ديناميات الحرب والسلام في السُّودان : دور العولمة والحداثة بقلم الدكتور قندول إبراهيم قندول

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 01:22 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-05-2017, 08:40 PM

د.قندول إبراهيم قندول
<aد.قندول إبراهيم قندول
تاريخ التسجيل: 11-08-2015
مجموع المشاركات: 73

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ديناميات الحرب والسلام في السُّودان : دور العولمة والحداثة بقلم الدكتور قندول إبراهيم قندول

    08:40 PM March, 05 2017

    سودانيز اون لاين
    د.قندول إبراهيم قندول-الخرطوم-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر


    mailto:[email protected]@msn.com

    ديناميات الحرب والسلام من منظور ثقافي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمفهومي العولمة والحداثة. ولعلَّ أهمية الربط بينهما لها علاقة قوية باستقرار السُّودان وأمنه وذلك بتوجيه طاقات شعوبه المختلفة نحو الغاية الأسمى وهي التنمية لتحقيق رفاهيتها. فالعولمة تعبِّر عن التبادل السريع للمعلومات بينما الحداثه تهتم بالتجديد الفكري وصحوة الضمير الداخلي للفرد، وتفعيلهما مرهونان ببسط الحريات عبر نظام ديمقراطي فاعل. بهذا يمكنهما إبراز الجوانب الشريرة للحرب والصورة الفاضلة للسلام. أو بعبارة أكثر دقة أو مختصرة: أصبح العالم "قرية" صغيرة مما يسهِّل إرساء دعائم السلام المستدام باختزال مقومات وعناصر الحرب المتعدِّدة بفضل ثورة الاتصالات المعلوماتية والمفاهيم والأفكار الجديدة المستقلة. إذن مفهوم العولمة والحداثة صنوان من حيث توسيع قاعدة انفتاح الشعوب على بعضها وتفاعلها لتجسيد وتكريس وحدة الإنسانيَّة ومصيرها المشترك بتداخل وتكامل، بل وتفاعل مصالحها ومصائرها على نحو لم يكن له نظير في العصور القديمة.
    وبالطبع لن يتم السلام المستدام إلا باعتماد المعايير والمحفزات التي تطمئن المجتمع على بقائه واستمرار نمط حياته مع فرص تطويرها بوضع أسُس مصالحه كأولوية وغاية. فتحقيق السلام مشروط بتوسيع دائرته وتعميق معانيه ومفاهيمه التي تعتبر مباديء التعايش السلمي الأركان البنيويَّة لها مع العولمة والحداثة. فإذا قويت الجذور ووصلت إلى أعماق ودواخل أفراد المجتمع، يمكن منع نشوء النزاعات وحلها بالطرق السلميَّة إذا ظهرت. وكما يمكن تذويب العنف البنيوي الناتج من الحروب ومآسيها وتأثيرها السالب على الإنسان طوال حياته وما بعدها.
    فنشر ثقافة السلام الاجتماعي واجب يتحقق فقط بتوفير عنصر هام هو تغليب لغة السلام على شعارات ومارشات الاستنفار للحرب التي تعمِّق مظاهرها المختلفة الغبن الشعبي المحلي والإقليمي وتزيد من درجة الاحباط في أروقة المجتمع الدولي. ولكن للأسف الشديد، لا يمكن الوصول إلى عالم خالٍ من النزاعات والاضطرابات؛ ولكنا نطمح في الحصول والوصول إلى حالة من "السلام النسبي". هذه النقطة تقودنا إلى الحديث عن تاريخ الحرب وجهود الوصول إلى سلام دائم في السُّودان؛ ومحاولة الإجابة عن الأسئلة مثل: هل الحرب ثقافة سُّودانيَّة أم هي أحد طبائع شعبه التي جُبِل عليها، وكيفية إنهائها.


    تاريخ الحرب في السُّودان

    تاريخ السُّودان القديم والحديث (بعد تكوينه بحدوده المعروفة)، والمعاصر (الآن)، مليء بعدم الاستقرار والحروب الدائمة. فقد أضفت ديمومة الحرب هذه شعوراً شبه مؤكد بأنَّها متلازمة ثقافية تعمَّقت بجذورها في مخيلة أجيال متتالية من المجتمع السُّوداني. فمثلاً لم يشهد العهد التركي – المصري (1821- 1885م) أي نوع من السلام والاستقرار إذ قاوم الأهالي محاولات السيطرة عليهم تارة، أو اصطيادهم كرقيق تارة ثانية، أو إغارة القبائل على بعضها لنفس الهدف والهيمنة مرة ثالثة إلخ... ثم جاءت فترة المهدية (1885 -1898م) ولم يتغيَّر أو يتحسَّن الوضع؛ وهكذا الحكم الإنجليزي – المصري (1898-1956م).
    أما الحكومات الوطنيَّة سواء أكانت عسكريَّة أم مدنيَّة فإنَّها لم تحقق وقفاً للحرب. في الحقيقة ورثت أولى حكومة وطنيَّة حرباً أهلية منذ العام 1955م،(1) حيث استمرت حتى اتفاقيَّة أديس أبابا في مارس 1972م، والتي انتهت في العام 1983م. خلال سريان الاتفاقية، عرف وعاش الشعب السُّوداني، لأول مرة بعد الاستقلال، سلاماً نسبيَّاً في جميع أنحاء البلاد. ولكن اندلعت الحرب في الجنوب (1983 -2005م)،(2) وجبال النُّوبة والنيل الأزرق (1985 – 2005م)، ومرة ثانية العام 2011م،(3) وفي شرق السُّودان (1994 -2006م)(4)، وفي دارفور العام 2003 -2006م.(5) وعلى الرغم من محاولات أجهزة الدولة المختلفة لعكس استباب الأمن في الإقليم، ولكنه يعيش حالياً تحت وطأة الحرب الأهليَّة. هذا التاريخ الطويل من الصراعات جعلها نمطاً شبيهاً بالثقافة المتجذرة في الشعب السُّوداني. وما زاد الأمر سوءً الانتهاك اللا محدود لحقوق الإنسان، وكبت الحريات وتكميم الأفواه التي تطالب بالعيش الكريم، وتوفير متطلبات الحياة الأساسيةَّ؛ فضلاً عن بث دعاية الحرب بين الناس في أجهزة الإعلام وكل وسائل الاتصال المتاحة. فالسؤال الهام: هل الحرب حقيقة وثقافة متأصلة في الشعب السُّوداني أم أنَّها فُرضت عليه أم انتقلت إليه من جهات أخرى، ومن الذي فرضها، وكيف يستطيع أن يعتق الشعب نفسه من هذه الظاهرة؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال حري بنا الحديث عن فرص السلام التي ضاعت للربط بينهما.


