|
زمن الاقزام .. لا بد ان ينتهي بقلم فتحي كليب
|
قبحت يا زمن الأقزام من زمن، وقبحت قيمُ الأقزام من قيم، بكل ارض أرى قزما يطاولني، ما اكبر الفرقَ بين الطول والقزم. هذه الابيات تلخص حال بعض الانتهازيين الذين يميلون شمالا ويمينا تحقيقا لغاياتهم الخاصة احيانا او لغايات اسياد من خلف الحدود. في تاريخ الشعوب الكثير من هذه الحالات التي وان بدت مناضلة وشريفة، لكنها في داخلها وفي تفاصيل حياتها اليومية سموم تنثر هنا وهناك.. تعيش حياة الترف في فنادق خمسة نجوم وتتحدث عن المقاومة وعن الشعب الفلسطيني في غزة، وهذا ليس بالامر الغريب.. فتاريخ النضال الفلسطيني يحفل بمثل هذه الحالات الانتهازية المتسلقة التي تطل برأسها بين الحين والآخر.. واحد هذه الحالات مصطفى اللدّاوي وبعض من اخوانه، الذين لا هم لهم، الا اصطناع صراعات متنقلة هنا وهناك بهدف التغطية على عجز يظنون ان بامكانهم اخفاء معالمه تطبيقا لمقولة "افضل وسيلة للدفاع هي الهجوم".. كما ان التاريخ ايضا يحفل بعمالقة قدموا لشعبهم الكثير، وتاريخ الشعب الفلسطيني حافل بالكثير من القامات التي كان لها شرف النضال وقيادة شعبها بما مكنّهم جميعا من اعادة القضية الفلسطينية الى الخارطة الدولية بعد ان ضاعت في ادراج النسيان نتيجة السياسات التحالفية والتآمرية التي سلكها اخوان اللدواي واسياده منذ عشرينات القرن الماضي ولا زالت هذه السياسة ذاتها اليوم.. الكبار ليسوا بحاجة لشهادات، فتاريخهم ونضالهم هي الشهادة، واسمهم اكبر من ان يتحدث عنه احد.. اما الصغار من اولئك القوم الذين يستسهلون التطاول علي شرفاء وقادة الشعب الفلسطيني فهم ليسوا سوى حثالة اعتادت ان تقتات على ما ترميه لهم التكتلات الاقليمية.. وكل ذلك باسم "النضال الوطني من اجل الشعب والقضية".. فكم انت مظلوم ايها النضال عندما ترتكب باسمك كل اشكال المقامرة والمغامرة .. بل كم من الخطايا والكبائر ارتكبت ولا زالت ترتكب باسمك من اناس ما زالوا يخدعون الشعب بشعارات اصبحت مكشوفة ومعروفة.. ليس مفاجئا ان يحاول السيد لدّاوي التطاول على احد عمالقة الشعب الفلسطيني نايف حواتمة، وهو اكبر من ان نضعه في مستوى غلمان لا هم لهم في الحياة الا الهدم .. لكن رغم ذلك، كلمات قليلة ربما لم يسمعها والارجح لم يقرأها السيد لدواي ليتعرف على شخصية وتاريخ نايف حواتمة. وان قرأ التاريخ فبالتأكيد قرأ بعين واحدة .. فيما العين الثانية تقرأ قرارات وفرمانات اسياد من خلف المحيطات.. نايف حواتمة هو رائد المشروع الوطني الفلسطيني التحرري ... صاحب المبادرات الوطنية الشجاعة .. رائد الفكر الوحدوي .. الامين المؤتمن على تراث شعبه ونضاله .. هو ايضا احد ابرز قادة الرعيل الأول في الثورة الفلسطينية المعاصرة، وفي منظمة التحرير الفلسطينية واحد الذين صنعوا مجداً للشعب الفلسطيني.. عندما نتكلم عنه فنحن نتكلم عن قائد تاريخي ومناضل عنيد، عن إنسان ومثقف ومفكر، عن رائد للفكر اليساري الوطني الفلسطيني والعربي.. هو المناضل المشدود في وجدانه إلى التراث الثوري والوحدوي، الذي يختصر في شخصه قصة شعب مناضل... فكان خير معبر عن طموحات وآمال الشعب الفلسطيني. هو الشخصية الوطنية الواعية والصادقة، الذي