|
سبعة سبعة*: أين المعارضة والحكومة السودانية من الكينية؟
|
في ثلاثين ستة من عام 1989 إستولت الإنقاذ علي السلطة بإنقلاب عسكري مطواطئة مع حزب سياسي هو الجبهة القومية الاسلامية. بعد عام واحد تقريباً وبتأريخ سبعة سبعة من عام 1990 إنتفض الشعب الكِينى مطالباً بالديمقراطية وإجراء إنتخابات نزيهة وبتعديلات دستورية تُتيح مزيداً من الحريات . راح ضحية تلك الإنتفاضة الكينية عشرون مواطنا خلال صدام مع الشرطة. لازال الشعب الكينى حتى تأريخه يحتفل بهذه المناسبة في يوم سبعة سبعة من كل عام مطالباً بمزيدٍ من الحُريات. في نفس العام وقبل تأريخ سبعة سبعة أعدمت الإنقاذ واحد وثلاثين مواطناً سودانياً بدمٍ بارد من بينهم ثمانية وعشرون ضابطاً من القوات المسلحة. شاركت الإنقاذ في قتل مليون مواطن في جنوب السودان و نصف مليون مواطن في دارفور، النيل الأزرق وجنوب كردفان حتى تأريخه. هل يُحرك ذلك فينا شيئاً؟ كيف إستوعبنا كل ذلك القتل والإجرام؟ هذه محاولة للفت النظر جنوبا لإستقراء العبر من التجربة والممارسة للحكومة و المعارضة في السياسة الكينية. الدماء الكينية التى سالت في سبعة سبعة وفي ما بعد إنتخابات 2007 خضبتْ الإصلاحات الدستورية وسطرتْ قوانين لحماية الفرد وقيام صحافة حرة. هل الدماءُ التى سآلت وتسيل في السودان تم حقنها بتطوير النظام السياسي والدستوري والقانوني في السودان؟
في الشهور الماضية نفذت الأحزاب الكينية من المعارضة والحكومة نفذت لقاءات جماهيرية مفتوحة هدفها الإستيلاء علي السلطة من جانب المعارضة والمحافظة عليها من جانب الحكومة. شاركت أحزاب المعارضة المسماة بكورد* بإجماع وتنسيق عالي لا تشوبه شائبة مهادنة أو الطواطؤ مع الحكومة. أما تجمع أحزاب الحكومة المسماة بجوبيلي* كانت أيضاً متماسكة من جانبها. في السياسية الكينية الخط الفاصل بين المعارضة والحكومة واضح جداً ليس فيه تداخل بين الأبيض والأسود. كما أن القضايا المُختلف حولها واضحة ومعروفة، قضايا ليست فيها مداهنة أو مراوغة لانها قضايا وطنية تهم الجميع. قد يبدو أن يوم سبعة سبعة القادم هو المعركة الفاصلة بين الكُتلتين. فعلي مدي إسبوع كامل حشد الفريقان كل قوتها وجهودهما لمنازلة قوية في حديقة الحرية (أهورو بارك) يوم الأثنين القادم. ولمزيد من الحشد أعلن كورد أن يوم سبعة سبعة عطلة رسمية للمشاركة في الحشد الجماهيري. وهو بالطبع ليس عطلة رسمية في كينيا بل في تنزانيا لأسباب تاريخية معروفة. هنا تدخلت المحكمة ومنعت كورد من التحريض والدعوة للحشد بطريقة غير قانونية ودستورية وهددت بوقف الحشد الجماهيري إذا شعرت المحكمة بأنه مهددٌ للأمن. في ظل هذا الإحتدام تقف القوات الأمنية الكينية من شرطة وجيش ومخابرات موقف المدافع عن الكتلتين وفي ذات الوقت الحفاظ علي سلامة الإراضي الكينية من هجمات حركة الشباب الصومالية. لقد وضعت الشرطة خمسة عشر الف جندي لحماية الحشد الجماهيري ليوم سبعة سبعة. في ظل هذا الحشد والتوتر إنتشر الخوف والهلع وسط المواطنين من إحتمال وقوع أعمال عنف تُذكِر بما حدث في نهاية عام 2007. تحت هذه العوامل الضاغطة أعلنت الحكومة إنساحبها بدبلوماسية بأنها لم تتقدم بطلب للقاء جماهيري في حديقة الحرية. لن ينتهي زخم الصراع السياسي في كينيا عند نهاية الاحتفال بسبعة سبعة. السبب هو قوة الطرح للقضايا الكينية المتعلقة بإتاحة مزيد من الديمقراطية، محاربة الفساد، قضايا العدالة وتعديل الدستور وهو ما نفتقده في السودان..