    البحث عن السلام
    لم تأخذ قضية السلام زخماً واهتماماً جاداً إلا في السنوات الأخيرة إذ ركَّزت كل المنظمات المحليَّة والإقليميَّة والدوليَّة جهودها في البحث عن السلام الضائع. ولعلَّ المتتبع لتاريخ الحروب السُّودانيَّة (وما أكثرها وأطولها) يندهش من العدد الهائل من الجولات والصولات، والاتفاقيات والمواثيق ومذكرات التفاهم الثانئيَّة وغيرها من أجل السلام المفقود إلخ... ولكن ما يحير بعد كل هذا، هو فشل أو نقض ما تمخَّض عنها كل هذه الجهود قبل أن يجف المداد الذي كّتبت بها، إلا الجزء المتعلِّق بتقرير مصير جنوب السُّودان الذي أفضى إلى انفصاله في في استفتاء كانت نتيجته أكثر من 98% لصالح الانفصال! لماذا إذن لم تثمر المفاوضات الكثيرة في الوصول إلى سلام دائم مرضٍ لجميع الأطراف المتصارعة والمتعاركة مع الوضع في الاعتبار استحالة تحقيق كل مطالبها؟ في محاولة الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإقرار بأنَّ غالبية المجتمع السُّوداني مجتمع مسالم مع نفسه في المبتدأ إلا أنَّ القائمين بأمره هم العلة.
    إنَّ البراهين على فشل القادة السياسيين والدينيين والطائفيين لكثيرة؛ ومنها رفضهم مبادرة السَّلام السُّودانيَّة التي وقَّعها السيد محمد عثمان الميرغني – زعيم طائفة الختمية – مع الراحل الدكتور جون قرنق دي مبيور – زعيم الحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان في العام 1988م لحسابات حزبيَّة ضيقة خاطئة، ومثل مصيرها كانت نهاية البروتوكول الإطاري بين نافع وعقار 2011م.(6) مواثيق واتفاقيات كثيرة نُقضت كما جاء في التأليف الرائع للقاضي القدير أبيل ألير.(7) إلى هذا الحد، يمكن القول إنَّ فشل العملية السلميَّة لتحقيق السلام في السُّودان يرجع إلى أنَّها لم تتبلوَّر لأنَّها نسجت حول أجندة حزبيَّة-طائفيَّة ودينيَّة ضيقة، وأخيراً العنصرية والقبلية والجهوية. وكما لم تتشكَّل لتغذية الوجدان الشعبي وروح التربيَّة الوطنيَّة للنشء ومزاوجتها مع المعتقدات والقيم والسلوكيات والأخلاقيات التي تعبِّر عن البعد الإنساني والأخلاقي للمجتمع المسالم، والمتعدِّد الثقافات، والأديان والأعراق.


    الحرب ليست ثقافة سُّودانيَّة

    إذا كانت الثقافة تنطلق من مرجعيات فكريَّة وإيديولوجيَّة كثيرة نتيجة لتراكمات تاريخيَّة ولتصورات وآراء عقائديَّة ومجتمعية مختلفة إلخ...، فإنَّ الفشل في حل قضايا الوطن وتحرير المواطن من حياة التعاسة والمسغبة ترجع مسؤليته إلى النخبة السياسيَّة وحدها لا شريك لها.(8) فبالطبع لم يكن الشعب السُّوداني بطبعه ميَّالاً إلى الحرب، وبنفس القدر لا يدعم ثقافة رفض السلام. وكما ذكرنا سابقاً، لم تكن الحرب عنصراً من المكونات الثقافيَّة للشعب السُّوداني ولكنها (الثقافة) نتاج التقوقع والانغلاق على الذات بسبب استمرارية حلقة الحروب دون انقطاع منذ زمن يعود إلى الحقب السابقة للاستعمار، فلا يمكن إلقاء اللوم عليه بتأجيج الصراعات المستفحلة. وإذا صحت نظرية مؤامرة الاستعمار والتدخلات الأجنبيَّة الريئة، (9) ماذا فعل السُّودانيون لوضع حداً لهذه الحروب، أو منع نشوبها أصلاً بعد أن "أجلوا" المستعمر؟

