رواية سفر الفنجرى بقلم على حمد ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 09:00 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-06-2015, 06:40 PM

على حمد إبراهيم
<aعلى حمد إبراهيم
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 123

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رواية سفر الفنجرى بقلم على حمد ابراهيم

    06:40 PM Mar, 06 2015
    سودانيز أون لاين
    على حمد إبراهيم -
    مكتبتي في سودانيزاونلاين



    إنزوى يحدث نفسه فى ركن قصى من الطائر الفخيم ، يتهادى فى بطء محسوب استعدادا للاقلاع فى رحلة مجهولة العواقب . يطمئن نفسه : هى خطوات كتبها عليه قلم القدرة منذ الأزل. وما يكتبه قلم القدرة يمشى فوق ضهر البحر. زفرة من سويداء قلبه المحتقن. .و تحديقة مبهمة فى الافق البعيد. جبال من السحب الداكنة تتبدى من نافذة الطائر الفخيم ، يتأملها فى استغراق عميق. علها حزينة هى الأخرى من سفره هذا . يرفض الاستسلام لسطوة الشعور بالتيه. أو الاحساس بالحسرة على مجد ضاع : يترك وراءه الخميل الساجى ، ومستودع الخزف الجميل. ويغادر مغاضبا الى البلد البعيد ، يستعصم خلف المسافات الفاجرة و المحيطات المرة ، لا تسقى ماء زلالا لظامئ يتفطره الظمأ .كان شاهدا على الفجيعة لحظة مولدها ، يوم تداعى الخميل الساجى ، يتصايح أهله ، كل فى وجه الآخر : أن إنج سعد ، فقد هلك سعيد. تمضى امام ناظريه فواصل الشريط الدامى ، يوثق بعض إنجازات تتار القرن العشرين التدميرية فى خميل زروق و المحجوب . يمتلئ صدره بغبن مكين . يغمض عينيه كالمغشى عليه من هول الفجيعة . لا يستطيع لنظز فى اللوحة البغيضة. لا يطيق مداومة النظر فى الجراح الصادحة .أو معايشة وجوه تقدح حقدا ساما كما أنثى الكوبرا تقدح . حقدا أعمى يكفى لتسويد كل فسحات الأمل الجميل فى مظان الحياة القصيرة . يتف عن يمينه وعن شماله كما يتف الصالحون فى وجوه الشياطين . تتخطفه الرؤى الحزينة من قريب ، تتمارى فى مخيلته صور الضحايا الذين تساقطوا تلالا غدر بها تتار المحن الجدد وقد حوّموا فى البرية جماعات جماعات ينشرون الدمار والخراب بهمة لا يلحقها العياء. و تاهت ضحاياهم فى البريات الواسعة ، زحموا طرقات فيافى الدياسبورا ومدنها بسحناتهم المميزة على سعتها. قسماتهم المشرقة بالامس علاها الصدأ ، راكمته فوقها صنوف الإذلال و الاهانة والتصغير. احتوتهم باشفاق حنيف. نظرت الى قيمة الانسان فيهم ، احتفت بكسبهم المعرفى وخبراتهم التراكمية ، و قدرتهم على التعزى الآمل . واحتمال الجراحات الموضعية يجترحها فيهم جراحون لا يحسنون حتى الذبح والتجريح . قدمت الدياسبورا لاطفالهم اللقمة التى انتزعها من افواههم تتار القرن العشرين رغبة فى احتلال مواقع آبائهم لتتمكن فيها الفئة الباغية من التتار الجدد ، أو من عشيرتهم الاقربين. الطائر الفخيم يشق عنان السماء بقوة و اقتدار . وهو يشق دياجير صمته وتأملاته بزفرات حرى تنطلق من سويداء القلب من حين لآخر. يبتعد الطائر الفخيم كثيرا عن ربوع البوادى عموم ، يبتعد عن مدينة التراب ، هكذا يقول عنها ابنها القاص الكبير ، يحبها وتحبه بوله صميم . يعمدها و يسميها مدينة التراب فى دعابة عذرية لم يسبقه عليها أحد من جحافل القصاصين . و تعمده هى ، تسميه بالمك . وتضع على رأسه تاجا من الريش الفخيم يليق بميسم المك الكبير ، يتزركش بألوان قزحية مفرطة الدلالة والابانة . يقترب الطائر الفخيم من البلد البعيد ، صارت ملاذا للمضطهدين الخائفين. يستعيد مناظر الشريط الحزين، فيلم هندي تستشرفه مدينة التراب. يحدث نفسه اكثر ، ويتذكر اكثر : طفح سيل الكذب العرمرم بالبيدر . وبلغ الزبى . يتذكر أكاذيب الشيخ العراب يضحك بها على عقول الدهماء ، يعقد قران ابنائهم القتلى على الحور العين قبل الحصول على موافقتهن بعرسان اشباح توسدوا أحراش الجنوب . لا يتراؤون لبعضهم البعض كما هى شروط الاقتران الازلية . عرسان قتلهم الشيخ الكجورالكبير خدعة فى حروبه الجهادية الفالصو. وهاهو يزوجهم خدعة زواجا عرفيا بلا شهود و بلا توكيل بالقبول من العرائس اللائى تعذر الوصول اليهن فى ذلك الزمن الذى لم تنفرط فيه ثورة الاتصالات من عقالها . قضى عليهم الكجور الحرباء فى حروبه الجهادية فى احراش الجنوب .و صنع لهم أكاليل تايوانية من مجد كاذب وسماهم شهداء عنوة و إقتدارا . حتى اذا قضى وطره السياسى منهم عاد واعتبرهم (فطايس) دون أن تختلج عضلة لسانه من حياء. يتذكر حكاية السرداق الكبيرالذى اقامه ذات يوم الشيخ الكجور ينصب به على الدهماء احتفالا بتزويج أحد الشهداء على إحدى الحوريات العين المقيمة فى احدى السماوات العلى . زواج غاب عنه الماذون والشهداء و العريسان السعيدان . زواج لم تجر قبل اتمامه لا استشارة ، ولا استخارة كما جرت بذلك الشرائع والعادات. استفزه تصغيرعقله يومها الى درجة التصفير . و أهانه تماهى مردة النفاق والتدليس مع أكاذيب الكجورالعجوز وهم يعلمون . زادوا قلبه مرضا على مرضه القديم. ضعفت حيلة جميع أهل الديرة المندهشة فى أن يقولوا أن الأمر فيه عجب واستصغار للعقول. كل البرية المحيطة جبنت فى أن تقول أن بغلة الكجورالعراب فى الابريق. بل خرجت تتماهى مع مردة النفاق وترقص معهم الصقرية . يقيم زبانية الشيخ الكجور مهرجانا يقدمون فيه التهانى بمناسبة زواج ابن أحدهم من حورية لا يعرف الوالد اسمها ولا رسمها ولا اسماء نسابته الجدد. ولا السماء التى تقيم فيها العروس الحورية من السموات السبع العلى . تطلق عجوز شمطاء الزغاريد المعربدة ابتهاجا بالزواج المكذوب . حالة فريدة تتدامج فيها الزعاريد المعربدة مع البكاء والعويل. توليف درامى لا يستطيعه أى مخرح حتى و لو اوتى مقدرات مصطفى العقاد . تقلع أم الشهيد برطوشها من رجلها وتنهال على العجوز الشمطاء برطشة فوق تحت وعلى جنب . ويضحك الفراجة على المشهد السينمائى بتلذذ ظاهر . الطائر الفخيم يشق عنان السماء مقتربا اكثر من أم مدن العالم . و مبتعدا اكثر من مدينة التراب التى تهتك فى حبها فى لحظة الفراق الخليل الشاعر العربيد فى حب الاوطان. كان أكثر ما يخيفه أنه لا يعرف الى أين يقوده قدمه المفارق . هو كذلك . لا يدرى الى أين يقوده قدمه المفارق. قالوا دلاس ، قال لا يحب المدينة التى قتلت زين شباب الرؤساء . فى يومه هذا هو مفارق للبوادى عموم . و هو مثل الخليل لا يدرى الى أين يقوده قدمه المفارق ؟ لا يدرى متى يعود . أوهل العودة مرصودة فى دفتر الإياب . يكتفى ، مثل التنى الشاعر، يكتفى بالتضرع بالدعاء أن ترعى العناية وطنه العزيز. يقدمها على نفسه الاكثر حاجة لطلب الرعاية فى الدياسبورا القاسية . ما زال غارقا فى تهويمات نفسه وقد طال به المشوار و تقاذفه الملل والسأم . وتجسر فى وجدانه الشعور باليتم والتيه وقد تراصت بينه وبين البوادى عموم المحيطات الفاجرة. عاد يرن فى اذنه بكاء (أم وليد ) المر، تهيل على رأسها الرماد ، و تنادى بصوت مبحوح على ابنها الصبى وقد حصدته رصاصة قاتلة فى احراش الجنوب ، ذهب اليها مجاهدا غرا دون العشرين . تسأل الأم الثكلى ابنها الفقيد لمن تركها و قد علاها شيب كثيف. تعرف أم وليد أن ابنها لن يحير جوابا على سؤالها الكبير . فاجأتها هى الاخرى مظاهرة مصنوعة قوامها المتبطلون الجائعون من أهل الحى من محترفى التظاهر المصنوع مدفوع القيمة ، يعتاش منه رجال مردوا على النفاق ، يمزقون حلاقيمهم صياحا ونبيحا بلا قضية وبلا لزوم . و نساء محتاجات للمصروف يزغردن بلا طرب غير طرب انتظار المرجو الغائب يأتى من كيس القادرين على الكشكشة بلغة حاج سعيد الصريحة التى لا تعرف المداراة والدوران . يقول هم يريدون مظاهرة مدنكلة ونحن عندنا المستعدون لاخراج المظاهرات المدنكلة حسب المواصفات والمقاييس . كل مطلوب بثمنه . يتذكر الحكاية الطريفة ااتخرى ما زالت دائرة فى ذاكرة الحى القديم . المرأة الهرمة تتقدم من أم أحد قتلى الشيخ الكجور من الذين أنعم عليهم الكجور الكبير بتميمة الشهيد وهى تطلق زغرودة معربدة تبارك بها لأم الشهيد استشهاد فلذة كبدها الوحيد. تقلع ام الشهيد برطوشها من رجلها وتصفع به العجوز الهرمة عدة صفعات قاسية فى وجهها المتهدم . و تتف فى وجهها و تسمعها عبارات نابية . تمسح العجوز الهرمة الاوساخ من وجهها وقد فوجئت برد فعل الأم الحزينة . مضت عنها بعيدا وهى تردد ما يشبه الاعتذار : شن بجيب الضرب و الزعل والدواس . ناس الحيكومة قالوا دايرين زفة عريس . منو البقدر يقول لا لناس الحكومة . كان ما مرقنا فى الزفة الحكومة تضرب . وكان مرقنا ناس الشهيد تضرب . امسكوا ايديكم مننا وامسكوا اولادكم من الحيكومة . خلوهم الماتوا ، امسكوا الباقين . نحن ما جبنا ليهم الموت . الجاب ليهم الموت معروف علّ عينو حارة . ومافى زول بقول ليه بغم.
    اغلقت ام الفقيد عليها بابها . لا تريد ان ترى جحفل المنافقين المردة فى دارها. حاول أن يضحك على طرفة البرطوش . ولكنه لم يستطع . اكتفى بالتبسم الشامت. همس فى سره : ناس تستحق الضرب بالبرطوش . عاد يحادث نفسه : فى سفره هذا هو ليس منسحبا من ميدان المعركة . سيعود عندما يشتد الأوار. سيعود عند لحظة الاقتحام . فى نظر جدته بت وداعة أسوأ الأسفار هو سفر الجفا. سفر الزعل من البوادى عموم . لا ينطبق عليه هذا . ليس مجافيا للبوادى عموم . لا أحد فى كل الديرة يستطيع أن يجافى البوادى عموم . سفر الغبينة هو أقرب التصنيفات . مسافر الغبينة لا ينقطع منه عشم العودة . تطول الغبينة ولكنها لا تدوم . يوم تدول سطوة الباطل تزول الغبينة . وتزول معها اسباب السفر. صديقه حامد العود غادر البوادى عموم مغاضبا . أقسم أن لا يعود اليها الا اذا ازاحت البوادى عموم من على صدرها هذه الصخور ، تهصرها وتكتم انفاسها . وازاحت العيب الكببير. عيب الخنوع و الاستكانة . مثل صديقه حماد العود ، يكره الذين ينحنون أمام اصغر العواصف . يدفنون رؤوسهم فى الرمل حتى لا يرون الخطر المحدق. فتسهل مهمة صياديهم . لا يريد أن يكون نعامة بهكذا غباء. الطائر الفخيم ما زال يشق عنان السماء فى قوة واقتدار . يقترب من أم المدن . و يبتعد من مدينة التراب ، يعشق ترابها وغبارها ، ولا يحب أن ينقضى الأجل بعيدا عنها . يغفر للذين جرّحوا وجدانه ذات يوم وهو. يغالب أوجاع التجريح القاسى لو يستطيع . يغفر لهم استئسادهم عليه .