نرجع ونلقي نظرة مُقاربة بالأوضاع في السودان. في الشهور الماضية نفذتْ بعض الأحزاب السودانية لقاءات جماهيرية مفتوحة هدفها إسقاط النظام. أتسمت تلك اللقاءات بثلاث سمات الأولي إلاعتقاد أن تلك اللقاءات سوف تؤدي بصورة مباشرة لإسقاط النظام، والثانية أن معظم تلك اللقاءات تمت في العاصمة الخرطوم بإستثناء لقاءات المؤتمر السودانى. أما السمة الثالثة والأخيرة هي أن جميع تلك اللقاءات الجماهيرة، أو بالأصح الندوات، تم تنفيذها بصورة فردية مع وجود تنسيق ضعيف بين الأحزاب لا يتعدي عدم تضارب تواريخ تلك الندوات ومكان إقامتها. المعارضة السودانية بكل أطيافها تحلم بسقوط النظام دون تقديم برنامج الحد الأدنى في الإتفاق علي قضايا الوطن الجوهرية. فهي تعتقد أن فساد الحكومة والقتل والتشريد والنزوح يُعتبر كافيا لخروج المواطن للشارع للمطالبة والمشاركة في إسقاط الحكومة. نعم لقد خرج المواطن بالفعل وسالت دماؤُه إنهاراً ولكنه لم يجد السند والوقفة المطلوبة من أحزاب وحركات المعارضة السودانية مثلما تفعل المعارضة الكينية لجعل يوم سبعة سبعة مناسبة حوار سلمى للدفع بقضايا الوطن في طريق الحل. أما الحكومة فمنذ خطاب الوثبة الشهير فارغ المحتوي والمضمون ظلت في جُحرها تترقب كيف يُقابل خِطابها المُبهم حول الحوار دون تحديد قواعد هذا الحوار والقضايا الجوهرية المطروحة للنقاش. في السودان الحكومة عدو الشعب الأول. والدليل أن الحكومة ضاقت ذرعاً بالحراك السياسي من خلال الندوات وتناول فساد منسوبيها علي وسائل الاعلام الورقية والإلكترونية وإدانة جرائم مليشيات الجنجويد في الخرطوم وفي غرب وجنوب البلاد. في السودان الأمن هو أمن النظام. فقد سعي لإسكات صوت المواطن بشتى السبل. بدات الحملة بسجن بعض قادة الاحزاب السياسية وإرهاب الطلاب في الجامعات بالقتل والسجن والتعذيب وإلغاء تصريح بعض الصحف المناوئة للنظام والتى ركزت مؤخراً علي فساد رموز الإنقاذ من تعدي علي المال العام والتحلل بعد ذلك. توارت الحكومة في جُحر ضيق حتى أن رأس السلطة تواري عن الأنظار بإجازة مرضية دون أن يفتح الله عليه بكلمة واحدة حول أزمة الأوضاع في البلاد. ليس هناك ما تقدمه الحكومة للمواطن السودانى فآثرت عدم المواجهة الخطابية والحوارية مع تفاقم وإستفحال الأزمة الساسية والإقتصادية والأمنية. ماذا تسطيع المعارضة والحكومة السودانية أن تقدم للمواطن نموذجاً يقارب النموذج الكينى لمعالجة قضايا الوطن؟
في السودان يُقتل الناس بالآلاف علي مدي خمسة وعشرين عاما هي عمر نظام الإنقاذ، ماذا قدمت المعارضة والحكومة نزولا لغربة المواطنيين والدماء التى سآلت؟ ماهي القضايا التى تطرحها المعارضة والحكومة للخروج من هذا الإنحدار نحو الدمار والإنهيار الشامل؟ في شهر تسعة من العام الماضي سقط أكثر من مائتي شهيد في مدن مختلفة في السودان للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية. لم يجدوا التقدير بالدفع بقضايا المواطن الي طاولة الحوار المسؤول والجاد، بل كانت وثبات وهمية. لقد جعل الكينيين من يوم سبعة سبعة مرجعية تاريخية للمطالبة بمزيد من الحقوق الديمقراطية والإصلاحات القضائية والدستورية ومحاربة الفساد والإتفاق علي حماية أمن كينيا وليس أمن كورد او جوبيلي. نعم لقد سبقنا الكينيين بإنتفاضات شعبية في ستة أربعة من عام 85 وفي واحد و عشرين عشرة من عام 64 ولكن أصبحت شعارات نتغنى بها في الإغانى الوطنية لم نستطيع ترجمتها لواقع ديمقراطي وقوانين و دساتير لبناء دولة السودان..
