كتبت مقالاً بعنوان : (القمح وإستبدال الأدنى بالذى هو خير) نشر كاملاً فى جريدة إيلاف الاسبوعية يوم الاربعاء التاسع من مارس 2016 وجريدة الجريدة يوم الخميس العاشر من مارس 2016 وفى جريدة الصيحة يومى التاسع والعاشر من مارس 2016 كما نشر فى الصحف الالكترونية السودانية الراكوبة وحريات وسودانيز أونلاين وسودان ناو.وقد تناولت فى المقال قيام الحكومة بدعم سعر بيع القمح المنتج محليا عن طريق شراء القمح من المنتجين بسعر أربعمائة جنيه، (400)، للجوال سعة (100) كيلوجرام تسليم مخازن البنك الزراعى.وقد اعتمدت الحكومة مبلغ مليار ونصف المليار جنيه سودانى فى موازنة هذا العام 2016 لشراء القمح وسوف يمول أى نقص من بنك السودان المركزى بطباعة النقود.وقد قلت فى المقال ان القمح لا يتفوق على الذرة من ناحية القيمة الغذائية بل العكس الذرة هو الذى يتفوق على القمح. وقد أوردت المقارنة الواردة فى كتاب الدكتور عبداللطيف أحمد محمد عجيمى الوكيل الأسبق لوزارة الزراعة والغابات الاتحادية وهو بعنوان : انتاج وتصنيع القمح فى السودان : رؤية استراتيجية لتعزيز الأمن القومى.وتقول المقارنة ان كل مائة جرام من القمح تحتوى على (12.7%) بروتين و (1.8%) دهون و (71.8%) نشويات و (332) سعرة حرارية.وتحتوى كل مائة جرام من الذرة على (11.6%) بروتين و (4.3%) دهون و(72.8%) نشويات و (353) سعرة حرارية.وأن للذرة ميزات أخرى وهى احتوائه على مواد مقاومة للسرطان وللامراض والشيخوخة.كما قلت فى المقال ان القمح أقل المحاصيل جدوى مالية كما أثبتت دراسات اقتصاديات انتاج المحاصيل (التكاليف والايرادات والمخاطر).وقد اوردت الارقام التى جاءت فى دراسة عن مشروع الزيداب للموسم الزراعى 2006/ 2005 قام بها فريق من الأكاديميين الماليزيين ودراسة أخرى قامت بها وزارة الزراعة والرى الاتحادية فى ديسمبر 2012.وتشير الارقام التى جاءت فى الدراستين إلى أن أرباح زراعة القمح فى الشمالية والجزيرة وغيرها تتضاءل أمام أرباح زراعة الذرة الشامية والفول المصرى والبصل والحمص والفول والفاصوليا والشمار والحلبة والبطاطس والثوم والعدسية والأعلاف.ولذلك ينصرف المزارعون عن انتاج القمح ويتوجهون الى انتاج تلك المحاصيل ويعطون القمح : (فضل الارض وفضل الماء وفضل الجهد وفضل الزمن وفضل المدخلات وغير ذلك.)كما يقول الدكتور عجيمى فى كتابه المشار اليه أعلاه.وقد خلصت فى المقال الى الآتى : أولاً لا توجد مصلحة للمزارع فى شمال السودان او الجزيرة لاستبدال انتاج القمح بانتاج المحاصيل الشتوية الأخرى التى تدر عليه عوائد أكبر. وثانياً إن الأمن الغذائى السودانى يتحقق عن طريق الاستخدام الامثل لموارد السودان الطبيعية والبشرية والمالية لانتاج المحاصيل التى للسودان افضلية نسبية فى انتاجها واستيراد المحاصيل الاخرى التى نستهلكها.والتحكم فى مخاطر انقطاع المحاصيل المستوردة مثل القمح عن طريق الاستيراد من أكثر من مصدر وتخزين كميات كافية.ولا يعنى الأمن الغذائي ان ينتج الشخص كل ما يستهلك فذلك فهم قاصر وفطير. وثالثاً سوف يؤدى شراء القمح بالسعر المشار اليه أعلاه الى قتل اى حوافز تدفع المزارعين الى تخفيض تكاليف الانتاج كما يشجع تهريب القمح من الدول المجاورة وبيعه للحكومة ويستفيد بذلك المهربون وليس المزارع السودانى. ورابعاً يجب أن يحول دعم الاسعار الى الاستثمار الذى يؤدى الى زيادة الانتاج وزيادة انتاجية الفدان وتخفيض تكاليف انتاج كل المحاصيل السودانية وليس القمح وحده والى تحسين جودة كل المحاصيل السودانية