|
زيارة جديدة للتاريخ في ذكري الاستقلال
|
إن السعي لنيل الحرية وتحقق الاعتراف ودفع الظلم من العوامل الأساسية لإشعال الثورة داخل أي إنسان ، فما نعيشه هذه الأيام من ذكرة عطرة ما هو إلا نتاج لهذا السعي والجهاد والنضال من أجل الحرية وتحقيق الاعتراف ولكي يكون السودان حراًً مستقلاً ووطنا لجميع أبناءه ، فالتحية لكل المناضلين الشرفاء الذين قدموا أنفسهم رخيصة من أجل أن تتحقق تلك الأهداف ، التحية لشهداء كرري وأم دبيكرات وهم كالأسود الضارية في خط الدفاع الأول في وجه الحملة الأنجلو – مصرية الهادفة لتقويض الاستقلال الأول الذي تحقق بكفاح ونضال صادق خاضه الأباء والأجداد بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي ، فالتحية للخليفة عبد الله ورفاقه وهم يدافعون حتي الموت من أجل الحفاظ علي ذلك الاستقلال وعندما أحسوا بأن المعركة لا تسير لصالحهم بفضل التفوق العسكري للغزاة قال الخليفة عبد الله قولته الشهيرة فالتسقط الدولة ولتبقي الفكرة والدعوة وحقاً بقيت جذوة الثورة حية في كل أرجاء الوطن فكانت ثورة ود حبوبه وكانت ثورة علي دينار وكانت ثورة اللواء البيض بقيادة البطل علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ ، التحية لهم جميعاً وهم يتكيفون مع أعمال المقاومة حسب ما تمليه عليهم ظروفهم ولغة عصرهم فكان مؤتمر الخريجين استجابة حقيقية ووسيلة علمية وعصرية فاعلة في مقاومة المحتل ونيل الحقوق كما كان أقوي صرخة سودانية ضد سياسة المناطق المقفولة وضد فصل شقي الوطن ومن بعده كانت خطوة تكوين الأحزاب السياسية التي سارة في ذات الاتجاه ألا وهو تحقيق الاستقلال وطرد المحتل كما كان مؤتمر جوبا الذي انتهت بنهايته سياسة المناطق المقفولة ورفعت بنهايته الحواجز التي كانت حائلاً دون التواصل بين شقي الوطن ، أن التاريخ قد حفظ لنا وحدثنا كثيرا عن البطولات وأعمال المقاومة شرقاً وغرباً ووسطاً ولكنه لم يحدثنا بذات القدر عما كان يدور في الجنوب من أعمال مقاومة للمحتل ، هذا التكتم والغموض والإغماض في الحق الذي استمر حتي بعد رحيل المستعمر وقد أر دفناه بمظالم أخري قد كلفنا كثيراً وحال دون تحقيق الدولة القومية المحققة لمقولة السودان للسودانيين كما حال دون بناء ما ظللنا نحلم ونتغني به من وطن للسلم أجنحته وطن ضد الحرب أسلحته وطن حدادي مدادي وطن خير ديمقراطي ، وفي المقابل جعل من الثورة في الجنوب أمراً مشروعاً بل مطلوب فكما سبقت الإشارة إلي أن نيل الحرية والاعتراف ودفع الظلم دوافع أساسية وشرعية لقيام الثورة . ومع تباشير بزوغ فجر جديد تبغي الضرورة ملحة لقيامنا بزيارات متعاقبة للتاريخ لا لمحاكمته والوقوف في حدود التلاوم ولعن من كان السبب فهذا أمر لا يجدي نفعاً الزيارات ضرورية للوقوف علي الأخطاء الجسيمة التي أوردتنا كل هذه المهالك ، لنقوم بتسليط الضؤ عليها لتصحيحها وقبل أن أسترسل طويلا ونحن في رحاب ذكري الاستقلال دعونا نكتشف ونحي رموزاً من أبطال المقاومة في الجنوب نحن كجيل لم نعش تلك الفترة ولم يحدثنا التاريخ عنهم فالتحية للبطل والمناضل ماين ماثيانق الذي قاد لواء المقاومة من رمبيك فنظم صفوف رجاله وحرضهم علي عدم دفع الضرائب وعلي عدم الخضوع والإذلال للمستعمر وعدم تنفيذ الأوامر في العمل وحرضهم علي حرق الاستراحات واستمرت مقاومتهم حتي توجوها بقتل الميجر باربور الذي حاول رفع العلم البريطاني في سماء رمبيك فكانت نهايته ، والتحية للبطل المناضل الملك بودوي باسنقبي الذي ظل يقاوم كل الغزاة حتي الموت والتحية للمناضل البطل الملك أكوي شاي الذي ظل يقاوم المحتل الأنجلو – مصري حتي وفاته عام 1920 ، هذا غيض من فيض من أبطال ورموز المقاومة للمحتل في جنوب الوطن وما أكثر الثورات التي قامت في ذلك الجزء من الوطن وكلها كانت ضد المستعمر فالتحية لهم جميعا ً . إن مراجعتنا وزيارتنا للتاريخ لا بد من أن تكون عميقة وشاملة وعلينا أن ندرك أن أمر مراجعة مسيرة أي شعب من الشعوب ليس بالأمر الهين وتحتاج إلي جهد كبير وإرادة قوية وصادقة وتحتاج إلي نقد للذات يصل لحد جلدها أحيانا كما تحتاج إلي الصبر وتفهم من كل الأطراف لأن عملية إحداث نقلة وتحول في مسار شعب بكامله ليس بأمر يسير ولا هو بالأمر الذي يتم بكبسة ذر فالتراكم الذي خلق هذه الإشكاليات جذوره بعيده ومنها ما هو " بأيدينا ومنها ما هو بيد عمر" . وفي ضؤ ما يجري من مباحثات السلام بنيفاشا والتي تتبحلق حولها كل الأنظار لرؤية ذلك المولود الجديد الذي يتمخض عنها رغم كل المخاوف والمحاذير المبررة وغير المبررة والتي تشير إلي أنه قد يولد غير كامل نقول أن الذي يضمن له والولادة الطبيعية وصولاً لمبتغاه هو أولاً بعد كل الأطراف بما فيها الجالسة علي طاولت التفاوض من المزايدة السياسية والحسابات الضيقة القائمة علي الربح والخسارة بمعناها الحزبي الضيق لان ذلك أمر يفسد كل شيء ويجعل من الصعوبة تصحيح ما قد يشوب الاتفاق من نواقص كما يجعلنا ندور في ذات دائرة السلطة ولاشيء غير السلطة ، كما أننا بحاجة ماسة لوقف الاستقطاب السياسي في الفترة القادمة حيث أننا ظلننا ولخمسين عاماً مضت في هذا السباق السياسي والأيديولوجي الذي لم يوصلنا إلي إي نتيجة إيجابية فالنخفض قليلاً هاذين الصوتين السياسي والرصاصي فنحن بلد متعدد الثقافات والأعراق والأديان ونحتاج إلي متخصصين مهرة في الهندسة الاجتماعية حتى نتمكن من بناء أسس للتعامل المشترك الذي لا يقوم إلا علي دراسة متعمقة لتركيبة الشخصية السودانية ومن ثم العمل علي معالجة عللها ليتثني وضح أسس علمية وواضحة ليقوم عليها السلام والتعايش الحقيقي ، وكلنا يدرك أن الضمان الحقيقي للسلام ليس وقف إطلاق النار واقتسام الثروة والسلطة فقط بل الضمان هو السلام الاجتماعي والتعايش السلمي وهذا أمر لا يتحقق إلا بالأخذ بالأسباب وإتباع الأسس الصحية والممارسة الفعلية وهو ما علينا البدء به وهذا لا يتم من خلال كتاباتنا علي الإنترنت رغم أهميتها بل يتطلب منا تنظيم صفوفنا لنتحرك بشكل حقيقي وجدي كلاً حسب ما يستطيع وأخص بذلك الذين نالوا قسطاً من التعليم والان متفرقين في كل بقاع العالم ها نحن علي وشك الدخول في مرحلة جديدة لبناء الثقة ومحاولة التعايش التي يكون للجانب الإنساني العمل الطوعي دور كبير فيها لإزالة الآثار والجراح المعنوية والمادية للحرب فهلا بدأنا . ولنا عودة
قسم الله عوض إسماعيل / ليبيا / طرابلس
|
|
|
|
|
|