واهتزازهم أمام الجبابرة الطارئون . أسود على المستضعفين من أمثاله ، ونعامات من النعام السارح فى البرية أمام الغير. لا ينسى كيف ذابوا كما تذوب الواح الثلج يوم هجم التتار الجدد على الخميل الجميل وهشموا مستودع خزفه الثمين . غيروا جلودهم مثلما يغيرون ملابسهم حتى لا يأخذهم ريح التتار فى معيته. ذهبت عنتريات الأمس القريب . وركبوا الصافنات الجياد وساروا فى مؤخرة الركب يتلصصون من خجل مفرط . صاروا يحررون خطابات الاعفاء الى زملاء الأمس بأعجل ما تيسر نيابة عن التتار الجدد . غلبهم أن يقولوا كلمة حق واحدة عن مرؤوسيهم الذين تناثروا فى الاصقاع مثل ذرات يتلقفها الريح القاسى . بح صوت مغنى الحى القديم ، يستغيث : يأهل الاسلام ضاع منى الكلام . و هم صامتون صمت القبور. ما زال غائبا من وجدانه ، يحادث نفسه ، و يناجيها ، و يناجزها على التعزى . طالت بالطائر الفخيم الرحلة والمشاوير. وطالت تخيلاته لعالمهم الجديد ينتظره خلف دياجير المجهول. الغمام يتبدى من نافذة الطائر الفخيم .و يزيد الرؤيا غموضا. يستمر فى حواره الصامت مع هواجسه المعربدة : أن يظل نظيفا من العوار : أن لا تعلق به الاوساخ السابلة : أن يظل مفطوما على بزازة التحدى : أن يبقى مناجزا ضد الرهق والاستسلام الاسيف. الحياة قصيرة ومعطونة فى الصعاب . البوادى عموم لا تذكره الا مناجزا عن حق مضاع . يريد : أن يظل على تلك الفطرة . أن يمارس الرضا العام وقبول ما تجرى به المقادير المرصودة . امتهن الترحال الى الفضاءات الخارجية. كانه يستنسخ حياة العشيرة فى البوادى عموم بحراكها السرمد فى رحلتى النشوغ والدمرة . الترحال هو غطاء العشيرة وفرشها الممدود. وهو غطاؤه. لن يستطيع الكهنة الجدد تصغير نفسه العنيدة .وصموده الحنيف على كراهيتهم . لن ياخذوا منه شيئا . أخذوا بهرج حياته المهنية ، نعم ولكن هذا لا يجبره على المساومة.. لن يأخذ. الريح شيئا من البلاط. الطائر الفخيم يطوى المسافات الفاجرة فى قوة واقتدار ، يقترب اكثر من أم المدن ، و يبتعد أكثر من مدن التراب . أنفاسه المختلجة تصعد وتهبط . يواصل تأملاته الصامتة. والغياب فى دياجير وجدانه المحترق . تأملات عميقة لا يشرك فيها حتى اسرته الصغيرة . يخاف عليها من تسلل الرهق الذى يحتطبه الى نفوسهم الصغيرة. . يحدق فى وجوه رفقته فى الطائر الفخيم لا يعرف منهم احدا . اكثرهم نائمون . طوبى لهم . النائمون لا يعانون من حرقة التخيل و الانتظار. انتظار اللحظة الكبيرة. و انفعالات الشعور وانفلاته . بعضهم يتجاذبون اطرافا من حديث هامس. آخرون د سوا انوفهم فى كتبهم واجهزتهم . و آخرون يتابعون مباراة فى كرة القدم . هو لم يكن من هؤلاء . أو من أؤلئك . دسّ نفسه فى همومها وهواجسها القريبة . غاب فى عالم المرهقين الحزانى تركه وراءه فى البوادى عموم . يعود يحدث نفسه فى منلوج صامت : غادرت باحزانك الكبيرة . تحملها فوق جناحك المهيض .