وذلك بالاستثمار فى البحث العلمى وتشييد الطرق ومواعين تخزين الماء وتخزين المحاصيل. وخامساً ان اهتمام الحكومة المركزية الزائد بانتاج القمح يرسل رسائل مضللة الى المستهلكين بأن القمح أفضل من الذرة من الناحية الغذائية كما يرسل رسائل سياسية سلبية جداً الى الذين ينتجون المحاصيل ألأخرى. وختمت مقالى بالقول ان السياسات التى يدار بها الاقتصاد السودانى اليوم تحتاج لمراجعة شاملة حتى تستقيم وتقوم على المنطق الاقتصادى السليم وعلى الرشد وعلى العدل حتى لا تهدر الموارد فى أمور لا طائل فيها ويدفع الناس دفعا الى حمل السلاح من أجل العدل ونيل الحقوق. وقد وجد ما جاء فى المقال إستحساناً لدى البروفسير على الخضر كمبال الأستاذ سابقاً بكلية الزراعة بجامعة الخرطوم فأهدانى نسخة من كتابه بعنوان : الذرة فى السودان؛ الانتاج والاستخدامات والتحسين.وهو كتاب قيم و يجب أن يطلع عليه كل شخص مهموم بإدارة الإقتصاد السودانى. بعض الغبش و الإلتباس فى الفهم: ناقش منتدى خريجى كلية الاقتصاد والدراسات الاجتماعية بجامعة الخرطوم مساء السبت 19 مارس 2016 والسبت 26 مارس 2016 ما جاء فى المقال المشار إليه أعلاه وقد إبتدرالنقاش زميلاى فى الدراسة وصديقاى عبدالله المهتدى الوسيلة وحمد النيل أحمد يوسف علقم.وقد لاحظت ان هناك بعض الغبش و الإلتباس فى فهم ما قلت.فقد اعتقد البعض اننى أدعو الى ترك استهلاك القمح والرجوع الى استهلاك الذرة والدخن.وأرجو ان اوضح اننى أعتقد ان ذلك أمر مرغوب وممكن لان الذرة أفيد من القمح من الناحية الغذائية ومن الناحية الصحية ومن السهل تغيير ذوق الناس والتحول الى استهلاك الذرة ولكن ذلك ليس هو الموضوع الاساسى فى مقالى.ان الذى قلته واقوله هنا بوضوح هو انه يجب ان لا نهدر مواردنا الطبيعية والبشرية والمالية فى انتاج القمح الذى نستطيع استيراده من السوق العالمى بأسعار تقل عن نصف تكاليف انتاجه فى السودان وأن نستخدم الارض التى نزرع فيها القمح فى الشمالية والجزيرة لزراعة المحاصيل ذات العائد الكبير للمزارعين ونستطيع فى نفس الوقت تصديرها والحصول على العملات الصعبة مثل الدولار واليورو وهى محاصيل تمتاز بالمحافظة على التربة وتسميدها وخاصة البقوليات مثل الفول المصرى واللوبيا البيضاء واللوبيا العدسية التى عليها طلب عالى جدا هذه الايام. وبذلك نستطيع توجيه الاموال التى تهدر فى دعم سعر القمح الى الاستثمار فى البنيات التحتية من طرق ومواعين تخزين مياه وتخزين محاصيل وفى البحوث الزراعية وفى الارشاد وبذلك نزيد انتاج كل المحاصيل ونرفع انتاجية الفدان فى القطاعين المطرى والمروى.فقد جاء على لسان السيد / صلاح الدين حسن أحمد مدير عام البنك الزراعى فى مادة تسجيلية منشورة فى جريدة السودانى عدد السبت الثانى عشر من مارس 2016 ان المساحة المزروعة قمح هذا الموسم 2015/ 2016 قد وصلت الى (540) ألف فدان.واذا افترضنا انتاج الفدان عدد (12) جوال فى المتوسط سوف يكون الانتاج الكلى (6) مليون و(480) الف جوال قمح يكلف شراؤها من المزارعين بسعر (400)جنيه للجوال ؛ يكلف مليارين و(592) مليون جنيه سودانى (2,592,000,000).ويكفى هذا المبلغ لتعبيد وسفلتة طريق طوله (216) كيلومتر. غياب النظرة الكلية بعيدة المدى: ولكن مثل هذا العمل يحتاج لادارة الاقتصاد بنظرة كلية بعيدة المدى وبعيدا عن النظرة الضيقة وقصيرة المدى التى تقوم على رزق اليوم باليوم وعلى استرضاء سكان العاصمة لانهم الاقرب الى مركز السلطة وبوسعهم التحرك لاسقاط الحكومة ولهذا يعتقد البعض ان الحكومة لا تستطيع أن تدير الاقتصاد بنظرة كلية بعيدة المدى لان ذلك يتطلب التضحية ببعض الاستهلاك فى الوقت الحاضر وتوجيه الموارد الى الاستثمار.