ينطلق دائما من الحرص على القضية الفلسطينية والوحدة الوطنية، عن حقيقة نعتز ونفتخر بها في الساحة الفلسطينية، شخصية مبادرة تقدم الحلول العلمية لجميع القضايا المستجدة في الساحة الفلسطينية. هذا هو نايف حواتمة وهذه هي سياسته المعروفة لكل ابناء الشعب الفلسطيني.. فالجبهة الديمقراطية فصيل معروف بوطنيته الخالصة ومنفتح على جميع التيارات حتى تلك التي ينتمي اليها لدّاوي.. بل نحن من بادر الى دعوة الجميع لنقاش تجربتنا النضالية الغنية بهدف الاستفادة من دروسها والبناء عليها عبر مجموعة من ورش العمل في قطاع غزه والضفة وفي سوريا ولبنان .. لكن بالمقابل، ولاجل الموضوعية في الطرح.. فمن غير المنطقي ان نسمع دروسا في الوطنية من قبل من هو غارق حتى اخمص قدميه في العمالة.. والعمالة هنا ليست عمالة افراد بل تيارات وجماعات، وفي ابسط تعريف لها ان يعمل المرء لمصلحة دولة اخرى ويقدم الولاء لها على الولاء لشعبه ووطنه. بهذا المعنى لا نحتاج لكثير عناء كي نثبت علاقة لدّاوي واخوانه بهذه الدولة او تلك والعمل لمصلحتها واحيانا كثيرة نقيضا لمصلحة الشعب الفلسطيني.. والامثلة على ذلك كثيرة: غضب الاستاذ لدّاوي من كلام الرفيق نايف حواتمة في تقييمه لمشروع حركة حماس والاخوان المسلمين.. جيد، ولدّاوي حين تحدث، هل نطق باعتباره فلسطينيا ام جندي في طابور الاخوان المسلمين ..اذا تعالوا معا نقلب صفحات التاريخ، لعل فيه عبرة: لماذا لم نسمع الاستاذ لداوي ينتقد تركيا وعلاقاتها الوثيقة مثلا باسرائيل، بل على العكس من ذلك، هو واخوانه يعتبرون تركيا الداعم الاكبر للشعب الفلسطيني، ولماذا ايضا لم يتحدث عن علاقة بعض الحلفاء من العرب وعلاقتهم، السرية والعلنية، باسرائيل؟ ان ينتمي الى الاخوان المسلمين، وان يفاخر بالانتماء اليهم، فهذا شأنه، لكن ايضا من حقنا ان ننتقد موقف الاخوان المسلمين من قضايا كثيرة متعلقة بالقضية الفلسطينية.. لكننا ايضا لم نسمع صاحبنا وصحبه ينتقدون خطيئة الرئيس الاخواني المخلوع محمد مرسي عندما خاطب مهنئا الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس بقوله "صديقي العزيز" متمنيا الامن والاستقرار للشعب الاسرائيلي. ايضا المواقف الخطرة التي عبر عنها القيادي الاخواني محمد البلتاجي في مراجعته لاسباب هجرة اليهود من مصر خلال فترة الخمسينات محملا المسؤولية للرئيس الراحل القائد جمال عبد الناصر.. وفي هذا نسف للاساس التاريخي الذي بنيت عليه الرواية الفلسطينية لاسباب وجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتحميل اسرائيل المسؤولية عن ذلك، وان التاريخ لم يثبت، حتى الآن، ان هناك مسؤولية عربية عن هجرة اليهود الى فلسطين، بل ان هذه الهجرة كانت طوعية واحيانا في اطار مشاريع رسمتها الصهيونية العالمية لتبرير هجرة اليهود الى فلسطين.. بهذا المعنى فان كلام السيد البلتاجي، حليف السيد لدّاوي، لا يختلف بشيء عن الكلام الذي ساقته اسرائيل منذ العام 1948 وحتى اليوم، وعاد بنيامين نتنياهو وكرره مؤخرا بطرحه مشروع التبادلية بين اللاجئين الفلسطينيين واليهود.. هذا الكلام الذي طرحته حركة الاخوان كجسر عبور لاسترضاء الادارة الاميركية وباعتباره وثيقة