تركت للآخرين مثلها من الاحزان . الحزن الكبيرعلى شيخ العشيرة الفارس يترجل . يغادر السرور ديار الأسرة و العشيرة. يغادر مرحها وألقها المشهود . لم تحظ بوداع القابضين على جمر الفراق . عزت عليه تحية وداع قد تكون الاخيرة . لا تدرى أين يقودك قدمك المفارق. هل تعود من قابل . ام يأخذك التيه السرمد فى عقلته ، ويقذفك الريح فى اودية يباب لا تسمح بالاياب صديقك حماد العود ضرب فى الوهاد السحيقة وغلبه أن يعود . لم تشفع له دعوات أمه و ضراعاتها ، تلك المرأة الصالحة . المخيم كله كان يناديه بحماد العود لنحافته ودقة عظامه ، وهشاشة هيكله العظمى . ضرب حماد العود فى وهاد لا يعرف إنسها أو جنها . وغلبه أن يعود منها. يعود الى تهويماته العميقة. يخشى من ان يكون فراقه هذا مثل فراق الطريفى لجمله السريع الهباب . ذلك البدوى الذى فقد جمله فى مدن البندر وغلبه أن يستعيد جمله المفقود أو يقطع المسافة الى باديته ىسيرا على الاقدام . ظل يسائل الريح والانواء عن جمله السريع الهباب . زفرات عميقة تتدلى من تجاويف قلبه المأزوم . عاد يهامس نفسه : هجم التتار فى ذلك الصبح المشئوم على خدر عازة و هشموا مستوع الخزف الجميل . حدث ذلك فى صبح الجمعة بالتحديد . دخلوا الى الخدر الساجى المطمئن أهلوه . ع. بعثروا مقتنيات الخدر. اقتادوا المتساكنين فيه من رقابهم . شطفوا من قسمات عازة النضارة والألق القديم . يسميها بعازة . و سم حبيب فى نفسه . يعرف أنها تعيش على صفحة من الصفيح الساخن . لن يضيرها هذا الا بعض اوقات . تطول المحن و لا تدوم . يقترب الطائر الفخيم من اطراف البلد البعيد. يبتعد عن ديا ر عائشة ، الاخت الام ، تبكى من فراقه كما كان طائر الشنتر يبكى على فرخه شاله الريح عند مقدم الخريف الهتان. و من وقتها و هو يلولى محنته بالبكاء ليل نهار ،يداوم على حاله فوق اغصان الشجر ، تحت المطر ، فى قلب الريح والانواء. تعزعليه دموع عائشة. ومياسة الصغيرة . ودموع البادية عموم تأتيه أخبارها عبر المسافات المستحيلة . فعلت بهم الذى فعلت . وأنت تدرى تعلقهم بك . عزاؤك الباقى أنهم لا يطلبون منك اعتذارا . تتعزى بفيض شعور هم النبيل هذا . لو أنهم يسمعونك لعرفوا إنك لم تستطع ممارسة الانحناء كما استطاع الآخرون خوفا من سيف المعز و طمعا فى جزيل عطائه . كان أهون عليك أن تحمل اغراضك وتغادر . فارض الله واسعة . وواسعة كذلك ارزاقه . لن تفنى نفس قبل أن تفنى ما كتب لها قلم القدرة من رزق . . قناعة لا تتبدل. بخ بخ ! بالبيع الرابح . تركت لهم الجمل بما حمل . جئت تبدأ حياة جديدة ومرة فى عالم مر .لا قريب تأنس اليه . لا ولى حميم تبثه لواعج نفسك وكدرها. حياة مرة فى مجتمع مر. ولكنه يحفظ الحقوق ، و الحدود ، و يرتب الفواصل بين الاشياء . مجتمع يريد من يلتحق به أن ينسى ماضيه القريب. أن يبدأ من الصفر من جديد . تلك هى صيحة البداية . وعربون الحلم الامريكى . عزائم قاسية ، فى مجتمع قاس ، يرحم اذا كانت نار جهنم ترحم . هى بلد اليانكى ، قريبة منك بزخمها المترع . بعيدة عنك بقدراتها على التزيين والتزييف فى آن . تعمر مدارك الناس من حولها بصورة الدولة القطب . والشعب القاهر بآلياته ومعارفه . و ثرائه الممدود. وتغيّب عنهم صورة الدولة التى تحول انسانها الى انسان آلى يغدو ويروح دأبا من صباح الرحمن و حتى مسائه وراء لقمة عيش شقية يقضمها فى مطاعم الوجبات السريعة فى عجل . يسابق الزمن ، ينظر فى ساعته ، يحذر سطوة الرأسمالى الجاثم على صدره مثل صخر جلمود . انسان دوار فى وجود الدوار ، عجلة دوارة فى مجتمع متفرعن على الآخر، وغير متكافل ، لا يسأل فيه حميم حميما . يصبح الفرد فيه و يمسى و هو لا يطمئن على شئ . الراسمالى الضخم قد يطيحه فى أى لحظة تتراجع فيها ارباحه سنتا واحدا . مسكون بهم واحد : كيف يرتب فواتير الاستغلال الرأسمالى الواجبة السداد فى آخر الشهر . كيف يوفر الحد الأدنى من قوت عياله غدا. رزق اليوم باليوم . يترك الابعد وديعة عند الظروف والمقادير . الطائر الفخيم يشق عنان السماء فى قوة واقتدار. يقترب اكثر من أم المدن . يبتعد اكثر من مدن التراب .انصرف الى نفسه يحادثها فى صمت كمن يحادث جليسا ضنينا بالرؤيا . لا يدرى ان كان يعتذر لها عن المشاق التى راكمها عليها حتى فاض الكيل : الشطب من كشوفات الترقى. السشطب من كشوفات التنقلات الدبلوماسية . الشطب من كشوفات الابتعاث الدراسى . الشطب من كشوفات التدريب . ذلك ثمن باهظ ولكنه كان واجب السداد . البديل هو التقوس امام انصاف الرجال ؟ ذاك فعل لا تقدم عليه العشيرة فى البوادى عموم . بعض اقزام لن يصيروا طوالا عماليق وان تزلفوا ، و تشابوا الى الاعالى كما تتشابى اعناق الزراف لا تقنع بما ترتاد من شاهق الاغصان .لن يرتادوا الشواهق ولو لبسوا لها كل كعب عالى. لن يكونوا جبابرة بالتقادم ، ذلك كسب طاحت اوادمه مع الزمن. ليس مغبونا منهم لنفسه . لكنه مغبون لهم من أنفسهم ، أهانوها بالزائد عن كل حدود .أهالوا عليها تراب كل مدن التراب لم يبقوا منه شيئا. ليس مغبونا من الوطن الذى أنجبه. وعلمه ، فاحسن تعليمه . مغبون لهم من أنفسهم لأنهم لم ينهلوا من معين عازة على سعة موارده الفائضة . يغيب فى تهويماته قبل أن يعود منها على صوت المضيفة الرخيم ينبه الركاب الى منظر بديع يتبدى من نافذة الطائر الفخيم . بدا له أن السحب الداكنة تتجهمه من نوافذ الطائر الفخيم من بين كل المسافرين. عاد يتذكر حقارات قريبة ارادت أن تنهش قدراته فى استصغار الهمم المتدنية. و عزوفه عن الاستجابات الصغيرة . يتذكر ولا ينسى و هو بعد شاب طرير الشباب يضع قدميه غير الراكزتين فى اول درجات السلم الوظيفى . يتذكر الذين حسبوه مشروع روائى عظيم منفلت من المظان الابداعية فى المستقبل القادم . فجاءوا ذرافات ووحدانا يتراصون خلفه . يزودون عنه غوائل الحقد والجهل والتآمر . ذلك اللواء العسكرى الأديب الشاعر زبّ عنه ذباب المتنطعين يتساقط عليه كما يتساقط ذباب جزارة الحى على فضلات الذبح العشوائى. وذلك السفير الروائى الأديب ، المنفلت من عقال الابداع عاليا و شاهقا . و ذلك القانونى الضليع ، حبر الحركة الوطنية ورمزها يحدق فى أعين المرجفين من اعدائه يتوعدهم بالويل والثبور على تزاحمهم على حياض الباطل، فيرتجفون ويخلون سبيله ، مكرهين لا ابطال. تراص خلفه ذلك الرعيل الذهبى النادر وانقذه من حبل المشنقة الوظيفية . قالت له تلك الملحمة أن ضمائر الناس بخير وأن المرؤات لم ينضب معينها. لم يدرك البدوى انه قد ضلّ طريقه عندما دلف الى حظيرة السلك الدبلوماسى فى ذلك اليوم الشتوى القارص . كان مغموما فى ذلك الصباح وهو يجلس فى مكتبه يستمع شكاية أم اليتامى