رفع العقوبات لا يزال الإبتهاج به مستمرا حتى اليوم ، لدرجة أن البعض وصل حدا لم يبق لهم إلا أن يطلق زغرودة مجلجلة ، كثيرون تساءلوا عن السبب في هذا الفرحة الغامرة هل هو البحث عن رضاء الأمريكان ؟ ، أم أشياء أخرى لا يعلمها الشعب الصبور؟ مثل أن الأمر مرتبط بأمور خاصة - حسابات أشخاص في النظام - وغيرها من الأمور التي تتم من وراء ظهر هذا الشعب ، ومن العلامات الدالة على ذلك ، أصبحت مجرد زيارة مسئول أمريكي مهما كانت درجته ،أو خبرا يخص أمريكا حتى وإن لم يكن ذا أهمية تهلل له الصحف وتجد ه وخبر الزيارة في الصفحات الأولى في كل الصحف إن لم يكن مانشيت لعدد منها ، هذا الحب المفاجئ للأمريكان هل يخفي وراءة سر ؟ أم أن الموضوع كله تمثيل في تمثيل ؟ لكن هل "يخيل " هذا التمثيل على الأمريكان ؟. كنا نعتقد وكما قلنا من قبل في مقال لنا أن رفع العقوبات لا يحتاج لهذا التهافت ، بل لمراجعة السياسات والخطط الإقتصادية السابقة ، والبند الأول في هذه المراجعة ، إعلان خطة جديدة كليا تعتمد على إستراتيجية تكون لحمتها وسداها " الإنتاج " وإن مجرد رفع العقوبات الذي يهلل له المسئولين ، لن يحل المشكلات التي يعاني منه إقتصاد البلاد ، والحمد لله ، فقد جاء تحرك رئيس الوزراء في هذا الإتجاه ، لكن بعد ترك الحبل على الغارب للمهرجين فترة من الزمن ، لكن كما يقولون أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي ، والمهم أنه طرح في مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء الأول من نوفمبرالخطوط العريضة لمعالجة الوضع الإقتصادي والذي ركز فيه على الإنتاج ، خاصة الإنتاج الزراعي والحيواني وهما ركيزتا الإقتصاد السوداني ، لكنه لم يتعرض لإلغاء الخطة الحالية ( 2017 – 2020 ) وطرح خطة بديلة لترجمة هذه الإستراتيجية بحيث يحتل الإنتاج فيها الأولويه على غيره من الأنشطة وذلك بإعادة الحياة لمشاريع تعتبر أركان للإقتصاد السوداني : مشروع الجزيرة – السكة حديد – الخطوط الجوية السودانية . إن عائدات الإنتاج في هذه المشاريع هي التي تعيد التوازن للجنيه السوداني والذي ينطبق عليه مقولة " عزيز قوم ذل " . لكن من الواضح أن المعالجة الإقتصادية يعوقها تعقيدات الواقع السياسي ، فتقليص الصرف على الأجهزة الدستورية مثل تقليص عدد الوزراء ، وحل جميع المجالس الولا ئية مع الإبقاء على المجلس الإتحادي ، وتكوين حكومة بعدد محدود من الوزراء برئاسة رئيس الوزراء الحالي يحول دونها الإلتزامات السياسية ، فالذين شاركوا في الحوار من أحزاب الرجل الواحد لن يقبلوا حتى وإن كان الأمر لمصلحة الوطن ، لأنهم شاركو في الحوار لأجندتهم الحزبية والشخصية وليس لمعالجة مشكلات البلاد ، وسيرفض أعضاء المجالس التشريعية الولائية بحجة أنهم جاءوا بإنتخابات ، والذين جاء بهم التمكين لن يقبلوا الزحزحة من مواقعهم ، وهكذا لن تجدي أية معالجة إقتصادية في ظل تعقيدات مثل هذه . هذه المعا لجات تدخل في عملية إصلاح الدولة التي لا يمكن فصلها عن علاج الأزمة الإقتصادية ، فرفع العقوبات إذا إعتبرناه النقطة الفارقة لترتيب أوضاع البلاد من جديد ، المفترض أن يجُب ما قبله بحيث يؤسس لمفاهيم جديدة مختلفة عما قبلها تسهل عملية الإصلاح الإقتصادي وتضع حدا لمعاناة البلاد والشعب و إنقاذ الإقتصاد الذي يعاني من أمراض فتاكة مثل الفساد وقلة الإنتاج وخروج الموارد الأساسية من دائرة الفعل والسياسات الإقتصادية التي تشبه الوجبات السريعة التي ضررها أكثر من نفعها ، وقد لمح رئيس الوزراء إلي ذلك عند حديثه عن مدرسة إقتصادية جديدة . فالأوضاع التي كانت سائدة تسببت في هذه الحالة التي جعلت البلاد تحتل ذيل القائمة في كل شيء. النائب الأول ورئيس الوزراء كان حديثه مقتضبا عن رفع العقوبات ، ولم يسهب كثيرا مثل ما يفعل الآخرين الذين جعلوها مثل عصا النبي موسي ، وربط تحسن الإقتصاد بالإنتاج وهذا ما ظل يردده معظم من تناولوا هذا الشأن من خارج الحكومة ، وحتى المواطن البسيط ، لكن السيد رئيس الوزاراء أقلقنا غاية القلق عندما لم يتطرق لموضوع رفع الدعم ( زيادة الأسعار ) الذي ظل كل وزراء المالية بما فيهم الوزير الحالي يرون أنه العلاج الوحيد للوضع الإقتصادي ، لأن كل الحلول الأخرى باتت عصية عليهم من جراء التعقيدات التي أشرنا إليها ، والمفارقة أن المواطن العادي يعرف إن هذا الإجراء لم ولن يعالج المشكلة الإقتصادية والذي يسمونه رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية لمعيشة المواطن مثل الدقيق والوقود والغاز ، فزيادة الأسعار تعني أن الحكومة موافقة علي إرتفاع سعر الدولار مقابل الجنية السوداني ، لأن ذلك (رخصة ) للتاجر لزيادة أسعار كل السلع بما فيها المحلية ، مما يعني أن الكلام عن تحسين ( قفة الملاح ) والمعيشة ليس له أرجل يقف عليها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة