|
رفعت الأقلام وجفت الصحف /صلاح يوسف
|
على المحك صلاح يوسف [email protected] رفعت الأقلام وجفت الصحف أوضح ما تضمنه خطاب السيد رئيس الجمهورية قفله لباب الاجتهاد والإبحار بعيداً عن الساحل بحثاً عن التنبؤات والبشريات مع تفصيل الحلول على المقاسات المتوافقة مع رؤى وطموحات بعض الساسة والمحللين. وأجمل ما فيه أنه استقطب حشداً من كافة ألوان الطيف السياسي فحضره بطيب خاطر وبشاشة حتى أولئك الذين تفرقت بهم السبل وباعدت بينهم الخصومة، فإذا بهم يتخذون مقاعد متجاورة، يتعانقون سلاماً ودوداً ويتبادلون الحديث بحميمية. وأنجح ما فيه أنه وحد الناس وجعلهم ينصرفون عن مشاغلهم ويتابعونه عبر التلفاز والإذاعة بعيون شاخصة وآذان صاغية لأنهم بحق يتوقون إلى ما يمكن أن ترى آثاره عدسة العين المجردة، فهل تحقق لهم ذلك؟ لقد وضع الخطاب حداً فاصلاً لتوقعات من كانوا يأملونه كمفاجأة أقل ما تضمره قلب الطاولة على وجه إخفاق الماضي وبين من أرادوه حافلاً بقرارات التغيير فورية التنفيذ، لكنه جاء بمثابة الإطار لوثبة سودانية شاملة من الرؤى والأفكار التي رفعت نبرتها راية الوطنية عالياً وعابت نظرة الحزبية الضيقة لكي يصفو المناخ للحوار الجاد والتنافس الواعي من أجل الوطن، لا ضد الحزب الوطني، لبناء وطن أساسه الإخاء والسلام يجعل من الممكن معالجة قضاياه العويصة بعقلانية ووطنية وتجرد ونكران ذات. وأعمق ما فيه أن مضمونه خاطب، جميع الأحزاب وأصحاب الانتماءات والاعتقادات كسودانيين بهمهم أمر الوطن، وجعل تلك الأفكار تنسحب على المؤتمر الوطني إن لم تكن لسان حاله. وعليه فلينصرف الساسة لشيء أكبر من النظر تحت أقدامهم وليقرأ الجميع ما بين السطور وفهمه بعمق ومن ثم يشرعون في العمل على أنزاله بصدق منزلته اللائقة. أما غمار الناس، فما أن انتهى الخطاب حتى بدأوا يتساءلون عن توقعات وسائل الإعلام ووصفها المسبق لمحتوى الخطاب بالمفاجأة دون أن يتحقق لهم هذا المبتغى لأنهم يعلمون بأن عبارة المفاجأة تعني انهمار سيل القرارات المؤثرة في حياتهم بعد انتهاء الخطاب مباشرة حيث أنهم سئموا أي انتظار قد يعين الغرس على النبات إلى أن تتدلى فروعه ثماراً يقطفونها ويتذوقون طعمها حامدين شاكرين. وحقيقة توقفت عند عبارة مفاجأة التي تنبأ بها البعض وكنت على يقين من أنه لم يتبق في الجعبة ما يفاجئ أحداً بعد أن استبعد السيد إبراهيم غندور مساعد الرئيس في لقاء تلفزيوني احتمال تنحي الرئيس أو حل المجلس الوطني أو تعليق الدستور أو تغيير الحكومة التي لم يمض عليها سوى شهرين. لذلك تابعت الخطاب على أساس أنه لن يخرج عن محور الوفاق والحوار والدعوة لنظرة مستقبلية مسقطاً عنصر المفاجأة الذي علق عليه الكثيرون آمالهم. وبما أن الأقلام قد رفعت والصحف جفت بعد أن وضع محتوى خطاب السيد الرئيس النقاط فوق الحروف، فإنني اختم بما بليق بالمقام، وليكن ذلك أبياتاً من قصيدة وطن العشق التي أقول فيها: ذكرتُكَ يا وطنَ العِشقِ والمعجزاتِ والقيمِ الباقيةْ / لدى كُلَ خاطرةٍ إستجمّتْ .. أو تلاشتْ ناسيةْ / ففي شاطئ صبري تكسّرَ موجٌ أتى من ضفافِ الأقاصيْ النائيةْ / يُحاصِرُني برذاذٍ من نداكَ، يُعطرني بثباتْ العافيةْ / أُريدُكَ فوقَ مُحالْ التلاقيْ / لأرشُف منكَ مُدامْ التساقيْ / وأنشقُ من راحتيكَ عبيَر عِناقيْ / لأنكَ لـمّا مِنْ الطُهرِ أرضعتنا وارتوينا / عرفناكَ بذرةَ خيرٍ ناميةْ ذكرتُكَ في راحتيَّ طلاسمَ لا يعلمُ أسرارَها الأولونْ / وفي إغتهابي على آخرِ العمرِ، رحلٌ ظميء وقافيةٌ مِنْ مُجُونْ / تحوّمُ بي في إرتعابِ الصخوبِ فلا استحيْ، حينما يرتخي هاجسي للسِكُونْ / وإنْ ما طفقتُ أزودُ عنْ النفسِ أوجاعَها، رمتني إليك تصاريف نزْفٍ هتونْ / فيا وطن الإنعتاقْ الذي سربلتنا رؤاكَ بنبلٍ مَصونْ / ذكرتُكَ أيقونة في مرافيْ الغيابْ / وتعريشةً مِنْ غيومِ الإيابْ / لأنَّ مداكَ قمينٌ بعشقيْ وأنكَ مبعثُنا المستطابْ
|
|
|
|
|
|