الذين اضطر الى حجز قيمة ايجار منزلها المستاجر لاحدى المصالح الحكومية مقابل تسديد متاخرات ضريبة ذلك العقار السنوية . كانت المرأة تحتج على الإجراء القاسى و تشتكى الى الله من المسغبة التى اصابت اطفالها من ذلك الإجراء الثقيل. يلغى الإجراء الثقيل بجرة قلمه. ويضمر شيئا فى نفسه . يشرع فى لملمة بعض أوراقه . يدخل عليه زميله فيصل . يقرا عليه اعلانا من وزارة الخارجية تعلن فيها عن حاجتها لسكرتيرين دبلوماسيين بدرجة سكرتير ثالث تحت التدريب. شهور قليلة ويجد نفسه وقد اصبح دبلوماسيا فى طريقه لان يرتاد الآفاق الخارجية . لقد ضلّ البدوى الشاب طريقه الوظيفى من حيث لا يعلم . كان حريا به ان يظل وسط اهله المغاوير فى الديرة البدوية المتفردة فى وجودها وفى سبل كسب عيشها . ان لزم الامر يحمل بندقيته وسيفه على كتف ويتدرع حربته الكبس ذات الكنداب على كتفه الآخر ، و يخرج مصادما نفس الهواء منافحا عن البوادى عموم . لكنه ضل طريقه القاصد فى صباح خريفى ، بللته زخات الرزاز الخفيف تحملها نسائم الدعاش الماطرة . ضل ّ طريقه الى مدن البندر البعيد. تهندم بالبدل من الماركات العالية بدلا من ثياب اهله البدويين المرسلة مع الريح . قلع ثيابهم المرسلة ولكنه أبقى على سجاياهم البدوية الفارقة فى صميم وجدانه. أبقى على كل السجايا فى مكانها القديم من قلبه ووجدانه . يزيده الظلم تماديا فى العناد كعادة اهله البدويين اذا تقصدهم الظلم والاحتقار ينتفضون غضبا و يصيرون اكثر قابلية للإتيان بكل ما هو غير محسوب مضاد غير محسوب .



    مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب

  • هيّا قوموا الى جمع حطب الحريق ! بقلم على حمد إبراهيم 02-04-15, 03:27 PM, على حمد إبراهيم
  • أيها السوادنة : هفهفوا المضاجع ، سيطل الفجر الكسول !ّ بقلم على حمد ابراهيم 01-28-15, 02:51 PM, على حمد إبراهيم
  • شيخ الحرامية : تأريخ ما أهمله التاريخ! بقلم على حمد إبراهيم 01-26-15, 03:06 PM, على حمد إبراهيم
  • أسف العرب على ربيع العرب! بقلم على حمد إبراهيم 01-24-15, 02:53 PM, على حمد إبراهيم
  • مسا فر فى عيون العواصف بقلم على حمد إبراهم 01-17-15, 05:55 AM, على حمد إبراهيم
  • أقصر الكلام مع حضرة الإمام بقلم على حمد إبراهيم 01-14-15, 08:00 PM, على حمد إبراهيم
  • ديك العدة زلوط كسّر عدة الولايات! بقلم على حمد ابراهيم 01-12-15, 01:51 PM, على حمد إبراهيم
  • خارج المعقول : شهقات الشيخ المصنوعة! (2 ) بقلم على حمد إبراهيم 01-10-15, 03:40 PM, على حمد إبراهيم
  • جوابات من خارج الحدود بقلم على حمد ابراهيم 01-09-15, 05:36 PM, على حمد إبراهيم
  • فى الرد على ازرق الخارجية! بقلم على حمد ابراهيم 01-07-15, 02:51 PM, على حمد إبراهيم
  • إخوان السودان هل يستبينون النصح فى ضحى الغد ! بقلم على حمد إبراهيم 12-30-14, 03:40 PM, على حمد إبراهيم
  • ما دار فى مكتب ر ئيس الوزراء قبل البيان الانقلابى بساعات ! بقلم على حمد إبراهيم 12-29-14, 03:04 AM, على حمد إبراهيم
  • هو الخيار عندما يغلق النظام اذنيه ويستغشى ثيابه عن كل سمع ؟! بقلم على حمد إبراهيم 12-25-14, 02:23 PM, على حمد إبراهيم























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de