    المركز وتأسيس الحرب

    لا ريب أنَّ المركزية القبليَّة والثقافيَّة أسست ثقافة رفض التنوُّع الثقافي والعرقي والديني على المستويين الرسمي والشعبي.(10) ولعلَّ المركزية بنت نظرتها على مذهبين كما جاء في نظرية جوزيف آرثر قوبينو للتميُّز العرقي.(11) فمذهبه الأول يتمحوَّر حول نظريته التي وصفها بـ "العلميَّة" والتي تشير إلى تفاوت أعراق بشريَّة على أخرى. وهذه النظرية – في رأينا - غير دقيقة ولا مسنودة بحقائق علميَّة. أما المذهب الآخر فعقائدي إذ يرى مؤيدوه أنَّ الجماعات الأخرى على باطل. لسوء طالع السُّودانيين قد ركَّز المركز الاستعلاء العرقي والثقافي والديني لجماعة معيّنة تجاه جماعات أخرى.
    هذه النظرية الدونية (العلميَّة والعقائديَّة) - السُّودان ليس بحالة استثنائيَّة - قادت إلى إشعال الحروب بين الجماعات المختلفة. فالمركز يغذي سيمفونيَّة الحرب باستمرار ويحتكر صفة الإنسانيَّة والنظر إلى الأغيار كظاهرة مثيرة للاشمئزاز. ومجمل القول إنَّ كل هذه المعطيات تمثِّل تحديات تستدعي تفكيك الخصوصية الثقافيَّة والهويَّة الرسميَّة للدولة المعينة، وخلق نقطة تلاقي إيجابيَّة بين القبلية والثقافة وذلك بفتح قنوات التواصل بينهما أياً كان مقدار وتنوُّع ونُظُم كلٍ منهما ليتلاقحان لإثراء الثقافة القوميَّة الوطنيَّة.
    لا شك في أنَّ هذه القضايا تمثِّل تحديات وأزمات حقيقية ينبغي مواجهتها كفرض عين لضمان وتأمين شروط المواطنة وحفظها، وإدارتها على نحو يجنّب الشعوب فظائع الحرب والهيمنة والصدام في المستقبل بعد أية تسوية وطنيَّة شاملة وعادلة. ولا ريب أيضاً في أنَّ هذه الفريضة تدعم التزامات التوافق لتضييق مصادر وأسباب التوتّر والصراعات السياسيَّة والثقافيَّة والاقتصاديَّة لتتماشى الأهداف المرجوة مع الإفرازات الإيجابيَّة للواقع الحضاري الجديد ضد رغبات المركزية القبليَّة والثقافيَّة التي تعتبر أحد الأسباب الرئيسة لديناميات الصراع في السُّودان.


    ديناميات الحرب وتحليلها

    إنَّ تحليل "ديناميات الحرب في السُّودان" يوضَّح تميُّز سياسة الإقصاء أو "التمكين" و"التضليل الرمزي".(12) لقد أثرت هذه السياسة تأثيراً مباشراً وسالباً على تماسك النسيج الاجتماعي بين المكونات القبليَّة والإثنية المختلفة لمجتمعات الريف والمدينة السُّودانيَّة التي تميَّزت في الماضي بالتسامح والتكامل والتكافل المجتمعي دون قيود أو شروط. ولربما انتقلت عدوى التفكك المجتمعي وانتشرت على نحو ما في المدينة التي تميَّز مجتمعها في الماضي بأنَّه "قبيلة" واحدة يغلب على أفراده التعاضد بدلاً عن التشتت والتخاصم، كما أسلفنا ذكره.
    لنأخذ مثلاً أسباب الصراعات في جبال النُّوبة (جنوب كردفان)، ودارفور، سنجد أنَّ واحداً من عناصر الحرب المتعدِّدة هو نزع وتمليك أراضي جماعات قبليَّة لجماعات أخرى على أساس الولاء السياسي أو لكسبها سياسيَّاً؛ أو الانتماء القبلي. وفي أقصى شمال السُّودان تم نزع أراضي المزارعين لبناء خزانات دون تعويض فوري ومرضٍ لأصحاب الأرض مما أدى إلى احتكاكات دموية بين المواطنين والسلطات الحكوميَّة.(13) فالمواطنون يرون النزع بمثابة تهديد مباشر لمصالحهم ويتعارض مع قوانينهم العرفيَّة. لهذا لجأوا إلى حماية تلك المصالح بأية وسيلة مما قاد إلى الصراع الدموي العنيف أي "حالة الحرب" النسبية.
    إذن، لقد استمدت ديناميات الحروب الأهليَّة في السُّودان قوتها من ثقافة التمحوُّر حول محور المركز والأطراف الجغرافيَّة الشيء الذي تطوَّر إلى ما يشبه الفوضى ليشمل كل السُّودان. بمعنى آخر، أصبح المركز قوة طرد دائمة ومستمرة لشعبه مع الإبقاء على قلة قليلة للحماية فقط تنتهي صلاحيتها مع إنتهاء أسباب الخطر وإعادة إنتاج الحالة وهكذا تبدأ دورة جديدة لتنتهي ولتبدأ أخرى! هذا الوضع يحتاج لبذل المزيد من الجهود من أجل السلام، ولكن ما هي متطلبات التسوية السلميَّة؟


    مطلوبات السلام

    ينبغي أن تُبنى المصالحة السلميَّة على المطلوبات التي تستوعب التنوُّع الثقافي، والإثني، والديني والتفاوت الاجتماعي تحقيقاً للقاعدة التي تقول:"ليس لأي إنسان حق أكثر من غيره في التمتُّع بمنافع الأرض".(14) بمعنى أنَّ الإنسان ليس مروهناً لغيره ولكن ينبغي أن يعيش على مبدأ المساواة والتكافل السلمي. وهذا بالضرورة ينطوي على الاعتراف بخصوصية الاختلافات الثقافيَّة بين الجماعات المتباينة والمتساكنة مع بعضها بكل صفاتها المادية، والمعنوية، والعقائديَّة، والمصير المشترك وفي سياق معياري للآمال المشتركة في الحرية والكرامة والسلم والتضامن. أي بمعنى أدق، يجب أن تكون ثقافة السلام والتعايش السلمي بين الشعوب المتباينة بؤرة مستهدفة بالعولمة والحداثة لعكس صورتين متناقضتين: الحرب (الصورة السالبة) والسلام (الصورة الإيجابية). فإذا ما توفَّرت المعايير الكفيلة للتفاعل والتثاقف سلمياً فسيعضد التبادل الفكري والقيمي والتحالفات المجتمعيَّة وصولاً إلى "ثقافة السلام" عبر أدوات الضبط الاجتماعية المحلية بالتمازج بالمصاهرة، مثلاً. هذا النهج سيسلِّط الأضواء على دور العولمة والحداثة اللتين تحدثنا عنهما في تغذية ثقافة الحرب والسلام في السُّودان.
    علاوة على ذلك إنَّ السلام المنشود سيتم بتضافر الجهود وبتفعيل دور المؤسَّسات الدوليَّة والأمم المتحدة لتطبيق مبادىء القانون الدولي دون معايير انتقائية بهدف حماية المغلوبين على أمرهم من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. بالإضافة إلى هذه المنظمة الدوليَّة، يمكن لمنظمات المجتمع المدني المختلفة ونشطاء السلام في الداخل والخارج وفي المحيط الإقليمي لعب دورها الفاعل للدفاع عن الضحايا. ففي نهاية الأمر إنَّ هذه مسؤلية تضامنيَّة جماعيَّة ومساهمة حقيقية واجبة. وهذا ما نعنيه بتغليب ثقافة السلام على الحرب من أجل الحفاظ على تماسك مواطني الوطن الواحد.
    خلاصة القول، رغم تاريخ الحرب الطويل في السُّودان إلا أنَّه من الممكن الوصول إلى تسوية سلمية للنزاع السُّوداني إذا توفرَّت الإرادة السياسيَّة بين الفرقاء لاتخاذ القرارات الصحيحة لانقاذ البلاد من التمزُّق. للعولمة والحداثة دور هام في مخاطبة قضيتي الحرب والسلام لتأثيرهما الفعَّال على تبادل المعلومات ومن خلال ثورة التجديد الفكري في الوجدان الإنساني بوصفه الكائن الأسمى في الوجود في بعده العقلاني والأخلاقي.


    المراجع والهوامش

    (1) تمردت الكتيبة 105 ببور في جنوب السُّودان حينما طلبت منها الخرطوم المشاركة في العرض العسكري الخاص بأعياد الاستقلال في الخرطوم كغيرها من الوحدات العسكريَّة الأخرى.
    (2) اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السُّودان والحركة الشعبيَّة/الجيش الشعبي لتحرير السُّودان ، نيروبي، كينيا 2005م.
    (3) قامت مواجهات مسلحة بين الجيش السُّوداني والجيش الشعبي في جنوب كردفان في 6 يونيو 2011م عندما حاولت الحكومة نزع سلاح الأخير قبل استيفاء شروط التسريح والدمج المتوقعة في أبريل 2012م.
    (4) اتفاقية شرق السُّودان الموقَّعة بين حكومة السُّودان وجبهة الشرق بأسمرا، إريتريا، في 19 يونيو 2006م.
    (5) هاجمت قوات حركة تحرير السُّودان بقيادة أركو مني مناوي مطار الفاشر ودمرت طائرات حربية على الأرض، وكثير من المنشآت، وقتل عدداً من الشرطة والجيش والمدنيين. وفي العام 2006م اتفقت حكومة الخرطوم على تسوية سلمية (هشة) مع مناوي في أبوجا، نيجيريا.
    (6) في 28 يونيو 2011م وقَّع الدكتور نافع علي نافع والقائد مالك عقار إير اتفاقية إطاريَّة لوقف الحرب في جبال النُّوبة والنيل الأزرق، ولكن قام الرئيس السُّوداني بإلغائها فور عودته من زيارة رسمية إلى جمهورية الصين الشعبيَّة.
    (7) Alier, A, Southern Sudan. Too Many Agreements Dishonored; Ithaca Press: Exeter, 1990.
    (8) الدكتور منصور خالد، النخبة السُّودانيَّة وإدمان الفشل، دار الأمين للنشر والتوزيع، الخرطوم، 1993م.
    (9) الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان، التدخل الأجنبي ومسئوليّة انفصال جنوب السُّودان، 2017، جريدة الراكوبة الإلكترونيَّة. جريدة الراكوبة الإلكترونيَّة.
    (10) في نهاية ديسمبر من العام 2010م أعلن الرئيس عمر البشير عن نهاية شريعة "الدغمسة" إذا انفصل جنوب السُّودان رافضاً أي حديث عن التنوع الثقافي واللغوي، أو الديني أو العرقي السُّودان. وافقت الجماهير المستمعة بالتهليل والتكبير.
    (11) جوزيف آرثر دو قبينو (1816-1882م) أديب وديبلوماسي فرنسي الذي ساعد كثيراً في شرعنة العنصرية بآرائه مثل نظرية العنصريَّة العلميَّة والديموغرافيا العنصريَّة.
    (12) الدكتور أبكر آدم إسماعيل، جدلية المركز والهامش، قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السُّودان، الطبعة الثانية، منظمة حقوق الإنسان والتنمية، 2015م.
    (13) الأستاذ علي خليفة عسكوري، خزان الحماداب، نموذج الإسلام السياسي للإفقار ونهب الموارد، مطابع أم بي جي العالميَّة، لندن، 2014م.
    (14) قاعدة الفلسفة الأخلاقيَّة (Le’thique’) تنطوي علي الحرية، والمساواة والعدالة للفرد والجماعة.





