|
دعكم من تمرد هلال وقرارات وزير المال ، فالقربة المثقوبة لا يجدي نفخها بقلم/ أحمد محمدخير حقاني - ال
|
دعكم من تمرد هلال وقرارات وزير المال ، فالقربة المثقوبة لا يجدي نفخها بقلم/ أحمد محمدخير حقاني - الخرطوم [email protected]
عندما كتبت سلسلة (أفصلوا دارفور) التي إمتدت لأكثر من عشرين مقالاً ، لم أكتبها من منطلق عنصري أو شيفوني معاذ الله ولم أكتبها من باب الإستعلاء العرقي وكلنا عباد الله ، أخوة في الإنسانية بل ربما أخوتنا مع أهل دارفور أعمق بحكم إسلامنا ولم أكتبها وأنا في موقف غضب أو حنق على أهل دارفور رغم أن الكثير من ممارسات بعضهم تدعو للحنق ..لكني كتبت هذه السلسلة من منطلق قناعاتي الشخصية لما قرأته وطالعته من تاريخ دارفور.. قناعة كونتها دراسة متأنية للتاريخ وللحالة النفسية لإنسان دارفور ، تفسر الكثير مما يقع من حوادث الآن في دارفور، يعلم القارئ الكريم كيف أنها أقعدت بالسودان عن اللحاق بركب الأمم المتقدمة. لقد إنفصل جنوب السودان واستقل أهله بدولتهم رغم معارضة بعض النخب الذين تتعارض مصالحهم مع هذا الانفصال ، هؤلاء النخب الذين عارضوا مجرد مطالبة أبناء الجنوب بحكم فيدرالي في الفترة ماقبل إستقلال السودان ومابعده .. كل ذلك لإشفاقهم من ان يتحول الحكم الفيدرالي إلى إنفصال ، أما الجنوبيين الذين طالبوا بالإنفصال فقد كانوا يعدوا في زمرة المتمردين إن لم يكن في زمرة الكفرة الفجرة.. هكذا غرس الإستعمار بأدواته التعليمية والثقافية في أفندية السودان ضرورة التمسك بالوحدة مع جنوب السودان.. وحدة مع قطبين متنافرين ظلا في عراك متصل لعقود طويلة أفرزت ما أفرزت من خسائر فادحة تأثر بها كل بيت سوداني بل كل فرد وفي الوقت ذاته منع الجنوبيين من تقرير مصيرهم بأنفسهم والذي أعترف به بعد حرب ضروس إمتدت لأكثر من خمس عقود أهلك فيها حرث السودان ونسله. دعونا نتخيل لو أن الجنوب انفصل منذ يناير عام 1956م تاريخ إستقلال السودان عن الحكم الإنجليزي المصري.. هل كان الجنوب سيكون بذات فقره وجهل أهله ومرضهم كما يحدث الآن وهم دولة وليدة تتنكب خطواتها الأولى في طريق الدول المستقلة؟ .. هل كان السودان سيكون في معاناة إقتصادية أو أزمات سياسية سببتها مشكلة الجنوب قبل وبعد الإنفصال الذي لم يكمل عامه الثالث بعد؟ . جنوب السودان لم يتم ضمه لدولة السودان بحدودها قبل الإنفصال على أيدي الإنجليز ، إلا ليكون مزرعة خلفية لهم ليمارس فيها القساوسة والمبشرين الكنسيين دورهم التبشيري وجعل الجنوب عبارة عن كنيسة كبرى لهم وذلك بدعم من المنظمات الكنسية الأوروبية وحتى حكومة السودان وقتها لم تكن تصرف مليماً واحدا لهؤلاء المبشرون من خزينة السودان.. جنوب السودان لم يكن الإنجليز يرجون منه نفعاً ومعلوم تاريخياً أن الأوربيين وتمهيداً لغزواتهم الإستعمارية لأفريقيا كانوا قد بعثوا بالمستكشفين وهؤلاء المستكشفون كانوا علماء في مجالات مختلفة ، دخلوا بلاد السودان في شكل رحالة ومغامرين ، منهم أطباء ومنهم زراعيون ومنهم بيطريون ومنهم علماء في الحياة البرية بحيواناتها وطيورها وحشراتها ، لقد درسوا كل شئ عن السودان ودبجوا التقارير الوافية والمفصلة ومخطوطاتهم موجودة الآن في المتاحف ومكتبات الجامعات الأوربية وفي متاحف مصر وجزء منها في دارالوثائق السودانية .. الخلاصة التي خرج بها