآمر استعماري كبير يحيط بنا..). إن فشل موكب الردع رفع الروح المعنوية للجماهير التي خرجت يوم الأربعاء 3 أبريل في صور مذهلة. كتل من البشر خرجوا من مكاتبهم وبيوتهم ومتاجرهم في كل انحاء العاصمة. ولم تنفع الاجراءات الفنية التي تمثلت في قفل الكباري واقامة السياجات بين الشوارع الرئيسية حتى لا تتوحد المواكب. ولكن ذات الاجراءات جعلت من المستحيل على الشرطة والأمن مجرد تغطية تلك المواكب والتظاهرات التي قامت في أي شارع. إن القوات النظامية لم تكن تستطيع إحصاء أعداد تلك التظاهرات دعك من تفريقها (هل كانت خطة القوات النظامية مقصودة لنشر التظاهرات في كل مكان؟). ومن بعد نجاح موكب الأربعاء قام الأستاذ على عثمان محمد طه (كان مطلوباً القبض عليه) بإعداد مذكرة للفريق سوارالدهب يوضح له فيها أن (البيعة) لم تكن لشخص نميري وإنما كانت للدولة (التحلل من البيعة) وحمل الرسالة الأستاذ/ أمين حسن عمر يوم الخميس 4 أبريل 1985 لسوار الدهب. والفريق سوار الدهب كان رافضاً حسب مواقفه الرسمية للتحرك ضد النظام وبدأ الفريق تاج الدين عبد الله فضل نائب القائد العام يحرك الأمور على السطح. وقد قام سوار الدهب لدى مخاطبته المصلين بمسجد المظلات يرفع المصحف مؤكداً مبايعته للرئيس جعفر نميري... والضباط في القوات المسلحة على أيام الانتفاضة كانوا يجرون المناقشات المفتوحة والعلنية، كما أركان النقاش في الجامعات(!) وبرزت ثلاث تيارات: الأول: يدعو لتسليم السلطة للتجمع النقابي (صغارالضباط). الثاني: يدعو إلى قيام القيادة العامة بالاستيلاء على السلطة حقناً للدماء ولتماسك القوات المسلحة. الثالث: يتمسك بالبيعة لنميري. وفي صباح يوم 4 أبريل 1985م قدمت الاستخبارات العسكرية تقريراً بشأن دراسة وتقييم الموقف خلال الفترة 26 مارس - 4 أبريل 85 وورد تحت عنوان (التطورات المحتملة): • نجاح الاضراب السياسي في كافة المدن السودانية. • الأزمة هي أزمة (سياسية) وليست (أمنية) ولا يوجد أدنى احتمال لا ستقرار النظام إلا فوق بحار من الدماء وانقسام القوات المسلحة. • أن الحل هو في استيلاء القوات المسلحة على السلطة حقناً للدماء وقيام حكومة مدنية من رجال مشهود لهم بالقدرة (تكنوقراط) حتى تقرر القوى السياسية بشأن النظام المطلوب لإدارة البلاد. • ولقيام القوات المسلحة بهذا الدور يجب ابتعادها عن أية محاولة لاقحامها في الأزمة الأمنية حتى لا تكون طرفاً في الصراع. وأوصى التقرير برفض الاستجابة لأية محاولة من النائب الأول (عمر محمد الطيب) لإعلان حالة الطوارئ. إن هذا التقرير كان في الحقيقة برنامج عمل دقيق ومنظم نفذته بكل دقة واخلاص جميع الأطراف عسكريين ومدنيين بعلمهم ورضاهم أو بدونهما.(!) واعتباراً من مساء الخميس 4 أبريل تولى (قائد سلاح المهندسين ومدير العمليات) مسؤولية حلقة الاتصال بين قادة وحدات العاصمة والهيئة العامة على أساس التصرف والتحرك بمقتضى التقرير. وجرى الاتصال بقائد منطقة بحري وقائد القوات المحمولة جواً وقائد القوات المدرعة. وطلب فرع العمليات عدم الخروج إلى الشارع اعتباراً من الرابعة ص يوم 6 /4 لأي سبب. كما تم الاتصال بنائب القائد في الخامسة صباحاً وتم ابلاغه بقرار قادة الحاميات والذي جاء تنفيذاً لإرادة قواعد القوات المسلحة الاستيلاء على السلطة حقناً للدماء ولابلاغ القائد العام. وتم كذلك ابلاغ النائب الأول وطلب منه البقاء في منزله لحين صدور توجيهات أخرى. والبيان الأول، وكل البيانات اللاحقة صاغها مدير العمليات (وتم اتخاذ قرار بتجهيز قوة لاعتقال سوار الدهب إذا لم يقم بإذاعة البيان) وانعقد أول اجتماع لهيئة القيادة مع قادة وحدات العاصمة في منتصف نهار السبت 6 /4 حيث انتدب اثنان لمقابل قادة التجمع النقابي بدار نقابة الأطباء. وفي هذا الاجتماع تم تكوين المجلس العسكري الانتقالي. البيان رقم (1) (ظلت القوات المسلحة خلال الأيام الماضية تراقب الموقف الأمني المتردي في انحاء الوطن وما وصل إليه من أزمة سياسية معقدة بالغة التعقيد. إن قوات الشعب المسلحة حقناً للدماء وحفاظاً على استقلال الوطن ووحدة أراضيه قررت بالاجماع أن تقف إلى جانب الشعب واختياره وأن تستجيب إلى رغبته في الاستيلاء على السلطة ونقلها للشعب عبر فترة انتقالية محددة. وعليه فإن القيادة العامة تطلب من كل المواطنين الأحرار أن يتحلوا باليقظة والوعي وأن يفوتوا الفرصة على كل من تسول له نفسه اللعب بمقدرات هذه الأمة ووحدتها وأمنها. لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا غالب إلا الله)
ويتواصل العرض....
|
|
|
|
|
|