    أبرز عناوين سودانيز اون لاين صباح اليوم الموافق 05 مارس 2017

    اخبار و بيانات
  • وزير الاستثمار يطلع على الترتيبات الخاصة بانعقاد الملتقى الاقتصادي السوداني الإيطالي
  • وزارة الثقافة ولاية كسلا توضح حقيقة بيع مسرح تاجوج
  • القوات المسلحة تتسلم (125) فرداً من الأسرى الذين كانت تحتجزهم الحركة الشعبية قطاع الشمال
  • لجنة تفتيش مصنع رأس الخيمة ترفع تقريرها إلى وزارة العدل خلال أيام
  • نائب رئيس مجلس الوزراء القطري يصل السودان
  • مبارك الفاضل يقترح إنشاء برنامج دستوري وقانوني يوفر العدالة والحريات
  • حسبو يدعو الى حشد الجهود الوطنية وتسهيل الجهود الدولية لتعزيز الوضع الإنساني في جنوب السودان
  • أبو القاسم إمام: مبادرة البشير دافعنا للعودة
  • أوبرا وينفري وسيرينا ويليامس قريباً بالخرطوم لتعزيز العلاقات السودانية – الأمريكية
  • مبارك الفاضل يدعو بكري لإيقاف نزيف الفساد وتبديد المال العام
  • ترك رسالة لوالديه وغادر إلى ليبيا طالب في المرحلة الثانوية يلتحق بـ داعش
  • رئيس البرلمان: السودان أكثر الدول تعاوناً في مكافحة الإرهاب
  • نقابة المهن الطبية: الاعتداء على الأطباء يدفعهم للهجرة
  • (641) طالباً أجنبياً يجلسون لامتحان الشهادة الثانوية السودانية


اراء و مقالات

  • التعديلات الدستورية : إرباك حسابات المؤتمر الشعبي بقلم د . الصادق محمد سلمان
  • مبادرة جمع الصف الأتحادى بقلم بروفيسور/ محمد زين العابدين عثمان
  • نظافة الخرطوم - السوريون يدقون ناقوس الخطر – 3 و(الأخيرة) بقلم كنان محمد الحسين
  • يكفى أنهم أضاعوا أعمارهم وأموالهم بقلم عمر الشريف
  • الأمن والامان أو السلطة والحرية بقلم نبيل أديب عبدالله
  • أفريقيا بين الأطماع الفرنسية وتطلعات المستقبل بقلم - فادي قدري أبو بكر
  • أنَا مَا بفسِّر، وإنتَ مَا بِتْقصِّر! بقلم عبد الله الشيخ
  • موسم الزوغان ..!! بقلم الطاهر ساتي
  • حان وقت (CNN) السودان بقلم عثمان ميرغني
  • اغتيال مع سبق الإصرار..! بقلم عبدالباقي الظافر
  • الجمهور (المقدس)!! بقلم صلاح الدين عووضة
  • الماركسية و تشريح العقل الرعوى -6- بقلم محمود محمد ياسين
  • التحدي الذى يواجه الفريق بكري!! بقلم حيدر احمد خيرالله
  • اطلاق أسرى نظام القتل لدى الحركة الشعبية ولا عزاء لأسرانا في سجون الخرطوم بقلم عبدالغني بريش فيوف
  • المعلم العراقي حزين في عيده بقلم/ اسعد عبدالله عبدعلي
  • ما اشبه اليوم بالأمس قصف و قتل الابرياء انموذجا بقلم احمد الخالدي
  • حروبُ الرسائلِ والمبادرات بين السيد الصادق المهدي والدكتور جون قرنق 3- 3 بقلم د. سلمان محمد أحمد س
  • د. النور محمد حمد الفكر ومعايير القيم (8 (ج)-8) تشريح العقل الرعوي بقلم خالد الحاج عبد المحمود
  • مصر أم الفساد و منبعه تتاجر بألاعضاء البشرية للاجئين الجنوبيين بقلم عبير المجمر (سويكت)
  • إنفراج عقاري .. !! بقلم هيثم الفضل

    المنبر العام

  • بحمد الله وفضله وصول فوج الشهداء المبعوثين من الجنة(صور)
  • توزيع معدات وماكينات شاورما على اسر سورية بالخرطوم - صور
  • على قول المذيع المغاربي .... حاذاري ( خديعة شبيهة باكتوبر)
  • يا كيزان المنبر اليوم ذكرى رحيل شيخكم ماعندكم فايده ..
  • إمساك في المنبر!
  • وثيقة رسمية تكشف تورط اللواء حفتر في حماية وتأمين قوات داعش ( صور )
  • القلوب العمياء بقلم سهير عبد الرحيم
  • فيما عدا المصريين تكاد تتفق آراء كل الشعوب على كرم خصال ونبل السودانيين...
  • عوده الى ماضى قريب لنحقق الامال
  • المنبر دا مافيهو اختصاصي أذن نجيض يقطع اللضان دي من حدها واريحني من الزنانة دي
  • ﻧﺰﺍﻉ ﺣﻮﻝ ﺍﺳﻢ ﻗﻨﺎﺓ ﺍﻟﻤﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ .
  • ازمة خبز حادة بكوستي
  • ازمة خبز حادة بكوستي
  • التحية لهذا الشيخ السبعيني الذّي جسّد معنى:(اطلبو العلم من المهد الى اللحد)..
  • أبو القاسم إمام: مبادرة البشير دافعنا للعودة
  • بعض مقالات علاء الأسواني التي ينشرها في موقع دويتشه فيلليه DW
  • لو داير مريضك يموت فطيس وديهو مصر .. استغلال بشع وسرقة اعضاء
  • هل يعني هذا ان الزواج في عهد الإنقاذ اصبح يجوز بدون ولي؟ !!!(توجد صورة لنموذج قسيمة الزواج الجديدة)
  • عمار السجاد ... !!! ؟؟
  • أسلاك
  • صلاح إدريس: يفجرها، من افترى على مصنع الشفاء يعيش بامريكا..؟!
  • قديس الرغبة المثلية للفرنسي غي أوكنغم
  • العرب وإسرائيل.. الأسوأ لم يأت بعد
  • الاخباري ليوم الخامس من شهر مارس
  • مهرجان القاهرة الدولي العاشر لسينما المرأة ٤ - ٩ مارس ٢٠١٧