هؤلاء المستكشفون أن شمال السودان (دولة السودان الحالية) بإنسانه وطبيعته المناخية وتضاريسه هو أنسب أجزاء السودان الكبير لإقامة المشاريع الإستثمارية التي تدر عائدا مجزياً للمستعمر وهو ما يصبون إليه من إستعمار السودان.. جنوب السودان لم يكن مغرياً لهم ولكنهم بالمقابل لا يريدون له أن يكون تابعاً للسلطنة العثمانية التي يودون ورثة تركتها وقتها ومعلوم أن محمد علي باشا إمتدت إمبراطوريته حتى دولة يوغندا الحالية جنوباً وحتى مصوع وسواكن في الشرق .. إذاً الإنجليز يريدون الهيمنة على هذه المواقع كورثة للعثمانيين بعد أن استعمروا مصر بحجة محاربة الثورة العرابية التي إندلعت بسبب تدخلاتهم في الشأن المصري عقب إغراقها في الديون..إنها سياسة إستعمارية طويلة الأمد إمتدت في السودان حتى لحظة إنفصال الجنوب. نفس هذا السيناريو طبق فيما يخص دارفور والجميع يعلم أنها سلطنة منفصلة عن السودان ولها ممالك صغيرة كانت تتبعها مثل مملكة الزغاوة ومملكة التاما وممالك أخرى ، مثلها وسلطنة وداي التي كانت لها ممالك صغيرة تتبعها أيضاً سياسياً ولعل القارئ للتاريخ يعلم مدى التنافس حد الصراع بين سلاطين دارفور وسلاطين وداي المتعاقبين.. كل يطمع في توسعة سلطنته على حساب الآخر حتى أن بعض الممالك الصغيرة كمملكة التاما كانت مغلوبة على أمرها فكل يدعي تبعيتها له مما كان يجبر ملوكها على دفع الجزية مرتين ، الأولى الى سلطان دارفور والثانية الى سلطان وداي وهكذا كان حال دارفور حتى العام 1916م حينما رأت بريطانيا ضرورة ضم دارفور لمديريات السودان الأخرى وذلك حسماً لتمدد الإستعمار الفرنسي شرقا إنطلاقا من تشاد عقب هزيمة رابح فضل الله على يد الفرنسيين وإحتلالهم لتشاد هذا جانب ، الجانب الآخر هو بوادر تمرد السلطان علي دينار وإمتناعه عن دفع الجزية السنوية التي كان يدفعها للسلطات البريطانية في السودان مقابل حكمه لدارفور وذلك لفرضية السلطان بغلبة الألمان في الحرب العالمية الأولى وزوال حكم الإنجليز عن السودان وهو حليف السلطان العثماني الموالي للألمان في الحرب العالمية الأولى وهذا ما أثار تخوف الإنجليز أن تصبح دارفور ثغرة غربية ينفذ عبرها الألمان إلى السودان. الخلاصة ضم دارفور لم يكن لمصلحة أملتها حاجة إنسان السودان أو دارفور السلطنة ، ضم دارفور لم يكن إلا في إطار المصالح الإستعمارية التي لا ناقة لإنسان السودان فيها ولا جمل .. بنفس أسلوبهم في تحبيب وحدة السودان مع الجنوب عمل الإستعمار الإنجليزي في تحبيب هذه الوحدة المصنوعة مع دارفور وكرس لها كل أدواته وخرج أجيالا من السودانيين إمتداداتهم موجودة حتى الآن وهي التي تعارض إنفصال دارفور كما عارضت قبلا إنفصال الجنوب. سمعنا في الأخبار أن موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد ينفي تمرده على الحكومة السودانية ولو أنه أشار إلى خلافات مع المركز داعيا الى إجراء حوار من نقاط محددة يريد الحكومة الإستجابة لها .. لا أود مناقشة هذا الخبر ولكنه يخدم فرضياتي التي سردتها في مقالات سابقة أن مشكلة دارفور مع السودان ليست مشكلة صراع إثنيات (عرب وزرقة كما حاول تصويرها البعض) ، هي مشكلة هوية تختلف بالكامل عن هوية بقية سكان السودان يستوي في ذلك عرب وزنوج دارفور وهذا يؤكد عدم عنصريتنا كما حاول البعض رمينا بهذه الفرية لتغبيش الحقائق وكنوع من التضليل . المحاميد قبيلة عربية تقطن دارفور وصلاتهم تمتد إلى سلطنة وداي ، أي أن وجودهم يتخطى دارفور وكانت لهم مكانة رفيعة لدى سلاطين وداي هذا إضافة لسلاطين دارفور بالطبع وحتى في وقتنا هذا سمعنا وشاهدنا المصاهرة المشهورة بين موسى هلال وإدريس ديبي ممثلة في زواج الأخير من بنت الأول..