السفر المطلوبة لاعتمادها كبديل عن الانظمة العربية السابقة. ايضا بما له علاقة بموقف الاخوان من اتفاقية كامب ديفيد ووجود السفير الاسرائيلي في القاهرة، فقد انقلب الموقف من شعار "اول مطلب للجماهير، غلق سفارة وطرد سفير .. الى اعتبار ان مصر يجب ان تحترم تعهداتها وان واجب المسلمين حماية السفارة واركانها.. ايضا لم نسمع صوت لدّاوي يزغرد تعبيرا عن وطنيته.. ان مفهوم الدولة الدينية من اي جهة كانت، هو بكل تأكيد الغاء للدولة الوطنية. وهذا نقاش فكري وسياسي تتبناه جميع الحركات السياسية الديمقراطية واليسارية العربية. وعندما يغضب السيد لدّاوي من وصف الامين العام الرفيق نايف حواتمة بأن " المشروع الاخواني يتلاقى ويتقاطع مع المشروع الاسرائيلي من حيث مسخ الهوية الوطنية، وعدم الاعتراف بالكيانات الوطنية والعروبة والقومية"، فهذا يعني ان صاحبنا يدافع عن مشروع لا يعرف تفاصيله، وهنا الطامة الكبرى.. اذا كان السيد لدّاوي واخوانه يبررون استخدام العنف في حل الخلافات الداخلية، كما هو حاصل اليوم في مصر وليبيا وكما حصل سابقا في قطاع غزة، فنحن لسنا من هؤلاء القوم الذين يبررون قتل ابناء شعبهم لمجرد الاختلاف السياسي، مهما كان حجمه، وبماذا يختلف اصحاب هذا الفكر عن ذلك الفكر التكفيري المتطرف الذي يغزو منطقتنا؟ اذا كان الاخوة في حماس يتفقون مع الرفيق نايف حواتمة بان المستفيد الوحيد من الانقسام الفلسطيني مثلا هو الاحتلال الاسرائيلي، وقد ورد هذا الكلام على لسان اكثر من قيادي في الحركة، فلماذا يغضب صاحبنا عندما يقول الامين العام الرفيق نايف حواتمة ان "جماعة الاخوان المسلمين وحركة حماس قادتا مشروعا انقساميا في البلدان العربية وفلسطين، خدم التوجهات الاسرائيلية". الا اذا كان بعضهم يرى مكاسب كبيرة في استمرار الانقسام الفلسطيني والعربي!! لماذا ولماذا .. هذا غيض من فيض.. اسئلة كثيرة نعرف اننا لسنا اول من يطرحها في ساحتنا، لكننا نطرحها من زاوية التذكير فقط بأن لغة الشتائم والسباب في نقاش قضايا سياسية كبرى لا يمكن ان تسيء الا لاصحابها، ونحن سنبقى، كما كنا منذ نشأتنا قبل خمسة واربعين عاما رواد وحدة وطنية حقيقية بعيدة عن المحاور الاقليمية نقدم مصلحة الشعب الفلسطيني على ما عداها من مصالح اقليمية ودولية.. رغم ذلك، ستبقى جبهتنا الديمقراطية وامينها العام الرفيق نايف حواتمة، على الدوام الأحرص على الوحدة قولاً وممارسة, فلم ولن تحد يوماً عن برنامج القواسم المشتركة, ولم ولن تنضوي في أي من التحالفات الفئوية أو المحورية, على حساب الكل الفلسطيني الجامع. وإصرارنا هو دائما على الالتزام بمصالح شعبنا الوطنية وعدم استعدادنا للانخراط في محاور إقليمية ودولية, وفي ظل محورية المال السياسي والنفوذ الجيو ـ سياسي والجيو ـ جغرافي.. ان اتكائنا هو على تاريخنا الكفاحي المجيد وتضحيات شهدائنا العظام والثقة المتفائلة بقدرات شعبنا وصبر مناضلينا وانتمائنا لمدرسة النقد ونقد برامج العمل بما يعنيه ذلك من حيوية فائقة ونشاطية لدى منظماتنا المنتشرة من الوطن إلى الشتات والاغتراب واندفاعاً للديمقراطية الداخلية التي تجعلنا متفائلين بالمستقبل الذي يليق بتضحيات الشهداء.
|
|
|
|
|
|