  •                   

    03-06-2017, 04:21 AM

    بريمة البقاري


    للتواصل معنا

    FaceBook
    تويتر Twitter
    YouTube

    20 عاما من العطاء و الصمود
    مكتبة سودانيزاونلاين
    Re: ديناميات الحرب والسلام في السُّودان : دور (Re: د.قندول إبراهيم قندول)



      منطق الحرب والسلام في السودان .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
      التفاصيل C نشر بتاريخ: 04 آذار/مارس 2017 < الزيارات: 187

      The Logic of War and Peace in Sudan

      Harry Verhoeven هاري فيرهوفن
      ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
      مقدمة: هذه ترجمة لشذرات مما جاء في مقال للدكتور هاري فيرهوفن نشر في عام 2011م بالعدد التاسع والأربعين من "مجلة الدراسات الإفريقية الحديثة J. Modern African Studies" استعرض فيه بعض ما جاء في خمسة كتب هي:

      Komey, G. K. Land, Governance, Conflict and the Nuba of Sudan. 2010.
      Keen, D. The Benefits of Famine: a political economy of famine ….Southwestern Sudan. 2008
      Ryle, J. et al. The Sudan Handbook. 2011.
      Grawert, E. After the Comprehensive Peace Agreement in Sudan. 2010.
      Johnson, H. Waging Peace in Sudan: the inside story…..civil war. 2011.