هذه المصاهرة لم تتأت من مجرد مصالح سياسية أو إقتصادية كون ديبي رئيسا لدولة كما يتوهم البعض ، لا فالعلاقة أعمق من ذلك بكثير إنها روابط وصلات قديمة تربط المحاميد بتشاد ، هذه منطقتهم التاريخية.. لذا أن يتمرد موسى هلال أو يتذمر من المركز في الخرطوم فهذا أمر طبيعي فالرجل وجدانيا لم يرسخ لديه الإنتماء لدولة السودان ، يتساوى في ذلك مع مني مناوي أو عبد الواحد أو خليل إبراهيم .. فهويتهم وهواهم واحد وإن إختلفت الأيدلوجيات والتوجهات السياسية وإن إختلفت أدوات معارضة المركز. حتى وزراء دارفور الموجودن الآن في الحكومة بجيوبهم مع المؤتمر الوطني وبقلوبهم مع أهلهم .. أسوأ فترة إقتصادية يمر بها السودان هذه الأيام ، الوزير فيها من دارفور هو علي محمود التعايشي .. أسوأ فترة يمر بها السودان من حيث قضايا حقوق الإنسان وما تبعها من قرارات دولية مناهضة للسودان وأسوأ إشكالات قانونية مر بها السودان في مجال الإستثمار أو تسجيل الأراضي وغيرها كانت في فترة وزير العدل الحالي محمد بشارة دوسة الزغاوي وكذلك في الصحة ووزيرها بحر أبو قردة المتمرد السابق وهكذا وإن قدمنا حسن النية وقلنا أن هؤلاء الوزراء ليسو ب(طابور خامس) كما وصمهم البعض صراحة ، لو فرضنا بإخلاصهم ، لكنهم فاشلون ليس لأنهم غير اكفاء ولكنهم لا يبذلون من الجهد المطلوب كما يفعل وزراء آخرون مما يساعد في تحسين أوضاع السودان وذلك بسد الثغرات التي يتولون حراستها كما كان يفعل وزير الصناعة الراحل عبدالوهاب محمد عثمان رحمة الله عليه ، فقد أنجز الكثير وأتى بما يشبه المعجزات في ظل أزمات السودان الكثيرة وكذلك فعل د. الجاز في البترول وغيرهم ..هؤلاء هم أهل الوجعة والقابضين على الجمر ، أما أولئك فلا يهمهم وإن كانوا غير متواطئين مع المتمردين من بني جلدتهم.. إنه الإحساس بعدم الإنتماء لوطن وجدوا فيه أنفسهم هكذا بصورة مصنوعة لا تكفي لصنع وجدان متوحد ولا نفسية مندمجة مع مجتمع يشعرون فيه بالغربة .. إنه يعمل كالمغترب الذي لا قضية له ولا يهمه مصلحة البلد الذي يقيم فيه ، مايهمه فقط راتبه وإمتيازاته حتى ولو عمل بأطراف أنامله وهذا ما تدلله المقولة المشهورة لوزير المالية (فلنعد لعواسة الكسرة) ، لا يهمه تقدم البلد وارتفاع المستوى المعيشي لاهلها ، ففي أول إشكالية إقتصادية لجأ للحل الساهل وهذا ما فعله أيضاً بقراره رفع الدعم عن المحروقات والذي جلب للسودان الغلاء الفاحش وجر على أهل السودان العنف من خلال الإحتجاجات التي نشبت على خلفية هذا القرار الأرعن ، هذه الإحتجاجات التي راح ضحيتها شباب يفع بالعشرات ووزير المالية الدارفوري قابع خلف مكتبه الوثير (المكندش) وربما كان متبسماً لحظة سماعه بمقتل هؤلاء الشباب نتيجة قراره البئيس هذا. أفصلوا دارفور اليوم قبل الغد حتى لا نحتاج لعقود دموية أخرى تقنعنا بضرورة فصلها كما إقتنعنا قبلا بضرورة انفصال الجنوب.. فالقربة المثقوبة لا يجدي معها النفخ مهما طال أمده.
|
|
|
|
|
|