|
ساهموا ليكون طريق الموت درباً للسلامة
|
أسابيع أو أيام ويتم توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة والحركة الشعبية. هذا السلام الذي ينتظره كل أبناء السودان ليكون بداية عهد جديد ونهاية للجرح النازف في خاصرة الوطن الذي ظل ينزف عشرين عاماً. وفي نظرة سريعة على مجمل الأحداث نجد أن الأمور تسير في اتجاه تعليق كل أسباب البلايا والمشاكل في عنق جهة واحدة فالشرق أتى والجنوب والغرب والكل يمد يده نحو الشمال ويطالب باسترداد حقوقه وكأن الشمال جنة الله في الأرض. عند مطالعتي للكتاب الأسود مثلاً لا حصراً وجدت العجب من الإحصائيات عن الوزارات ومن تولاها منذ الاستقلال، وعصارة ما يريد الكتاب قوله هو أن أبناء الولاية احتكروا (الاستزوار)، منذ عرفت دولة السودان، وكان الأحرى بالأخوة الأفاضل الذين قاموا بهذا الجهد أن يبحثوا أيضاً في ماذا استفادت هذه الولاية من تولي أبناءها هذه الوزارات وهذا السؤال يكفي. أذكر وقبل أكثر من ثلاثين عاماً شعارا يقول (ساهموا ليكون طريق الموت درباً للسلامة) والمقصود به طريق وادي حلفا- دنقلا حيث شكلت لجنة لجمع التبرعات لهذا الطريق بعد مقتل مجموعة من رجال الشرطة المرافقين للرئيس نميري في حادث مؤلم، وكالعادة اختفى الشعار واختفى من كان وراءه وما زال الطريق درباً للموت لا درباً للسلامة. ولنا أن نتأمل حال ولاية عاجزة في تشييد طريق واحد منذ ثلاثين عاماً. وكذا كل مرافق الولاية الصحية (لا يوجد بالولاية مستشفى يمكن إجراء عملية زائدة فيه) و التعليمية، وهنا أذكر من باب الدلالة أولاً ومن باب الطرفة ثانياً أن محافظة وادي حلفا كانت تعتمد في فترة من الفترات في صرف رواتب المعلمين من عائدات رسوم تفرض على الإبل الصادرة الى مصر، في نفس الوقت كانت المحافظة تتخذ من الآية (سنعيدها سيرتها الأولى) كشعار لها، المهم أن أحد المعلمين ذهب لصرف راتبه ولم يجده وقال لهم إستبدلوا هذه الآية بالأخرى (وانظر الى الإبل كيف خلقت). وحتى لا يقول البعض أنني أقصد بالشمال الولاية الشمالية الحالية أقول عن الشقيقة الأخرى نهر النيل، التي يكفيها فخراً أن تكون مدينة عطبرة من بين مدنها، عطبرة مدينة الحديد والنار واكبر المدن العمالية، انطفأت نارها بتقادم ضربات المعاول على رأس عمالها، ورغم كل هذا فان نهر النيل أوفر حظاً من سابقتها على الأقل لديها طريق واحد معبّد. والشمالية الكبرى كل مدنها وقراها تتشابه في البؤس فاذا قاد أحدكم القدر في رحلة للشمالية عبر ما يسمى بشريان الشمال (الذي يتلوى كالثعبان في صحراء الشمالية كما وصف بوش الجدار العازل)، فليلق نظرة على القرى في مناطق المحس والسكوت فلن يجد من يرد التحية لخلوها من السكان، حينها ستعلم مدى الظلم الذي وقع على هذه الولاية، حيث تجد قرى بأكملها وقد هجرها أهلها بعد أن ضاق بهم العيش بين فكين (النهر والجبل). الولاية التي من المفترض أن تعتمد على الزراعة في اعاشة أهلها، فشلت فيها كل السياسات الزراعية وسياسة توطين القمح، وأجهز البنك الزراعي على البقية الباقية من نظم وسياسات. حيث يقوم البنك بإقراض المزارع قرضاً وبفوائد عالية بضمان مزارع آخر، يفشل الأول في السداد ليطاردهما البنك، فاسألوا عن كم من المزارعين التجأوا الى الخرطوم أو غيرها هرباً من البنك وكم منهم في الحراسات. أما المشاريع الزراعية الكبرى فأستحي الحديث عنها لأنه أصلاً لا توجد مشاريع. ان الانسان عدو ما يجهل، وأشقاؤنا في كل بقاع السودان-وبالأسف- يجهلون حال الشمالية تماماً، ولا أدري متى يتصدى أبناء الولاية لأكذوبة الجنة التي يعتقدونها. ويكفي أن كثير من أهل السودان ان لم يكن جميعهم كانوا يتفرجون وجزء عزيز من أرضه وحضارة عمرها آلاف السنين تقتطع وينتزع أهلها انتزاعاً، لم تجد أرض النوبة من يقول لا حتى ابتلعتها المياه بسبب جهل الدكتاتور ولا مبالاة شعبه. فقد كانت مدينة حلفا (وأنا لست منها) عروس على خاصرة النيل لم تصل أي مدينة في السودان (حتى الخرطوم) لمستوى رقيها وجمالها، غرقت ولم يشفع لها كل ذلك الجمال بينما تتحارب الدول سنين عددا من أجل شبر واحد، فما بالكم في أرض كل تلك الحضارة. والحديث عن الشمال وحاله يحتاج الى مجلدات ولا يسع الوقت للتطرق اليه، ولذلك نعود الى موضوعنا الذي قد يحتل يوماً صدر صفحات كل الصحف بعد أن يتم تقسيم الكعكة وأهل الشمالية هم فقط الغائبون من مائدة التقسيم (وفد الحكومة لا يمثل أبناء الولاية الشمالية) وسيأتي اليوم الذي يبحثون فيه عن (الكل يبكي فمن سرق الدجاجة). وحديثي في الختام لأبناء الولاية الشمالية الكبرى، اسمعوا واعوا، من مات فات، فلنأخذ العبرة وأرجو ان لا يكون جزاؤكم أنكم لم تحملوا السلاح يوماً إلا دفاعاً عن كل الوطن، وحمل السلاح أسهل وآخر ما يمكن اللجوء اليه.
فؤاد حسن إبراهيم جامعة الخرطوم
|
|
|
|
|
|