      حصل الكاتب على درجتي البكالوريوس والماجستير من جامعة قنت ببلجيكا، وعلى درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد، ويعمل الآن – بحسب ما هو مبذول في الشابكة العالمية - بجامعة جورج تاون الأميركية (فرع قطر). وله اهتمام بحثي بالصراعات والسياسات في القارة الإفريقية، وبالاقتصاد السياسي للبيئة والمياه في منطقة القرن الأفريقي والبحيرات العظمى. وسبق له أن عمل مستشارا للبنك الدولي وصندوق التنمية بالأمم المتحدة.
      المترجم
      *********** ************* *************
      مقدمة
      يعرف تاريخ السودان بأنه تاريخ عنف مُتَوَطِّن: فهنالك غزوات القرن التاسع عشر الاستعمارية التي قام بها الجيش التركي – المصري، ثم الجيش الإنجليزي – المصري، وتجارة الرقيق وما خلفته من إرث بغيض من عنصرية ومجاعات ونقص في السكان، والثورة المهدية، واندلاع تمرد الأنانيا في الجنوب عقب الاستقلال، ثم حرب أهلية بين الخرطوم و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"، وحركات التمرد في دارفور وفي شرق السودان، وعدد غير قليل من الصراعات الصغيرة المتفرقة. ولا نبالغ حين نصف ما تعرض له ملايين السودانيين في أطراف البلاد بـ "انعدام الأمن المزمن" في أكبر الأقطار الإفريقية مساحة، حتى أتى يوم 9 يوليو 2011م.
      ونستعرض هنا ما جاء في خمسة كتب عن السودان، تناولت قضية العنف الفاشي بالبلاد من منظورات وزوايا مختلفة، من تأليف أو تحرير صحافي صار أكاديميا (رايل كين Ryle Keen)، وأكاديميين سودانيين (كومي، سيد أحمد، وسارا) وسياسيون ممارسون (جونسون، أوسلو، ليباجو). وفي هذه الكتب يمزج المؤلفون بين تجاربهم الشخصية الخاصة وبين تأملاتهم (النظرية) المجردة عن الديناميكيات الاجتماعية – الثقافية والسياسية – الاقتصادية، وقصصهم المتنوعة عن حياة المجتمعات البدوية والحضرية على حد سوء، في أوقات السلام والحرب. ويتضح عند النظر في مجمل ما سجله هؤلاء الكتاب، نجد أنهم يسهمون إسهاما كبيرا في زيادة وتحسين فهمنا لمنطقين متناقضين للحرب والسلام، ويلقي مزيدا من الضوء على ماضي السودان وحاضره، وربما مستقبله أيضا.
      الدولة الإسلامية: العنف كطريقة للحكم
      سيدرك كل دارس للسودان - بطريق مباشر أو غير مباشر- أن هذا القطر لم ينعم منذ استقلاله بالسلام قط لعام واحد كامل. وسيكون على هذا الدارس أن يفسر أسباب العنف البنيوي / الهيكلي والجسدي الذي غدا، منذ عقود، واحدا من الحقائق اليومية لكثير من المجتمعات المحلية. وتتفق الكتب المذكورة أعلاه على هذا الأمر. غير أنها تختلف عن بعضها في درجة طموحها ومداها التاريخي وما اختارته من وحدات التحليل.
      فبينما ركزت جونسون على المحادثات عالية المستوى التي ساهمت هي في تدبيرها بين حكومة السودان (الإسلامية العسكرية) وحركة تحرير السودان، قدم كين وكومي عرضا تاريخيا للصراعات الرهيبة التي دارت في مناطق جبال النوبة وجنوب دارفور وبحر الغزال على الحدود بين الشمال والجنوب، بين عامي 1983 و2002م. وفي المقابل نجد أن الكتاب الذي حرره قراوت قد جمع بين دفتيه آراءً لكتاب سودانيين وأفارقة آخرين ذوي تخصصات متنوعة تناولوا جميعا تحديات السلام التي تواجه البلاد في عهد ما بعد عام 2005م. أما كتاب رايل كين "دليل السودان The Sudan Handbook " فهو يعرض، ضمن مواضيع أخرى، المنظورات الكلية لعدد من الكتاب للجذور السياسية والتاريخية للحروب السودانية (الداخلية).
      ويجمع كثير من الذين كتبوا عن السودان على طبيعة الدولة السودانية، وديناميكية "المركز – الهامش" التي أفرزتها بحسبانها أُس الصراع المتوطن في ذلك القطر. ويقع تركيز الثروة والسلطة في الخرطوم والمناطق النيلية المحطة بها في يد "أولاد البحر" (تحديدا قبائل الجعليين والشايقية والدناقلة) في قلب المشكلة. وذكر (بروفيسور) جيستن ويليس في مقاله في كتاب "دليل السودان" أن حكومات السودان المتعاقبة كانت حكومات استبدادية، لم يكن أكبر همهما سوى تركيز السلطة في عاصمتها (المركز)، ولم تكن تتعامل مع الأطراف إلا بمزيج من العسف والقمع، بمشاركة القادة "التقليديين" والسلطات المحلية (سبق لنا ترجمة مقال لجيستن ويليس عن "تهجين السلطة في سودان الحكم الثنائي". المترجم). فقد سلك كل حكام السودان (إبراهيم عبود 1958 – 1964، والصادق المهدي 1966 – 1967و 1986 – 1989، وجعفر نميري 1969 – 1985، وحسن الترابي وعمر البشير 1989 – الآن) مسلكا واحدا تجاه المركز والأطراف، حيث اعتمدوا جميعا على منطق استخراجي extractive logic، وتكامل غير متوازن، تستغل فيه عناصر المناطق الطرفية البعيدة (العمالة والنفط والمياه الخ). وتقوم الدولة (كما في معظم الدول الإفريقية الأخرى) بدور حارس البوابة، ومَهَرت في التلاعب بفرص التسامح والقبول المتاحة في بيئة عالمية معقدة. وحاولت الأنظمة السودانية المختلفة بذكاء شديد، وهي التي تعمل كمورد للمواد الخام، أن تدرج مصالحها الخاصة في ديناميكية جيو – سياسية أوسع، وأن تجني من وراء ذلك منافع عديدة من خلال شراكات مع قوى عالمية أشد بأسا منها، شملت الولايات المتحدة والصين والهند ومصر وماليزيا ودول الخليج.
      غير أن الدولة السودانية ليست قوية بما يكفي، وقلما ما أمكنها التحكم في كل العمليات التي تشرع فيها. فقد قامت صفوة طبقة المتعلمين بشكل متكرر بتقديم برامج تنمية وتقدم راديكالية، وصوروا بلادهم وكأنها مقبلة على عصر "توجه حضاري" وسلام دائم. غير أن الإخفاق كان هو دوما مصير مثل تلك المشاريع الطموحة.
      أما أسباب إخفاق السودان في تحقيق ما ظل يهلل له، جيلا بعد جيل، من استغلال لإمكاناته الكامنة فتكمن في تناقضاته الداخلية فيما يتعلق برؤاه المستقبلية، وما على الدولة من تحديدات / قيود أساس fundamental limitations.
      وقدم كين وكومي مثالا شديد التأثير لمثل ذلك الإخفاق الذي حاق بتلك الآمال العراض في تصميم هندسة سياسية واجتماعية هائلة مفروضة مِنْ عَلِ (top - down). فعندما أعلن الرئيس جعفر النميري للعالم أن السودان سيغدو في غد قريب "سلة غذاء العالم"، صاحب ذلك الإعلان حملة ضخمة لاستخدام الآلات الميكانيكة في الزراعة المطرية في وسط السودان. ولكن صاحب ذلك أيضا اضعافا لنفوذ وامكانات disempowerment صغار الزراع. فقد صودرت الحيازات الزراعية الصغيرة لمزارعي كثير من المناطق، خاصة في جبال النوبة، لصالح المقربين من نميري. أما الرعاة من البقارة فقد تم إغلاق ممرات تنقلهم مع حيواناتهم بسبب قرارات بيروقراطية حكومة نميري القاضية بتأميم ملكية الأرض. وأفضى كل ذلك لزعزعة الترتيبات المحلية الدقيقة والمعقدة التي كانت تضمن التعايش (بين الزراع والرعاة)، وضاعفت من تهميش ملايين الناس، بل وأرست القواعد لصراعات دموية مهلكة بين هؤلاء المهمشين أنفسهم، وأدخلت جنوب كردفان وبحر الغزال بين عامي 1983 و2005م في أتون حرب أهلية، وتسببت في إحداث مجاعات عمت تلك المناطق، وفي القيام بمحاولات لارتكاب إبادة جماعية لشعب النوبة. وغدت تلك الأحداث جزءا لا يتجزأ من تلك الحرب الأهلية. وبينما كان جعفر نميري يتفاخر بمولد دولة جديدة بإمكانها إطعام الشرق الأوسط وأفريقيا، عادت (بقوة) المجاعة للسودان.
