|
زول؟ والنعم.. د.حسين حسن حسين
|
زول؟ والنعم.. د.حسين حسن حسين كثيرون منا تستفزهم كلمة زول؛ لأنهم يظنونها مسبة ومنقصة، ويرون أن قائلها إنما يريد أن ينال منهم.. ومع أن هذه الكلمة تتداولها شعوب عربية غير الشعب السوداني إلا أنها التصقت به، وصارت ماركة مسجلة تدل عليه. وحيرت الكلمة الناس فلجؤوا إلى أهل اللغة يستفتونهم، وقد استفيت عمنا جوجل الذي أحالني إلى ابن منظور، الذي قال في معجمه العتيق "لسان العرب": إن كلمة زول من فصيح العربية ولها أكثر من سبعة عشر معنى، واختصرها معتذراً له في الآتي: الكريم الجواد، والخفيف الحركات، والفتى، والعجب، والشجاع الذي يتزايل الناس من شجاعته، والخفيف الظريف الذي يعجب الناس من ظرفه، والغلام الظريف، والداهية، والصقر، ومعالجة الأمر كالمزاولة، والتظرف، والحركة، والزولة: المرأة الظريفة، والمرأة البرزة (الجميلة) الفطنة الذكية، والفتية من الإبل أو النساء، ويقولون فلان رامي الزوائل. ويقال للفتى: زول، وللفتاة: زولة، وللفتية: أزوال، وللفتيات: زولات، وللنسوة: زوائل. هذا ما كان من أمر ابن منظور، أما صديقي الشاعر صلاح الغول فقد ألقم من استنكر عليه مناداته له: "يا زول" حجراً، حتى ندم الرجل على فعلته أشد الندم، وتمنى أن يكون زولاً. والقصة أن صديقنا صلاح الغول تحدث مع أحد الإخوة العرب هاتفياً، وقال له: نعم يازول؟. فاستاء الرجل، ورد عليه: تقول لي زول؟ شايفني لافي بتاعة علي دماغي؟ والبتاعة تعني العمامة، ولم يقل بها ابن منظور، فكان استياء الشاعر أشد من هذا الرد، الذي جاء بالأداة التي يجيدها، وهي الشعر، قائلاً: أنا الغلطان تقول لي زول؟! بقول ليك زول مالو الزول؟ انت بتعرف إيه للزول ؟ سخيف وجهول كمان زعلان خلاص يا سيدي أنا غلطان شطحت وكنت فاكرك زول زول الماهو عاجبك ده الله الخلقو خلقو كده سمرة لونو من لون طينو يبقى الفرق بينك وبينو إنو نضيف.. وأبيض قلبو عارف قدرو.. شاكر ربو ساتر عرضو ماسك دينو والقصيدة مترعة بالمعاني الجميلة التي لا تبالغ في وصف الإنسان السوداني، ولكنها تحاول أن تبرز بعض صفاته الجميلة، وهي أكثر من أن يعددها شعراء الأرض بكل لغاتها إذا اجتمعوا. ما جعلني أتطرق إلى موضوع الزول أنني وجدت أن الكلمة لها مدلولات إيجابية لدى معظم الإخوة العرب الذين ينادون السوداني بهذه الكلمة، ولكن بعضنا يتحسس، ولا يرضى أن يناديه أحد من الأعراب بزول. ولشقيقي محمد رد لطيف على من يناديه يا ابن النيل، إذ يقول له بلكنته الشبراوية (نسبة إلى شبرا القاهرة): هو أنت شايفني سمكة؟ ولمست إيجابية كلمة "زول" في كثير من المواقف، فإذا تخيرك أحدهم من بين أقوام مختلفة يكفي أن يقول: يا زول، لتكون أنت المعني دون غيرك، في حين أن السائد في السعودية المناداة "يا محمد"، ولعل مرد ذلك إلى أن الشعب البنغالي كله يتسمى بهذا الاسم، فانسحب ذلك على كل الأجانب ما عدا السوداني، الذي ينادى "يا زول". وفي ظل اشتداد الحملة على المخالفين للأنظمة في السعودية وجدت أكثر من عسكري يسألني سؤالاً واحداً: زول؟ بصيغة الاستفهام، فعندما أجيب بالإيجاب يكون الرد: والنعم، مع ابتسامة عريضة، وهناك من يريد الإطالة في الحديث في إطار من المحبة والتلطف، ويكون الزول محور الحديث.. لأنهم على الرغم من طول معاشرة السودانيين إلا أن الكلمة لا تزال محيرة لهم.. وهناك من يظنها أعجمية، وليته سأل عمنا جوجل ليأتيه بالخبر اليقين، ولكنه الاستسهال. والعجب أنني اليوم نسيت الحافظة بما حوت من أوراق ثبوتية، وبعد أن اكتشفت الأمر بعد قطع مسافة كبيرة ترددت وأنا أسأل نفسي: هل أعود إلى البيت لكي أكون في مأمن أم أواصل وربك الستار، وخصوصاً أن المنطقة التي أتوجه إليها تستوجب إبراز إثبات الشخصية، وفي الآخر حسمت التردد بتفكير الزول: يا غرق يا جيت حازمة.. وعندما وصلت إلى نقطة التفتيش وأردت أن أحدد وجهتي للعسكري، قال بلطف: زول؟ هززت رأسي، وأنا أقول: نعم.. فقال ملاطفاً: آي.. ثم أضاف: والنعم.. هلا وغلا.. فكان علي أن أشكره وأمضي منتشياً بجواز مروري: زول.. وهذا ما يجعلني أقول لكل الذين يتحسسون من هذه الكلمة: افخروا بأن جعلكم الله أزوالاً.. لأن الزول –حسب شاعرنا الغول: لا فتان.. و لا خوان أخو أخوان بكفي الألف والألفين من الضيفان ولو اضطر يرهن ولدو وان ما كفى باع بيت أهلو والجيران ... ويكفي الزول ويكفيني إني وإنو سوداني
[email protected]
|
|
|
|
|
|