_______________________________________________________________________________________________________________________________________________
*سبعة سبعة: المعنى واضح للتسمية باللغة السواحلية والعربية والمقصود تاريخ يوم سبعة من شهر سبعة من عام 1990، يوم تاريخي في نضال الشعب الكينى من أجل الحرية والديمقراطية. في ذلك اليوم إنتفض الشعب الكينى ضد ديكتاتورية دانيال آراب موي وسياسية حزبه كانو. راح ضحية تلك الإحتجاجات العشرات برصاص الشرطة. لكنها كانت فاتحة وبداية للتغيير سياسي جذري في كينيا. مكتسبات ذلك اليوم في كينيا هي دستور جديد، صحافة حرة، كفالة حق التعبير، تحديد الفترة الرئاسية، وتعديلات في القوانين القضائية لضمان حرية الفرد. أما التاريخ ذات نفسه فقد كان حدثا مهما بإتحاد زنجبار مع تانجانيقا وتكوين دولة تنزانيا تحت قيادة حزب تانو أو الإتحاد الوطنى الإفريقي لتانجانيقا. سبعة سبعة عطلة رسمية في تنزانيا وبداية لمعرض دار السلام الدولي ولكنه ليس عطلة رسمية في كينيا وهو ما أصبح جدل سياسي قبل الاحتفال بالمناسبة في 2014.
*كورد (تجمع الإصلاح والديمقراطية) وهي الكتلة المعارضة بقيادة رائلا أودينقا، رئيس الوزراء السابق، وكولونزو موسويوكا وينضوي تحت التجمع أربعة عشر حزبا. ويطالب كورد بالجلوس مع الكتلة المعارضة الحاكمة في حوار مباشر حول سبعة قضايا أساسية هي: المشاركة والوحدة الوطنية، العملية الانتخابيه وحيادية اللجنة الإنتخابيه، إعادة بناء الإدارة الإقليمية توزيع عائدات الدولة، الفساد، الامن الوطنى، الأوضاع المعيشية والإستلاف غير المسؤول وأخيرا التظلمات التأريخية وتقرير لجنة المصالحة والعدالة. وكان كورد قد خسر الإنتخابات الإخيرة بفارق ضئيل جدا عن كتلة الجوبيلي مما دعاه بالتشكيك في نزاهة العملية الإنتخابية. هذه الخسارة هي الدافع الرئيسي لدعوة كورد للحوار للمشاركة في السلطة وهو ما ترفضه الكتلة الأخري.
*جوبيلي: تجمع الجوبيلي بقيادة أُوهورو كنياتا و وليام رُوتو ويتكون من أربعة أحزاب. توسع التجمع بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة بعقد إتفاقية مع ستة أحزاب أخري لترفع من قوته البرلمانية ومجلس الشيوخ بمشاركة من نواب الاحزاب الجديدة. يجد التجمع سندا من احزاب أخري خارج البرلمان يفوه عددها العشرة. يعرض الحزب دعوة كورد مشاركته الحكم او الجلوس لحوار خارج الأطر المؤسسية. تواجه قادة التجمع دعوي المحكمة الجنائية للجرائم التى إرتكبت عقب إنتخابات 2007. ويعتبر هذا الموضوع ورقة ضغط يمارسها كورد علي الجوبيلي.
|
|
|
|
|
|