      يشير هذا المثال إلى أنه لا يجب أن يفهم أن السودان "دولة فاشلة" بالمعنى المعياري المعروف والمستهلك في لغة العلوم السياسية. فليس من مشاكل السودان أنه غير قابل للحكم بطبيعته، أو أن فكرة قيام سلطة مركزية فعالة فيه مستحيلة التنفيذ بسبب الاختلافات الثقافية والعرقية، أو بسبب حدوده المترامية الأطراف، كما هو الحال في دول مثل تشاد والصومال وأفغانستان. ولكن تكمن مشكلة السودان في أن "الدولة السودانية" خذلت عمدا وبكامل وعيها جمهرة كبيرة من سكانها. لقد أظهرت وفرضت النخب الحاكمة (من الاشتراكيين أو العسكريين أو الاسلاميين) باستمرار على السودان صورا محددة للتفوق العنصري والثقافي صممت لتعطي شرعية للاستغلال والقمع الذي ظلت تمارسه على المناطق الطرفية (المهمشة). وما أكثر ما خذلت الدولة السودانية شعبها، ليس لأنها تفتقر إلى القدرة، بل لأن من هم في سدة الحكم يؤمنون – بصدق – بدونية وضعة المجتمعات السودانية الأخرى (يكثر كتاب المقال من مثل هذه التعميمات الكاسحة التي لا تستثني أحدا... للمقارنة انظر مقال بيتر وود وارد المترجم بعنوان "هل السودان قابل للحكم؟". المترجم).
      وفي ذات الوقت، لا يجب علينا المبالغة في تضخيم تأثير الدولة، التي ظلت باستمرار تحاول جاهدة النفاذ للمجتمع لتطبيق مشاريعها "العظيمة". وكما ذكر ويليس وجيمس وسيد أحمد في "دليل السودان"، فتاريخ السودان هو سلسلة طويلة من (محاولات) التنمية الفاشلة، ومشاريع إعادة تشكيل هندسة المجتمع. وتحكم الخرطوم أطراف البلاد (المهمشة) بالإكراه وبالمحاباة والوصاية (patronage). غير أن هذا يعد سببا (ونتيجة أيضا) لضعف الدولة السودانية: فبينما تتمكن كليشيهات الحكام من التحايل والاستفادة من هذا الوضع لمصلحتهم الخاصة، ستفشل آمالهم في تحقيق أجندتهم وتنفيذ التغييرات التي يجاهدون في إنزالها على أرض الواقع بسبب فقدانهم للشرعية وإخفاقهم في خلق تكامل بين مكونات المجتمع المحلي. فلم يكن لنميري (ولا لحكام اليوم من العسكريين الاسلاميين) السند السياسي أو السيطرة المجتمعية أو الفهم العميق للمناطق الطرفية، وكل ذلك من أهم مطلوبات إعادة هندسة السودان بما يتوافق مع أحلامهم في التحديث.
      ***** ***** ***
      عند النظر لمجمل ما ورد في الكتب الخمسة، نجد أنها تساهم في إلقاء الضوء على كثير من الأسباب الهيكلية / البنائية للعنف المتطرف الذي تناسل وذَرّ؟ مع مختلف أنواع الحكم بالسودان عبر العقود، وكانت الحرب بين الخرطوم و"الحركة الشعبية" هي أسفل حضيض بلغته. ومن أهم أسباب المشكلة هي طبيعة الدولة نفسها، وما أفرزته سياساتها من صراعات بين المركز والهامش. غير أن هنالك العديد من العوامل الاجتماعية والسياسية والبيئية والثقافية الأخرى التي ساهمت في إذكاء نار العنف على المستوى المحلي والاقليمي.
      غير أن غالب الكتاب الذين عرضنا لما سجلوه في كتبهم لا يقبلون بالانحدار لدرك التشاؤم، خاصة فيما أتى به كومي (الأكثر تفاؤلا) عند تحليل أوضاع البقارة والنوبة. ويذكر هؤلاء الكتاب اسماء تلك الشخصيات التي تعمدت تعميق عمليات العنف والصراع والتسبب في كوارث بشرية، غير أنهم يذكرون أيضا الوسائل التي يمكن عن طريقها كسر هذه الدائرة الخبيثة من العنف المستمر. ولا شك أن المجتمع الدولي يمكنه أن يؤدي دورا في هذا المسعى، إلا قلة من الكتاب (ربما عدا هـ. جونسون) ليس لديهم كثير ثقة في الشركاء الإقليمين أو المانحين الغربيين، أو من يخطب السودان ودهم الآن من الآسيويين. إلا أنه من الأفضل الآن البدء على المستوى المحلي ثم الإقليمي. ولا شك أن ظروف قسوة البيئة والاعتماد / الترابط الاقتصادي في بعض المناطق (خاصة في جبال النوبة) تخلق كثيرا من الفرص للمجتمعات المحلية للدخول في حوار وخلق فرص لإعادة ما تهدم عديد المرات.
      كانت قراءة تلك الكتب في التاسع من يوليو 2011م (يوم مولد دولتين في شمال السودان وجنوبه) تذكيرا رشيدا بالتحديات الهائلة التي تواجه صفوة وعامة السودانيين على حد سواء في القطرين. لقد قضى السودان الموحد القديم (الذي خذل عمدا شعبه) نحبه. دعونا نأمل في أن تطور الدولتان الجديدتان في السودان منطقا مختلفا للحرب والسلام في المستقبل. (نشر الكاتب في عام 2016م كتابا عن الاقتتال بين "الرفاق" عنوانه:
      "Why Comrades Go to War. Liberation Politics and the Outbreak of Africa's Deadliest Conflict", London/New York: Hurst/Oxford University Press, 2016
      ولا أدري أن كان الكاتب قد تطرق في كتابه هذا لما حدث في دولة جنوب السودان من صراعات دموية بعد انفصالها عن السودان. المترجم).

      [email protected]
                      


    [رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

    تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
    at FaceBook




    احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
    اراء حرة و مقالات
    Latest Posts in English Forum
    Articles and Views
    اخر المواضيع فى المنبر العام
    News and Press Releases
    اخبار و بيانات



    فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
    الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
    لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
    About Us
    Contact Us
    About Sudanese Online
    اخبار و بيانات
    اراء حرة و مقالات
    صور سودانيزاونلاين
    فيديوهات سودانيزاونلاين
    ويكيبيديا سودانيز اون لاين
    منتديات سودانيزاونلاين
    News and Press Releases
    Articles and Views
    SudaneseOnline Images
    Sudanese Online Videos
    Sudanese Online Wikipedia
    Sudanese Online Forums
    If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

    © 2014 SudaneseOnline.com

    Software Version 1.3.0 © 2N-com.de