ولكننى اعتقد ان النظرة الضيقة قصيرة المدى خاطئة ومهلكة سياسياً للحكومة التى تعمل بها: أولاً اعتقد وكما قلت سابقا فى مقالى بعنوان : (انهم لا يحسنون الظن بالشعب السودانى) ان اغلبية المواطنين السودانين تتمتع بدرجة عالية من الوعى السياسى والحس الوطنى والقدرة على التمييز بين الحق والباطل والاستعداد لتفهم دواعى اتخاذ القرارات الصعبة وتحمل تبعاتها وخاصة عندما تتعلق القرارات بتحقيق مصالح الناس وطموحاتهم وتحقيق العدل بينهم. وثانياً أثبتت تجربة الحياة فى السودان و فى غير السودان إن تفادى أو تأجيل إتخاذ القرارات الرشيدة والمنطقية سوف يؤدى إلى المزيد من التدهور و يوقع الحكومات فى المحاذير التى تخاف منها (غضب الناس). وثالثاً ربما يجهل أو يحاول ان يتجاهل الذين يدافعون عن دعم أسعار شراء او بيع اى منتج مثل القمح او اى محصول آخر ان تكاليف الدعم المالية والاقتصادية عالية جدا وتزيد باستمرار.لان دعم شراء ايه سلعة مثل القمح مثلا يؤدى الى زيادة إستهلاكها نتيجة التحول من استهلاك السلع غير المدعومة ويزيد الاستهلاك باستمرار نتيجة الزيادة الطبيعية فى عدد السكان فالذى يولد فى اسرة تستهلك الرغيف سوف يتعود عليه ويزيد من حجم الاستهلاك وسوف يزيد الإستهلاك مع زيادة دخول المستهلكين وبذلك ترتفع التكلفة المالية للدعم وترتفع بذلك التكلفة الاقتصادية او الفرصية opportunity cost نتيجة التضحية بالتعليم وبالصحة وبالاستثمار فى الطرق ومواعين التخزين وفى البحث العلمى الخ مثلما يحدث عندنا فى السودان. كما ان اغراء المنتجين عن طريق دعم السعر ليقوموا بأنتاج محصول معين مثل القمح سوف يؤدى الى انصراف المنتجين عن انتاج المحاصيل الأخرى والتوجه الى انتاج المحصول المدعوم وفى ذلك تكلفة مالية عالية وتكلفة اقتصادية هى المحاصيل الاخرى التى تمت التضحية بها مثل الفول المصرى والبطاطس واللوبيا البيضاء واللوبيا العدسية والأعلاف والبصل والحمص والشمار والثوم وزهرة الشمس. كما ينطوى دعم سعر شراء القمح على مخاطر سياسية كبيرة لان فشل موسم زراعى واحد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة فى الشتاء او قصر موسم الشتاء سوف يؤدى الى ان يصب المزارعون كل غضبهم على رأس الحكومة. ورابعاً ان الذين يتحدثون عن دعم انتاج القمح لتحقيق الامن الغذائى يتجاهلون حقيقة اساسية هن ان الامن الغذائى يقوم على دعامتين أساسيتين.الأولى هى أن يكون الغذاء متاحاً و بكميات كافية. و الدعامة الثانية ان يكون المستهلك قادرا على شراء الطعام. فاليوم يوجد الرغيف فى المخابز وتوجد الذرة والدخن فى الطواحين ولكن قليل جدا من الاسر لديه القدرة المالية على شراء الكميات الكافية التى يحتاجها وذلك بسبب الغلاء الطاحن الذى أدى الى تآكل الدخول الثابتة وتلاشى قيمتها الشرائية و لذلك يتطلب الأمن الغذائى بجانب توفير الغذاء،يتطلب تمكين الناس من الوصول إليه أو القدرة على شرائه بتوفير فرص العمل و زيادة الدخول و كبح ارتفاع الاسعار بزيادة انتاج كل السلع والخدمات وتوقف الحكومة الكامل عن طباعة العملة لتمويل صرفها.ولكن الحكومة لا توجه الاموال للاستثمار لزيادة الانتاج وخلق فرص العمل ويقوم بنك السودان المركزى بطباعة العملة لتمويل شراء القمح وتأجيج نار الاسعار.ولله فى خلقه شؤون.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة